إرهاب المستوطنات

11 ألف اعتداء نفذها مستوطنون ضد الفلسطينيين خلال 11 عامًا

إرهاب المستوطنات
TT

إرهاب المستوطنات

إرهاب المستوطنات

من اعتقد أن العملية الإرهابية البشعة التي نفذها إرهابيون يهود فجر الجمعة الماضي في قرية دوما الفلسطينية، حين أشعل المجرمون النيران في بيت سعد دوابشة بهدف إحراقه وزوجته وطفليه، هي عملية يتيمة فهو مخطئ؛ فالعملية تعد واحدة من 15 عملية إرهابية جرت بالطريقة عينها منذ عام 2008، وكان يمكن للبداية أن تكون أبشع وأقسى، كما يقول الصحافي الإسرائيلي آفي سخاروف.
يروي الكاتب الإسرائيلي ما جرى في ذلك اليوم من شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2008، فيقول: «وجدت نفسي في وضع مماثل لوضع سعد دوابشة وزوجته. مجموعة من المستوطنين المتطرفين أقدموا، يومها، على حرق عائلة فلسطينية بأكملها. وقع الحادث على هامش إخلاء (بيت الخلاف) في الخليل. كنت أقوم بمسح لمشهد الجريمة مراسلا لصحيفة (هآرتس)، وقد لاحظت نارًا صاعدة من أحد المنازل الفلسطينية في واد يقع بين (كريات أربع) والخليل.

اتجهت أنا والمصورة التي ترافقني إلى المكان. من بعيد، لاحظنا اللهيب يخرج من المنزل، وسمعنا صراخا، ودهشنا لرؤية العشرات من المستوطنين (أكثر من مائة) المتجمعين حول المنزل، يلقون الحجارة على كل من يحاول الخروج منه.
لقد كانت هذه محاولة لارتكاب مذبحة، لا أقل من ذلك. توجهت إلى أحد الجنود القريبين من المكان، فأوضح لي أنه وزملاءه مسؤولون عن قطاع بأكمله، ولا يمكنهم الوصول إلى المنزل. اقتربنا أكثر من منزل العائلة، ورأينا المشهد التالي المرعب: يهود يحاولون قتل أسرة بأكملها حرقا. محاولة لمذبحة. في مرحلة ما، ركضنا إلى جانب مصورين آخرين إلى المنزل تحت وابل من الحجارة. في الداخل كانت الصورة صعبة. نساء في حالة هستيريا، رجال خائفون، جميعهم يشعرون أن أجلهم قريب. أتذكر جيدا الرعب على وجه إحدى النساء، التي راحت تصرخ بشكل متكرر: (الله أكبر)، وتتوسل لإنقاذها. حاولت الخروج والصراخ لإيقاف مرتكبي المذبحة، لكنهم راحوا يرجمون الصحافيين الإسرائيليين بالحجارة أيضا. وطوال هذا الوقت، كانت النيران لا تزال تشتعل وتتصاعد من المبنى إلى أعلى. بينما العرض مستمر حولها. تقدم الكشافة اليهودية للإرهابيين اليهود النصائح حول كيفية إيذاء الأسرة على نحو أكثر فعالية، وعدم القيام بأي فعل من شأنه وقف المذبحة. فقط بعد نحو عشرين دقيقة، نجحت قوات الشرطة في الانضمام إلينا وإنقاذنا جميعا من الموت. وغني عن القول، أنه لم يجر اعتقال أحد من المتورطين في هذا العمل، أو محاكمته. أولئك لم يكونوا قلة. كان هناك أكثر من مائة مستوطن اكتفوا بمراقبة كل شيء عن قرب، بدلا من محاولة التدخل لمساعدة الأسرة (الفلسطينية). وانتهى ذلك الحادث بمعجزة (على الرغم من قيام بعض كتاب التعقيبات بالتعبير عن حزنهم لعدم إحراقي وقتها مع العائلة الفلسطينية)».
هذه العمليات لم تحظ بما تستحق من اهتمام، في حينه. لذلك رأينا المذبحة تعود وتتكرر. لكن من يتابع نشاط المستوطنين في الضفة الغربية عن كثب، لا يفاجأ مطلقا بالاعتداءات ولا ببشاعتها. فقد تفنن هؤلاء المستوطنون في عمليات الاعتداء. ووفقا لإحصاءات مؤسسات حقوق الإنسان، بلغت الاعتداءات من هذا النوع، نحو 11 ألف اعتداء، وقعت جميعها منذ سنة 2004. وحسب معطيات منظمة «يش دين»، وهي منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان وتطبيق القانون، فقد جرى منذ عام 2008، توثيق 15 عملية إضرام للنيران أو محاولة لإضرامها في بيوت الفلسطينيين في الضفة الغربية وهم نيام. في 12 حالة منها، جرى تقديم شكاوى إلى الشرطة، انتهت عشر منها بغلق الملفات من دون تقديم لوائح اتهام، بينما يتواصل التحقيق في ملفين آخرين.
في قرية بورين مثلا، تم توثيق ثلاث حالات جرى خلالها إضرام النيران في بيوت، وفي يونيو (حزيران) 2014، جرى حرق بيت في قرية خربة أبو فلاح، حيث ألقيت قنبلة مولوتوف على البيت وسكانه لا يزالون في داخله. وفي ديسمبر، تم إضرام النار في بيت بقرية الديرات، أيضا بوجود سكانه فيه.
وبالإضافة إلى الاعتداءات على الأراضي الفلسطينية ونهبها وإقامة بيوت استيطانية عليها، توجد بين المستوطنين مجموعات متطرفة تتحكم فيها عقلية البلطجة والعنف؛ يحرقون المزروعات، ويعتدون على المواطنين في الطرقات، ويقتحمون بلدات فلسطينية ويقذفون الحجارة على زجاج النوافذ، ويدخلون بأعداد كبيرة إلى البلدات ويغلقونها في وجه أصحابها وسكانها، ويطلقون الرصاص فوق الرؤوس، ويخربون ممتلكات، ويعتدون على المساجد والكنائس والأديرة والمقابر. وفي مثل هذه الأيام من السنة الماضية، خطفت مجموعة مستوطنين الفتى المقدسي القاصر، محمد أبو خضير، وقام أفرادها بسكب الوقود السائل على جسده وحرقه حيا حتى الموت.
لقد اختار المستوطنون تنفيذ هذه الاعتداءات بدوافع مختلفة؛ أهمها ما يسمى «الردع»، ويقصد به تنفيذ عمليات اعتداء بهدف التخويف ونشر الرعب. على سبيل المثال، يلجأ اليهود المتطرفون هؤلاء، إلى عمليات استيطان في قلب الأحياء العربية في القدس الشرقية المحتلة. وهم يعرفون أن الفلسطينيين لا يطيقون تصرفاتهم ولا يرغبون في جيرتهم. ولكي يمنعوا الفلسطينيين من ترجمة غضبهم إلى فعل، يبادرون بالاعتداء على الفلسطينيين.

