هل يستطيع الفقراء الالتحاق بمعاهد الإعلام الفرنسية؟

سُمعتها جيدة لكنها انتقائية ولا تعكس جميع أطياف المجتمع

صورة طلاب الإعلام نشرتها المدرسة العليا للصحافة في «تويتر»
صورة طلاب الإعلام نشرتها المدرسة العليا للصحافة في «تويتر»
TT

هل يستطيع الفقراء الالتحاق بمعاهد الإعلام الفرنسية؟

صورة طلاب الإعلام نشرتها المدرسة العليا للصحافة في «تويتر»
صورة طلاب الإعلام نشرتها المدرسة العليا للصحافة في «تويتر»

نشرت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية أخيراً قائمة بأحسن المعاهد والصروح التعليمية المتخصصة في مجال الإعلام والصحافة، وكالعادة احتلت المدارس الخاصة مراتب الصدارة.
16 معهداً ومدرسة تدخل ضمن هذه القائمة الذهبية: 14 منها تملك تصريحاً خاصاً من الدولة بتدريس تقنيات الصحافة والإعلام وتمنح شهادات ذات اعتراف مهني. و5 منها متمركزة في باريس، والـ9 المتبقية في مدن فرنسية أخرى، كمرسيليا وليل وستراسبورغ وغرونوبل وتولوز ونيس. والمُلاحظ تميز هذه «المدارس» بدرجة كبيرة من الانتقائية، ذلك أن معظمها يشترط للتسجيل التقديم لمسابقات معروفة بصعوبتها، لا تتجاوز معدلات القبول فيها 10 في المائة، ولا سيما داخل معاهد الدراسات السياسية باعتبارها الطريق الأفضل للالتحاق بالمؤسسات الإعلامية الفرنسية الكبرى

«البابان الصغير والكبير» لدخول الصحافة
الباحث الفرنسي المرموق بيار بورديو استعمل مصطلح «الباب الصغير» و«الباب الكبير» لوصف التنظيم الهرمي الذي يميّز المنظومة التعليمية المتخصصة في مجال الصحافة. وفي القمة نجد «المدارس الكبرى» الراقية التي يحظى حمَلتُها بالسّجاد الأحمر ونسب توظيف عالية لدى المؤسسات الإعلامية، ومعظمها في باريس، وفي القاعدة الجامعات والمدارس الصغيرة بتخصصاتها المختلفة في الصحافة وتقنيات الإعلام، وهي أقل إقبالاً وأقل تألقاً، ومعظمها في المدن المتوسطة.
هذه الحقيقة أكّدتها دراسة حديثة للجنة الصحافيين المحترفين، كشفت أن أكثر من ربع الصحافيين الجدد الواصل عددهم إلى 1353 ممّن حصلوا على بطاقاتهم المهنية أول مرة في 2021 هم من خريجي «المدارس الكبرى». وأهمُّها: المدرسة العليا للصحافة «ESJ» التي تضم فرعاً رئيسياً في باريس، ولكن مع فرعين آخرين في مدينة ليل بشمال فرنسا، وفي جنوب فرنسا بمدينة مونبلييه. وهذه المدرسة العليا تُعدّ إحدى أهم مدارس الصحافة الأوروبية وأقدمها. يجري التسجيل فيها للدراسة بعد الخضوع لمسابقة، ثم هناك مدرسة «CFJ» للصحافة، ومعهد الصحافة التابع لمعهد العلوم السياسية الشهير الـ«سيانس بو Sciences Po»، وكلاهما يحظى بسمعة جيدة، ولا يمكن التقدم لأي منهما إلا عن طريق مسابقة وملف بشروط شديدة الانتقائية، ذلك أنه يُنظر إلى النتائج السابقة للمرشحين، ومن ثم لا يتعدى عدد سعيدي الحظ من الفائزين خمسين طالباً سنوياً، أما على صعيد الجامعات، فوحدها جامعة باريس- السوربون تقترح تكويناً (إعداداً) عالياً في الصحافة من خلال مدرسة «السيلزا» المعروفة، ومعهد الـ«أ.ف.ب» التابع لجامعة باريس- أساس، مع الإشارة إلى أن التكوين الذي تقترحه هذه المدارس يشمل جميع مجالات الإعلام؛ من الصحافة المكتوبة، إلى الراديو والتلفزيون، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الرقمية.


