هل عاد «داعش» بإطلالة جديدة؟

أحد مقاتلي «داعش» في الرقة عام 2014 (رويترز)
أحد مقاتلي «داعش» في الرقة عام 2014 (رويترز)
TT

هل عاد «داعش» بإطلالة جديدة؟

أحد مقاتلي «داعش» في الرقة عام 2014 (رويترز)
أحد مقاتلي «داعش» في الرقة عام 2014 (رويترز)

أظهرت عمليات متتابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي نمواً متصاعداً للقدرات وتنوعاً في جبهات النشاط التي توزعت بين أكثر من قارة. ونفّذ موالون للتنظيم (الخميس) عملية في الكونغو الديمقراطية أسفرت عن مقتل 44 شخصاً، بعد تبني هجمات في سوريا والعراق أسفرت عن مقتل أكثر من 60 شخصاً، فضلاً عن نمو الشكوك بشأن مسؤوليته عن قتل حاكم إقليم بلخ في أفغانستان.
ومنذ إعلان العراق عام 2017 نهاية عملياته لإسقاط «داعش»، لم يتمكن التنظيم من إعلان سيطرته على منطقة معينة؛ لكن -حسب خبراء- يبدو أنه «لجأ إلى أسلوب (الذئاب المنفردة) لتنفيذ عمليات في أماكن متعددة حول العالم»، خاطفاً في الوقت ذاته «الاهتمام» من غريمه (تنظيم «القاعدة»). أفريقياً، جاء التعبير الأحدث عن قدرات «داعش»، إذ شن مهاجمون يُعتقد على نحو واسع أنهم تابعون لـ«القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لـ(داعش) هجمات في الكونغو الديمقراطية تسببت في مقتل العشرات.
ويُرجع المراقبون الهجوم إلى عناصر «داعش» لأنهم «يشنون هجمات مميتة على نحو متكرر على القرى باستخدام المناجل والفؤوس في بعض الأحيان». وقال مسؤول محلي لـ«رويترز» (الخميس)، إن «طريقة الهجوم تشير إلى ضلوع (القوات الديمقراطية المتحالفة الموالية لداعش) لأنه لم يتم إطلاق رصاص».
وفي أفغانستان، قالت الشرطة الأفغانية إن «انفجاراً وقع في مكتب حاكم إقليم بلخ التابع لإدارة طالبان شمالي البلاد (الخميس) مما أسفر عن مقتله مع اثنين آخرين». وسبق أن أعلن «داعش» الخصم الرئيسي لحركة «طالبان» في أفغانستان، مسؤوليته عن سلسلة من الهجمات الدموية في أفغانستان في الأشهر الأخيرة، بعضها على أهداف مدنية والبعض الآخر استهدف قوات أمن تابعة لـ«طالبان».
وفي الشهر ذاته، استهدف «داعش» سفارة باكستان في كابل. وأدى تفجير انتحاري قرب وزارة الخارجية في كابل، تبنّاه «داعش - ولاية خراسان» في يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى مقتل 10 أشخاص وإصابة 35 آخرين بجروح. كما أعلن «داعش»، الاثنين الماضي، مسؤوليته عن هجوم انتحاري استهدف آلية تابعة للشرطة في باكستان، وأسفر عن مقتل تسعة شرطيين وجرح 16 آخرين.
ويرى خبير مكافحة الإرهاب الدولي بمصر العقيد حاتم صابر، أن «تنظيم (داعش) أخذ الشهور الماضية (وقفة تعبوية) من أجل توحيد صفوفه، وها هو الآن يُنفّذ أكثر من عملية في أكثر من قارة». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «توقف (داعش) عن العمليات الإرهابية، كان بسبب الهزيمة، التي مُني بها في العراق عام 2017 ثم عاد من جديد لتنفيذ عمليات (إرهابية)».
ورغم تأكيده أن العالم بصدد «إطلالة جديدة بالفعل لتنظيم (داعش)»؛ فإن صابر يقول إن التنظيم «ليس بنفس القوة التي كان عليها قبل 2017، فلن يتكرر أن يحصل (داعش) على مساحة أرض واسعة، ويحاول أن يُقيم (دولته المزعومة)؛ بينما سيواصل عملياته النوعية، عبر أفرعه الخارجية أو (الذئاب المنفردة)، وذلك في أماكن متعددة من العالم من أجل تحقيق أهدافه السياسية».
ومُني «داعش» الذي سيطر في 2014 على مناطق واسعة في سوريا والعراق، بهزيمة أولى في العراق في 2017، ثم في سوريا 2019، وخسر كامل مناطق سيطرته. إلا أن «بعض عناصره المتوارين لا يزالون يشنون هجمات محدودة في البلدين، وفي دول أخرى»، حسب مراقبين.
وفي فبراير (شباط) الماضي، شنت القوة الجوية العراقية غارة جوية استهدفت مخبأ لـ«داعش» في جبال حمرين شمال شرقي العراق، ما أسفر عن مقتل 3 من مقاتلي التنظيم، حسب بيان صادر عن «العمليات المشتركة العراقية». ويقدر الباحث المصري في الحركات الإسلامية والإرهاب أحمد سلطان، أن «النطاق الواسع لهجمات (داعش) يعطي إيحاءات بأنه تنظيم قوي، ومُنتشر أكثر من ذي قبل، رغم أنه يتراجع بشكل واضح منذ عام 2019، وهذا التراجع استناداً إلى الإحصائيات التي يُعلنها التنظيم عبر منصاته الإعلامية من وقت لآخر».
وأضاف أن «(داعش) يعتمد على (استراتيجية الحرب الاستنزافية الطويلة) عبر أفرعه، حيث تظل الأفرع نشطة مع نشاط التنظيم في سوريا والعراق، وهو ما يُعطي زخماً لعمليات التنظيم»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك نشاطاً للتنظيم في غرب أفريقيا، وفرع وسط أفريقيا بدأ ينشط بشكل أوسع».
