فيرونيكا بائعة الخضار التي قلبت المقاييس

بائعة الخضار فيرونيكا نمر (خاص فيرونيكا)
بائعة الخضار فيرونيكا نمر (خاص فيرونيكا)
TT

فيرونيكا بائعة الخضار التي قلبت المقاييس

بائعة الخضار فيرونيكا نمر (خاص فيرونيكا)
بائعة الخضار فيرونيكا نمر (خاص فيرونيكا)

على وقع أغاني فيروز وصباح تطل بائعة الخضار فيرونيكا نمر بعربة الـ«فان» التي تقودها وتحمّل فيها كل ما لذ وطاب من فاكهة وخضار. وهي تعتبر سيارتها سبيل رزقها ومشروعاً تجارياً صغيراً تخطط لتوسيعه مع الوقت.
«حزّك مزّك» هو الاسم الذي اختارته لمشروعها، كونها تمضي يومها وهي تتجول على الطرقات. ومنذ إطلاقها له من حوالي الشهر ذاع صيتها، وصارت شهيرة على وسائل التواصل الاجتماعي. فهي تعد أول فتاة شابة (22 عاما) تنطلق في مهنة بيع الخضار متجولة. فعادة ما يتولى هذه المهمة الرجال، إلا أنها قلبت القاعدة من مبدأ خالف تعرف. ولأنها شغوفة في تحضير الطعام، كان لا بد أن تحوز مكوناته على اهتمامها.
حاولت فيرونيكا مثل غيرها من شباب لبنان أن تلحق بفسحة الأمل من خلال هجرتها إلى رومانيا، «ولكني لم أكن سعيدة هناك وقررت العودة إلى بلدي لبنان لأنه بنظري الأفضل على هذا الكوكب». هكذا تخبرنا فيرونيكا عن المراحل التي مرت بها والتي ختمتها بمهنة بيع الخضار. فهي درست إدارة الأعمال في إحدى الجامعات اللبنانية. وفي رومانيا عملت كشيف في مجال الطهي. ومن ثم لحقت بمشاعرها وبحدسها وعادت إلى الوطن. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «هنا فرص العمل أكبر وكثيرة، وعلى الشباب أن يعوا ذلك. بمقدورهم الابتكار والتميز بدل الهروب إلى المجهول».
تستيقظ فيرونيكا في الخامسة فجراً تتوجه بعدها إلى سوق الخضار بالجملة. ونحو الساعة الثامنة تكون في واحدة من مناطق بيروت. تضيف: «الاثنين والجمعة أتواجد في الأشرفية وباقي أيام الأسبوع أتنقل بين مناطق سن الفيل وحرش تابت وانطلياس وغيرها. واليوم عندي زبائن في جميع هذه المناطق، ولا سيما في السيوفي ومار مخايل والجعيتاوي». وتتابع بحماس: «أنا سعيدة كون زبائني يثقون بي وبالأسعار المقبولة والعادلة التي أطلبها. وما أن يسمعوا صوت بوق الـ«فان» وأغاني فيروز وصباح حتى يبدأوا بالتجمع حولي».
استوحت فكرتها كما تقول من وسام بائع خضار اعتاد أن يزور بلدة الرميلة الشوفية مسقط رأسها. «حفر في رأسي وهو يتردد على بلدتنا منذ نحو 20 عاما. قلت في نفسي، ولم لا أقوم بنفس الفكرة؟ وهكذا حصل واشتريت الـ«فان» وغطته والدتي الفنانة التشكيلية نورا داغر برسومات مزركشة وملونة جميلة، حتى تحول إلى لوحة غرافيتي تسرق الانتباه وتستوقف كل من يراها».