صورة لطلاب يتابعون دورة في الإعلام نشرتها المدرسة العليا للصحافة في «تويتر»

الثقافة العامة والمعايير العالية
في حوار مع صحيفة «لوفيغارو»، كشف إيريك شول، مدير تحرير مجلة «لكسبرس»، أن اختيار الصحافيين الجدد «يجري بالنظر إلى مستوى تكوينهم، والمطلوب المعرفة الوافية بالتطورات السياسية والاجتماعية الراهنة»، ثم يشرح: «المدارس الكبرى استوعبت هذه المطالب وتكيّفت معها منذ أكثر من عشرين سنة... ومعظمها على اتصال مستمر بالمؤسسات الإعلامية، ولذا فهي تتأقلم مع احتياجاتنا، وتعرف جيداً نوعية المرشحين الذين نبحث عنهم».
وهنا تضيف ماري أستيل بيش، مديرة تحرير مجلة «ماريان»، فتقول: «يحدث أن نوظف صحافيين خارج إطار المدارس الكبرى ممّن أثبتوا موهبتهم الصحافية عبر دورات وتربّصات داخل المؤسسة، لكن هذا أمر نادر جداً... وإذا كان الاستغناء عن مدارس الصحافة ممكناً منذ ثلاثين سنة مضت، فإنه بات شبه مستحيل، اليوم؛ ذلك أن هذه المنظومات تتمتع بالاستقرار والخبرة... وهي عريقة، وفي الوقت نفسه قريبة من دوائر التحرير، وغالباً ما تستقبل مداخلات شخصيات سياسية وثقافية مهمة».
من جهتها تذكّر إيميلي أوبري، رئيسة التحرير في قناة «إر تي»، بأن الصحافي هو «اختصاصي في الثقافة العامة، لذا فإن شروط الاختيار يجب أن تراعي مستوى الثقافة العامة كالشرط رقم واحد». ثم تواصل لتوضح: «من المهم أن يكون لهؤلاء الشباب قاعدة معرفية قوية في الإنسانيات وفي التاريخ والعلاقات السياسية، غير أننا لا ننظر للتكوين الأكاديمي وحده، إذ إن التجارب خارج المعاهد مهمة أيضاً، كالأسفار والدورات والمنتديات، وحتى النشاطات الإنسانية والترفيهية».
لكن في السياق نفسه فإن المعايير العالية التي تفرضها هذه المدارس على طلابها «لا تبدو دائماً كافية في نظر المؤسسات الإعلامية»، وهذا على الأقل رأي مديرة الأخبار في قناة «إل سي بي» بيرين تارنو، التي تعرب عن أسفها الشديد لما ترى أنه تدنٍّ في مستوى التكوين. وتضيف: «نعم، هناك تراجع صارخ في مستوى الثقافة العامة لدى الصحافيين المبتدئين، وخصوصاً الطلبة من خريجي الجامعات. بعض هؤلاء يرتكب أخطاء لغوية، ومنهم من يعاني نقائص في مجال الإلمام بالتاريخ المعاصر، على أن المستوى أحسن بكثير عند الطلبة المتخرجين في معاهد السيانس بو».

