سلمى حايك لـ«الشرق الأوسط»: أنا امرأة تحب العمل ولا تهاب كثرة المشاريع

«النبي» مشروع الممثلة والمخرجة الفاصل والأهم حاليًا

سلمى حايك، من فيلمها الجديد «حكاية الحكايات»، دورها في فيلم «إيفرلي»: أكشن
سلمى حايك، من فيلمها الجديد «حكاية الحكايات»، دورها في فيلم «إيفرلي»: أكشن
TT

سلمى حايك لـ«الشرق الأوسط»: أنا امرأة تحب العمل ولا تهاب كثرة المشاريع

سلمى حايك، من فيلمها الجديد «حكاية الحكايات»، دورها في فيلم «إيفرلي»: أكشن
سلمى حايك، من فيلمها الجديد «حكاية الحكايات»، دورها في فيلم «إيفرلي»: أكشن

العروض السابقة لفيلم «النبي لخليل جبران» في الولايات المتحدة اقتصرت على ثلاثة مهرجانات متتابعة، أولها في مدينة لويزيانا التاسع مع مايو (أيار)، وثانيها في مدينة سياتل في الحادي والعشرين منه، والثالث في مدينة ديترويت في الخامس من يونيو (حزيران) . لكن العرض التجاري، ذلك الذي تستعد له المنتجة والممثلة سلمى حايك بكل ما أوتيت من عناية واهتمام، سيقع في السابع من هذا الشهر حيث ينطلق لعروض واسعة وإن لم تكن باتساع تلك التي تصاحب عادة أفلام «ذا أفنجرز»، «سبايدرمان» أو «رجال إكس».
«إنه امتحان بالتأكيد. لقد وضعت طاقة كبيرة في هذا العمل وكل ما سبق من عروض منذ انتهاء العمل عليه رسميًا وحتى الآن ليس أكثر من تمهيد لعرضه هنا».

هذا تمهيد طويل بدأ بعرض مقتطفات منه في حفلة خاصة في مهرجان «كان» السينمائي الدولي سنة 2014 حيث تحدّثنا إليها سريعًا حول هذا المشروع في رسالتنا من هناك. في هذا العام شاهدنا الفيلم معروضًا كضيف شرف خارج مسابقة مهرجان «أنيسي» المتخصص بسينما الرسوم. ومع أن الفيلم يحمل اسم الكاتب والرسام المعروف عالميًا، فإن بيعه التجاري لم يتمدد صوب العدد الآخر من العواصم الأوروبية بعد. حتى باريس التي عرف عنها اهتمامها بالأعمال الفنية أجّلت عرضه إلى الثاني من ديسمبر (كانون الأول) من هذا العام.
ردًّا على سؤالي حول إذا ما كانت تعتبر ذلك أمرًا طبيعيًا قالت الممثلة التي تؤدي بصوتها دور الأم كاملة: «إلى حد بعيد. نعم. هذا جهد مختلف عن المعتاد بالنسبة لفيلم رسوم متحركة. ليس من النوع الذي تتخاطفه دور العرض والذي يغمر الأسواق العالمية. لذلك توقعت وفرقائي أن نمر بمثل هذه الفترة. لكن الفيلم سيعرض في كل مكان ولو تدريجيًا. هذه طبيعة.. هذه الأعمال الفنية الصرفة».
تفاؤل سلمى حايك في محله وهي اعتادت عليه. في الأساس انتشارها هي بحد ذاته لم يكن سهلاً أو سريعًا. الأفلام الأولى كانت على الرغم من نجاح بعضها (مثل «دسبيرادو») مصوغة للإقبال التجاري المحض. هنا ساهم المخرج روبرتو رودريغيز بإعطائها أول دور أميركي لها سنة 1995. لكن ذلك لم يمنحها «كارت بلانش» لهوليوود، بل كان عليها أن تنتظر بضع سنوات قبل أن تصبح نجمة معروفة في العاصمة التي تقيم من فيها حسب آخر إيرادات أفلامهم.
