رحلة «نتفليكس»... الشبكة التي اصطادت العيون

من مكتب صغير لتأجير الأفلام إلى أكبر منصة ترفيهية

رحلة «نتفليكس»... الشبكة التي اصطادت العيون
TT

رحلة «نتفليكس»... الشبكة التي اصطادت العيون

رحلة «نتفليكس»... الشبكة التي اصطادت العيون

ليست المسلسلات ظاهرة طارئة على المشهديّة الترفيهية. أول مسلسل بثّه تلفزيون «بي بي سي» سنة 1946 وتَحلّق حوله المشاهدون، تألّف من 10 حلقات وكان يُدعى «بنرايتس بروغرس Pinwright’s Progress»، لتكرّ بعده المسلسلات بالأسود والأبيض ثم بالألوان، والتي كان ينتظرها مُشاهد الأمس كما يفعل مُشاهد اليوم. الفارق بين الأمس واليوم كبير، إنما غير وحيد؛ وهو أن المتفرّج في الماضيين البعيد والقريب، لم يكن قادراً على اختيار توقيت المُشاهدة، بل كان يُفرَض التوقيت عليه.


مشهد من Pinwright’s Progress ، أول مسلسل عرضته BBC عام 1946
كم مرة حاول الناس ماضياً أن يختصروا دوامهم في العمل، أو أن يعتذروا عن دعوة إلى العشاء؛ حتى لا يفوّتوا حلقة جديدة من مسلسلهم المفضّل؟ كم مرّة سجّلوا الحلقة على آلة الفيديو كي يستطيعوا مشاهدتها في وقتٍ لاحق؟ وكم مرة تذمّروا لأنّهم فوّتوا حلقة من «دالاس»، أو «داينستي»، أو حتى «فريندز»؟
إلى أن جاء الخلاص من داخل مكتبٍ صغير في كاليفورنيا، انطلق عام 1997 لبيع وتأجير الأقراص المدمجة DVD عبر البريد الإلكتروني، ليتحوّل بعد 10 سنوات إلى أهمّ خدمة بث رقمي للمسلسلات والأفلام. في عام 2007، وُلد ما يُعرف بالفيديو حسب الطلب أو Video on Demand VOD. إنها «نتفليكس»، أو أقوى الثورات الترفيهية في الألفيّة الثالثة.
كان على العالم العربي أن ينتظر 9 أعوام حتى تَصلَه تلك الثورة. فمع بداية 2016، دخلت المنصة العالمية رسمياً وشرعياً إلى البيوت العربية. سرعان ما تحوّلت إلى رفيقة الكل، كباراً وصغاراً، مجموعاتٍ وفرادى. تؤنس وحدتهم، ترفّه عنهم، تجمعهم، وتتيح لهم مشاهدة ما يريدون، بمزاجهم، وفي التوقيت الذي يحددون والأهم، من دون إعلاناتٍ تزعجهم.


شعار منصة نتفليكس (رويترز)
«بيت من ورق»... صلبٌ ومتين
استلزمت التحوّلات الجذريّة في مسيرة المنصة سنوات من التفكير والدراسات. صحيح أن البث بدأ سنة 2007، إلا أن الإنتاجات الخاصة المعروفة بـNetflix Originals لم تظهر سوى في عام 2013.
كانت الانطلاقة الحقيقية لإنتاجات «نتفليكس» مع «بيت من ورق House of Cards» في فبراير (شباط) 2013. افتتح ذاك المسلسل حقبة جديدة في تاريخ منصات البث الرقمي، وأحدثَ ضجة هائلة، ليس لكونه باكورة الإنتاجات الخاصة فحسب، بل لمحتواه المثير للجدل. معه، ثَبُت أن الاهتمام كبير بكواليس عالم السياسة. إذ يروي المسلسل حكاية صعودِ فرانك أندروود (يؤدي الدور كيفن سبايسي) إلى سدّة الرئاسة الأميركية، معتمداً بالتعاون مع زوجته كلير (روبن رايت)، كل الأساليب الملتوية واللاأخلاقية من أجل الوصول.


