تراجع الآيديولوجيات وتقدم الآيديولوجيين

المعارك المكشوفة.. في استهداف العلاقات المصرية – السعودية

جندي من الشرطة المصرية وجنديان من الجيش أمام مدخل سجن طرة في القاهرة الذي يحتجز فيه عدد من المتطرفين أمس (رويترز)
جندي من الشرطة المصرية وجنديان من الجيش أمام مدخل سجن طرة في القاهرة الذي يحتجز فيه عدد من المتطرفين أمس (رويترز)
TT

تراجع الآيديولوجيات وتقدم الآيديولوجيين

جندي من الشرطة المصرية وجنديان من الجيش أمام مدخل سجن طرة في القاهرة الذي يحتجز فيه عدد من المتطرفين أمس (رويترز)
جندي من الشرطة المصرية وجنديان من الجيش أمام مدخل سجن طرة في القاهرة الذي يحتجز فيه عدد من المتطرفين أمس (رويترز)

رغم أن دعوى الالتزام الآيديولوجي، اليساري والإسلامي، لم تعد معلنة بوضوح، فإنها لم تنفض بعد، حيث لا تزال حية تبعث من جديد، مع الثوران والاستقطاب السياسي العربي والأزمات الوطنية والإقليمية.
لا يخفي هذا التحيز أو الالتزام خفض النبرة الآيديولوجية، أو التحول للفكرة المدنية أو الديمقراطية، التي صار كثيرون من الأصوليين يتشحون بوشاحها، كما اتشح بوشاحها قوميون سابقا، رغم أنها كانت دائما قابلة للإزاحة من أفكارهم وممارستهم إلا نادرًا.
أقنعة مستحدثة، وتحولات فكرية، لكنها لا تخفي الولاءات الآيديولوجية لأفكار واتجاهات معينة، تكون إيران أو تركيا أو ربيع الإسلاميين السابق أو الذاكرة الناصرية، كل حسب تطوراته وتاريخه السابق.
لكن الغريب المثير هو توظيف الأضداد الآيديولوجية لبعضها بعضا في استهداف العلاقات والتحالفات الإقليمية في المنطقة، وخصوصا التقارب المصري - السعودي - الخليجي الصاعد في وجه أخطار التدخل أو التمدد الإقليمي المحاذية.
حيث يستهدفون بآليات متشابهة، تعكير الأجواء بين الأشقاء، التي تتأكد كل يوم، وكان آخرها في إعلان القاهرة الأخير في 29 يوليو (تموز) الحالي بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، الذي تمخض عنه الشروع في إنشاء القوة العربية المشتركة والتكامل الاقتصادي والعسكري الوثيق بين البلدين.
فيما يلي سنرصد نماذج من هذه الخطابات المتحيزة وتوظيفها التأويلي المكشوف للوقائع دون الواقع، وللشوارد دون للنسق، فتنتقي ما شاءت دليلا وتمرر ما أرادت حجة دون انتباه لما يناقضها في باطن خطابها ذاته.
من أمثلة هذا التوظيف أو الاصطياد الآيديولوجي اعتماد بعض الأصوات الخليجية لمواقف شاردة تعبر عن أصحابها قبل أن تعبر عن النظام أو السياسة أو المجتمع والنخبة المصرية بشكل رئيسي.
من ذلك توظيف البعض لمقال الكاتب الأستاذ فهمي هويدي المنشور في 19 يوليو الماضي في صحيفة «الشروق» المصرية بعنوان «حروب أبوظبي»، الذي عبر عن كثير من التحيزات التي تسكن كاتبه، وهو ما يصعب تفسيره دون الرجوع لموقف الإمارات الداعم لمصر في 30 يونيو (حزيران) وما بعدها! ويكفي فيه أن صاحبه كان الوحيد في العالم الذي لا يرى «داعش» والتطرف خطرا تنبغي مكافحته، ولا بد من المبادرة لهذه المكافحة والمواجهة.