وُلدت قبل 48 سنة من عائلة ميسورة. وعلى عكس ما هو منتشر عندنا، ليس والدها هو اللبناني الذي رحل إلى المكسيك وتزوّج هناك، بل جدّها. لكن والدها سار على خطى جدّه في محاولة منح أولاده أسماء عربية. لذلك هي سلمى، ولذلك اسم شقيقها سامي.
أمها مغنية أوبرا سابقًا أسمها ديانا جيمينز مادينا، ومنها تشرّبت حب الفن، كذلك ساعدها أن والدها كان ميسورًا كونه يعمل في النفط. في سن الثانية عشرة انتقلت للدراسة في معهد للراهبات يقع في لويزيانا. لم يطل المقام بها كثيرًا هناك؛ ففي أحد الأيام خطر لها خاطر ونفّذته: أرجعت عقارب الساعات في المعهد ثلاث ساعات إلى الوراء. النتيجة يوم من الضحك، وآخر من الطرد. عادت إلى المكسيك، وبعد أعوام قليلة دخلت جامعة مدينة مكسيكو سيتي، حيث قررت أن تبدأ التمثيل.
كانت صبية في العشرين من العمر، جميلة وطموحة وهذه العناصر الثلاثة ساعدتها على النجاح سريعًا عندما لعبت بطولة مسلسل «تيريزا» التلفزيوني ما بين 1989 و1991. بالنظر إلى قائمة ممثلي ذلك المسلسل، يكتشف المرء عددًا من الممثلين الآخرين ذوي العروق العربية: عمر شقال، استرديد حدّاد، لورا الملا.. لكن شاءت المقادير جميعًا أن تشق سلمى حايك طريقها بين هؤلاء، بل بين الممثلين الآخرين جميعًا. مسلسلها الثاني كان أميركيًا: حلقة من «عدالة الشارع» سنة 1992 وحلقة من «واصل الحلم» في العام ذاته ثم حلقة أخرى من مسلسل «مكان جاك» في العام التالي، وثلاث حلقات من «سندباد شو» سنة 1993 أيضًا.
بعد أن وجدت نفسها في تلك الأعمال السينمائية الأولى في هوليوود، عادت إلى المكسيك لتولي بطولة فيلم خاص هو «زقاق المدق» لجورج فونس عن رواية الأديب المعروف نجيب محفوظ، ثم عادت إلى الولايات المتحدة لمزيد من الأفلام السريعة مع التكساسي - المكسيكي الأصل روبرت رودريغيز، وبقيت هناك معظم الوقت بعد ذلك لتظهر في أدوار أولى في أفلام مثل «وايلد وايلد وست» (1999) و«سلسلة من الأغبياء» (2000) و«تايم كود» (2001).
لكن تلك المحطّات الفنية هي التي دعمتها كفنانة. بعد «زقاق المدق» جاء دور مشروع خاص آخر هو «فريدا» عن الفنانة المكسيكية فريدا كالو. قالت لي آنذاك: «كان هدية من السماء».
لا عجب أن سلمى تحمّست للمشروع وشاركت في إنتاجه، ولا أن ابنة عم الرسامة فريدا أهدتها عقدًا كانت فريدا تملكه، ولا عجب أيضًا أن حماس سلمى قادها لأن ترسم بضع لوحات نشاهد بعضها في الفيلم فعلاً.
مادونا كانت تريد أن تلعب الدور. روبرت دي نيرو حام حول إحدى الشخصيات الرجالية. إدوارد نورتون ساهم في كتابة بعض المشاهد. لورا سان جياكومو كادت تفوز بالدور الأول لولا إحصاء بين المعجبين بفن فريدا كالو دل على رفضهم لها. ألفرد مولينا، الذي آل إليه الدور الذي حام حوله دي نيرو، زاد 23 كيلوغرامًا على وزنه (ومن يومها ما عاد كما كان عليه قبل ذلك) لكي يفوز بالدور. ومن حسن الحظ أن إخراجه رسا على مخرجة مسرحية وسينمائية تفهم الفن وتقدر اسمها جوليا تايمور.