غياب التنوع الاجتماعي
على صعيد ثانٍ، ورغم المجهودات التي تبذلها معاهد الإعلام لتحقيق التنوع الاجتماعي وتمثيل المجتمع الفرنسي بكل أطيافه، فإنها تبدو وكأنها لا تزال مقصّرة. وثمة تقارير كثيرة أشارت إلى تمثيل مفرط للطبقات الاجتماعية العليا مقابل غياب الأقليات العرقية والطبقات البسيطة. من أهم هذه التقارير دراسة معروفة للباحث في علم الاجتماع بيار بورديو، خلصت إلى القول إن «جهود المؤسسات الإعلامية في تحقيق التنوع قد فشلت، وإن التغيير يتطلب إجراءات واسعة تبدأ من معاهد الصحافة قبل قاعات التحرير». وأيضاً هناك تحقيق نشرته مجلة «لي زيكو» بعنوان «هل تستبعد مدارس الصحافة الطلبة البسطاء؟». وقد وجه التحقيق بصراحة أصابع الاتهام إلى مدارس الصحافة والإعلام الكبيرة التي تفرض حواجز على الشباب ذوي الأصول الاجتماعية البسيطة، بدءاً بالرسوم المرتفعة التي تفرضها للتسجيل في المسابقات والتي قد تصل بسهولة إلى 5000 يورو. ومن ثم يشير التحقيق إلى أن نسبة الطلبة من ذوي الأصول البسيطة المسجلين في هذه المدارس لا يتعدى 15 في المائة. ولئن كانت الشهادة ليست شرطاً أساسياً للعمل صحافياً، بعكس التخصصات الأخرى كالطب والهندسة، فإن التخرج في هذه المدارس يبقى الوسيلة المثلى للالتحاق بالمؤسسات الإعلامية الكبيرة، ولا سيما بفضل الدورات داخل المؤسسات الصحافية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مارك إبشتاين، الصحافي السابق ورئيس التحرير في جريدة «لوموند» ومجلة «لكسبرس»، بعد ملاحظته غياب أجيال الهجرة والشباب ذوي الأصول الريفية من قاعات التحرير، قرّر مع مجموعة من زملائه إطلاق دورة تكوين خاص تحت شعار «بريبا لا شانس: من أجل التنوع في وسائل الإعلام». هذا التكوين يُعدّ تجربة فريدة من نوعها في فرنسا، وهو يهدف إلى تحضير الطلبة المتحدرين من أصول اجتماعية بسيطة لدخول مسابقات المدارس الكبرى من خلال 250 ساعة، أي 8 أشهر، يُمضونها في مراجعة المواد المقرَّرة في المسابقات كالفرنسية والإنجليزية والثقافة العامة والتاريخ والسياسة، والمشاركة في ورش تطبيقية، إضافة إلى منح الطلاب مساعدة مالية لدفع رسوم التسجيل في المسابقات.
تكوين «بريبا لا شانس» كان قد كشف، في موقع «لينكد إن»، عن حصيلة إيجابية لمختلف الدفعات، بما أن طالبين من أصل ثلاثة نجح في اجتياز مسابقات مدارس الصحافة الراقية، و85 في المائة منهم يعملون الآن في وسائل الإعلام الكبيرة. والمهم، وفقاً لشهادة مارك إبشتاين، هو «أن تعكس مهنة الصحافي التركيبة الحقيقية للمجتمع الفرنسي، وألا يتخلى هؤلاء الشباب عن دراستهم بسبب المشكلات المالية التي قد تواجههم في طريقهم نحو الوصول إلى عالم الصحافة...».
لكن هنا، ينسب إيريك فالمير، مدير الأخبار في إذاعة «راديو فرنس» غياب التنوع في وسائل الإعلام إلى «نقص الثقة»، إذ يقول: «لا يتقدم بعض الطلبة لإجراء مسابقات التسجيل؛ لأنهم، ببساطة، لا يعتبرون أنفسهم قادرين على الالتحاق بمثل هذه المدارس الراقية... عندما يكون والدك عامل نظافة أو خبازاً... ووالدتك بائعة أو عاملة وتسكن في منطقة ريفية أو ضاحية فقيرة، لا أحد سيشجعك لكي تصبح صحافياً؛ لأن ذلك يبدو بعيد المنال، حتى مجرد الحلم يغدو ممنوعاً...».



ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
TT

ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 3 سنوات على استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تزداد المؤشرات على تراجع المنصة من حيث «التأثير والتفاعل»، بحسب ما يقول مختصون، بالتوازي مع تجدُّد الحديث بشأن سياساتها التحريرية، وعلاقة المنصة بطموحات مالكها السياسية، وتحوُّل المعلنين عنها.

ويرى مختصون أن ما يجري على «إكس» لم يعد مجرد تغييرات تقنية أو تجارية، بل هو «انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية، وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع». ويقولون: «إن وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها».