تؤكد فيرونيكا أنها تختار البضاعة وكأنها تشتريها لمنزلها: «أحرص على أن تكون طازجة وذات جودة. وأقدمها بطريقة فنية فأرتبها كلوحات رسم تجذب الناس. أسعاري مدروسة وأستخدم آلة حاسبة قديمة (كاسيو) تماما كوسام كي أحاسب الزبائن. أما الميزان الذي عندي فهو من نوع ديجيتال فجمعت بين الحديث والقديم في آن».
لم تختر مهنة بيع الخضار عن عبث لأنها تملك هواية البحث في الأرض وتهوى الجذور. «أجد في الأرض بركة لا نحصل عليها في أماكن أخرى. كما أني أحب الخضار والفاكهة الصحية ولا أقلد بعض التجار في الغش والخلط بين بضاعة وطنية وأجنبية. فأرضنا خيّرة وطعم مزروعاتها ألذ وأطيب. وأحاول بذلك تحسين مذاقات الناس وتشجيع المزارعين في آن».
من البقاع وعكار تختار الخضار الورقي «ولكن غالبية باقي الأصناف أشتريها من سوق الخضار. هناك الجميع بات يعرفني ويحتفظ لي بأفضل بضاعة وأكثرها جودة».
مؤخراً أدخلت فيرونيكا على الأصناف التي تبيعها مادة العسل. «هو عسل بلدي تستخرجه فتاة بعمر الـ19 عاما من قفير نحل تمتلكه في بعبدا. أقصدها دائما كي أحصل على هذا النوع الممتاز. ومع العسل الطبيعي أكون بدأت في توسيع هذا المشروع، كي يصبح فيما بعد مؤسسة. فأنا أنوي أن أحقق من أرباحي مشاريع أخرى ويصبح عندي أكثر من «فان» واحد، وأقدم الفرص لشباب بعمري كي يقودوها ويتنقلوا في مناطق خارج بيروت. وربما تصبح هذه المؤسسة عنواناً للتفاؤل بعيداً عن الإحباط الذي يصيب كثيرين من أبناء جيلي اليوم». تعترف فيرونيكا أنها تضطر أحياناً إلى إيصال الفاكهة والخضار بـ«السلة». «بعض سكان الطوابق العالية ومع غياب التيار الكهربائي، ينزلون «السلة» على الطريقة القديمة كي أضع لهم فيها الخضار الذي يحتاجونه. وبعض أصدقائي الذين يرافقوني من باب المساندة يصعدون السلالم للطوابق العالية، فلا يحرمون المسنين الذين يسكنونها من أصناف الفاكهة والخضار التي يريدونها».
أما أكثر ما لفتها في عملها فهو اهتمام الشباب من أعمار مختلفة الذين يقصدونها بحماس. «لقد حفزتهم على أخذ دور أمهاتهم. فهم يطلون من على الشرفات عند سماع الأغاني التي تصدح من عربتي. ويأتونني فرحين كي يختاروا ما يريدون من أصناف. وبعضهم أسرّ لي أنه يشعر بالفرح وهو يزاول هذه المهمة. تخيلي فهم لم يقوموا بها من قبل ولكن (حزّك مزّك) دفعهم لذلك».
في الثانية بعد الظهر تعود فيرونيكا أدراجها إلى منزلها كي تأخذ قسطاً من الراحة على أمل بداية يوم جديد ومثمر ومفعم بالطاقة الإيجابية. «هدف مشروعي هو العمل كفريق وأنوي مع الوقت أن أحققه قريباً. ويهمني أن أشجع الجيل الجديد على الزراعة، وبذلك أضمن أن البضاعة التي أحملها موقعة من مزارع صحية مائة في المائة. يجب أن نحسّن هذا القطاع لأنه يشكل مورد رزق جيدا لنا في المستقبل. فالأمل موجود دائماً، وما علينا إلا اللحاق به بدل انتظاره، ونحن نضع كفّ يدنا على وجهنا».