وهو ما تمكن قراءته كذلك في البيان الذي أصدره الداعية السعودي عوض القرني بعد أحكام الإعدام المستأنفة، التي لم تكن نهائية في مصر في 15 يونيو سنة 2015 داعيا للجهاد في مصر، وأن «ما يجري فيها حرب لاستئصال الإسلام» هكذا قولا واحدا لا يمكن أن يلتقي مع النظام ولا الخطاب السعودي السائد ولكن يرتبط بدعوة آيديولوجية سابقة قال بها القرضاوي في 27 يوليو سنة 2013، أو ما صدر من بيانات تزامنت معه من الاتجاه نفسه.
في السياق نفسه، حملت بعض الأصوات الخليجية المتحيزة ضد مصر، النظام المصري بعض آراء الأستاذ محمد حسنين هيكل في حواره مع جريدة «السفير» اللبنانية بتاريخ 21 يوليو من العام الحالي، الذي أجراه معه رئيس تحريرها في منتجع بالساحل الشمالي، ذكر فيه إعجابه بما اعتبره انتصارًا إيرانيًا، بالوصول لاتفاق نووي في 14 يوليو الماضي، وأن إيران وتركيا تمثلان المواجهة الحقيقية للسياسة الأميركية في المنطقة، وأن مصر مشغولة ومأزومة، والسعودية وسائر دول الخليج كذلك!
وهو ما حاولت توظيفه أصوات خليجية متعددة وصفت الرجل بأنه مفكر النظام المصري وواضع سياسته، وهكذا تلتقي الأضداد الآيديولوجية في توظيف كل منها الآخر، مستهدفا علاقة واحدة!
كان التحيز واضحا تشي به كلمات هيكل نفسه، فهو لم يخفِ إعجابه بإيران منذ زيارته الأولى لها في عهد مصدق سنة 1951 وزيارة خاتمي له في منزله بالقاهرة، ومعاداته لتجربة السادات ومبارك وانقلابهما على الناصرية! وعدم تعاطفه المستقر والقديم مع السعودية بالخصوص! ولكن هل يجوز سحبها على نظام أكد في حواره أنه «ليست لديه رؤية واضحة عما ستكون عليه مصر مستقبلا».
من الجهة الأخرى، وجدت بعض الأصوات المصرية المتحيزة في الإعلام المصري ما كتبه بعض الصحافيين والمغردين السعوديين من أن ثمة تغيرًا في السياسة السعودية والخليجية تجاه مصر مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز العرش في 23 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، بل تم تحميل النظام والحكم في السعودية، رؤى للدكتور خالد الدخيل وتغريدات لصحافيين وإعلاميين آخرين تحدثوا فيها عن تحولات في الموقف السعودي تجاه مصر، رغم تأكيدات الخطاب الرسمي ووزير الخارجية عادل الجبير، أكثر من مرة أن الروابط السعودية المصرية تزداد توثيقا، وأنها جناحا الأمة العربية اللذان يرفرفان من أجل حماية شعوبها، وأن مصر جزء أساسي من تحالف دعم الشرعية في اليمن، كما كان في 23 و30 يوليو الماضي.