وشهدت بوركينا فاسو (غرب أفريقيا)، الاثنين الماضي، مقتل 12 مدنياً. ومنذ 2015 تكافح بوركينا فاسو تمرداً عنيفاً تشنّه جماعات مرتبطة بتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، بدأ في مالي المجاورة عام 2012، وامتد إلى دول أخرى جنوب الصحراء الكبرى.
أما في ألمانيا فقد أعلنت الشرطة في نهاية يناير الماضي، مقتل شخصين في الأقل وإصابة عدد آخر في هجوم بسكين في قطار إقليميّ بشمال ألمانيا. ويرى المراقبون أن «السلطات الألمانية كانت في حالة تأهب خلال السنوات الأخيرة لمواجهة أي تهديد (إرهابي)، لا سيما منذ هجوم بشاحنة في برلين أسفر عن مقتل 12 شخصاً في ديسمبر (كانون الأول) 2016 وتبناه (داعش)». وكانت ألمانيا قد أعلنت في 21 ديسمبر الماضي، إلقاء القبض على رجل يُشتبه في أنه مقاتل سابق ضمن صفوف «داعش»، وذلك لدى عودته إلى ألمانيا.
ويعتقد العقيد حاتم صابر أن «(داعش) خطف الأضواء من تنظيم (القاعدة)، بدليل المستوى العملياتي المتزايد لـ(داعش) أخيراً مقارنةً بعمليات (القاعدة)». ودائماً ما يُنظر إلى «داعش» و«القاعدة» بوصفهما تنظيمين متنافسين على المشهد المتطرف؛ إذ يشير تقدم أحد التنظيمين على صعيد الإرهاب العالمي إلى خسارة أكيدة لدى الطرف الآخر، وهو الأمر الذي تكرر مع صعود «داعش» من قبل على حساب «القاعدة»، عندما ضعف التنظيم، وفرّ كثير من عناصره.
واستهدف التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في السنوات الماضية كثيراً من قادة «داعش» ممن فروا إلى محافظة إدلب بعد انهيار التنظيم عسكرياً عام 2019، وبين هؤلاء زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي (قُتل في أكتوبر «تشرين الأول» 2019)، وخليفته أبو إبراهيم القرشي (قُتل في فبراير 2021)، وكل منهما قضى في هجوم شنته وحدات خاصة أميركية على الحدود السورية مع تركيا. كما قُتل زعيم «داعش» السابق أبو الحسن القرشي (في نوفمبر «تشرين الثاني» الماضي) بمحافظة درعا الجنوبية. ولا يُعرف الكثير عن الزعيم الأخير لـ«داعش» أبو الحسين الحسيني القرشي. وأيّد الباحث سلطان تقييم تفوق «داعش» على «القاعدة» في كثير من المناطق، لكنه أشار إلى استمرار «قوة (القاعدة) في الساحل والقرن الأفريقي، فالتنظيمان بينهما صراع على قيادة الحركة الجهادية العالمية، وهو صراع مستمر، وكل منهما يحاول سرقة الأضواء وجذب المقاتلين من التنظيم الآخر».
وقال سلطان: «(داعش) أنشط من ناحية العمليات، واستطاع الحفاظ على وجوده، واستغل غياب زعيم تنظيم (القاعدة) السابق أيمن الظواهري، وعدم الإعلان عن زعيم جديد لـ(القاعدة)، في جذب عناصر (القاعدة)، الذي عانى أخيراً من الضعف».
ولا يعلن «القاعدة» منذ فترة عن عمليات جديدة؛ لكنّ زعيم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب»، أبو عبيدة يوسف العنابي، ذكر في مقابلة مع قناة «فرنسا 24»، الأربعاء الماضي، أن «(القاعدة) يحتجز الصحافي الفرنسي أوليفييه دوبوا، الذي اختُطف في مالي عام 2021».


مقالات ذات صلة

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

شؤون إقليمية مروحيتان حربيتان تركيتان تشاركان في قصف مواقع لـ«العمال الكردستاني» شمال العراق (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

أعلنت تركيا تطهير مناطق في شمال العراق من مسلحي «حزب العمال الكردستاني» المحظور، وأكدت أن علاقاتها بالعراق تحسنت في الآونة الأخيرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا جهاز مكافحة الإرهاب في ألمانيا (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: حملة تفتيشات جديدة بحثاً عن إرهابيين سابقين في «الجيش الأحمر»

تُعد جماعة «الجيش الأحمر»، التي تأسست في عام 1970، إحدى أبرز الجماعات اليسارية بألمانيا الغربية السابقة في فترة ما بعد الحرب حيث تم تصنيفها هناك جماعة إرهابية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شمال افريقيا عناصر الشرطة الألمانية في حملة مداهمات سابقة (غيتي)

ألمانيا تحيل 4 يُشتبه بانتمائهم لـ«حماس» للمحاكمة بتهمة جمع أسلحة

مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا: «(حماس) نظمت عمليات تخبئة أسلحة في دول أوروبية مختلفة لتنفيذ هجمات محتملة ضد مؤسسات يهودية وغربية في أوروبا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.