الصين وأفريقيا الوسطى... «تردٍّ أمني» لا يثني بكين عن «حضورها القوي»

إجراءات لحماية الرعايا والشركات بعد مقتل 9 صينيين في هجوم

منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين 2018 (الرئاسة المصرية)
منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين 2018 (الرئاسة المصرية)
TT

الصين وأفريقيا الوسطى... «تردٍّ أمني» لا يثني بكين عن «حضورها القوي»

منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين 2018 (الرئاسة المصرية)
منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين 2018 (الرئاسة المصرية)

اكتفت بكين بإعلان تشديد الإجراءات الأمنية وتحذيرات لرعاياها وشراكاتها النشطة في جمهورية أفريقيا الوسطى، بعد مقتل 9 صينيين في هجوم مُتكرر يستهدف العاملين الأجانب هناك.
وتعاني جمهورية أفريقيا الوسطى عنفاً وانعداماً للأمن، منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2013؛ لكن هذا «التردي الأمني» في بانغي لم يثنِ بكين عن استمرار «حضورها القوي» المرتبط بمشروعات تعدين هناك.
وفي إدانتها لمقتل 9 صينيين، في هجوم على موقع منجم ذهب تابع لشركة «غولد كوست غروب» بمنطقة بمباري وسط البلاد، اعتبرت وزارة الخارجية الصينية، الاثنين، أن مستوى المخاطر الأمنية في جمهورية أفريقيا الوسطى، باستثناء العاصمة: «أحمر أو مرتفع للغاية».
وبينما رفضت الحديث عن تقليص وجودها هناك، قالت الوزارة إنها «ستعمل مع الحكومات، وتوجه السفارات والقنصليات الصينية، لاتخاذ مزيد من الإجراءات الفعالة لتوفير الحماية الكاملة للمواطنين الصينيين والشركات الصينية في أفريقيا».
وحثت سفارة الصين لدى أفريقيا الوسطى مواطنيها على تجنب السفر خارج العاصمة بانغي، مشيرة إلى كثير من «الحوادث الأمنية الشريرة» ضد عمال شركات التعدين الأجنبية في المنطقة، وطُلب من المواطنين الصينيين الذين ما زالوا خارج بانغي الإخلاء على الفور.
وقبيل توجهه إلى روسيا، دعا الرئيس الصيني شي جينبينغ، إلى «معاقبة شديدة» للجناة، حسب بيان وزارة الخارجية الصينية.
وبينما لم تعلن أي جهة على الفور مسؤوليتها عن الحادث. نقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن السلطات المحلية، أنها تلاحق المهاجمين، إلا أنها رفضت تقديم مزيد من التفاصيل.
وجاء الهجوم الأخير بعد أيام قليلة من قيام مسلحين باختطاف 3 مواطنين صينيين غربي البلاد قرب الحدود مع الكاميرون، ما دفع الرئيس فوستان أرشانج تواديرا للسفر إلى الصين، في محاولة لطمأنة المستثمرين.
وتعد الصين أكبر شريك تجاري رئيسي لقارة أفريقيا، ومستثمراً بارزاً في مشروعات البنية التحتية والتعدين. ووفق بيانات «الهيئة الوطنية العامة للجمارك» فإن التجارة بين الصين وأفريقيا وصلت إلى 254.3 مليار دولار في 2021، بزيادة 35.3 في المائة على أساس سنوي.
ويرى الدكتور عبد الرحمن أحمد محمد، الخبير الإثيوبي في الشؤون الأفريقية، أن الحضور الصيني المكثف في القارة الأفريقية: «بات يشكل عبئاً على بعض الدول؛ خصوصاً التي تشهد نزاعات قبلية، في مناطق التعدين واستخراج البترول التي تعمل بها الشركات الصينية؛ حيث تعرض كثير من الشركات الصينية ومهندسيها لهجمات مسلحة».
لكن هذه المشكلات الأمنية «لن تتسبب بأي شكل في تراجع الصين عن حضورها القوي»، حسب عبد الرحمن محمد الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «بكين مستمرة في مشروعاتها مهما كلفتها من أرواح أو خسائر؛ لأنها مستفيدة على المستوى التجاري، وتشغيل العمالة الصينية، والتي يزداد وجودها يوماً بعد يوم، لذلك لن تؤثر مثل هذه العمليات في المستقبل».
ويعتقد الخبير الإثيوبي أن الصين «قد تتدخل أكثر لحماية مواطنيها والشركات العاملة هناك، عبر إجبار حكومات هذه الدول على إجراءات أمنية معينة، بما يمكنها من زيادة نشاطها الاقتصادي واستثماراتها».
وجمهورية أفريقيا الوسطى هي ثاني أقل دول العالم تطوراً حسب الأمم المتحدة. وشهدت عام 2013 حرباً أهلية، عندما أطاح متمردو «سيليكا» وغالبيتهم من المسلمين، بالرئيس فرنسوا بوزيزي، فشكّل معسكر رئيس الدولة المخلوع ميليشيات «أنتي بالاكا» وغالبيتها من المسيحيين. واتّهمت الأمم المتحدة الجانبين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وعلى الرغم من تراجع نسبة العنف منذ 2018، فإنه بين حين وآخر تشهد البلاد هجمات دامية.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اندلع حريق في مقر وفد الاتحاد الأوروبي، وسط العاصمة بانغي، من دون إصابات.
وكان نائب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة داي بينغ، قد دعا المجتمع الدولي أخيراً إلى تقديم مزيد من الدعم إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، لمساعدة البلاد في تحقيق سلام وأمن دائمين.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

