«كتف في كتف»... مبادرة لدعم الفقراء تتصدر اهتمامات المصريين

شهد السيسي الإعلان عنها وأشاد بدورها

مبادرة «كتف في كتف» لدعم الفقراء في مصر (الصفحة الرسمية للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي)
مبادرة «كتف في كتف» لدعم الفقراء في مصر (الصفحة الرسمية للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي)
TT

«كتف في كتف»... مبادرة لدعم الفقراء تتصدر اهتمامات المصريين

مبادرة «كتف في كتف» لدعم الفقراء في مصر (الصفحة الرسمية للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي)
مبادرة «كتف في كتف» لدعم الفقراء في مصر (الصفحة الرسمية للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي)

ما زالت أصداء مبادرة «كتف في كتف» الخيرية في مصر تتصاعد وسط حالة من الاحتفاء ظهرت على المستويين الجماهيري والرسمي، بعدما استضاف استاد القاهرة الدولي، الجمعة، نحو 300 ألف متطوع في «التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي» للإعلان عن المبادرة التي «تتضمن توفير 6 ملايين كرتونة تحوي مواد غذائية، تستهدف سد حاجة أكثر من 20 مليون مواطن مصري».
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي حضر إطلاق المبادرة، إن «الهدف هو تخفيف العبء الناجم عن غلاء الأسعار على المواطن»، وأشار في كلمته أمام الجموع إلى أن مبادرة «كتف في كتف» تنطلق من المكان عينه الذي انطلقت منه مبادرة «حياة كريمة»، التي تستهدف أيضاً «تحسين جودة حياة 58 مليون مواطن في الريف المصري»، موجهاً الشكر لجميع المتطوعين من الشباب.
من جانبه، ثمّن النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب المصري (البرلمان)، جهود العمل الأهلي الجماعي، واعتبر أن «خروج مبادرة بهذا الحجم هو انعكاس لتضافر جهود 34 جمعية أهلية تحولت من العمل الفردي إلى الجماعي تحت مظلة واحدة ممثلة في (التحالف الوطني للعمل الأهلي)».
وقال رضوان، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «توزيع هذا العدد من المواد الغذائية هو مجرد بداية، غير أن المبادرة تستهدف الاستدامة والاستمرارية في الوصول إلى الأسر الأكثر احتياجاً على مستوى محافظات الجمهورية». ويضيف أن «الخدمات لن تقتصر على قطاع الغذاء فحسب، فمن المُخطط أن تمتد الخدمات لتشمل القطاعين الصحي والتعليمي مع توفير الضمانات لاستمرارية العمل على دعم الأسر المصرية وفقاً لقاعدة بيانات يتم تحديثها على نحو مستمر».
ويتطلع رضوان إلى استصدار قانون منظم للعمل الأهلي، ويقول إنه «تقدم من قبل في مطلع العام، وفي حديث أمام الرئيس السيسي، بطلب إصدار قانون من شأنه توفير الضمانات لاستمرارية العمل الأهلي على نحو فعال ومستدام، حتى لا يخضع الأمر لمنظومة المبادرات ثم تتوقف لأي سبب، على أن يسمح هذا القانون بالمشاركة الفردية، أو في إطار نماذج الجمعيات الأهلية، لتحقيق منظومة عمل لا تتوقف».
وتشهد مصر موجة غلاء أعقبت قرارات اقتصادية تضمنت تحرير سعر الصرف منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي (الدولار يساوي 30.4 جنيه). كما حلّق معدل التضخم في البلاد لمستويات قياسية لم تشهدها مصر منذ أكثر من 5 أعوام، فحسب بيانات صدرت قبل أسبوع من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، وصل التضخم السنوي في مدن مصر إلى 31.9 في المائة في فبراير (شباط) الماضي.
أحمد لبيب، رئيس قطاع العمليات الميدانية في بنك الطعام، وعضو «التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي»، اعتبر انطلاق مبادرة «كتف في كتف» بمثابة «تتويج لجهود التحالف منذ انطلاقه في مارس (آذار) 2022». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «تدشين نموذج عمل يضم نحو 34 جمعية ومؤسسة لها باع في العملين الأهلي والتنموي، من أفضل الخطوات التي تم اتخاذها، لأن هذا النموذج قائم على قاعدة بيانات ضمت سنوات عمل كل مؤسسة على حدة، وهذا التلاحم ساعد في الوصول إلى عدد أكبر من الأسر».
وأشار لبيب إلى أن «(كتف في كتف) ليست الأولى من نوعها، حيث انطلقت مبادرتان من قبل تحت اسم (خيرك سابق)، و(قوافل ستر وعافية)، لكن الأخيرة هي الأضخم على مستوى البلاد منذ انطلاق العمل الأهلي»، وقال إن «المبادرة وزعت بالفعل عدداً من الكراتين منذ بداية مارس، وبدأت بأهالي جنوب سيناء، ثم انطلقت نحو 16 محافظة أخرى».



الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».