من يتابع الأخبار العالمية فلا بد أنه سمع بحرب القهوة التي دارت ما بين شركة «ستاربكس» الأميركية العملاقة والصحافة الإيطالية عندما قررت «ستاربكس» افتتاح فرع لها في إيطاليا، مما أثار حفيظة الإيطاليين الذين رأوا بأن مجيء عملاق القهوة الأميركي إلى عقر دارهم ما هو إلا خرق لمجتمع الإسبريسو في بلادهم و«تخريب» عادات وتقاليد الإيطاليين في طريقة شرب قهوتهم، والتعدي «بحسب ما شعروا به» على ثقافتهم.
في عام 2018، استطاعت «ستاربكس - على الرغم من الكثير من التحديات - افتتاح أول محل لها في إيطاليا، تحديداً في مدينة ميلانو، ولكنها أرادت بأن تحدث ضجة بوصولها إلى أرض الأناقة والموضة والقهوة، فاشترت مبنى عملاقاً كان تابعاً للبريد في أهم نقطة سياحية في وسط ميلانو، مقابل مبنى الدومو».
استغرقت المقاومة 47 عاماً حتى تمكنت «ستاربكس» من افتتاح متجرها الأول الذي يصنف على أنه متحف وليس متجراً لبيع القهوة فقط، فهو يتألف من طابقين، يقدم القهوة ويحمصها وينتج طناً يومياً يوزعها على متاجر الشركة في أوروبا والشرق الأوسط، وعلى لائحة المشروبات فيه أكثر من 100 صنف من القهوة، ومساحة المكان شاسعة جداً تبلغ 25 ألف قدم مربع.
المعروف عن الإيطاليين أنهم يأخذون ثقافة القهوة على محمل الجد، فهي مليئة بالتقاليد التي تختلف تماماً عن طقوس القهوة التي ابتدعتها «ستاربكس» في الولايات المتحدة. الإيطاليون يشربون الإسبريسو بسرعة وهم يتكلمون إلى الباريستا أو الشخص المتخصص بتحضير القهوة، في أغلب الأوقات يتناولونها وهم واقفون على منصة عالية، على عكس ثقافة تناول القهوة في مقاهي «ستاربكس» التي يقصدها رواد القهوة والمشروبات الأخرى للجلوس لساعات مع جليس إلكتروني، يقومون بأعمالهم واجتماعاتهم عبر «زوم» عن بعد.
فعندما أعلنت «ستاربكس» عن خطتها لافتتاح المتجر في ميلانو، لاقى القرار الرفض من الكثير من السكان المحليين، لدرجة أنه قام بعضهم بالتظاهر وإضرام النار في أشجار النخيل التي زرعتها «ستاربكس» في ساحة الدومو.
هذا في الماضي، أما اليوم فتملك الشركة حوالي 17 فرعاً في عدة مدن إيطالية، ولكن يبقى فرعها الأول في إيطاليا الذي يعرف باسم Starbucks reserve roastery هو الأهم والأشهر؛ لأنه تحول من مجرد متجر لبيع القهوة إلى معلم سياحي تفتخر به ميلانو، والدليل هو وجود طوابير طويلة خارجه للدخول إليه وتناول القهوة ورؤية ماكينات التحميص الضخمة وتناول المخبوزات والحلوى من مخبز «برينتشي» الإيطالي.
ففي عام 2016، وقعت «ستاربكس» شراكة استراتيجية مع الخباز الإيطالي «روكو برينتشي»، الذي يخبز طعامه الحرفي والمخبوزات الطازجة في فرن يعمل على الحطب باستخدام تقنية قديمة، مع طريقة فريدة للحصول على حرارة معينة باستخدام النار. واجهة الفرن عبارة عن حجارة «بورفيدو جيالو» القاسية الصلدة، التي تأتي من مكان قريب في منطقة «لومبارديا». ويتمكن الزبائن من رؤية العجين وهو يحضر أمامهم من أفضل أصناف الدقيق والماء.
زيارة الـ«ريزيرف» هي تجربة حقيقية تبدأ بالديكور الجميل الذي يذكرك بأناقة سكان ميلانو وعروض الأزياء التي تحتضنها المدينة وشم رائحة قهوة «أرابيكا» التي تستورد من 30 دولة حول العالم، وتُحمص في أوروبا للمرة الأولى، مقترنة بالأطعمة الحرفية الطازجة من «روكو برينتشي».
افتتاح المقهى والمحمصة خلق ما يقرب من 300 فرصة عمل، كما تستثمر «ستاربكس» في بناء الوظائف الإضافية عبر جلب برنامجها العالمي للتدريب المهني إلى ميلانو، فضلاً عن التعاون مع أكاديمية «فوندازيوني دون جينو ريغولدي»، وأكاديمية «لا سكالا» الفنية.
وقال هوارد شولتز لـ«الشرق الأوسط»، خلال حفل إطلاق مشروب الشركة الجديد «أولياتو» الممزوج بزيت الزيتون الذي أقيم الشهر الماضي في ميلانو: «أثناء رحلتي الأولى إلى ميلانو عام 1983، كنت مفتوناً بحس المجتمع الذي وجدته في مقاهي الإسبريسو في المدينة، وعندما زرت صقلية الصيف الماضي أخبرني صاحب معصرة لزيت الزيتون بأنه يتناول ملعقة من زيت الزيتون يومياً للحفاظ على صحة جيدة، ونصحني بالقيام بهذه التجربة، قمت بها واستفدت منها كثيراً، وفكرت بتطوير الفكرة من خلال مزج أجود أنواع زيت الزيتون الإيطالي بقهوة أرابيكا، وبعد أشهر من العمل مع فريق (ستاربكس) تم ابتكار هذا المشروب الجديد المتوفر حالياً في إيطاليا والذي سيكون متوفراً في بلدان أوروبية أخرى قريباً بالإضافة إلى الشرق الأوسط واليابان».
«أولياتو» يمكن تناوله بارداً أو ساخناً، ويستخدم فيه حليب الشوفان، خمسة أصناف منه باردة وصنف اللاتيه هو المشروب الساخن الوحيد.
يشار إلى أن «ستاربكس» افتتحت أول متجر لها في أوروبا قبل 20 عاماً في لندن. ومنذ ذلك الحين، شهدت الشركة نمواً استراتيجياً بالشراكة مع أصحاب التراخيص مع أكثر من 3100 متجر موزعة على 40 بلداً في جميع أنحاء أوروبا، والشرق الأوسط، وأفريقيا.