سلمى حايك لـ«الشرق الأوسط»: أنا امرأة تحب العمل ولا تهاب كثرة المشاريع

«النبي» مشروع الممثلة والمخرجة الفاصل والأهم حاليًا

سلمى حايك، من فيلمها الجديد «حكاية الحكايات»، دورها في فيلم «إيفرلي»: أكشن
سلمى حايك، من فيلمها الجديد «حكاية الحكايات»، دورها في فيلم «إيفرلي»: أكشن
TT

سلمى حايك لـ«الشرق الأوسط»: أنا امرأة تحب العمل ولا تهاب كثرة المشاريع

سلمى حايك، من فيلمها الجديد «حكاية الحكايات»، دورها في فيلم «إيفرلي»: أكشن
سلمى حايك، من فيلمها الجديد «حكاية الحكايات»، دورها في فيلم «إيفرلي»: أكشن

العروض السابقة لفيلم «النبي لخليل جبران» في الولايات المتحدة اقتصرت على ثلاثة مهرجانات متتابعة، أولها في مدينة لويزيانا التاسع مع مايو (أيار)، وثانيها في مدينة سياتل في الحادي والعشرين منه، والثالث في مدينة ديترويت في الخامس من يونيو (حزيران) . لكن العرض التجاري، ذلك الذي تستعد له المنتجة والممثلة سلمى حايك بكل ما أوتيت من عناية واهتمام، سيقع في السابع من هذا الشهر حيث ينطلق لعروض واسعة وإن لم تكن باتساع تلك التي تصاحب عادة أفلام «ذا أفنجرز»، «سبايدرمان» أو «رجال إكس».
«إنه امتحان بالتأكيد. لقد وضعت طاقة كبيرة في هذا العمل وكل ما سبق من عروض منذ انتهاء العمل عليه رسميًا وحتى الآن ليس أكثر من تمهيد لعرضه هنا».

هذا تمهيد طويل بدأ بعرض مقتطفات منه في حفلة خاصة في مهرجان «كان» السينمائي الدولي سنة 2014 حيث تحدّثنا إليها سريعًا حول هذا المشروع في رسالتنا من هناك. في هذا العام شاهدنا الفيلم معروضًا كضيف شرف خارج مسابقة مهرجان «أنيسي» المتخصص بسينما الرسوم. ومع أن الفيلم يحمل اسم الكاتب والرسام المعروف عالميًا، فإن بيعه التجاري لم يتمدد صوب العدد الآخر من العواصم الأوروبية بعد. حتى باريس التي عرف عنها اهتمامها بالأعمال الفنية أجّلت عرضه إلى الثاني من ديسمبر (كانون الأول) من هذا العام.
ردًّا على سؤالي حول إذا ما كانت تعتبر ذلك أمرًا طبيعيًا قالت الممثلة التي تؤدي بصوتها دور الأم كاملة: «إلى حد بعيد. نعم. هذا جهد مختلف عن المعتاد بالنسبة لفيلم رسوم متحركة. ليس من النوع الذي تتخاطفه دور العرض والذي يغمر الأسواق العالمية. لذلك توقعت وفرقائي أن نمر بمثل هذه الفترة. لكن الفيلم سيعرض في كل مكان ولو تدريجيًا. هذه طبيعة.. هذه الأعمال الفنية الصرفة».
تفاؤل سلمى حايك في محله وهي اعتادت عليه. في الأساس انتشارها هي بحد ذاته لم يكن سهلاً أو سريعًا. الأفلام الأولى كانت على الرغم من نجاح بعضها (مثل «دسبيرادو») مصوغة للإقبال التجاري المحض. هنا ساهم المخرج روبرتو رودريغيز بإعطائها أول دور أميركي لها سنة 1995. لكن ذلك لم يمنحها «كارت بلانش» لهوليوود، بل كان عليها أن تنتظر بضع سنوات قبل أن تصبح نجمة معروفة في العاصمة التي تقيم من فيها حسب آخر إيرادات أفلامهم.