التسامح السلطوي
غير أن الأخطر في موضوع الاعتداءات التي يقوم بها مستوطنون، هو تسامح السلطات الإسرائيلية مع المستوطنين. ويتضح من معطيات نشرتها منظمة «يش دين»، التي تتابع ملفات الاعتداء على الفلسطينيين في الشرطة، أن أكثر من 90 في المائة من بين ملفات الاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة الغربية، تنتهي دون تقديم لائحة اتهام.
ويتناول التقرير 205 ملفات تحقيق في السنوات الأخيرة، أنهت الشرطة والنيابة متابعة 163 ملفا منها، تم في 13 ملفا منها (أي ما نسبته 8 في المائة) تقديم لوائح اتهام، في حين تبين أن أحد الملفات قد فقد، ولم يستكمل التحقيق فيه. أما الملفات الـ149 الباقية فقد أغلقت من دون تقديم لوائح اتهام. وكانت المنظمة المذكورة قد تابعت معالجة الملفات التي تتصل بثلاثة مجالات مركزية؛ الاعتداء، والمس بالممتلكات، وتجاوز الحدود. وتبين أنه في 81 مخالفة اعتداء نفذت ضد فلسطينيين، أنهت الشرطة معالجة 62 منها فقط، وتم غلق 53 ملفا منها من دون تقديم لوائح اتهام.
كما تبين أنه في السنوات الأخيرة، فتح 79 ملفا جنائيا حول تجاوز الحدود، بينها حالات اشتكى فيها الفلسطينيون من قيام المستوطنين بقطع الأشجار وحرقها، والاستيلاء على الأراضي، وتدمير محاصيل، بالإضافة إلى مخالفات أخرى. ومع ذلك، وعلى الرغم من الشكاوى الكثيرة، فقد قررت الشرطة الإسرائيلية التوصية بتقديم لوائح اتهام في 5 ملفات فقط. وتبين أيضا، أن نسبة تقديم لوائح الاتهام في الملفات المشار إليها كانت منخفضة في مخالفات المس بالأملاك، حيث تبين أنه في 22 ملفا جنائيا تتصل بالسرقة والحرق وتدمير معدات زراعية وإيقاع أضرار بأملاك فلسطينيين، لم يتم تقديم لوائح اتهام في أي ملف منها. وفي أعقاب هذه المعطيات، طلبت منظمة «يش دين»، تفسيرا من الشرطة، للنسبة المتدنية للملفات التي جرى فيها تقديم لوائح اتهام، وادعت الشرطة أنه في 91 ملفا منها لم يكن الجاني معروفا، وفي 43 ملفا منها، كان هناك نقص في الأدلة. كما ادعت أنه في 9 منها لم يتكن هناك تهمة جنائية في المخالفة، في حين أغلقت 5 ملفات من دون أي سبب واضح.