مقالات ذات صلة

تعزيز «منصة الابتعاث الثقافي» السعودية بخدمات جديدة

يوميات الشرق تعزيز «منصة الابتعاث الثقافي» السعودية بخدمات جديدة

تعزيز «منصة الابتعاث الثقافي» السعودية بخدمات جديدة

أضافت وزارة الثقافة السعودية خدمات جديدة إلى «منصة الابتعاث الثقافي» بميزات متعددة تهدف من خلالها إلى تعزيز العدالة في ترشيح المبتعثين. وتحتوي المنصة على التفاصيل والمعلومات التي يحتاجها المهتمون بالابتعاث الثقافي، ومحتوى توعوي عنه، فضلاً عن تمكينهم من التقديم على برامجه، ومتابعة طلباتهم، وإنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بذلك. وتعد المنصة بمثابة رحلة متكاملة تبدأ من خلال الدخول على صفحة برامج الابتعاث ليظهر مساران للتقدم، وهما: الدارسون على حسابهم الخاص، والحاصلون على قبول مسبق، ومن ثم الانطلاق في التقديم بإنشاء الملف الشخصي الموثق بالتكامل مع أنظمة وخدمات مختلف الجهات الحكومية، ومن ثم تعبئة الب

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مسنّون «يروّجون» لشيخوخة سعيدة

مسنّون «يروّجون» لشيخوخة سعيدة

ينشر مسنّون على إحدى المنصات الاجتماعية فيديوهات مضحكة لأنفسهم مزيلين الأفكار السابقة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وفي سن التاسعة والثمانين، تعيش دولوريس التي تستخدم اسم «دولي برودواي» على «تيك توك» «أفضل أيام حياتها»، وتشارك مقاطع فيديو طريفة لمتابعيها البالغ عددهم 2.4 مليون متابع. لا شيء يوقف هذه «السيدة الكبيرة» اللبقة التي تظهر تارة وهي ترقص على أغاني فرقة «أبا». وقال سيرج غيران عالم الاجتماع والمتخصص في الشيخوخة: «لم تعد للسن اليوم علاقة بما كانت عليه في السابق»، ومع سقوط الصور النمطية «لم يعد المسنون أشخاصاً يحتاجون حصراً إلى الأدوية والهدوء، بل يمكنهم أيضاً أن يكونوا في أفضل أحوالهم!»،

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق تنامي «المعتقدات الشاذة» يثير المخاوف في كينيا

تنامي «المعتقدات الشاذة» يثير المخاوف في كينيا

حالة من الذعر تعيشها كينيا مع توالي العثور على رفات في مقابر جماعية لضحايا على صلة بجماعة دينية تدعو إلى «الصوم من أجل لقاء المسيح»، الأمر الذي جدد تحذيرات من تنامي الجماعات السرية، التي تتبع «أفكاراً دينية شاذة»، خلال السنوات الأخيرة في البلاد. وتُجري الشرطة الكينية منذ أيام عمليات تمشيط في غابة «شاكاهولا» القريبة من بلدة «ماليندي» الساحلية، بعد تلقيها معلومات عن جماعة دينية تدعى «غود نيوز إنترناشونال»، يرأسها بول ماكينزي نثينغي، الذي قال إن «الموت جوعاً يرسل الأتباع إلى الله».

يوميات الشرق كم يُنفق اليابانيون لتزيين سياراتهم بالرسوم المتحركة؟

كم يُنفق اليابانيون لتزيين سياراتهم بالرسوم المتحركة؟

ينفق مجموعة من اليابانيين آلاف الدولارات على تزيين مركباتهم بشخصيات الرسوم المتحركة والشرائط المصوّرة وألعاب الفيديو المفضلة لديهم، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتُطلَق على هذه السيارات أو الدراجات النارية أو المقطورات تسمية «إيتاشا»، وهي كلمة مركبة تُترجم إلى «السيارة المُحرِجة» وتعكس السمعة السيئة التي كانت تحظى بها هذه الموضة لدى ولادتها في الأرخبيل الياباني في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. إلا أنّ العقليات تغيرت مذّاك، وباتت شخصيات الرسوم المتحركة والشرائط المصوّرة وألعاب الفيديو تُعد «ثقافة ثانوية» تحظى باعتراف أكبر في المجتمع الياباني. ولتزيين سيارته الفاخرة من نوع «جاغوار إكس جاي