وُلدت قبل 48 سنة من عائلة ميسورة. وعلى عكس ما هو منتشر عندنا، ليس والدها هو اللبناني الذي رحل إلى المكسيك وتزوّج هناك، بل جدّها. لكن والدها سار على خطى جدّه في محاولة منح أولاده أسماء عربية. لذلك هي سلمى، ولذلك اسم شقيقها سامي.
أمها مغنية أوبرا سابقًا أسمها ديانا جيمينز مادينا، ومنها تشرّبت حب الفن، كذلك ساعدها أن والدها كان ميسورًا كونه يعمل في النفط. في سن الثانية عشرة انتقلت للدراسة في معهد للراهبات يقع في لويزيانا. لم يطل المقام بها كثيرًا هناك؛ ففي أحد الأيام خطر لها خاطر ونفّذته: أرجعت عقارب الساعات في المعهد ثلاث ساعات إلى الوراء. النتيجة يوم من الضحك، وآخر من الطرد. عادت إلى المكسيك، وبعد أعوام قليلة دخلت جامعة مدينة مكسيكو سيتي، حيث قررت أن تبدأ التمثيل.
كانت صبية في العشرين من العمر، جميلة وطموحة وهذه العناصر الثلاثة ساعدتها على النجاح سريعًا عندما لعبت بطولة مسلسل «تيريزا» التلفزيوني ما بين 1989 و1991. بالنظر إلى قائمة ممثلي ذلك المسلسل، يكتشف المرء عددًا من الممثلين الآخرين ذوي العروق العربية: عمر شقال، استرديد حدّاد، لورا الملا.. لكن شاءت المقادير جميعًا أن تشق سلمى حايك طريقها بين هؤلاء، بل بين الممثلين الآخرين جميعًا. مسلسلها الثاني كان أميركيًا: حلقة من «عدالة الشارع» سنة 1992 وحلقة من «واصل الحلم» في العام ذاته ثم حلقة أخرى من مسلسل «مكان جاك» في العام التالي، وثلاث حلقات من «سندباد شو» سنة 1993 أيضًا.
بعد أن وجدت نفسها في تلك الأعمال السينمائية الأولى في هوليوود، عادت إلى المكسيك لتولي بطولة فيلم خاص هو «زقاق المدق» لجورج فونس عن رواية الأديب المعروف نجيب محفوظ، ثم عادت إلى الولايات المتحدة لمزيد من الأفلام السريعة مع التكساسي - المكسيكي الأصل روبرت رودريغيز، وبقيت هناك معظم الوقت بعد ذلك لتظهر في أدوار أولى في أفلام مثل «وايلد وايلد وست» (1999) و«سلسلة من الأغبياء» (2000) و«تايم كود» (2001).
لكن تلك المحطّات الفنية هي التي دعمتها كفنانة. بعد «زقاق المدق» جاء دور مشروع خاص آخر هو «فريدا» عن الفنانة المكسيكية فريدا كالو. قالت لي آنذاك: «كان هدية من السماء».
لا عجب أن سلمى تحمّست للمشروع وشاركت في إنتاجه، ولا أن ابنة عم الرسامة فريدا أهدتها عقدًا كانت فريدا تملكه، ولا عجب أيضًا أن حماس سلمى قادها لأن ترسم بضع لوحات نشاهد بعضها في الفيلم فعلاً.
مادونا كانت تريد أن تلعب الدور. روبرت دي نيرو حام حول إحدى الشخصيات الرجالية. إدوارد نورتون ساهم في كتابة بعض المشاهد. لورا سان جياكومو كادت تفوز بالدور الأول لولا إحصاء بين المعجبين بفن فريدا كالو دل على رفضهم لها. ألفرد مولينا، الذي آل إليه الدور الذي حام حوله دي نيرو، زاد 23 كيلوغرامًا على وزنه (ومن يومها ما عاد كما كان عليه قبل ذلك) لكي يفوز بالدور. ومن حسن الحظ أن إخراجه رسا على مخرجة مسرحية وسينمائية تفهم الفن وتقدر اسمها جوليا تايمور.