كان رصدنا مبكرا للتحيزات الآيديولوجية لدى الأستاذ هيكل والكثير من الأصوات الآيديولوجية منذ قديم، وسنحاول التمثيل عليها فيما يلي:
صرح الأستاذ هيكل بعد ساعتين من تنحي مبارك في 11 فبراير (شباط) سنة 2011 قائلا: «شاهدنا حدثًا لا مثيل له في التاريخ المصري.. نضج جيل ونضج شعب وكدنا نفقد الأمل.. كنت أقول: يا ليل الصب متى غده» (برنامج العاشرة مساء - الدقيقة الثانية) وفي 20 فبراير من العام نفسه صرح بقوله عن ضرورة التنحي: «كان على مبارك ألا يعاند التاريخ وأن يتنحى» (من حوار مع «المصري اليوم» في هذا التاريخ) ولكننا وجدناه في 23 سبتمبر (أيلول) من العام نفسه في حوار مع جريدة «الأهرام» يقول بعد اندلاع الثورة في ليبيا وسوريا (حيث التقارب الآيديولوجي): «لست مستبشرا بربيع مصر ولا بغيرها»، ويقول في وصف الثورات العربية الأخرى: «ليس ربيعا عربيا ولكن خريطة تقسيم دولي للمصالح والموارد على نمط سايكس بيكو»، وهو التحول نفسه الذي أصاب أصواتا أخرى رحبت وهللت للثورة المصرية لكن توقفت عندما اندلعت أخواتها ضد نظام الأسد مثلا! وهو ما يمكننا النمذجة له في تصريحات السيد نبيل بري والسيد حسن نصر الله في الموقف من ثورة مصر ومن الثورة في سوريا فيما بعد، ولكن يحسب لهم على عكس هيكل تأييدهم للثورة ضد نظام القذافي لارتباطه بحادث اختفاء السيد موسى الصدر والعداوة التاريخية بينهما! ففي 13 فبراير سنة 2011 وصف السيد نبيل بري الثورة المصرية بأنها «أرقى ما سمع وقرأ عن ثورات»، لكنه في 21 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه يصف الثورة السورية بأنها «مؤامرة تمهد لسايكس بيكو جديد».
هكذا التحيزات لا تغادر أصحابها وتكشف لا موضوعية الحبس والتحيز الآيديولوجي وولاءاته.
مع ارتباك دولي وإقليمي تجاه الأوضاع في المنطقة، لا يمكن فيه الحسم بشيء، وتبدو كل المسارات محتملة، وجدت التنظيمات والأصوات الآيديولوجية المختلفة فرصها للعودة إعلاميا وخطابيا من جديد، ولكن بشكل مختلف يمكننا تحديد عدد من ملامحه فيما يلي:
تتماهى الخطابات والأصوات الآيديولوجية العائدة والمستعادة في اعتمادها على التخفي خلف الجزئي والتفصيلي، وتجاهلها نقد آيديولوجياتها ومنطلقاتها السابقة، مع عدم إعلانها أو الترويج لها، فهي تتشح بلباس مصلحة النظام الذي تدافع عنه! أو بلباس الديمقراطية والمظلومية والتحديات الجديدة! وهو ما يجد مناخا مناسبا لهذا في تسارع الأحداث والحوادث ومساحات التغريدات في آن، فتوابع الزلازل المستمرة لا تتيح لهم غير اقتطاف ما شاءوا.
حسب هوية الكاتب تكون درجة الوضوح الآيديولوجي، وتعبيره عنها، فيبدو الدعاة الإسلاميون أكثر وضوحا في التعبير عن هذه الانتماءات والولاءات السابقة، ويسوقونها بلغة تعبوية ومظلومية وهوياتية غالبا (مثل السعودي الدكتور عوض القرني والداعية سلمان العودة) من الكتاب المتعاطفين معهم (مثل فهمي هويدي وآخرين)، أو غيرهم الذين يطرحون رؤاهم التحليلية الواقعية من جانب آخر كالموقف والعلاقة بين مصر والسعودية والخليج، على خلفية «عاصفة الحزم» التي انطلقت تلبية لنداء الشرعية اليمنية في 24 مارس (آذار) العام الحالي، أو في الموقف الإيجابي من إيران والعداء لأميركا (الأستاذ محمد حسنين هيكل والأستاذ فهمي هويدي نموذجا)، سواء في الإعجاب بإيران الذين يجتمعان فيه، أو في الموقف السلبي الذي يردده الأول تجاه المملكة العربية السعودية، من بقايا الناصرية، أو في موقف الأخير من دولة الإمارات، كما كان في مقاله في 19 يوليو العام الحالي حول مبادراتها التي وصفها حروبًا!