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
يوميات الشرق في اليوم العالمي للتراث... 6 معالم لبنانية بمتناول الجميع مجاناً

في اليوم العالمي للتراث... 6 معالم لبنانية بمتناول الجميع مجاناً

في 18 أبريل (نيسان) من كل عام، يحتفل العالم بـ«اليوم العالمي للتراث»، وهو يوم حدده المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية (ICOMOS) للاحتفاء به. ويتم برعاية منظمة «اليونيسكو» ومنظمة «التراث العالمي لحماية التراث الإنساني». ويأتي لبنان من ضمن الدول التي تحتفل به. ويعوّل سنوياً وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى على هذه المناسبة، فيفتح أبواب بعض المعالم مجاناً أمام الزائرين لمدة أسبوع كامل. في رأيه أن مهمته تكمن في توعية اللبناني بموروثه الثقافي، فيشجعه على الخروج من حالة الإحباط التي يعيشها من ناحية، وللتعرف على هذه المواقع عن قرب، من ناحية ثانية.


تامر حسني يعلن استئصال جزء من كليته

صورة نشرها تامر حسني خلال مرضه (حسابه على فيسبوك)
صورة نشرها تامر حسني خلال مرضه (حسابه على فيسبوك)
TT

تامر حسني يعلن استئصال جزء من كليته

صورة نشرها تامر حسني خلال مرضه (حسابه على فيسبوك)
صورة نشرها تامر حسني خلال مرضه (حسابه على فيسبوك)

كشف الفنان المصري تامر حسني عن مروره بأزمة صحية خلال الأيام الماضية، استدعت إجراء عملية جراحية عاجلة لاستئصال جزء من كليته أثناء وجوده في ألمانيا ضمن جولته الأوروبية، التي قام بها خلال الأسبوع الماضي وتضمنت فرنسا وهولندا وألمانيا.

وفي بيان نشره عبر حساباته الرسمية، قال تامر حسني: «لم أكن (أنوي) التحدث في أموري الشخصية، لكن بعد نشر الخبر، أحب أن أطمئنكم... أعاني منذ فترة من أزمة في الكليتين، ومنذ أيام اضطررت للدخول إلى غرفة العمليات فوراً، وتم استئصال جزء من الكلية».

جاء إعلان حسني عن مرضه بعد أيام قليلة من حفله الجماهيري الكبير في فرنسا، الذي شَكّل إحدى أهم محطاته خلال الجولة الأوروبية التي حضرها جمهور من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية، فيما تسببت كثافة الحضور في إغلاق محيط المسرح لساعات. وعبّر حسني عن دهشته من حجم التفاعل عبر حسابه بـ«إنستغرام»: «عددكم العظيم قفل شوارع فرنسا... فرحتوني من قلبي ونورتوني ورفعتوا راسي أمام تالية».

تامر حسني في إحدى حفلاته (حسابه على فيسبوك)

وروى الفنان المصري موقفاً جمعه بابنته تالية أثناء توجهه إلى المسرح، حين عبّرت له عن خوفها من عدم امتلاء القاعة: «قالت لي: يا بابا أنت معروف في الوطن العربي لكن ليس لدرجة فرنسا، قولت لها خليها على الله، وفعلاً ربنا فرحنا».

وقدم تامر حسني خلال جولته الغنائية مجموعة كبيرة من أهم وأشهر أغنياته منها «نور عيني، وملكة جمال الكون، وحلو المكان، ومعلمين، والذوق العالي».