لهذا التسامح يوجد ثمن
يقول الصحافي عاموس هرئيل، الذي يتابع نشاط المستوطنين، إن «تراكم أحداث الأسبوع الماضي - المواجهة العنيفة حول هدم المباني في بيت إيل، ولائحة الاتهام ضد (شبيبة التلال) الذين أشعلوا النار في كنيسة الطابغة، والتوتر في الحرم القدسي أثناء (صلاة التاسع من آب)، ومقتل ثلاثة فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي خلال أسبوع، و(يوم الغضب) الذي أعلنته حماس احتجاجا – يشكل وصفة لاحتمال اندلاع مواجهات أوسع». ويتابع: «التسامح طويل الأمد الذي أبدته الدولة ضد عنف اليمين الراديكالي، الذي بدا واضحا مرة أخرى هذا الأسبوع في بيت إيل (لم يبق أي من المعتدين على رجال الشرطة في السجن)، هو الذي يسمح في نهاية هذه المسألة، بجرائم الكراهية القاتلة كتلك التي وقعت في قرية دوما. هناك ثمن لليد الخفيفة. النضال السياسي، حتى عندما يدار ضد تطبيق قرار محكمة، هو جزء من الحوار المشروع، ولكن عندما توافق القيادة المنتخبة للمستوطنات، بصمت، على أعمال الشغب، ويتنافس الوزراء خلال الأسبوع الحالي في الهجوم على المحكمة العليا ووزير الأمن، يصعب التعامل مع القتل في دوما وكأنه رعد في يوم صاف، حتى وإن كانت الغالبية الساحقة من المستوطنين تعارض أعمال مجموعة إرهابية صغيرة».
يقول الروائي ديفيد غروسمان، إن «الشعور السائد هو أن القيادة الإسرائيلية لا تزال، الآن أيضا، لا تفهم - أو ترفض الاعتراف أمام نفسها بهذه الحقيقة التي لا تطيقها – أن العناصر الإرهابية اليهودية القائمة فيها، أعلنت الحرب عليها، وأنها غير قادرة، أو خائفة، أو مترددة بشأن الحاجة إلى تفسير هذا الإعلان بعبارات لا لبس فيها. في كل يوم تنطلق هنا قوى وحشية متزمتة.. مظلمة ومحكمة الغلق في تعصبها. إنهم يؤججون أنفسهم بنار الإيمان الديني والقومي، ويتجاهلون تماما قيود الواقع وقيود الأخلاق ومبادئ المنطق البسيط. وكلما أصبح الوضع العام أشد خطورة وتفككا، فإنهم يزدهرون. لا يمكن المساومة مع هؤلاء الناس. يتحتم على حكومة إسرائيل محاربتهم تماما كما تحارب الإرهاب الفلسطيني. هل يمكن للفظاعة الكامنة في حرق الرضيع، أن تجعل قادة اليمين يستردون رشدهم ويفهمون، أخيرا، ما يصرخ به الواقع في آذانهم منذ سنوات.. وهو أن استمرار الاحتلال والامتناع عن الحوار مع الفلسطينيين يمكنه أن يقرب نهاية إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، كدولة ديمقراطية، كمكان يتماثل الشباب معه ويرغبون في العيش فيه وتربية أولادهم أيضا؟ هل يفهم نتنياهو فعلا، حتى العمق، أنه خلال هذه السنوات التي استثمر فيها كل قواه لعرقلة الاتفاق مع إيران، نشأ هنا واقع خطير لا يقل عن التهديد الإيراني، وأنه يتصرف حياله، كرجل لا يعرف ماذا يفعل؟ يصعب تصور كيف يمكن التخلص من هذه الفقاعة وإعادة الأمور إلى وضع منطقي. الواقع الذي ولده نتنياهو ورفاقه (وأيضا غالبية من سبقوه في ديوان رئيس الحكومة)، وترددهم أمام النشاط الاستيطاني وتضامنهم العميق معه، هذا الواقع احتجزهم هم أنفسهم في داخله في النهاية، وجعلهم مشلولين وعاجزين».