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

وأشارت بيانات حديثة عدة إلى تراجع التفاعل على منصة «إكس» خلال الأعوام الأخيرة، وجاء من أبرزها تحليل إحصائي نشره موقع «بروكسيدايز (Proxidize)» في أكتوبر الماضي، تحدَّث عن تراجع معدلات التفاعل على المنصة بنحو 48.3 في المائة خلال عام واحد فقط، إذ انخفض معدل التفاعل المتوسط لكل تغريدة من 0.029 في المائة في 2024 إلى 0.015 في المائة في 2025.

كما قلصت العلامات التجارية وتيرة النشر بنحو ثُلث المحتوى تقريباً، مع انخفاض متوسط عدد التغريدات الأسبوعية من 3.31 إلى 2.16 تغريدة للحسابات التجارية. وتشير بيانات أخرى إلى تراجع متوسط زمن الاستخدام اليومي من أكثر من 30 دقيقة إلى نحو 11 دقيقة فقط، بما يعكس تغيراً في سلوك المُستخدمين، لا سيما مع صعود المنصات المُعتمِدة على الفيديو القصير.

تقارير تحدثت عن تراجع معدلات التفاعل على منصة "إكس" (رويترز)

الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، الدكتور فادي عمروش، أكد «فرضية تراجع المتابعات على المنصة النقاشية الأبرز»، ودلَّل على ذلك بالإشارة إلى «تراجع التفاعل على منصة (إكس) مقارنة بسنوات ما قبل 2022»، لافتاً إلى أن بيانات «سيميلر ويب (Similarweb)» تشير إلى هبوط مستخدمي المنصة على الهواتف المحمولة من 388.5 مليون في يونيو (حزيران) 2023 إلى 311.1 مليون في 2025، أي خسارة تتجاوز 75 مليون مستخدم، بما يقارب 20 في المائة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هذا فحسب، إنما وُجدت أيضاً تحليلات تظهر انخفاض متوسط الإعجابات لكل منشور من 37.8 في 2023 إلى نحو 31.4 في 2024، أي تراجع نحو 17 في المائة». وأرجع هذه المؤشرات إلى أسباب، من بينها «ارتباط (إكس) باسم إيلون ماسك بعد استحواذه عليها، وما يرافق ذلك من استقطابات حادة بين مؤيدي ومعارضي آرائه، بالإضافة إلى تغييره الخوارزمية التي تعرض المنشورات عدة مرات بحجة محاربة البوتات، والتي رغم ادعائه أنها شفافة، فإن هذا الادعاء غير مُدعم بأدلة كافية بعد، خصوصاً أن ليس كل المستخدمين متساوين في فرص الوصول والتفاعل». وأشار إلى بُعد آخر قائلاً: «في منصات الأخبار السريعة، مغادرة عدد من الصحافيين والأكاديميين والخبراء قلّلت من الحوار النوعي وأضعفت حركة إعادة النشر».

وعدّ عمروش أن سياسة ماسك الربحية وتفضيله «الحسابات الموثقة المدفوعة»، مثَّلا اتجاهاً أفرغ المنصة من ركيزتها الأساسية بوصفها ساحةً للنقاش التفاعلي القائم على الأفكار، مضيفاً «إجراءات الحد من الوصول المجاني للواجهة البرمجية (API) أضعفت تجربة المتابعة والبحث، وهذا ينعكس عادة في تراجع التفاعل غير المدفوع».

ومع ذلك، لا يلقي عمروش باللوم على سياسات ماسك وحدها، إذ يعيد جانباً من تراجع التفاعل أيضاً إلى «تحوّل عادات المُستخدمين نحو الفيديو والمنصات المُعتمِدة على المقاطع القصيرة، فالسوق كلها تتجه إلى الفيديو القصير. وهذا يقلل الوقت الذهني المتاح لمنصات النصِّ السريع، خصوصاً لدى الشباب، إذ إن استخدام المراهقين لـ(إكس) أقل بكثير مما كان عليه سابقاً».

