شهادات ناجين من قبضة «داعش»

مدخل الباغوز المحررة من «داعش» (الشرق الأوسط)
مدخل الباغوز المحررة من «داعش» (الشرق الأوسط)
TT

شهادات ناجين من قبضة «داعش»

مدخل الباغوز المحررة من «داعش» (الشرق الأوسط)
مدخل الباغوز المحررة من «داعش» (الشرق الأوسط)

يروي شعبان، وهو رجل في منتصف عقده الخامس ويتحدر من بلدة الباغوز بشرق سوريا، قصة إعدام «داعش» لأخيه وكيف سيبقى يتذكر «حقبة التنظيم السوداء» طوال حياته، مشيراً إلى أنه قُتل بتهمة دعم عشيرة الشعيطات التي واجهت تمدد التنظيم المتشدد بالريف الشرقي لمدينة دير الزور. يقول شعبان في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بعد قتل أخي رمياً بالرصاص وتعليق جثته في الحديقة العامة لبلدة الشعفة، المجاورة للباغوز، بقيت جثته معلقة ثلاثة أيام، وكلما أذهب لجلبها ودفنها كان عناصر التنظيم يهددوني بشنقي ووضعي بجانبه».
شاهد هذا الرجل كغيره من أبناء المنطقة عمليات القتل الجماعية والفردية والإعدامات التي كان ينفذها عناصر التنظيم بوحشية، وكانت أول حادثة شهدها في نهاية 2014 حيث حضر عن طريق الصدفة، عملية إعدام شاب في ساحة البوكمال الرئيسية وكيف فصل «داعش» رأسه عن جسده بالسيف لتحذير الأهالي من مغبة مناهضة حكم التنظيم على المنطقة.
أما الشيخ عبد الهادي الذي يبلغ من العمر 70 سنة، فيروي كيف قتل عناصر التنظيم أصغر أبنائه أمام عينيه دون أن يكون في مقدوره منعهم أو إنقاذه. يتذكر تاريخ الحادثة وتفاصيلها كما لو وقعت قبل لحظات، قائلاً: «بتاريخ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 جاءت مجموعة من الرجال وطلبوا مفاتيح المسجد من ابني عبد الودود الذي كان عمره آنذاك 10 سنوات فقط، فرفض ولدي إعطاءهم المفاتيح بحجة أنه لا يحوزها». طالب هؤلاء بقدوم إمام المسجد، وبالفعل ذهب إليهم، فهجم عليه المسلحون، فما كان من الولد إلا أن تدخل بشجاعة محاولا منعهم من الاقتراب من والده.
أجهش عبد الهادي بالبكاء وهو يتحدث، قائلاً إنه منذ تاريخ تلك الحادثة فقد نبرة صوته حزناً على مقتل ابنه. وتابع: «صرخ ابني في وجه المسلحين وقال بصوت عالٍ: كيف تعتدون على أبي وهو إمام المسجد وكبيركم، فأطلق أحدهم الرصاص عليه وأرداه قتيلاً أمام عيني».
توقف الشيخ عن الكلام ليتابع بكاءه ألماً على فراق ابنه الذي كان يحلم أن يكون يوماً ما «إماماً لمسجد البلدة ويحل مكاني».
بعكس نجل عبد الهادي، كان الحظ حليف حمود (33 سنة) الذي انشق عن صفوف القوات النظامية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد وعاد لمسقط رأسه في الباغوز منتصف 2014. فقد أُخبر بأن التنظيم سمح له بالبقاء بعد خضوعه لدورة شرعية مدتها 20 يوماً. بقي تحت رقابة صارمة وكان يتم استدعاؤه كلما قصفت القوات النظامية المناطق الخاضعة للتنظيم. وفي أحد الأيام، بداية عام 2018 تعرضت المنطقة لقصف من الطيران الروسي والطيران الحكومي، فداهمت دورية لـ«داعش» منزل حمود الذي كان في الخارج. ألقى عناصر التنظيم القبض على ابن عمه وأخذوه إلى السجن حيث قُتل تحت التعذيب، كما عرفت عائلته.
قال حمود الذي نجا بحياته بشبه أعجوبة: «عن طريق أحد المعارف الذي كان مسؤولاً بجهاز الأمن العام، دخلت المستشفى للبحث عن جثة ابن عمي المقتول لأجد أكثر من 80 جثة ملقاة بالممرات وفي العنابر جراء قصف الطيران الروسي والسوري». وأضاف أنه بعد هذه الحادثة، هرب إلى المناطق الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، ولم يعد إلى مسقط رأسه في الباغوز سوى في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أي بعد أشهر من طرد «داعش» منها. ختم حمود حديثه قائلاً: «حتى اليوم ما زلنا لا نعلم أين دُفنت جثة ابن عمي... هناك أكثر من 20 شخصاً من معارفنا لا نعلم أين دفنهم التنظيم».

الباغوز لنفض «غبار الحرب» بعد 4 سنوات على هزيمة «داعش»

 5 مقابر جماعية في الباغوز

 فتية «سلاحهم» الحجارة والعصى للدفاع عن قسم «النساء المهاجرات» في الهول

مديرة مخيم الهول لـ «الشرق الأوسط» : تفكيكه يحتاج إلى سنوات... وهو الأخطر في العالم

 «لا شواهد» لقبور اللاجئين العراقيين



المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم