فتحت اليابان وكوريا الجنوبية صفحة جديدة في العلاقات بينهما باتفاق رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، خلال قمة جمعتهما على إحياء الزيارات الدبلوماسية بين بلديهما، ورفع القيود التجارية، في وقت أطلقت فيه كوريا الشمالية «صاروخاً باليستياً بعيد المدى»، في رسالة تحذير مزدوجة إلى طوكيو التي تعمّق تعاونها الثلاثي مع واشنطن وسيول، وإلى سيول التي تجري مناورات عسكرية مع الولايات المتحدة. ويزور رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول اليابان لمدة يومين، عقب إعلانه قراراً بالسعي للتوصل إلى تسوية نهائية للنزاع التاريخي المتعلق بضحايا العمل القسري خلال الاحتلال الياباني لكوريا (1910 - 1945).
وأعلنت وزارة التجارة اليابانية، أمس الخميس، أنها سترفع القيود عن تصدير المواد الكيميائية اللازمة لتصنيع أشباه الموصلات إلى كوريا الجنوبية، بعد عقوبات فرضتها طوكيو في صيف عام 2019؛ إثر خلافات دبلوماسية بين البلدَين.
ومنذ انتخابه العام الماضي، أكّد رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول أن إحياء العلاقات مع اليابان أولوية قصوى. ووصف الزيارة إلى اليابان، التي ستتخللها أول قمة بين زعيمي البلدين منذ 12 عاماً، بأنها «خطوة مهمة إلى الأمام».
وأعرب يون عن ثقته بنجاح خطته، مؤكداً قبل بدء زيارته في مقابلة مع وسائل إعلام منها «وكالة الصحافة الفرنسية»، «أن الحكومة اليابانية ستنضم إلينا في فتح فصل جديد في العلاقات الكورية اليابانية... أتمنى أن يمضي شعبا بلدَينا قدماً معاً نحو المستقبل، بدلاً من التحارب بسبب الماضي».
ووفق البيانات التي قدّمتها سيول، أجبرت اليابان نحو 780 ألف كوري على العمل القسري خلال سنوات الاحتلال الـ35، دون احتساب النساء اللواتي خضعن لعبودية جنسية. وفي حكم تاريخي في عام 2018، أمرت المحكمة العليا في سيول بعض الشركات اليابانية بدفع تعويضات لعدد من ضحايا العمل القسري الكوريين الجنوبيين، ما أحيا الخلافات التاريخية بين البلدين. ورفضت اليابان الحكم، معتبرة أن نزاعات الحقبة الاستعمارية تمت تسويتها في عام 1965 عندما طُبّعت العلاقات الدبلوماسية وقدّمت طوكيو لسيول قروضاً ومساعدات اقتصادية بقيمة 800 مليون دولار تقريباً، أي ما يعادل مليارات عدّة من الدولارات حالياً.
ومع توتر العلاقات، فرض الجانبان قيوداً تجارية متبادلة، وأوقفا التعاون في مجالات عدة.
لكن انتخاب يون، وازدياد المخاوف بشأن التهديدات الكورية الشمالية، والقوة العسكرية الصينية، زادت الزخم في اتجاه إجراء مصالحة، بحسب الأستاذ في الدراسات الكورية في جامعة دوشيشا في طوكيو يوكي أسابا، الذي قال لوكالة الصحافة الفرنسية: «لم تعد كوريا الجنوبية قادرة على الاستمرار في الخلاف حول قضايا ثنائية محددة». وأوضح يون أن التهديدات مثل صواريخ كوريا الشمالية والأزمات، بما فيها اضطرابات سلسلة التوريد العالمية، دفعت سيول إلى الاقتراب من طوكيو. وسبق ليون أن التقى بكيشيدا على هامش مناسبات عدة، لكن المسؤولَين عقدا قمة كاملة، الخميس، هي الأولى بين زعيمين من البلدَين منذ عام 2011.