طموحات ماسك

بعيداً عن القرارات التحريرية داخل المنصة، تَزَامَنَ هذا التراجع في التفاعل مع صعود ماسك لاعباً سياسياً ثقيل الوزن في الولايات المتحدة. وتشير تحليلات صحافية من بينها «واشنطن بوست»، استناداً إلى بيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، إلى أن «ماسك قدَّم خلال دورة انتخابات 2024 تبرعات سياسية تجاوزت ربع مليار دولار لدعم دونالد ترمب ومرشحين جمهوريين آخرين، ليصبح بذلك أكبر متبرع فردي في تلك الدورة الانتخابية، وفق هذه البيانات».

وفي يوليو (تموز) 2025 أعلن ماسك عبر «إكس» تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «America Party»، في خطوة رأت فيها تقارير لوكالات كبرى مثل «رويترز» و«أسوشييتد برس» انتقالاً من دور الممول للتيار اليميني إلى «فاعل» يسعى إلى بناء مشروع سياسي مستقل يستند إلى نفوذه على المنصة.

أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، الدكتور الأخضر شادلي، يرى أن منصة «إكس» شهدت أكبر تحول في تاريخها بعد استحواذ ماسك عليها؛ بسبب «خلفيته المثيرة للجدل وطموحاته السياسية المتنامية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أظهر ماسك مواقف سياسية متزايدة علنية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير، والقيود الحكومية، والانتخابات الأميركية، ودعمه لبعض التيارات، وانتقاده للإعلام التقليدي والمؤسسات الديمقراطية، وهذه الخلفية السياسية أصبحت مهمة لفهم قراراته بعد السيطرة على (إكس)».

وأضاف شادلي: «قبل استحواذ ماسك، كانت سياسات (تويتر سابقاً) مستقرَّة نسبياً، وترتكز على مكافحة خطاب الكراهية والتحريض، والحد من (المعلومات المضللة)، وكانت هناك آليات تَحقُّق صارمة للحسابات ولجان مستقلة لمراجعة المحتوى، كما ركزت الإدارة السابقة على الحفاظ على بيئة رقمية آمنة». لكنه أشار إلى أن «وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها»، إذ «تَزَامَنَ تبنيه لخطاب حرية التعبير مع تحالفاته السياسية، وظهر انحيازٌ لصالح خطاب اليمين الشعبوي، ما أضعف المعايير المهنية وفتح المجال لحملات التضليل. وأصبحت المنصة بمثابة مساحة نفوذ سياسي عالمي في يد ماسك، وليست مجرد شركة تواصل اجتماعي».

عزوف المعلنين

وأشار الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة «سي إن إن» العربية، الحسيني موسى، إلى أن تراجع التفاعل على منصة «إكس» انعكس مباشرةً على سياسات المعلنين وعزوف بعضهم نحو منصات أخرى.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأرقام تشير إلى تراجع واضح في ثقة المعلنين بـ(إكس)». وتحدَّث عن تقرير لشركة الأبحاث العالمية «Kantar»، نُشر في سبتمبر (أيلول) 2024، ذكر أن 4 في المائة فقط من المعلنين يعدّون أن «إكس» توفر بيئة «آمنة للعلامة التجارية» مقابل 39 في المائة لصالح «غوغل» و32 في المائة لـ«يوتيوب». كما يُظهر التقرير نفسه أن «26 في المائة من المُسوِّقين يخططون لخفض إنفاقهم على إعلانات (إكس) خلال 2025، في أكبر تراجع مسجَّل لأي منصة إعلانية كبرى».

وأضاف موسى أن «مجموعة من الشركات الكبرى أعلنت رسمياً وقف إعلاناتها على (إكس)، من بينها: (أبل)، و(ديزني)، و(آي بي إم)، و(باراماونت)، و(وورنر براذرز). وجاءت قرارات الإيقاف؛ نتيجة مخاوف من ظهور محتوى مثير للجدل أو معادٍ للسامية بجوار إعلاناتها، بالإضافة إلى ضبابية سياسات المحتوى تحت إدارة إيلون ماسك».