لكن سنوات كثيرة مرّت تحت جسر ذلك العمل وإلى اليوم. في الأعوام الأخيرة لم تنقطع سلمى عن العمل إما في التمثيل أو في الإنتاج، بل في هذا العام الفاصل في مهنتها تظهر في فيلمين آخرين هما «حكاية الحكايات» الذي عرض في «كان» هذا العام خارج المسابقة، و«أشهر سبتمبر لشيراز» المبرمج للعرض قبيل نهاية العام.
نص الحوار:
* هل حياتك المهنية إلى اليوم أشبه بمراحل متوالية وصولاً إلى ما يبدو شغفك بمشروعك الحالي «جبران»؟
- هي كذلك فعلاً. هي مراحل متتابعة، ولم أكن أدرك أنها كذلك حتى بدأت أعيش حلم تنفيذ هذا الفيلم. كان هاجسًا كبيرًا عندي ولا أذكر متى كانت أول مرّة بدأت أتحدث عن المشروع مع الصحافة حتى من قبل أن أعلم إذا ما كان من المفيد أن أتحدّث عنه في وقت يسبق تنفيذه أم لا.
«جبران» هو بمثابة المشروع الذي هناك قبله وهناك بعده. هل تعرف ما أقصده؟ سعادتي به لا توصف، لأنني في جذوري أنتمي إلى الثقافة التي كانت في جذور (جبران) خليل جبران. ولأن هذه الرواية لها تأثير علي وعلى أجيال كثيرة درستها في الجامعات الأميركية والمكسيكية وغيرها.
* كيف وجدت ترحيب اللبنانيين بك وبالمشروع عندما عرضت الفيلم هناك قبل حين؟
- أكثر من رائع. اللبنانيون فخورون بجبران كثيرًا، ومعهم حق. وجدت النقاشات التي تمّت في بعض الأحيان مثمرة. الفيلم نال إعجاب المشاهدين بصفة غالبة. ولو أنني وجدت نفسي أمام أسئلة لم أكن مستعدة لها. بعضها خاص لا علاقة له بالعمل. لكن لا تفهمني خطأ.. هذا شائع في كل مكان.
* أذكر أن أحد الصحافيين سألك خلال مؤتمر صحافي عن الطعام المكسيكي الذي تجيدينه أكثر من سواه.. والمناسبة كانت فيلم «فريدا».
- (تضحك).. صحيح. هذا مثال. هناك صحافيون لا أعتقد أنهم مهتمون بالعمل بل بالخصوصيات. وهذا ليس شأني وحدي بل شأن كل الممثلين والممثلات.
* كيف تواجهين هذه الأسئلة؟
- أجيب عنها إذا كانت لا تضرني أو إذا لم تكن استفزازية.
* في حديثنا السابق قبل نحو عامين ركزنا على الوجه الإنتاجي أكثر من الحديث عنك كممثلة.
- لكنك لا تستطيع التفريق فعليًا. أصرف وقتًا موازيًا على الإنتاج كما أصرفه على التمثيل.
* هل تجدين أن ذلك مهنة متعبة؟ هل لديك الوقت الكافي لكي تهتمي بشؤونك الخاصة مثلاً؟
- من حسن الحظ ولسبب لا أفهمه.. نعم. أعتقد ما يساعدني كثيرًا على ذلك أن زوجي فرنسوا (فرنسوا - هنري بينو) سعيد بي كزوجة وكامرأة أعمال وكممثلة. نذهب إلى المهرجانات معًا. نسافر معًا والأولاد في الكثير من المرّات. كلانا مشغول بعمله، وكلانا يجد الوقت المناسب لتمضيته مع الآخر.
* معظم أفلامك، من بينها «متوحشون» قبل ثلاثة أعوام و«أميركانو» و«حسب الحظ» تعتمد على شخصيّتك كمكسيكية أو لاتينية. طبعًا في «فريدو» كان لا بد من ذلك.. لكن هل تعتقدين أن هوليوود ترفض أن تنظر إليك كممثلة تستطيعين القيام بأي دور غير لاتيني؟
- لا أوافق على هذا التفسير لسبب مهم، وهو أن الوجود اللاتيني في الولايات المتحدة واسع جدًا. هناك ملايين المكسيكيين والكوبيين والأميركيين اللاتينيين الذين يعيشون هنا. وفي رأيي أنه من الطبيعي أن يتم إسناد الأدوار اللاتينية لممثلين من أصل لاتيني. هذا طبيعي جدًا.