روسيا تعزز حضورها في أفريقيا عبر مشاريع استثمارية

الوفد الروسي وهو يلتقي بالمسؤولين في النيجر (متداولة على الصحافة المحلية)
الوفد الروسي وهو يلتقي بالمسؤولين في النيجر (متداولة على الصحافة المحلية)
TT

روسيا تعزز حضورها في أفريقيا عبر مشاريع استثمارية

الوفد الروسي وهو يلتقي بالمسؤولين في النيجر (متداولة على الصحافة المحلية)
الوفد الروسي وهو يلتقي بالمسؤولين في النيجر (متداولة على الصحافة المحلية)

بالتزامن مع تراجع النفوذ الفرنسي التقليدي في عموم منطقة غرب أفريقيا، تواصل روسيا تعزيز علاقاتها مع دول هذه المنطقة، وبشكل خاص مع دول الساحل الأفريقي؛ حيث أجرى نائب الوزير الأول الروسي ألكسندر نوفاك جولة قادته إلى مالي وبوركينا فاسو، واختتمها بالنيجر.

كان المسؤول الروسي المكلف بملف الطاقة يقود وفداً رفيع المستوى، ضمّ أعضاء في الحكومة وآخرين في الكرملين، بالإضافة إلى ممثلين للقطاع الخاص الروسي، فيما بدا واضحاً أن موسكو تسعى إلى تجاوز مرحلة الشراكة الأمنية والعسكرية مع دول الساحل لتأسيس شراكة اقتصادية أكثر تنوعاً.

وتُواجه دول الساحل الثلاث مشاكل تنموية كبيرة، من أبرزها النقص الحاد في الطاقة الكهربائية، وهي دول حبيسة وتعتمد على مواني دول مجاورة للإيراد والتصدير، ولكنها تمتلك موارد معدنية هائلة ما تزالُ غير مستغلة.

وتمتلك النيجر واحداً من أكبر احتياطات العالم من اليورانيوم، كانت تستغله شركات فرنسية، وتثير هذه الاحتياطات حالياً اهتمام قوى عالمية عديدة من أبرزها روسيا، بعد القطيعة بين النيجر وفرنسا، ومضايقة الحكام العسكريين النيجريين للشركات الفرنسية.