«ما يجري على إكس انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع»

وشرح قائلاً: «الميزانيات غادرت (إكس) إلى منصات أكثر استقراراً من حيث سلامة العلامة وفعالية التوزيع؛ مثل منصة (يوتيوب) التي تعدّ اليوم الأكثر جذباً للمعلنين البارزين، و(تيك توك) التي تُعدّ المنصة الأعلى تأثيراً على المستهلكين الشباب، كما أن (أمازون) تستحوذ على ثقة كبيرة لدى العلامات التي تعتمد على التجارة المباشرة، وأخيراً (ميتا)، بمنصتيها (فيسبوك) و(إنستغرام)، ما زالت تحتفظ بجاذبية لدى قطاعات واسعة من المعلنين».

ويرى موسى أن «هناك فرصة لا تزال قائمة أمام (إكس) لاستعادة جزء من المستخدمين والمعلنين»، قائلاً: «العودة ممكنة، لكن المطلوب أولاً إعادة بناء ثقة العلامات التجارية عبر تحسين معايير (الأمان) وضمان استقرار سياسات المحتوى، والشفافية في عرض الإعلانات».

بالعودة إلى الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الدكتور فادي عمروش، فإنه يرى أن أهم الخطوات التي تحتاج إليها «إكس» الآن لاستعادة ثقة المستخدمين هي تحقيق توازن حقيقي بين حرية التعبير وضبط المحتوى الضار. وقال إن هذه المعادلة ممكنة إذا جرى «توسيع نظام (ملاحظات المجتمع) مع شفافية أكبر، فلا تكفي مجرد إضافة الملاحظة، بل يجب نشر بيانات دورية تتضمَّن، مثلاً: كم محتوى تم تقييده؟ كم ملاحظة أُضيفت؟ وما أثرها على الانتشار؟ أعتقد أن الشفافية تقلل اتهامات التحيُّز، وتدعم حرية التعبير ضمن قواعد واضحة».

وفي ضوء كل ذلك، يقول محللون مختصون بالإعلام: «إن مستقبل (إكس) سيتحدَّد على الأرجح في المساحة الواقعة بين طموحات ماسك السياسية وحسابات السوق وصبر المُستخدمين والمعلنين على منصة تحاول أن تعرّف نفسها من جديد في عالم يتغير بسرعة».


اتجاه أوروبا لتخفيف القيود الرقمية يُثير تساؤلات بشأن حماية الخصوصية

المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
TT

اتجاه أوروبا لتخفيف القيود الرقمية يُثير تساؤلات بشأن حماية الخصوصية

المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)

أثار اتجاه المفوضية الأوروبية لتخفيف «القيود الرقمية»، تساؤلات بشأن تأثير ذلك على حماية بيانات المستخدمين. وبينما عدّ خبراء هذا الاتجاه «محاولة لزيادة تنافسية السوق»، أكدوا أنه «تحوّل خطير قد يهدد الخصوصية».

وفي ظل ضغوط من شركات التكنولوجيا الكبرى، أعلنت المفوضية الأوروبية، أخيراً، أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»، الذي من شأنه تبسيط بعض لوائح الاتحاد الأوروبي الرقمية. وجاء الإعلان بعد دعوة المستشار الألماني فريدريش ميرتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال قمة «السيادة الرقمية الأوروبية» الأسبوع الماضي، إلى «تخفيف صرامة اللوائح الرقمية الأوروبية».

وفي رأي مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، فإن «تبسيط القواعد وخفض الأعباء الإدارية وتقديم قواعد أكثر مرونةً وتناسباً، سيمنح الشركات الأوروبية مساحة أكبر للابتكار والنمو، ويسد فجوة الابتكار».

وعدّت الباحثة الجزائرية في علوم الإعلام والاتصال، ليلى دومة، ما أعلنته المفوضية الأوروبية «نقطة تحوّل مهمة في الاستراتيجية الرقمية للاتحاد الأوروبي». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تخفيف بعض الالتزامات المفروضة على شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يرسل رسالة واضحة مفادها إعطاء الأولوية لتعزيز التنافسية والابتكار على حساب التشدد في حماية البيانات الذي يميز النموذج الأوروبي منذ سنوات».