رغم أنها المرة الثالثة أو الرابعة التي تعلن فيها تركيا نيتها وتوجهها لمنطقة عازلة في الشمال السوري، تحولت لمنطقة آمنة، ثم تركزت لضرب الأكراد والعمال الكردستاني تحديدا، مع تنازل للولايات المتحدة لاستخدام قاعدة أنجرليك التي طالما استخدمتها في السابق، يرى الخطاب المتحيز لتركيا وتحالفها مع الإسلاميين في المنطقة ومعاداة النظام المصري وحراك 30 يونيو، أن هذا حزم في سوريا قادم! دون أن يفسروا لنا تأخره المستمر حتى الآن منذ بداية إطلاق دعوى المنطقة العازلة في مارس سنة 2012.
كذلك خطابهم مع انطلاق «عاصفة الحزم» تلبية لنداء الشرعية في اليمن في 25 مارس العام الحالي، كان ترويجهم لضرورة لاستعادة العلاقة مع «الإخوان» والإسلاميين عموما، وليس فقط الإصلاح في اليمن على حساب العلاقة مع مصر ونظامها بعد 30 يونيو، هكذا حاولت الأصوات الآيديولوجية الخليجية المتحيزة للإخوان وضد هذا النظام بعدها، مع تجاهل للسياقات بين العلاقتين!
وكان من تناقض الأصوات الآيديولوجية الخليجية رفضها دعم الشرعية في ليبيا، أو التدخل العسكري المصري فيها ردا على ذبح تنظيم داعش بدرنة 21 مصريًا، وهو ما تكرر مرات كثيرة بحق أقباط مصريين، بينما يؤيدون وبقوة التدخل في سوريا و«عاصفة الحزم» بقوة!
تكتيكات غير ظاهرة تستهدف في مركزها ودورانها استهداف هذه العلاقة الصاعدة بين مصر والسعودية والخليج، واستبدال تركيا أو جماعات الإسلام السياسي بها، وهذه أمثلة لا حصر، وبينما يغضب هؤلاء حين تكون عملية للتنظيمات الإرهابية في تركيا أو في الخليج، نجد التجاهل لرثاء شهدائها وضحاياها في مصر والتبرير لها بممارسات النظام، لتبقى «داعش» وفق هذا المنطق مدافعة، تطالب بالديمقراطية في مصر، كما يبطن الخطاب الإخواني والخطاب المتحيز له غير المعلن لذلك.
رغم تراجع كثير من الآيديولوجيات وانكسارها، وعودا وتجربة، نظرا وتطبيقا، فإن بقايا حنينها والعجز عن التحرر من أسرها وحبسها، وانتصارية الإصرار الآيديولوجي على ماضيه التليد القريب أو البعيد، تمثل عوائق قوية لهذا التحرر.
هذه النوستالجيا، الحنين الأول، قد يكون ناصريا أو بعثيا أو إخوانيا أو جهاديا! وهنا يلتقي اللاوعي بالوعي، ويتحرك العقل بإرادة العقيدة لا إرادة المعرفة، وبوعي الآيديولوجيا الزائف لا بالوعي المعرفي الموضوعي والمحايد الذي يربط الوقائع بواقعها وكل حالة ماثلة بسياقاتها!
إنها شظايا الآيديولوجية تفور مع الثوران والزلزالية العربية منذ عام 2011 مرورا بمحطاتها التالية، من دعوى الربيع إلى ربيع الإسلاميين عام 2012 إلى انكسارهم عام 2013 وصولا للربيع الداعشي وصدام الجهاديات الطائفية.
المثقف الآيديولوجي، منظما كان أم غير منظم، تنطلق تحليلاته غالبا من تحيزاته التي قد لا يعلنها، فعادت دعوى الالتزام التي انتشرت في خمسينات وستينات القرن الماضي في الأفكار اليسارية والقومية، أو السمع والطاعة والإخلاص في خطاب الإسلاميين، لكن بخطاب تمويهي لا يعلن هذه التحيزات غالبا ولا يعلن هدفه الأصلي منها.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».