استثمارات روسية

الوفد الروسي بدأ جولته من دولة مالي، ثم بوركينا فاسو، قبل أن يصل الجمعة إلى النيجر؛ حيث بدأ أنشطته بلقاء عمل مع وفد حكومي يرأسه الوزير الأول النيجري محمد الأمين الزين.

واستُقبل الوفد الروسي، صباح السبت، من طرف رئيس المجلس العسكري الحاكم في النيجر، الجنرال عبد الرحمن تياني، وهو اللقاء الذي وصفه نوفاك بأنه «كان مثمراً». وقال في تصريحات صحافية عقب اللقاء: «لقد أجرينا محادثات مثمرة مع الجنرال تياني ورئيس الوزراء وزير الاقتصاد، علي محمد الأمين زين، تناولت التعاون التجاري والاقتصادي والعسكري والتقني العسكري».

وأضاف نائب الوزير الأول الروسي أن الرئيس فلاديمير بوتين «أصدر تعليمات بضرورة تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية، لا سيما أعضاء تحالف دول الساحل»، قبلَ أن يصف النيجر بأنها «حليف على المدى الطويل، أثبت جدارته على الساحة الدولية».

وحسب المصدر نفسه، فإن الوفدين ناقشا «مشاريع ملموسة تشمل الطاقة والنقل والزراعة والتعدين، مع اتفاق على بدء تنفيذها في أسرع وقت ممكن»، دون إعطاء أي تفاصيل إضافية حول طبيعة هذه المشاريع.

أزمة الطاقة

تواجه دول الساحل الثلاث مشاكل كبيرة في توفير التيار الكهربائي؛ حيث يوجد أغلب سكان دول الساحل دون كهرباء، ما يرفع من مستوى الاحتقان الشعبي وغضب الشارع، خاصة في المدن الكبيرة.

في ظلّ هذا الوضع، روّجت الصحافة المحلية أنباء عن نية روسيا تشييد محطات «نووية» في دول الساحل، اعتماداً على يورانيوم النيجر، ولكن خلال زيارة الوفد الروسي الأخيرة إلى بوركينا فاسو، تحدث نوفاك عن «محطات شمسية». وقال نوفاك في تصريح صحافي: «لدينا آفاق كبيرة جداً، من أجل إقامة مشاريع مشتركة تشرف عليها شركات روسية في بوركينا فاسو، على سبيل المثال هنالك فرص واضحة لتشييد وتطوير محطات للطاقة الشمسية، وإقامة محطات كهربائية نموذجية».

تسليح مستمر

وبينما كان الوفد الروسي يتجولُ في دول الساحل، كانت طائرة شحن روسية من طراز «أنتونوف 124»، تحط يوم الخميس الماضي في مطار نيامي، لتسلم قادة الجيش النيجري شحنة جديدة من الأسلحة الروسية.

وقالت وزارة الدفاع النيجرية إن شحنة الأسلحة الروسية جاءت لتؤكد «قوة وموثوقية التعاون بين النيجر وروسيا»، مشيرة في السياق ذاته إلى أنها تدخل في إطار شحنات مستمرة منذ بداية التعاون العسكري والأمني بين البلدين قبل أقل من عام. وأضافت الوزارة أن الأسلحة الروسية «أسهمت بشكل كبير في تعزيز القدرات العملياتية للجيش النيجري».

ومع ذلك، ما يزال الجيش يواجه هجمات إرهابية دامية في مناطق مختلفة من النيجر؛ حيث تتركز هجمات «القاعدة» و«داعش» في غرب البلاد، على الحدود مع مالي وبوركينا فاسو، وتركز جماعة «بوكو حرام» هجماتها في الجنوب والجنوب الشرقي، على الحدود مع نيجيريا وتشاد، هذا بالإضافة إلى المتمردين على حكم المجلس العسكري في الشمال، على الحدود مع ليبيا والجزائر.