وبشأن تأثير ذلك على «الخصوصية»، أشارت ليلى دومة إلى أن «التأثير لن يكون فورياً، لكنه مقلق على المدى المتوسط والبعيد». وقالت إن «الإعفاءات المؤقتة وتأجيل الالتزام الكامل بالقواعد الصارمة يعني ببساطة وجود مناطق أقل رقابة ومفتوحة، حيث يمكن للشركات جمع أو معالجة بيانات شخصية بطريقة أقل تقييداً، مما قد يؤدي تدريجياً إلى إضعاف أحد أهم إنجازات أوروبا خلال العقد الماضي، وهو تمكين المواطن من السيطرة على بياناته».

وأضافت أن «أي تفكيك تدريجي لقواعد (اللائحة العامة لحماية البيانات)، سيقلل من قوتها وتأثيرها، ويخلق ثغرات قد تستغلها الشركات الكبرى بسهولة»، مشيرةً إلى أن «أوروبا تحاول تحقيق توازن صعب بين تسريع الابتكار وحماية الحقوق الرقمية».

وتُلزم «اللائحة العامة لحماية البيانات» مشغلي المتاجر الإلكترونية، أو المنصات الرقمية، بالحصول على موافقة المستخدمين قبل معالجة بياناتهم الشخصية، مما يؤدي إلى ظهور إشعارات الموافقة على ملفات الارتباط، لكنَّ المقترح الجديد من شأنه أن يؤدي إلى ظهور إشعارات الموافقة على ملفات الارتباط بشكل أقل.

الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، محمد فتحي، قال إن «الاتحاد الأوروبي يشهد تحولاً استراتيجياً عبر مقترح الحزمة الرقمية الشاملة (Digital Omnibus)، الذي تبرره المفوضية الأوروبية بالرغبة في تبسيط القوانين ودعم الشركات الأوروبية للمنافسة عالمياً».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «المقترح قد يمثل تفكيكاً لمسألة الحماية وتراجعاً عن معايير الخصوصية الصارمة، وذلك لعدة مخاطر؛ أهمها استغلال البيانات للذكاء الاصطناعي حيث يسمح التعديل للشركات باستخدام البيانات الشخصية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي استناداً إلى مبدأ (المصلحة المشروعة) بدلاً من (الموافقة الصريحة) مما يخدم شركات التكنولوجيا الكبرى ويُضعف سيطرة المستخدم».

وأشار إلى «إضعاف الخصوصية الإلكترونية عبر دمج قواعد الخصوصية، مما يُسهِّل الوصول إلى بيانات أجهزة المستخدمين تحت غطاء تقليل إشعارات الكوكيز دون إذن واضح». وقال إن «المقترح يعكس تغيراً في الأولويات من حماية (المواطن الرقمي) إلى التركيز على التنافسية الاقتصادية، حيث يهدد إقرار هذا القانون بالتضحية بخصوصية المستخدمين كضريبة لدعم الابتكار التجاري».

وتسببت محاولات تنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي في أزمة متصاعدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وفرضت المفوّضية الأوروبية غرامة مقدارها 500 مليون يورو على شركة «أبل» على خلفية «بنود تعسّفية في متجر التطبيقات الخاص بها، على حساب مقدّمي التطبيقات وعملائهم». كما غرمت «ميتا» مبلغ 200 مليون يورور. وهي غرامات عدّها البيت الأبيض في وقت سابق «ابتزازاً اقتصادياً».


الشارقة تكشف عن حزمة مشروعات إعلامية كبرى تعزّز تنافسية القطاع

مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
TT

الشارقة تكشف عن حزمة مشروعات إعلامية كبرى تعزّز تنافسية القطاع

مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)

أُعلن في مدينة الشارقة إطلاق حزمة مشروعات إعلامية كبرى في «مدينة الشارقة للإعلام (شمس)»، التي وُصفت بأنها أكبر تجمع إعلامي حكومي موحّد في الإمارات والمنطقة، وتُشكِّل نقلةً نوعيةً في تطوير البنية التحتية للقطاع الإعلامي، وترسيخ نموذج متقدم لتكامل الجهات الحكومية العاملة تحت مظلة مجلس الشارقة للإعلام.