لكن سنوات كثيرة مرّت تحت جسر ذلك العمل وإلى اليوم. في الأعوام الأخيرة لم تنقطع سلمى عن العمل إما في التمثيل أو في الإنتاج، بل في هذا العام الفاصل في مهنتها تظهر في فيلمين آخرين هما «حكاية الحكايات» الذي عرض في «كان» هذا العام خارج المسابقة، و«أشهر سبتمبر لشيراز» المبرمج للعرض قبيل نهاية العام.
نص الحوار:
* هل حياتك المهنية إلى اليوم أشبه بمراحل متوالية وصولاً إلى ما يبدو شغفك بمشروعك الحالي «جبران»؟
- هي كذلك فعلاً. هي مراحل متتابعة، ولم أكن أدرك أنها كذلك حتى بدأت أعيش حلم تنفيذ هذا الفيلم. كان هاجسًا كبيرًا عندي ولا أذكر متى كانت أول مرّة بدأت أتحدث عن المشروع مع الصحافة حتى من قبل أن أعلم إذا ما كان من المفيد أن أتحدّث عنه في وقت يسبق تنفيذه أم لا.
«جبران» هو بمثابة المشروع الذي هناك قبله وهناك بعده. هل تعرف ما أقصده؟ سعادتي به لا توصف، لأنني في جذوري أنتمي إلى الثقافة التي كانت في جذور (جبران) خليل جبران. ولأن هذه الرواية لها تأثير علي وعلى أجيال كثيرة درستها في الجامعات الأميركية والمكسيكية وغيرها.
* كيف وجدت ترحيب اللبنانيين بك وبالمشروع عندما عرضت الفيلم هناك قبل حين؟
- أكثر من رائع. اللبنانيون فخورون بجبران كثيرًا، ومعهم حق. وجدت النقاشات التي تمّت في بعض الأحيان مثمرة. الفيلم نال إعجاب المشاهدين بصفة غالبة. ولو أنني وجدت نفسي أمام أسئلة لم أكن مستعدة لها. بعضها خاص لا علاقة له بالعمل. لكن لا تفهمني خطأ.. هذا شائع في كل مكان.
* أذكر أن أحد الصحافيين سألك خلال مؤتمر صحافي عن الطعام المكسيكي الذي تجيدينه أكثر من سواه.. والمناسبة كانت فيلم «فريدا».
- (تضحك).. صحيح. هذا مثال. هناك صحافيون لا أعتقد أنهم مهتمون بالعمل بل بالخصوصيات. وهذا ليس شأني وحدي بل شأن كل الممثلين والممثلات.
* كيف تواجهين هذه الأسئلة؟
- أجيب عنها إذا كانت لا تضرني أو إذا لم تكن استفزازية.
* في حديثنا السابق قبل نحو عامين ركزنا على الوجه الإنتاجي أكثر من الحديث عنك كممثلة.
- لكنك لا تستطيع التفريق فعليًا. أصرف وقتًا موازيًا على الإنتاج كما أصرفه على التمثيل.
* هل تجدين أن ذلك مهنة متعبة؟ هل لديك الوقت الكافي لكي تهتمي بشؤونك الخاصة مثلاً؟
- من حسن الحظ ولسبب لا أفهمه.. نعم. أعتقد ما يساعدني كثيرًا على ذلك أن زوجي فرنسوا (فرنسوا - هنري بينو) سعيد بي كزوجة وكامرأة أعمال وكممثلة. نذهب إلى المهرجانات معًا. نسافر معًا والأولاد في الكثير من المرّات. كلانا مشغول بعمله، وكلانا يجد الوقت المناسب لتمضيته مع الآخر.
* معظم أفلامك، من بينها «متوحشون» قبل ثلاثة أعوام و«أميركانو» و«حسب الحظ» تعتمد على شخصيّتك كمكسيكية أو لاتينية. طبعًا في «فريدو» كان لا بد من ذلك.. لكن هل تعتقدين أن هوليوود ترفض أن تنظر إليك كممثلة تستطيعين القيام بأي دور غير لاتيني؟
- لا أوافق على هذا التفسير لسبب مهم، وهو أن الوجود اللاتيني في الولايات المتحدة واسع جدًا. هناك ملايين المكسيكيين والكوبيين والأميركيين اللاتينيين الذين يعيشون هنا. وفي رأيي أنه من الطبيعي أن يتم إسناد الأدوار اللاتينية لممثلين من أصل لاتيني. هذا طبيعي جدًا.