وقال الشاعر رمضان محمد لـ«الشرق الأوسط» إن «تامر تحامل على نفسه بدرجة كبيرة حفاظاً على ارتباطاته الفنية خلال جولته الغنائية وبالتحديد أثناء حفله في فرنسا، حيث كان يعاني من آلام حادة ومستمرّة في الكليتين. ورغم ذلك، أصرّ على الصعود إلى المسرح واستكمال الحفل بالكامل دون تقليل أو تخفيف في فقراته الغنائية، ثم واصل جولته كما هي مُجدولة في هولندا وألمانيا؛ احتراماً للجمهور الذي حجز تذاكر الحفلات منذ أسابيع طويلة».

تامر يعلن تعرضه لمتاعب في كليته (حسابه على فيسبوك)

وأضاف أن «تامر أخبره بمرضه قبل نحو عشرة أيام، وقال لي إنه متعب للغاية وإن الأطباء نصحوه بالراحة، لكنه لم يكن قادراً على إلغاء حفلاته بسبب التزامه مع الجمهور. كما أوصاني بألّا أخبر أحداً، حفاظاً على مشاعر أولاده، وحتى لا يتسبب لهم الخبر في صدمة أو قلق غير ضروري».

وعلى الصعيد الفني، طرح تامر حسني مؤخراً أغنيته «من كان يا مكان»، من كلمات الشاعر طارق علي، وألحان كريم نيازي، وتوزيع مؤمن ياسر، التي استعاد خلالها ذكريات المسرح المصري ورموزه الكبار، من بينهم: سمير غانم، وفؤاد المهندس، وشويكار، وعبد المنعم مدبولي، وسهير البابلي، وجورج سيدهم وغيرهم من رواد الكوميديا الذين تركوا إرثاً لا يُنسى.


بعد زخم المتحف الكبير... مصر تسابق الزمن للانتهاء من «الآتوني»

المتحف الآتوني يطل على نهر النيل في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
المتحف الآتوني يطل على نهر النيل في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

بعد زخم المتحف الكبير... مصر تسابق الزمن للانتهاء من «الآتوني»

المتحف الآتوني يطل على نهر النيل في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
المتحف الآتوني يطل على نهر النيل في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

على الضفة الشرقية لنهر النيل في محافظة المنيا (صعيد مصر) يطل مبنى «المتحف الآتوني» الذي يترقب كثيرون افتتاحه ليستكمل الخريطة المتحفية للآثار المصرية، مستفيداً من زخم افتتاح المتحف الكبير والإقبال اللافت على زيارته راهناً.

المشروع الذي بدأ عام 2004 وشهد فترات توقف لأسباب عدة، من بينها التمويل، استؤنف العمل فيه أخيراً، «تمهيداً لافتتاحه في أقرب وقت ممكن»، حسب إفادة رسمية لوزارة السياحة والآثار منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عقب جولة تفقدية قام بها الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، محمد إسماعيل خالد، لمتابعة مستجدات مشروع «المتحف الآتوني»، ونقل القطع الأثرية إلى مواقع عرضها الدائم وفقاً لسيناريو العرض المتحفي المعتمد، واستعراض الأعمال الجارية لتطوير المرسى النيلي المخصص لاستقبال السفن السياحية، وممشى الزوار الممتد على النيل بطول 400 متر، إلى جانب البحيرات الصناعية والمسطحات الخضراء التي يجري تجهيزها لتتكامل مع تصميم المتحف ومحيطه.

وأوضح مؤمن عثمان، رئيس قطاع الترميم ومشروعات الآثار والمتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، أن «المتحف سيشكل نقطة جذب سياحي مهمة في المنيا، حيث سيتم ربطه بمواقع الآثار في المحافظة، كما سيشهد إقامة أول حديقة للنباتات التاريخية في مصر القديمة»، مؤكداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «المتحف سيكون إضافة للصعيد وسيعد أحد أهم متاحف المنطقة».