وتأتي هذه المشروعات التي أطلقها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ضمن مساعي تعزيز القطاع في الإمارة الخليجية.

وأكد الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة رئيس مجلس «الشارقة للإعلام» أن اعتماد حزمة مشروعات «شمس» يجسِّد رؤية الإمارة في بناء قطاع إعلامي متقدم يقوم على الابتكار والشراكات الدولية والتقنيات المعاصرة، مشيراً إلى أن إطلاق «استوديوهات شمس» سيعزز قدرة الشارقة على استقطاب أبرز شركات الإنتاج وصنّاع المحتوى، كما سيوفر منصة احترافية للكفاءات الوطنية لتطوير مهاراتها وتوسيع حضورها في صناعة الإعلام.

وشدَّد على أن الاستثمار في الإعلام هو استثمار في الإنسان والهوية، موضحاً أن الشارقة ماضية بثقة نحو تعزيز حضورها الثقافي والمعرفي عالمياً عبر إعلام مهني مسؤول، وشراكات استراتيجية، ومنظومة متطورة تدعم استدامة النمو في هذا القطاع الحيوي.

وسيضم المشروع أكبر تجمع إعلامي حكومي موحّد في الدولة والمنطقة، حيث يجمع تحت سقف واحد الجهات الإعلامية التابعة لحكومة الشارقة، وهي مجلس الشارقة للإعلام، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، وهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، إلى جانب مدينة الشارقة للإعلام (شمس)، التي ستكون المقر الجديد لهذا التجمع.

«استوديوهات شمس» في الشارقة (الشرق الأوسط)

وبحسب المعلومات الصادرة فإن مشروع «استوديوهات شمس» جاء ليؤسِّس لبيئة إنتاجية متطورة، من خلال مجمّع يضم 5 استوديوهات كبرى بمساحات تتراوح بين 1500 و3400 متر مربع، تستجيب لاحتياجات صناع الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية والمحتوى الرقمي، إضافة إلى مرافق متخصصة لما بعد الإنتاج تشمل وحدات المونتاج والمؤثرات البصرية والتصميم الصوتي، بما يتيح تنفيذ أعمال تلفزيونية وسينمائية وفق معايير عالمية.

كما تتضمَّن المشروعات تطوير مجمّع أعمال إعلامي حكومي متكامل يجمع ضمن بيئة عمل تفاعلية مجلس الشارقة للإعلام، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، والشركات الإعلامية العاملة في «شمس»، بما يسهم في تسهيل عمليات الإنتاج والبث، وتعزيز كفاءة التواصل الحكومي، ودعم الابتكار في صناعة المحتوى.

وسيضم المجمّع 4 مبانٍ متخصصة، يتألف كل منها من طابق أرضي و4 طوابق، تشمل مبنى لمجلس الشارقة للإعلام، ومبنى للمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، ومبنيين مخصَّصين للجهات الإعلامية والشركات العاملة ضمن «شمس».

ويشمل التطوير أيضاً إنشاء مبنى جديد لهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون ببنية تقنية حديثة تعزز جاهزيتها لمواكبة التطورات في تقنيات البث والإنتاج، وترفع قدرتها على تقديم محتوى متنوع وذي جودة عالية يعكس هوية الإمارة ورسالتها. وتشمل المرحلة الأولى المبنى الإداري، ومبنى الأخبار، ومبنى قناة الشارقة الرياضية.

وفي إطار دعم المشهد الثقافي والإبداعي، تتضمَّن المشروعات إنشاء «واحة شمس للإبداع»، وهو مركز متطور للفعاليات الفنية والتعليمية يضم مسرحاً حديثاً يتسع لنحو 700 شخص، إلى جانب مرافق مخصصة لاستضافة الفعاليات المجتمعية والعروض الفنية والبرامج التدريبية، بما يسهم في تنمية المواهب الشابة وتوفير منصة ملهمة للإبداع في الإمارة.