* بعض الأفلام التي ذكرتها كوميدي والبعض ينتمي إلى الأكشن والتشويق.. هل لديك أي تمييز أو تفضيل؟
- أحب الأدوار الكوميدية ولا أمانع الأدوار الأخرى. مثلت في العام الماضي فيلمًا لعبت فيه دور امرأة قاتلة اسمها إيفرلي (عنوان الفيلم أيضا..).
* ومن قبله «بانديداس» و«وحوش»..
- نعم. لكني أحب الأفلام الكوميدية. هي تختلف سواء مثلت شخصيات لاتينية أو غير لاتينية فيها.
* أحد أفلامك الكوميدية الأخيرة كان «راشدون 2»، بينه وبين الجزء الأول ثلاث سنوات. هل شعرت بتطوّر في الشخصية التي مثلتها في هذين الفيلمين؟
- ليس في الشخصية ذاتها. شخصية روكسانا التي أمثلها وباقي الشخصيات تتبع نصًا متتابعًا لا يمكن تغييره تبعًا لفكرة أن الوقت حان الآن لنتحدث عن تطوّر داخلي للشخصية، لأي شخصية. لكن من ناحية أخرى كان العمل هذه المرّة أسهل على الجميع. كلنا عرفنا بعضنا البعض في الفيلم الأول والثاني كان أقرب للقاء أصدقاء.
* هل تجدين نفسك ممثلة كوميدية؟
- طبعًا. منذ البداية والتمثيل الكوميدي يأتي في الاهتمام الأول بالنسبة لي. كما تعلم لم أجد مناسبة لي في السنوات الأولى من عملي لكني منذ عدة سنوات، وأنا أتحين كل فرصة مناسبة لمثل هذه الأدوار.
* تعيشين في فرنسا، لكن الكثير من أفلامك اليوم أميركية.. في الواقع لا علم لي أنكِ مثلتِ فيلمًا فرنسيًا.
- ليس بعد. لكن هناك مشاريع قد تبدد هذا الوضع قريبًا.
* كيف تتصرفين حيال العيش هناك والعمل هنا؟
- عندما أكون في فرنسا لا ذكر مطلقًا لهوليوود. هناك عالم مختلف وهوليوود عالم مختلف آخر. هناك اختلاف وبعض المشقات. عندما يكون الوقت نهارًا في أوروبا يكون الوقت ليلاً في هوليوود، وهذا يجعل أوقات العمل تختلف. أيضًا مكان العمل ليس قريبًا من البيت والعكس صحيح بالطبع. لكن الحياة في باريس تمنحني القدرة على التركيز على العائلة وخدمتها.
* هل كان الأمر أبسط قبل دخولك بقوّة في الإنتاج وقبل الزواج طبعًا؟
- نعم بالتأكيد. لكن الزواج والأسرة أمر طبيعي يجب أن لا يتوقف بسبب الشواغل. لكن أنا امرأة تحب العمل ولا تهاب كثرة المشاريع. هناك الكثير من الأفكار التي تراودني والمشاريع التي تصل إليّ وخلال السنوات الماضية طوّرت بنجاح كيفية التعامل مع الشواغل.
* إذن تنتظرين الآن بدء عرض «النبي» في أميركا. هل من أفكار؟
- أتمنى للفيلم النجاح. لكن كما ذكرت هذا فيلم خاص، ومعظم الجمهور سيكون خاصًا أيضًا. ما يسعدني هو أنه يتوجه لجيل جديد برسالات جميلة حول الحياة والحرية. إن مثل كتاب «النبي» عمل روحاني في المقام الأول، وأعتقد أننا صنعنا فيلمًا مسليًا في الوقت نفسه.
* قد يدخل الأوسكار؟
- آمل ذلك وأعتقد أنه يستحق دخول المسابقة بلا شك.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».