شهدت الساحة السياسية في تركيا تطورات متلاحقة مع اقتراب انطلاق الحملات الانتخابية بشكل رسمي بعد الإعلان المرتقب لموعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في 14 مايو (أيار) المقبل عبر الجريدة الرسمية غدا (الجمعة).
وبينما كشف حزب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة عن «الأفيش» الأول للحملة الدعائية لمرشح المعارضة رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو، عقد الرئيس رجب طيب إردوغان اجتماعاً مع رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بشهلي شريكه في «تحالف الشعب» استمر لمدة ساعة و15 دقيقة بالقصر الرئاسي في بيشتبه في أنقرة. وأثار الاجتماع العديد من التكهنات بشأن ما إذا كان إردوغان وبهشلي ناقشا مسألة توسيع «تحالف الشعب»، الذي يضم مع حزبيهما حزب «الوحدة الكبرى» بشكل غير رسمي، حتى يتمكن التحالف من مواجهة تكتل أحزاب المعارضة في الانتخابات.
في الوقت ذاته، نفت رئيسة حزب «الجيد» ميرال أكشينار، التي تسببت في أزمة في صفوف «طاولة الستة» لأحزاب المعارضة أشعلت التوتر السياسي في أنقرة لمدة 3 أيام قبل أن تعود عن قرارها الانفصال عن الطاولة والقبول باختيار كليتشدار أوغلو كمرشح مشترك للطاولة، ما تردد من مزاعم حول عقدها لقاءً سرياً مع إردوغان من أجل الانضمام إلى «تحالف الشعب». وقالت أكشينار، في مقابلة تلفزيونية ليل الثلاء – الأربعاء: «حتى الآن، لم يفعل السيد طيب (إردوغان) أي شيء للتحدث معي. لم أعقد أبداً أي اجتماع سري معه. أود أن أقول إذا حدث ذلك سيبدو الأمر وكأنني أغمز والسيد طيب يركض، لا يوجد شيء من هذا القبيل في الواقع، كلانا لديه موقف صعب من الآخر، ولدينا معركة صعبة... لن أنسى ما قاله السيد إردوغان في 31 مارس (آذار) العام الماضي، قال: سأقوم باعتقالك، ليس لديك حصانة... ومن وقت لآخر يلقي مثل هذه الخطابات ويتهمني تارة بأنني متحالفة مع حزب الشعوب الديمقراطية (مؤيد للأكراد) وتارة بأنني أنتمي إلى تنظيم فتح الله غولن».
- سجال حول الأكراد
وبشأن الجدل الذي تفجر عقب دعوة الرئيس المشارك لحزب «الشعوب الديمقراطية» مدحت سانجار، الذي يتهمه إردوغان بأنه ذراع لحزب «العمال الكردستاني»، لمرشح المعارضة المشترك كمال كليتشدار أوغلو، لزيارتهم في مقر الحزب، قالت أكشينار: «يمكن للسيد كليتشدار أوغلو أن يلتقي حزب الشعوب الديمقراطية كرئيس ومرشح في الوقت نفسه من جانب حزب الشعب الجمهوري، لكن لا يمكنه طرح مطالبه على طاولة الستة، أو أن يكون جزءاً من الطاولة».
ورد الرئيس المشارك السابق لحزب «الشعوب الديمقراطية»، السجين، صلاح الدين دميرطاش، أمس الأربعاء، على تصريحات أكشينار برسالة موجهة إليها عبر حسابه على «تويتر» الذي يديره محاميه، مشيراً إلى أنه يكتب إليها بهويته الانتخابية وانتمائه إلى «الشعوب الديمقراطية».
وقال: «لقد توليت أنت والمرشح الرئاسي لتحالف الأمة، السيد كمال كليتشدار أوغلو، مهمة صعبة في فترة تاريخية، بادئ ذي بدء أقول لك حظاً سعيداً وأتمنى لك التوفيق. بقدر ما أستطيع أن أرى أن قادة أحزاب أخرى غير حزبك يريدون جمع كل الناخبين، بمن في ذلك ناخبو حزب الشعوب الديمقراطية، على أمل التحول الديمقراطي، إذا قلت نحن ضد اتخاذ حزب شرعي كمحاور لنا، يجب أن أشير على الفور إلى أنني منحت حزب الشعوب الديمقراطية واجب ومسؤولية حماية حقوقي السياسية، تماما كما يفعل ناخبو حزب الجيد والأحزاب الأخرى».