ويسلط سيناريو العرض المتحفي في القاعة الرئيسية الضوء على تاريخ محافظة المنيا عبر العصور وأبرز مواقعها الأثرية، بينما تتناول قاعات المتحف الأخرى عصر الملك إخناتون، وبدايات فكر العمارنة، وتاريخ الملك أمنحتب الثالث.

مشروع مهم

وعد الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، «المتحف الآتوني» واحداً من «أهم» المشروعات الأثرية والثقافية في مصر، لأنه «يسلّط الضوء على فترة استثنائية في تاريخ مصر القديمة، وهي فترة حكم إخناتون ونفرتيتي وبناء (عاصمة التوحيد) أخيتاتون في تل العمارنة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الحقبة شهدت ثورة دينية وفنية غير مسبوقة، انعكست في فن العمارنة الذي يمتاز بواقعيته وإنسانيته وتمرده على القوالب الفنية التقليدية».

وأضاف عبد البصير أن «افتتاح المتحف سيغيّر وجه السياحة في محافظة المنيا تغييراً جوهرياً. فالمنيا تمتلك ثروة أثرية هائلة، لكنها لم تستطع عبر سنوات طويلة أن تستفيد منها بالشكل الأمثل لغياب مؤسسة متحفية كبيرة تكون نقطة انطلاق للمسار السياحي».

وتوقع عبد البصير أن «يجعل المتحف محافظة المنيا مقصداً رئيسياً لعشّاق التاريخ المصري القديم، حيث سيربط بين المواقع الأثرية الكبرى مثل بني حسن، وتونا الجبل، وتل العمارنة، وجبل الطير، في منظومة واحدة متكاملة، ما سيُسهم في جذب السياح في تنشيط الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل لأبناء المحافظة».

استئناف العمل في المتحف الآتوني بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وشهدت السنوات الماضية جولات تفقدية عدة لمبنى ومحاولات لاستكمال المشروع الذي تجاوز العشرين عاماً، آملين أن يدفع المتحف حركة الجذب السياحي في المنيا، لكن العمل في المشروع توقف عدة مرات، لأسباب مالية وسياسية.

وأرجع عبد البصير أسباب تأخر إنشاء المتحف إلى «عوامل متعددة، من بينها توقف التمويل في مراحل مختلفة، والتعثر في استكمال الأعمال الإنشائية والتجهيزية، إضافة إلى بعض التحديات الإدارية والبيروقراطية التي طالت المشروع»، مشيراً إلى «تأثر خطط افتتاحه بالظروف السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد خلال العقد الأخير».

كان وزير السياحة والآثار الأسبق الدكتور خالد العناني قال في تصريحات صحافية منتصف عام 2022 إن «إجمالي ما تم إنفاقه من المجلس الأعلى للآثار على مشروع إنشاء المتحف الآتوني بلغ 150 مليون جنيه حتى ذلك الوقت».

وتبلغ مساحة «المتحف الآتوني» حوالي 25 فدان؛ تشمل المبنى الرئيسي الذي يضم قاعات العرض الدائم، ومسرحاً، ومركزاً للمؤتمرات، ومكتبة علمية، بالإضافة إلى منطقة الخدمات السياحية، حيث المطاعم والكافيهات والبازارات، والممشى السياحي على النيل. وتم اختيار أكثر من موقع لبناء المتحف إلى أن تم تخصيص الموقع الحالي على الضفة الشرقية للنيل أمام مدينة المنيا.

ومن بين قاعات المتحف قاعة تحمل اسم «المنيا عبر العصور»، التي من المقرر أن يتم تخصيصها لعرض تاريخ المنيا منذ أقدم العصور وحتى العصر اليوناني الروماني، بالإضافة إلى باقي قاعات العرض التي سوف تخصص لسرد تاريخ فترة ما قبل العمارنة وفترة العمارنة وفلسفة الملك إخناتون في الترسيخ للديانة الآتونية، وفن العمارنة الذي يعتبر من الفترات المتفردة في الفن المصري القديم.