حظي المسلسل بحملة تسويقية ضخمة. حتى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ذكره في مقابلات وتغريدات عدّة. وقد نتج من تلك الفَورة، ارتفاع لافت في أسهُم «نتفليكس» في البورصة. ومنذ الموسم الأول لـ«هاوس أوف كاردز»، تحوّلت الشركة إلى إنتاج المسلسلات والأفلام، ولم تعد تكتفي ببث ما ينتجه سواها. كما أنها كسرت حينها محظوراتٍ كثيرة، فتجرأت على بث موسمٍ كامل دفعة واحدة، مكرّسة بذلك ظاهرة الـbinge - watch أو مشاهدة الحلقات كلها في جلسة واحدة، كاسراً محظوراً آخر، دخل المسلسل سباق الـ«إيمي» Emmy Awards والـ«غولدن غلوب» حاصداً جوائز عدة، ما شكّل اعترافاً رسمياً وسط المحافل الفنية العالمية، بإنتاجات «نتفليكس» الخاصة.
مع مرور المواسم بدأت أوراق المسلسل تتهاوى، وسط انتقاداتٍ متمحورة حول التكرار والنصوص المملّة والمشاهد غير المنطقيّة. وقد عزّز ذلك خروج الممثل سبايسي بعد الموسم الخامس، لاتهامه بفضائح جنسية. فكان الموسم السادس الورقة الأخيرة في بيتٍ انطلقَ متيناً ثم تهاوى، لكنه بقي علامة فارقة ونقطة تحوّل في تاريخ منصات البث.

* «هاوس أوف كاردز» بالأرقام
- عدد المواسم 6 (2013 - 2018)
- الميزانية التقديرية 5 ملايين دولار بالحلقة
- سهم «نتفليكس» بعد الموسم الأول من 174 إلى 216$
- عدد المشتركين الجدد بعد الموسم الأول 3 ملايين
- عدد مشاهدي الموسم الثاني بعد 48 ساعة من بثه 670000
- أهم الجوائز: 7 «إيمي» و2 «غولدن غلوب»

البحث عن هوية عربية
فتح «هاوس أوف كاردز» شهية «نتفليكس» على النجاحات والإنتاجات، فتوالت المسلسلات التي شكّلت ظواهر وانتشرت على نحوٍ واسع. النجاح التالي الذي كان بانتظار المنصة العالمية، أتى مع «البرتقالي هو الأسود الجديد Orange is the New Black». بين الدراما والكوميديا تَأرجح المسلسل الاجتماعي، وسط ترحيب الجمهور الذي واظب على متابعته لـ7 مواسم متتالية.
في صيف 2015، أهدت «نتفليكس» مشاهديها مسلسلاً سرق وقتهم والقلوب. إلى البيوت دخل ملك التهريب بابلو إسكوبار من خلال «ناركوس»، الذي صُوّر في كولومبيا وامتدّ 3 مواسم. جذب عالم المافيا وأسطورة بارون كارتل المخدرات الأشهر على الإطلاق، المشاهدين الذين صنّفوه من أقوى مسلسلات «نتفليكس».

لم تكد تمرّ أشهر على انطلاقة «ناركوس»، حتى أصدرت المنصة الأميركية سلسلة أعمال لاقت انتشاراً واسعاً، لعل أبرزها «أشياء غريبة Stranger Things» الذي ما زال حتى الساعة، يشعل أرقام المشاهَدات. وفي عام 2016 كذلك، تحلّق الجمهور حول مسلسلاتٍ كـ«لوسيفير Lucifer»، و«التاج The Crown».
مع توسّع «نتفليكس» خارج الحدود الأميركية ودخولها إلى أكثر من 190 بلداً، صار لا بدّ من إنتاج مسلسلات من الشرق والغرب وناطقة بكل اللغات، لتحاكي الجماهير الجديدة. وبعد ظاهرة «لا كاسا دي بابيل La Casa de Papel» الإسبانية سنة 2017، حان دور العالم العربي الذي قررت «نتفليكس» دخوله من بوابة الأردن وتحديداً من زاوية الخيال والأساطير والجان.
أبصر أول مسلسل عربي من إنتاج المنصة العالمية النور في يونيو (حزيران) 2019، إلا أن «جن» لم يحصد النجاح الجماهيري ولا الأصداء التي حصدها العمل الأردني الثاني «مدرسة الروابي للبنات» (2021).


