«الغلاء» يضع بصمته على موائد المصريين في رمضان

أعدّ الأربعينيّ المصري عماد الشربيني خطته للإفطار في أول يوم من شهر رمضان، حيث قرر اصطحاب أسرته من القاهرة حيث يقطن ويعمل، والسفر إلى مسقط رأسه بمحافظة دمياط الساحلية، وذلك حتى لا تفوته الوليمة العائلية المعتادة التي تعدّها والدته له ولأشقائه وشقيقاته في أول يوم من رمضان.
ويقول الشربيني الذي يعمل موظفاً في إحدى المؤسسات الإعلامية المصرية، لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكنني أن أترك وليمة (البط) في أول رمضان، فهي من الطقوس القديمة للأسر في محافظتنا دمياط، والتي تحرص الأسر على تناولها في أول أيام الشهر الكريم، بجوار أصناف المحاشي أو الأرز، حتى إن البعض يكادون يعدونه طقساً مقدساً في رمضان، وهناك مَن يطلق عليه (يوم البط العظيم)».
ويشير الشربيني إلى أنه رغم ارتفاع أسعار البط والدواجن هذا العام بشكل كبير فإن والدته أصرّت على حضوره للإفطار، وأن تقيم الوليمة الرمضانية المعتادة، مع بعض الاقتصاد في حجم وعدد البط المُقدم على مائدة الإفطار، والاستغناء عن أصناف أخرى تجاورها، بعد أن ارتفع سعره بشكل مبالغ فيه خلال الأسابيع الأخيرة، فوصل سعر «بطة رمضان» مع اقتراب شهر رمضان إلى 600 جنيه مصري في بعض المناطق (الدولار الأميركي يساوي 30.9 جنيه مصري في المتوسط).
ويستقبل المصريون شهر رمضان هذا العام في ظل أعباء اقتصادية، ووسط حالة من غلاء الأسعار طالت غالبية السلع، تزامن معه جهود حكومية متواصلة لمواجهة الأزمة عبر مجموعة من الإجراءات، منها تشديد الرقابة على الأسواق، وضخ كميات من السلع الغذائية عبر منافذ ومعارض السلع الرسمية التي توسعت فيها الحكومة ضمن جهود الدولة لدعم المواطنين استعداداً لاستقبال شهر رمضان.
واعتاد المصريون تناول وجبات بعينها في أول أيام الشهر الفضيل، في ظل تجمعات وعزومات (ولائم) الأهل والأقارب التي يحرصون عليها، كطقس رمضاني متعارف عليه، إلا أن الغلاء وضع بصمته على موائد المصريين في رمضان، مع ظهور دعوات لعدم المغالاة في الولائم العائلية خصوصاً مع ارتفاع سعر اللحوم والدواجن.
قبل أيام طالب نقيب عام الفلاحين في مصر، حسين أبو صدام، المواطنين بالتخفيف من العادات والتقاليد الخاصة بالعزومات وغيرها، نظرا لارتفاع الأسعار، موضحاً أن الحكومة تستورد 40 في المائة من استهلاك مصر من اللحوم الحمراء.
واستبقت الحكومة المصرية حلول شهر رمضان باستيراد لحوم مستوردة من تشاد، مع طرحها بأسعار أقل من اللحوم البلدية. والشهر الماضي قامت الحكومة بضخ كميات من الدجاج البرازيلي المجمد، لسد الفجوة بين العرض والطلب.
عاملة النظافة الخمسينية شوقية عبد الحميد، التي تقطن حي إمبابة الشعبي بمحافظة الجيزة، لفتت إلى أنها حرصت على دعوة ابنتها وزوجها وطفليهما إلى مائدة أول يوم رمضان، وهو الأمر الذي اعتادت عليه منذ 8 سنوات، وتقول: «رغم ضيق اليد وحالة الغلاء هذا العام، فإن التجمع واللمّة العائلية أول يوم رمضان أمر يُشعرنا بالدفء»، وتتابع: «اكتفيت بشراء كيلو ونصف فقط من اللحم لهذه المناسبة من أحد منافذ الحكومية في إمبابة، واستغنيت عن شراء الدواجن، كما لم أشترِ أي أصناف من الحلوى أو الياميش».
وتدعو الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، إلى زيادة الوعي لدى الأسر المصرية بشأن عدم المغالاة في إعداد الولائم أو ما تُعرف بـ«عزومات رمضان»، مشيرةً إلى أن هناك «حاجة لإعادة ثقافة الترشيد واستهلاك الطعام».
وتشير خضر في حديثها إلى «الشرق الأوسط»، إلى أن «الغلاء وضع بصمته على موائد المصريين في رمضان هذا العام»، قائلة: «ما لمسته هذا العام هو أن اجتماع الأسر والعائلات مستمر، لكن مع اختلاف طريقة إعداد الولائم، حيث تقوم كل أسرة بإعداد طبق أو صنف ما ويجتمع الأقارب حول مائدة الإفطار معاً، أو ما يُعرف بإقامة (ديش بارتي)، كنوع من التكامل العائلي، وتوفير النفقات».
وانتقدت أستاذة علم الاجتماع بعض من يغالون في أصناف الطعام في رمضان وتجهيز ما يفوق مقدرتهم المادية، مشيرةً إلى أن ما يقوم به البعض من إسراف وبذخ لا يتناسب مع دخلهم، مما يكلفهم فوق طاقاتهم، لافتةً إلى أن وسائل الإعلام والدراما وكذلك برامج الطهي روّجت لهذه المغالاة والبذخ.
تعود عاملة النظافة للحديث عن «عزومة» أول يوم رمضان، قائلة: «رغم قلة الأصناف، أعتقد أن ابنتي وزوجها سوف يقدّران الأمر»، قبل أن تختتم مستشهدةً بالمثل المصري الشهير: «لقمة هنيّة تكفّي مِيّه».