عاصفة مطرية تضرب مخيمات «تجاوزت العمر الافتراضي» شمال سوريا

طالت أيضاً مراكز الإيواء المؤقتة لمنكوبي الزلزال الأخير

عاصفة مطرية تضرب مخيمات «تجاوزت العمر الافتراضي» شمال سوريا
TT

عاصفة مطرية تضرب مخيمات «تجاوزت العمر الافتراضي» شمال سوريا

عاصفة مطرية تضرب مخيمات «تجاوزت العمر الافتراضي» شمال سوريا

ضربت عاصفة مطرية غزيرة مساء السبت وفجر الأحد، مناطق شمال غربي سوريا. وتسبب السيول الجارفة التي شكلتها مياه الأمطار الغزيرة بأضرار كبيرة في عشرات المخيمات للنازحين ومراكز إيواء متضرري ومنكوبي الزلزال المدمر الأخير، وسط مناشدات ونداءات استغاثة للتدخل ومساعدتهم.
وأطلقت مئات الأسر النازحة في المخيمات القريبة من مدينة أعزاز وعفرين والشيخ حديد بريف حلب، ومناطق أخرى في مناطق أطمة والشيخ بحر وارمناز ومعرة مصرين بريف إدلب، نداءات استغاثة للجهات المحلية والمنظمات الإنسانية، بالتدخل العاجل لمساعدتهم وإجلائهم، بعد تدفق السيول ومياه الأمطار إلى داخل الخيام والمنازل ودفعت بمئات العوائل إلى العراء وسط ظروف إنسانية صعبة.
وقال أبو جمعة (53 عاماً)، وهو أحد النازحين في مخيم الشيخ حديد بريف حلب، إن «فصائل في (الجيش الوطني السوري)، مع فرق الدفاع المدني السوري، أسهمت بالمساعدة في إخلاء العائلات المتضررة بالمخيمات، وجرى إيواء نحو 230 عائلة منكوبة بفعل السيول والأمطار الغزيرة، في المساجد والمدارس وفي المستودعات الخاصة ضمن مناطق آمنة نسبياً من وصول السيول إليها، فيما لجأت عائلات أخرى لأقاربها في مناطق مجاورة، بعد بقائها لساعات بلا مأوى حقيقي».
وفي غرب إدلب، قال أحد سكان بلدة حفسرجة إن «سيولاً جارفة اجتاحت ليلة السبت - الأحد، قرى حفسرجة وعري وبشلامون وعدوان وعرب سعيد والروج، دفعت سكانها الـ30 ألف نسمة، إلى اللجوء لأسطح المنازل والمرتفعات القريبة، بعد تدفق السيول الجارفة بقوة نحو منازلهم وغمرها إلى مستوى كبير، وإن السيول تسببت في انهيار عدد من المنازل والمحال التجارية وقطع الطرق في القرى والبلدات في المنطقة وسط حالة من الخوف من تفاقم الكارثة».
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بإصابة شاب بصاعقة في قرية الشيخ يوسف بسهل الغاب بمنطقة سهل الروج بريف إدلب، وتم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.
من جانبها، قالت منظمة الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء»، إنه تضررت بشكل مباشر 254 خيمة للناجين من الزلزال في 18 مخيماً للإيواء، وهي بمعظمها تم إنشاؤها حديثاً بظروف طارئة دون توفر بنية تحتية مناسبة تقي قاطنيها من عواصف الشتاء والتقلبات الجوية التي تضرب المنطقة.
https://twitter.com/SyriaCivilDefe/status/1637421742598545410
وكانت النسبة الأعلى من الأضرار في مخيمات المهجرين، حيث استجابت فرقها لـ22 مخيماً تضررت فيها أكثر من 400 خيمة للمهجرين، كانت تعاني بالأساس من هشاشة الوضع الإنساني الكارثي في مخيمات التهجير وضعف الواقع الخدمي وتدني الخدمات الصحية مع انتشار مرض الكوليرا وغياب شبكات الصرف الصحي.
وبحسب منظمة «منسقو استجابة سوريا»، التي ترصد الجانب الإنساني في شمال غربي البلاد، فإن بقاء المخيمات حتى الآن وفي وضعها الحالي دون النظر إلى احتياجاتها كترميم الطرق الداخلية فيها وغياب قنوات الصرف الصحي القادرة على تحويل مياه الأمطار خارج المخيمات، هو أكبر أزمة فعلية ضمن الأزمة الإنسانية في سوريا، وإن جميع الحلول التي تُقدم في المرحلة الحالية أو ضمن أي خطة مستقبلية محكوم عليها بالفشل، كون «المخيمات قد تجاوزت العمر الافتراضي لها».
هذا إضافة إلى تشييد مخيمات جديدة بشكل غير مدروس خلال الشهر الماضي (عقب الزلزال المدمر)، ما زاد من حجم الكارثة الإنسانية، إضافة إلى عدم جدوى الحلول المقدمة حالياً التي من المفترض أن يتم العمل عليها سابقاً، الأمر الذي يثبت الفشل في إدارة المخيمات بشكل كامل، والعجز الواضح على التعامل مع الحالات الطارئة ضمن تلك المخيمات، وتحتاج المنطقة إلى حلول جذرية لإنهاء معاناة المدنيين المستمرة.
وأوضح أكرم جنيد وهو ناشط حقوقي في منطقة جنديرس بريف حلب، أن حجم الكارثة بالعاصفة المطرية والسيول التي أغرقت عشرات المخيمات للنازحين لا يقتصر عند ذلك وحسب، فالمياه التي تدفقت إلى داخل الخيام تسببت بضرر الأغطية والفرش وملابس النازحين، إضافة إلى فساد الطعام والمؤن لديهم، ويتطلب ذلك من المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، الإسراع في تلبية احتياجات النازحين من غذاء وطعام وحليب أطفال، فضلاً عن إجراء عملية استبدال للخيام التي تعرضت للتلف والتمزق، «وإلا سنكون على موعد مع كارثة جديدة تتمثل بالمجاعة والتشرد لكثير من العائلات في الوقت الذي لا يملكون فيه مالاً كافياً قادراً على مساعدتهم في تجاوز هذه الكارثة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.