في موسكو، يقود الرئيس الصيني شي جينبينغ الآن هجوماً دبلوماسياً مضاداً متصاعداً مع واشنطن، بعد تفاقم التوتر بين الجانبين بسبب قضية منطاد «التجسس» الصيني، الذي أسقطته القوات الجوية الأميركية في فبراير (شباط).
جاء شي بجرأة إلى موسكو لدعم «صديقه القديم» فلاديمير بوتين، المحظور من المحكمة الجنائية الدولية، في مواجهة خصمهما المشترك، الولايات المتحدة، زعيمة الديمقراطيات الغربية، التي يُعتقد (الديمقراطيات) أنها في «حالة تراجع»، وفق تقرير نشرته أمس صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.
اعتبر التقرير أن شي يلعب على الموازنة، ويسعى إلى دعم الكرملين، بينما يلاطف الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري والمستثمر الأساسي لدعم نمو الصين الذي انخفض، وفي محاولة لعزل اللاعب الأميركي. كما أن الوقوف مع موسكو، خصوصاً في ما يتعلق بشحن الأسلحة، من شأنه أن يطلق مجموعة من العقوبات الغربية المحفوفة بالأخطار بالنسبة لـ«مصنع العالم» (الصين) الذي لا يزال يعتمد على التكنولوجيا الغربية (وهو بالتالي ما ستتجنبه الصين).
* واشنطن... «العدو اللدود»
بعد إعادة انتخابه لولاية ثالثة، ندد الرئيس الصيني بـ«تطويق واحتواء» بلاده، من قبل الولايات المتحدة. ويظهر هذا الخطاب قلق الاستراتيجيين الحمر، في مواجهة «القمع» الأميركي، الذي يتميز بالعقوبات التكنولوجية، وبشبكة كبيرة من التحالفات العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وفق التقرير.
بعد أن تغلبت عليه التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة في الداخل، يتخذ شي زمام المبادرة دولياً لصد شبح العزلة الذي يطارد «زونغنانهي»، المقر الغامض للزعيم (شي)، «بطل الشيوعية الاستبدادية المعادية للغرب»، حسب التقرير.
ويشير شي إلى العدو اللدود - واشنطن - بينما كان يغازل الأوروبيين، في محاولة لتقسيم المعسكر المعارض، وتخفيف الضغط على «سور الصين العظيم». يقول تشين داويين، عالم السياسة المستقل: «هذه هي الاستراتيجية الحزبية المعتادة التي يقودها ماوتسي تونغ (مؤسس دولة الصين الشعبية): تجنب الخصم الأكثر خطورة، وهاجم نقاط ضعفه. يعتقد شي أن الغرب ليس صفيحة فولاذية خالية من العيوب، وسيركز على أوروبا (لإحداث خرق)».
* الصراع الأوكراني يقلق بكين
إن التصعيد في أوكرانيا يثير قلق بكين بالفعل، لكن لأسباب مختلفة عن تلك الموجودة في باريس أو بروكسل أو برلين. فالصراع يغذي عدم الاستقرار العالمي، ويثقل على «مصنع العالم»، وفوق كل شيء يهدد أسس جارتها الأوراسية (روسيا)، دعامة الصين الأساسية في المواجهة مع واشنطن.
قال تشاو تونغ، الباحث في مركز «كارنيغي تسينغهوا» في بكين: «إن أكبر مخاوف الصين في أوكرانيا هو هزيمة بوتين». إذا كان هذا السيناريو يبدو غير مرجح في هذه المرحلة، فإن غرق «القيصر» في المستنقع الأوكراني يدفع النظام الشيوعي إلى ترنيم أغنية الحوار (الدفع نحو الحوار). وهي طريقة لتهدئة حماسة الكرملين، مع تقديم تعهدات لـ«أوروبا القديمة»، بتكلفة زهيدة.
بالنسبة لبكين، يوفر الصراع الأوكراني بالتأكيد تحويلاً مرحباً به (للمجهود العسكري الغربي الذي كان منصباً نحو الصين)، من خلال توجيه الجهد العسكري الغربي، بعيداً عن مضيق تايوان، ويزيد (الصراع) التبعية الروسية للصين، لكن بشرط منع انهيار روسي افتراضي. باقتراحها «خطة سلام» معقدة لأوكرانيا، في الذكرى الأولى للصراع، قدمت الصين عرضاً لم يتخلَّ عن موسكو أو يدين الغزو. ويستبعد التقرير أن تحظى المناورة الصينية باهتمام حقيقي من المستشاريات الغربية، لكنها تساعد في تموضع بالنسبة للمفاوضات المستقبلية.
* خطاب مضاد
أشار التقرير إلى أن هذا الهجوم (الصيني المضاد) يهدف أيضاً إلى إغواء الدول الناشئة في الجنوب، وهي أولوية بكين، من خلال منح تلك الدول بديلاً عن النموذج الغربي، بالعزف على الوتر المناهض للولايات المتحدة.
رداً على خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن عن «الديمقراطيات والديكتاتوريات» (الذي قال فيه في الذكرى السنوية لحرب أوكرانيا إن الديمقراطيات أصبحت أقوى، والديكتاتوريات باتت أضعف)، كشف الرئيس الصيني «المبادرة العالمية للحضارة» في 15 مارس (آذار)، شجب فيها «أولئك الذين يحاولون فرض قيمهم أو نموذجهم»، في انتقاد لأميركا بالكاد مستتر. خطاب حسب التقرير، تأمل فيه بكين «تطويق» الخصم (الأميركي)، مثلما فعل ماو (الزعيم المؤسس للصين الشعبية) في مواجهة خصمه تشانغ كاي تشيك (في الحرب الأهلية).