أبرز الاعتداءات الإرهابية اليهودية ضد الفلسطينيين (1980 ـ 2015)

فيما يلي أبرز الاعتداءات اليهودية الإرهابية ضد الفلسطينيين، والتي نبتت بين صفوف المستوطنين:
> جاءت البداية مع ظهور العصابات السرية اليهودية، بين عامي 1980 و1984، وكان من أبرز نشاطاتها، محاولة اغتيال رؤساء ثلاث بلديات فلسطينية وإصابتهم جميعا، وقتلت ثلاثة جامعيين في الكلية الإسلامية في الخليل.
> ظهور تنظيم سري يحمل اسم «تي إن تي» (وهي اختصار عبري لعبارة «إرهاب ضد إرهاب»)، عمل بين 1983 و1984، وأدين أعضاؤه بسلسلة عمليات إرهابية، مثل زرع عبوات ناسفة في مؤسسات دينية عربية بمنطقة القدس.
> في 1984، جاءت «عصابة لفتا»، التي ضمت نشطاء متطرفين أقاموا في قرية لفتا المهجرة في القدس، وتسللوا إلى الحرم القدسي حاملين عبوات ناسفة بهدف تفجير المساجد، وقد تم ضبطهم قبل تنفيذ الجريمة.
> في 22 أبريل (نيسان) 1985، نفذ كل من داني أيزنمان وغيل فوكس وميخال هليل في القدس الشرقية، عملية إرهابية، حيث أوقفوا سيارة أجرة فلسطينية وقتلوا سائقها. وقد حكم عليهم بالسجن المؤبد، غير أنه جرى إطلاق سراحهم بعد 5 - 11 عاما.
> في 20 مايو (أيار) 1990، نفذ المجرم عامي بوبر جريمة إرهابية مهولة؛ إذ داهم مجموعة من العمال الفلسطينيين كانوا ينتظرون عند محطة للحافلات في ريشون لتسيون، بعد انتهاء عملهم، لكي يستقلوا إحدى حافلاتها عائدين إلى بيوتهم. قتل بوبر 7 عمال فلسطينيين وأصاب 11 آخرين بجراح. وقد فرض على القاتل السجن المؤبد لسبع مرات، ثم جرى تخفيف عقوبته وتقليصها لمدة 40 سنة.
> في نوفمبر (تشرين الثاني) 1992، وخلال الذكرى السنوية الثانية لمقتل زعيم حركة «كاخ» مائير كهانا، ظهرت «دورية الانتقام» التي قام أربعة من أفرادها بإلقاء قنبلة في الحي الإسلامي في القدس، أسفر انفجارها عن مقتل فلسطيني وإصابة عدد كبير من الجرحى.
> في 25 فبراير (شباط) 1994، نفذ السفاح باروخ غولدشتاين، مجزرة الحرم الإبراهيمي، فقتل 29 مصليا مسلما وأصاب 129، قبل أن يسيطر المصلون عليه ويقتلونه.
> وفي عام 2002، ظهرت مجموعة الإرهابيين من مستوطنة «بات عاين»، التي أدين أفرادها بقيامهم بمحاولات لتنفيذ عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين، وقد تمت تبرئتهم من قتل ثمانية فلسطينيين.
> في 4 أغسطس (آب) 2005، صعد الإرهابي عيدن نتان زادة، الجندي الفار من الخدمة، إلى حافلة ركاب متجهة من تل أبيب إلى مدينة شفاعمرو العربية داخل إسرائيل، وقتل أربعة من ركابها وأصاب آخرين، قبل أن تتمكن الحشود التي وصلت إلى المكان من القبض عليه وقتله.
> في 17 أغسطس 2005، اختطف المستوطن أشير فيسغان، سلاح أحد الحراس وفتح النار على الفلسطينيين الذين كان يقلهم في سيارته، فقتل أربعة وأصاب آخر.
> في 21 يوليو (تموز) 2014، اختطف يوسف حاييم بن ديفيد، وقاصرون يهود، الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير من شعفاط، وحرقوه حيا في غابة القدس، انتقاما لقتل ثلاثة فتية يهود، كما ادعوا في المحكمة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».