طفل تونسي يخطف الأنظار في «القاهرة السينمائي» عبر «الجولة 13»

الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)
الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)
TT

طفل تونسي يخطف الأنظار في «القاهرة السينمائي» عبر «الجولة 13»

الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)
الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)

خطف الطفل التونسي هادي بن جابورية، بطل فيلم «الجولة 13»، الأنظار في «مهرجان القاهرة السينمائي» عقب عرض الفيلم، بفضل موهبته وحضوره الواثق في العمل الذي يجسّد من خلاله شخصية طفل يصارع مرض السرطان.

ويشارك الفيلم في مسابقة «آفاق السينما العربية» خلال الدورة الـ46 من المهرجان. وتدور أحداثه حول بطل الملاكمة التونسي «كمال» الذي يُنهي مسيرته الاحترافية، لكنه لا يُنهي تعلقه بهذه الرياضة، بل ينقل شغفه بها إلى ابنه الوحيد «صبري». ويستمد الفيلم عنوانه «الجولة 13» من عالم مباريات الملاكمة، غير أن مأساة تقع في حياة البطل، تشكّل إحدى أقسى هزائمه.

عُرض الفيلم مساء الاثنين بحضور نقاد وسينمائيين تونسيين وعرب، إضافة إلى طاقم العمل الذي يضم مخرجه محمد علي النهدي، ووالده الفنان التونسي الأمين النهدي الذي يشارك في مشهد واحد بالفيلم، والفنانة عفاف بن محمود، والطفل هادي. وقد أُنتج الفيلم بدعم من وزارة الثقافة التونسية، كما حاز دعم «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» و«الدوحة للأفلام» وقناة «ART».

وفي المشاهد الأولى للفيلم، يدرب الأب «كمال» طفله «صبري» على رياضة الملاكمة في المنزل، ويتابعان معاً المباريات. يتعلق الطفل بالرياضة، ويصبح حلمه أن يكون ملاكماً في المستقبل مثل والده.

الأب والابن في لقطة من الفيلم (إدارة المهرجان)

يخوض «صبري» مباراة في ساحة المدرسة مع أحد زملائه، فيتعرّض لإصابة في ذراعه. يحمله والداه إلى المستشفى، وبعد سلسلة من التحاليل والأشعة يفاجئهما الطبيب بتشخيص إصابة ابنهما بمرض السرطان. تهتزّ العائلة لهذا الخبر، ويتحوّل استقرارها إلى صراع قاسٍ مع مرض لا يرحم. ويتتبع الفيلم تفاصيل هذا الصراع بكل مآسيه، وما يمرّ به الطفل من أوجاع خلال مراحل العلاج، وانقطاعه عن المدرسة، وسقوط شعره، وتشبث الأسرة كلها بالأمل. إلا أنّ الأب يبدو الأقل تماسكاً والأكثر تأثراً وتشتتاً، فيعود إلى ممارسة الملاكمة ويقع في أزمات تنتهي بدخوله السجن.

وبعد فترة علاج شاقة، يصارح الطبيب الوالدين بخطورة حالة ابنهما، فتنقله الأم إلى المنزل ليعيش أيامه الأخيرة بين أفراد أسرته، في حين يحتفلون بعيد ميلاده التاسع وهو يصارع الموت.

ويقدم الطفل هادي حضوراً لافتاً في الفيلم، مستقطباً الأنظار إلى موهبته الفطرية ووجهه البريء وقدرته على تجسيد الشخصية بصدق، متنقلاً من لحظات السعادة الأولى إلى صدمة المرض، حيث تختفي ابتسامته وحيويته، وتبدو معاناته من الآلام المبرحة بوضوح مؤثر.