لم يمرّ المسلسل من دون إثارة جدليّة واسعة، وانقسامٍ في الآراء حول محتواه الجريء إنّما الواقعيّ. ورغم الأصوات المعترضة، فقد حقق العمل انتشاراً واسعاً على امتداد العالم العربي؛ نظراً لمواضيعه الطالعة من صلب المجتمع، كالتنمّر، والتحرّش الجنسي، وجريمة الشرف، وغيرها. وتأكيداً لنجاح الموسم الأول، قررت «نتفليكس» إنتاج موسمٍ ثانٍ من «مدرسة الروابي» من المتوقّع أن يُعرض قريباً.
وفيما يبدو خطّة توسّعية لـ«نتفليكس» مستمرة منذ أكثر من 4 أعوام على امتداد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، استثمرت المنصة وما زالت، الجهود ورأس المال في إنتاج أعمال عربية أخرى. ومن مسلسلات «نتفليكس» العربية الأصلية: «دولار» (2019)، «ما وراء الطبيعة» (2020)، «أبلة فاهيتا: دراما كوين» (2021)، و«البحث عن عُلا» (2022)، و«الصفقة» (2023).

 


مقالات ذات صلة

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

يوميات الشرق شعار منصة البث المباشر «نتفليكس» (رويترز)

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

كشف موقع «داون ديتيكتور» لتتبع الأعطال، عن أن منصة البث المباشر «نتفليكس» عادت إلى العمل، اليوم (السبت)، بعد انقطاع استمرّ نحو 6 ساعات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق مسلسل «Monsters» يعيد إلى الضوء جريمة قتل جوزيه وكيتي مينينديز على يد ابنَيهما لايل وإريك (نتفليكس)

قتلا والدَيهما... هل يُطلق مسلسل «نتفليكس» سراح الأخوين مينينديز؟

أطلق الشقيقان مينينديز النار على والدَيهما حتى الموت عام 1989 في جريمة هزت الرأي العام الأميركي، وها هي القصة تعود إلى الضوء مع مسلسل «وحوش» على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق ليلي كولينز بطلة مسلسل «إميلي في باريس» (رويترز)

لماذا تفجر «إميلي في باريس» مواجهة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا؟

انفتحت جبهة جديدة في التاريخ الطويل والمتشابك والمثير للحقد في بعض الأحيان للعلاقات بين إيطاليا وفرنسا، والأمر يدور هذه المرة حول مسلسل «إميلي في باريس».

«الشرق الأوسط» (باريس- روما)
يوميات الشرق His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

يخرج فيلم «His Three Daughters» عن المألوف على مستوى المعالجة الدرامية، وبساطة التصوير، والسرد العالي الواقعية. أما أبرز نفاط قوته فنجماته الثلاث.

كريستين حبيب (بيروت)

«الفيوم السينمائي» يراهن على «الفنون المعاصرة» والحضور الشبابي

إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
TT

«الفيوم السينمائي» يراهن على «الفنون المعاصرة» والحضور الشبابي

إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)

يراهن مهرجان «الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة» في نسخته الأولى التي انطلقت، الاثنين، وتستمر حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي على الفنون المعاصرة والحضور الشبابي، مع تقديم عدد من العروض في جامعة الفيوم.

وشهد حفل انطلاق المهرجان تكريم الممثلة المصرية إلهام شاهين، والمنتجة التونسية درة بو شوشة، إضافة إلى الممثل المصري حمزة العيلي، مع حضور عدد من الفنانين لدعم المهرجان، الذي استقبل ضيوفه على «سجادة خضراء»، مع اهتمامه وتركيزه على قضايا البيئة.

