الصين... الصين... الصين. كان «التحدي» الذي تمثله هذه الدولة المحور المهيمن في «المراجعة المتكاملة لعام 2023» التي أعلنتها الحكومة البريطانية، أمس، والتي غاب عنها إلى حد كبير «التهديد الإرهابي» بعدما كان، في الأقل منذ تسعينات القرن الماضي، واحداً من أبرز أولويات صنّاع القرار في المملكة المتحدة.
وركزت «المراجعة المتكاملة»، التي أعلنها رئيس الوزراء ريشي سوناك وقدمها وزير الخارجية جيمس كليفرلي في مجلس العموم، على ضرورة تأقلم بريطانيا مع وضع عالمي جديد تشكل فيه الصين «تحدياً» خطيراً للمملكة المتحدة. ولمواجهة ذلك؛ أعلنت الحكومة تمويلاً كبيراً لبرامج هدفها تعزيز قدرة بريطانيا على التصدي لـ«التنين»؛ بما في ذلك الاستثمار في تدريب موظفين حكوميين مختصين في الشؤون الصينية.
وتكون بريطانيا بذلك قد انحازت كلياً للموقف الأميركي الذي يعدّ أن الصين باتت اليوم تشكل التحدي الأساسي للغرب، علماً بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) أعلنت، في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، إنشاء «مركز» مختص بالصين داخل هيكلها، على غرار المركز المختص بـ«القاعدة» في أوج «زمن الإرهاب».
وتؤكد «المراجعة البريطانية» الجديدة مدى الخصومة المحتدمة حالياً بين لندن وبكين، علماً بأن العاصمتين كانتا تدرسان قبل سنوات التعاون في «مجال البنية التحتية (5 جي)»، وتوليد الطاقة النووية (مفاعل هينكلي - وسط إنجلترا).
وقال رئيس الوزراء، سوناك، في تقديمه المراجعة المتكاملة «المحدثة» المتعلقة بالأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية، إن المراجعة السابقة التي صدرت عام 2021 (في عهد رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون) توقعت بعض، وليس كل، التقلبات التي شهدها العالم في العامين الماضيين، لافتاً إلى أن مراجعة 2021 أشارت إلى «التهديد الخطير الذي تمثله روسيا»، وإلى رغبة الصين في استغلال إمكاناتها لتحقيق «دور مهيمن في الشؤون العالمية». وأضاف أنه منذ ذلك الوقت حدث الغزو الروسي لأوكرانيا وتحولت الطاقة وإمدادات الغذاء إلى «سلاح» وعاد الخطاب النووي «غير المسؤول»، وترافق ذلك مع مواقف صينية «أكثر عدوانية» فيما يتعلق بمضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي.
وتابع سوناك؛ الذي يزور سان دييغو بكاليفورنيا حالياً في إطار تحالف «أوكوس» مع الولايات المتحدة وأستراليا والموجه ضد بكين، أن «الصين تمثل تحدي العصر لنوع النظام العالمي الذي نود أن نراه؛ سواء في مجالي الأمن والقيم». وقال إن بريطانيا ستعمل مع جهات أخرى للتصدي لأي محاولات يقوم بها الحزب الشيوعي الصيني لخلق مناطق تخضع لهيمنته بالقوة.
وبالنسبة إلى أوكرانيا؛ أكد سوناك أن «الأولوية العاجلة» هي لدعمها «في الدفاع عن نفسها»، قائلاً إن ذلك لا يدخل فقط في مجال القيم؛ «بل هو أيضاً مرتبط بأمن بريطانيا نفسها». وأشار إلى «الاحتلال الروسي لجورجيا» و«احتلال» روسيا شبه جزيرة القرم، و«محاولات تدمير أوكرانيا»، وأنها كلها تمثل «هجوماً على الأمن الأوروبي».
- إرهاب وهجرة غير شرعية
وأشارت «المراجعة» إلى التهديدات المرتبطة بالشرق الأوسط، معتبرة أن «التحديات الأمنية العابرة للحدود ما زالت تمثل خطراً معتبراً لدى المملكة المتحدة، وتبقى محور تركيز كبير لجهات إنفاذ القانون ووكالات الاستخبارات». وتابعت أن «الهجرة غير الشرعية» تُعدّ أحد التحديات الأساسية في عالم اليوم.
وعن الإرهاب؛ أشارت «المراجعة» إلى أن «الجماعات الإسلاموية الإرهابية تحافظ على طموحها بشن هجمات ضد المملكة المتحدة ومصالحنا في الخارج. إن التهديد الآتي من الشرق الأوسط يتواصل، والجماعات (الإرهابية) تتمدد في مناطق غير مستقرة؛ بما في ذلك أفغانستان والساحل (الأفريقي)، ولذلك لا يمكننا استبعاد إمكانية حصول عودة كبيرة (لنشاط هذه الجماعات)».
وتابعت أن «تهديد إيران يزداد، كما يظهر من خلال التقدم في برنامجها النووي، وتصرفاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وأعمالها في المملكة المتحدة؛ بما في ذلك 15 تهديداً موثوقاً به من النظام الإيراني لقتل أو خطف بريطانيين أو أشخاص مقرهم المملكة المتحدة منذ عام 2022».
- خبراء صينيون
وتضمنت الاستراتيجية الجديدة مضاعفة التمويل الذي تقدمه المملكة المتحدة لبناء خبرات تتعلق بالصين؛ بما في ذلك تدريس لغة «الماندرين» لموظفين في الحكومة، وتدريب مختصين في مجال السياسة الاقتصادية والعسكرية للصين. وسيجري تقديم تمويل أكبر لبرنامج حكومي شامل بعنوان «برنامج القدرات الصينية» الذي سيعمل على زيادة الخبرات المتعلقة بالصين عبر أجهزة الحكومة المختلفة.
ووفق مصادر بريطانية، قامت الحكومة، منذ المراجعة السابقة المتكاملة عام 2021، بسلسلة خطوات لزيادة معرفتها بالصين؛ بما في ذلك توفير التدريب لأكثر من 170 موظفاً حكومياً باللغة الصينية (الماندرين).
في هذا الإطار، قال وزير الخارجية جيمس كليفرلي: «من الحيوي لدبلوماسيينا والموظفين الحكوميين أن يكون لديهم فهم وخبرة للانخراط والتأقلم مع التحدي المتزايد الذي تمثله الصين، والدور المتنامي للصين في شؤون العالم». وأضاف أن هذه الإمكانات الإضافية التي توفرها الحكومة «ستساعد في تعزيز المعرفة والخبرات اللغوية عبر أقسام الحكومة في مواجهة التحدي المنهجي الذي تمثله الصين لأمن المملكة المتحدة ورخائها وقيمها».
وتضمنت «المراجعة المتكاملة» الجديدة أيضاً تعزيز التمويل لوزارة الدفاع (5 مليارات جنيه إسترليني على مدى سنتين) ولأجهزة الاستخبارات (سيُنشأ مركز مختص داخل جهاز الأمن «إم آي 5» بهدف تقديم النصح في مجال الأمن للمؤسسات والشركات البريطانية). كما تضمنت «المراجعة» تخصيص 20 مليون جنيه إسترليني للخدمة العالمية في «هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)».