* بعض الأفلام التي ذكرتها كوميدي والبعض ينتمي إلى الأكشن والتشويق.. هل لديك أي تمييز أو تفضيل؟
- أحب الأدوار الكوميدية ولا أمانع الأدوار الأخرى. مثلت في العام الماضي فيلمًا لعبت فيه دور امرأة قاتلة اسمها إيفرلي (عنوان الفيلم أيضا..).
* ومن قبله «بانديداس» و«وحوش»..
- نعم. لكني أحب الأفلام الكوميدية. هي تختلف سواء مثلت شخصيات لاتينية أو غير لاتينية فيها.
* أحد أفلامك الكوميدية الأخيرة كان «راشدون 2»، بينه وبين الجزء الأول ثلاث سنوات. هل شعرت بتطوّر في الشخصية التي مثلتها في هذين الفيلمين؟
- ليس في الشخصية ذاتها. شخصية روكسانا التي أمثلها وباقي الشخصيات تتبع نصًا متتابعًا لا يمكن تغييره تبعًا لفكرة أن الوقت حان الآن لنتحدث عن تطوّر داخلي للشخصية، لأي شخصية. لكن من ناحية أخرى كان العمل هذه المرّة أسهل على الجميع. كلنا عرفنا بعضنا البعض في الفيلم الأول والثاني كان أقرب للقاء أصدقاء.
* هل تجدين نفسك ممثلة كوميدية؟
- طبعًا. منذ البداية والتمثيل الكوميدي يأتي في الاهتمام الأول بالنسبة لي. كما تعلم لم أجد مناسبة لي في السنوات الأولى من عملي لكني منذ عدة سنوات، وأنا أتحين كل فرصة مناسبة لمثل هذه الأدوار.
* تعيشين في فرنسا، لكن الكثير من أفلامك اليوم أميركية.. في الواقع لا علم لي أنكِ مثلتِ فيلمًا فرنسيًا.
- ليس بعد. لكن هناك مشاريع قد تبدد هذا الوضع قريبًا.
* كيف تتصرفين حيال العيش هناك والعمل هنا؟
- عندما أكون في فرنسا لا ذكر مطلقًا لهوليوود. هناك عالم مختلف وهوليوود عالم مختلف آخر. هناك اختلاف وبعض المشقات. عندما يكون الوقت نهارًا في أوروبا يكون الوقت ليلاً في هوليوود، وهذا يجعل أوقات العمل تختلف. أيضًا مكان العمل ليس قريبًا من البيت والعكس صحيح بالطبع. لكن الحياة في باريس تمنحني القدرة على التركيز على العائلة وخدمتها.
* هل كان الأمر أبسط قبل دخولك بقوّة في الإنتاج وقبل الزواج طبعًا؟
- نعم بالتأكيد. لكن الزواج والأسرة أمر طبيعي يجب أن لا يتوقف بسبب الشواغل. لكن أنا امرأة تحب العمل ولا تهاب كثرة المشاريع. هناك الكثير من الأفكار التي تراودني والمشاريع التي تصل إليّ وخلال السنوات الماضية طوّرت بنجاح كيفية التعامل مع الشواغل.
* إذن تنتظرين الآن بدء عرض «النبي» في أميركا. هل من أفكار؟
- أتمنى للفيلم النجاح. لكن كما ذكرت هذا فيلم خاص، ومعظم الجمهور سيكون خاصًا أيضًا. ما يسعدني هو أنه يتوجه لجيل جديد برسالات جميلة حول الحياة والحرية. إن مثل كتاب «النبي» عمل روحاني في المقام الأول، وأعتقد أننا صنعنا فيلمًا مسليًا في الوقت نفسه.
* قد يدخل الأوسكار؟
- آمل ذلك وأعتقد أنه يستحق دخول المسابقة بلا شك.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».