المخرج يتحدث خلال جلسة نقاشية عقب العرض (إدارة المهرجان)

وكشف المخرج محمد علي النهدي، خلال جلسة نقاشية أعقبت عرض الفيلم، أن اكتشاف هادي جاء بالصدفة، إذ اختير من بين 300 طفل ترشحوا لأداء الدور. وقال: «كنا نبحث عن منزل نصوّر فيه في أحد أحياء تونس، فالتقينا هادي بالصدفة، حيث توجه إلينا وسأل: هل ستصورون مسلسلاً؟ فأجبناه بأننا نصوّر فيلماً، فقال: أريد التمثيل معكم. وقد لفت نظري فوراً، فأجرينا له اختبارات أداء اكتشفت خلالها أنه طفل موهوب وذكي. وخلال التصوير أثبت إرادة لافتة، فكان ملتزماً بمواعيده، ويصل جاهزاً وقد حفظ دوره، ولا يملّ، خلافاً لمعظم الأطفال، من ساعات التصوير الطويلة».

من جانبها، أكدت الفنانة عفاف بن محمود أن هادي موهوب بالفطرة، وكان شديد الالتزام والأكثر جاهزية طوال فترة التصوير. وتحدث هادي مؤكداً رغبته في مواصلة عمله في التمثيل إلى جانب دراسته.

وأضافت عفاف أن السيناريو جذبها منذ القراءة الأولى، وأن شخصية الأم كانت صعبة لأنها تعتمد على المشاعر وتتضمن مشاهد صامتة. وأوضحت أنها اعتادت أن تمنح الشخصية التي تؤديها من قلبها وروحها حتى تصل بصدق إلى المشاهد.

طاقم الفيلم على «الرد كاربت» في مهرجان القاهرة (إدارة المهرجان)

ولفت المخرج إلى أنه قدّم فيلماً برؤية واقعية، رافضاً النظرة الغربية التي تتعمّد تصوير العنف والفقر المدقع في الأفلام العربية وفرض أسلوب سرد معيّن كي تنال الأعمال إعجابهم في المهرجانات الكبرى، رافضاً في الوقت نفسه انسياق بعض المخرجين خلف هذه التوجهات. وقال: «أرفض تشويه واقعنا وثقافتنا، وقدّمت عملاً أبطاله ينتمون إلى الطبقة الشعبية من دون أي مزايدة».

وأعرب الفنان التونسي الأمين النهدي عن سعادته بالفيلم، قائلاً: «أنا فخور بهذا الفيلم، ليس من باب الانحياز لنجلي مخرج العمل، بل لأنه بالفعل فيلم مختلف في إيقاعه عن معظم الأفلام التونسية».

وردّ المخرج قائلاً إن «والده الفنان الكبير هو المدرسة الأولى التي تعلّم فيها منذ طفولته، حيث تعرّف على السيناريو وقيمة العمل الفني وأهمية الثقافة، ورافقه إلى مواقع التصوير».

وعدّ الناقد خالد محمود الفيلم واحداً من الأعمال التونسية اللافتة في دورة العام الحالي من «مهرجان القاهرة السينمائي»، مشيراً إلى أنه يطرح قضية اجتماعية مهمة بصياغة فنية مميزة، وأنه يمثل تجربة واعدة لمخرجه في ثاني أفلامه الطويلة. وأوضح أن المخرج استطاع أن يجعل المتفرج شريكاً في قلب الأزمة خلال رحلة المعاناة التي تخوضها الأسرة مع مرض طفلها.

وأشار محمود إلى أنّ المخرج أدار الصراع في الفيلم على «نار هادئة»، مضيفاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن اختيار فريق التمثيل كان موفقاً، وأن منح الطفل الموهوب هذه الفرصة كان في محلّه نظراً لأدائه البارع وتجسيده المؤثر لشخصية طفل مصاب بالسرطان، متوقعاً أن ينافس الفيلم على الجوائز.