وحذّر أستاذ الدراسات الكورية الشمالية في جامعة إيوها في سيول بارك وون – غون، من أن البلدَين ما زالا يواجهان تحديات كبيرة على الرغم من كل مؤشرات التقارب.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «من المفيد أن يبدأ تطبيع العلاقات بين كوريا واليابان، لكن من حيث النتيجة الأمر يصبح معقداً بعض الشيء... كل هذا يتوقف على مدى استعداد كيشيدا للاعتذار عن التاريخ». وتقول اليابان إنها لا تزال على اعتذاراتها التاريخية عن ارتكاباتها في الحرب التي تقدّمت بها في التسعينات، لكن كثيرين في كوريا الجنوبية يشعرون أن هذا لا يكفي، ويعارضون خطة يون للتعويضات.
غير أن التقارب الياباني - الكوري الجنوبي يلقى ترحيباً على الساحة الدولية، خصوصاً من واشنطن التي تسعى إلى رؤية مصالحة حليفين آسيويين. ويرى يوكي أسابا أن الرغبة في الاقتراب من واشنطن قد تكون تحفّز جزئياً مبادرات يون الدبلوماسية مع طوكيو.
- إطلاق صاروخ
وقبل وصول يون إلى طوكيو، أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً في عملية استعراض للقوة هي الثالثة منذ الأحد، تأتي بينما تجري كوريا الجنوبية والولايات المتحدة أكبر مناوراتهما العسكرية المشتركة منذ 5 سنوات. وقالت هيئة الأركان المشتركة في الجيش الكوري الجنوبي، إن «قواتنا العسكرية رصدت إطلاق صاروخ باليستي بعيد المدى من محيط منطقة سونان في بيونغ يانغ»، مشيرة في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية إلى أن الصاروخ عابر للقارات. وأضافت هيئة الأركان المشتركة أن الصاروخ الذي حلّق مسافة ألف كيلومتر جرى إطلاقه على مسار مرتفع، وعادة ما يتم ذلك لتجنب التحليق فوق البلدان المجاورة.
وخلال اجتماع لمجلس الأمن القومي في كوريا الجنوبية، دعا يون إلى تعزيز التعاون الثلاثي مع اليابان والولايات المتحدة، قائلاً إن «كوريا الشمالية ستدفع ثمناً واضحاً لمثل هذه الاستفزازات المتهورة»، وفق بيان صادر عن مكتبه. وأكّدت اليابان أيضاً حصول عملية إطلاق الصاروخ، مشيرة إلى أنها تعتقد أن الصاروخ سقط خارج مياهها الاقتصادية. وأعلن مجلس الوزراء الياباني أن الصاروخ الكوري الشمالي وصل إلى ارتفاع أكثر من 6000 كيلومتر، وهو الأقصى له.
وقال رئيس الوزراء فوميو كيشيدا للصحافيين إنه سيلتقي أعضاء من مجلس الأمن القومي، مضيفاً: «السلام والاستقرار في المنطقة مسألة مهمة بشدة». واعتبر محللون أن كوريا الشمالية أطلقت الصاروخ الباليستي في يوم القمة؛ لإحداث «تأثير مزدوج»، وإرسال تحذير لجيرانها يتعلق بالمناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
وأمر الزعيم كيم جونغ أون، في وقت سابق هذا الشهر، بتكثيف التدريبات؛ استعداداً لـ«حرب حقيقية».
والثلاثاء، أطلقت كوريا الشمالية صاروخين باليستيين قصيري المدى، سبقهما إطلاق صاروخي كروز من غواصة الأحد، قبل ساعات على بدء مناورات «درع الحرية» المشتركة بين واشنطن وسيول.
ومن المقرر أن تستمر مناورات «درع الحرية» التي تركز على «البيئة الأمنية المتغيرة» لكوريا الشمالية لمدة 10 أيام.
وتنظر كوريا الشمالية إلى كل هذه المناورات على أنها تدريبات لغزوها، وحذرت مراراً من أنها ستتخذ إجراءات «ساحقة»؛ رداً على ذلك.