وتحدثت إلهام شاهين عن تصويرها أكثر من 15 عملاً، بين فيلم ومسلسل، في الفيوم خلال مسيرتها الفنية، مشيدة خلال تصريحات على هامش الافتتاح بإقامة مهرجان سينمائي متخصص في أفلام البيئة بموقع سياحي من الأماكن المتميزة في مصر.

وأبدى محافظ الفيوم، أحمد الأنصاري، سعادته بإطلاق الدورة الأولى من المهرجان، بوصفه حدثاً ثقافياً غير مسبوق بالمحافظة، مؤكداً -في كلمته خلال الافتتاح- أن «إقامة المهرجان تأتي في إطار وضع المحافظة على خريطة الإنتاج الثقافي السينمائي التي تهتم بالبيئة والفنون المعاصرة».

جانب من الحضور خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

وبدأ المهرجان فعالياته الثلاثاء بندوات حول «السينما والبيئة»، ومناقشة التحديات البيئية بين السينما والواقع، عبر استعراض نماذج مصرية وعربية، إضافة إلى فعاليات رسم الفنانين على بحيرة قارون، ضمن حملة التوعية، في حين تتضمن الفعاليات جلسات تفاعلية مع الشباب بجانب فعاليات للحرف اليدوية، ومعرض للفنون البصرية.

ويشهد المهرجان مشاركة 55 فيلماً من 16 دولة، من أصل أكثر من 150 فيلماً تقدمت للمشاركة في الدورة الأولى، في حين يُحتفى بفلسطين ضيف شرف للمهرجان، من خلال إقامة عدة أنشطة وعروض فنية وسينمائية فلسطينية، من بينها فيلم «من المسافة صفر».

وقالت المديرة الفنية للمهرجان، الناقدة ناهد صلاح: «إن اختيارات الأفلام تضمنت مراعاة الأعمال الفنية التي تتطرق لقضايا البيئة والتغيرات المناخية، إضافة إلى ارتباط القضايا البيئية بالجانب الاجتماعي»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» حرصهم في أن تراعي الاختيارات تيمة المهرجان، بجانب إقامة فعاليات مرتبطة بالفنون المعاصرة ضمن جدول المهرجان.

وأبدى عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة، الناقد السعودي خالد ربيع، حماسه للمشاركة في المهرجان بدورته الأولى، لتخصصه في القضايا البيئية واهتمامه بالفنون المعاصرة، وعَدّ «إدماجها في المهرجانات السينمائية أمراً جديراً بالتقدير، في ظل حرص القائمين على المهرجان على تحقيق أهداف ثقافية تنموية، وليس فقط مجرد عرض أفلام سينمائية».

إلهام شاهين تتوسط عدداً من الحضور في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «تركيز المهرجان على تنمية قدرات الشباب الجامعي، وتنظيم ورش متنوعة لتمكين الشباب سينمائياً أمر يعكس إدراك المهرجان للمسؤولية الثقافية والاجتماعية، التي ستُساعد في دعم المواهب الشبابية في الفيوم»، لافتاً إلى أن «اختيارات لجنة المشاهدة للأفلام المتنافسة على جوائز المهرجان بمسابقاته الرسمية ستجعل هناك منافسة قوية، في ظل جودتها وتميز عناصرها».

يذكر أن 4 أفلام سعودية اختيرت للمنافسة في مسابقتي «الأفلام الطويلة» و«الأفلام القصيرة»؛ حيث يشارك فيلم «طريق الوادي» للمخرج السعودي خالد فهد في مسابقة «الأفلام الطويلة»، في حين تشارك أفلام «ترياق» للمخرج حسن سعيد، و«سليق» من إخراج أفنان باويان، و«حياة مشنية» للمخرج سعد طحيطح في مسابقة «الأفلام القصيرة».

وأكدت المديرة الفنية للمهرجان أن «اختيار الأفلام السعودية للمشاركة جاء لتميزها فنياً ومناسبتها لفكرة المهرجان»، لافتة إلى أن «كل عمل منها جرى اختياره لكونه يناقش قضية مختلفة، خصوصاً فيلم (طريق الوادي) الذي تميز بمستواه الفني المتقن في التنفيذ».