وأضاف أن «حزب الشعوب الديمقراطية حصل على شرعيته من الشعب تماما مثل الأحزاب الأخرى. علاوة على ذلك، أظهر الجمهور اهتماماً أكبر بالشعوب الديمقراطية، أكثر من حزبك، مما جعله الطريق الثالث في تركيا. أنت بالفعل جنباً إلى جنب مع حزب الشعوب الديمقراطية في البرلمان وتجلسين على الطاولة نفسها في اللجان... أرى فائدة كبيرة في توضيح بعض القضايا من أجل الفهم بشكل أفضل، كجزء من تحالف الأمة، كانت لديك مفاوضات مريرة حتى مع الأطراف في تحالفك، فلماذا سياسة التفاوض حق لك وليست حقاً لحزب الشعوب الديمقراطية؟... أنا متأكد من أنك لا ترين ناخبي حزبنا كمواطنين من الدرجة الثانية من دون قوة إرادة. في هذه الحالة، كيف يمكن أن يكون هناك أي ضرر في مفاوضات حزب الشعوب الديمقراطية مع المرشح الرئاسي الذي سيصوت لصالحه؟ ما ورد في وثيقة خريطة الطريق الصادرة عن طاولة الستة ليست شيئاً سرياً، إذا قرر حزب الشعوب الديمقراطية تقديم الدعم، فمن المرجح أن يصبح السيد كليتشدار أوغلو رئيساً وستكونين نائباً للرئيس بحسب خريطة الطريق. بالإضافة إلى ذلك، سيتولى حزبك حقائب وزارية».
وواصل دميرطاش قوله: «في هذه الحالة، يجب أن أسأل بصراحة: هل تريدين تصويتنا كناخبين من حزب الشعوب الديمقراطية؟ كيف تنوين إقناعي بالتصويت لك لتجلسي على مقعد نائب الرئيس ويتسلم حزبك حقائب وزارية بأصواتي؟... بالمناسبة، أود أن أذكرك أنك لم تقولي لا أريد أصوات حزب الشعوب الديمقراطية التي مكنت مرشحي تحالف الأمة من الفوز في الانتخابات المحلية عام 2019... الآن لا تريدين حزب الشعوب الديمقراطية رغم تصريح رئيسه بأنه لن يطلب من السيد كليتشدار أوغلو غير تحقيق مبادئ الديمقراطية؟».
وقال: «صرحت بأن حزب الشعب الجمهوري يمكنه إقامة حوار مع حزب الشعوب الديمقراطية، لكنه لا يمكنه تقديم تنازلات، ولا يمكنه طرح مطالبه على هذه الطاولة، فهل تعتبر المطالبة بالديمقراطية تنازلات؟ إذا وصلت إلى السلطة ولم تطرحي مطالب الشعوب الديمقراطية على طاولتك، فما هي الطاولة التي توصينا بها؟ هل تفكرين في توجيهنا إلى (طاولة مكافحة الإرهاب) مرة أخرى، كما كانت منذ خمسين عاماً؟».
وأضاف دميرطاش: «لن يقبل ناخبو حزب الشعوب الديمقراطية وناخبوه أبداً نهجاً من وجهة نظر متعجرفة تسعى للفرض والهيمنة، والتفاوض يجب أن يكون بين أنداد... أعرف أننا أكراد... نحن على حق في حالتنا، نحن لا نتبنى أي طريقة أخرى غير حل مشاكلنا في مجال السياسة الديمقراطية، بشكل سلمي، من خلال الحديث بطريقة حديثة. هل هناك طريقة أخرى تقترحينها؟».
- فوائد أزمة أكشينار
وعلقت أكشينار خلال المقابلة على الأزمة التي أثارتها يوم الجمعة الماضي والألفاظ الحادة التي اختارتها ضد «طاولة الستة»، قائلة إنها هي من كتبت النص بيدها، وإنه أحيانا يكون الطريق مغلقا أمامك فتعبّر عما بداخلك بلا توقف طويل أمام الأحداث.
واعتبر رئيس حزب «المستقبل»، أحمد داود أوغلو، أن الأزمة التي مرت بها «طاولة الستة» عقب مغادرة أكشينار كانت مفيدة أيضاً، لأنه في السياسة أحيانا ما تفيد الأزمات.
وقال داود أوغلو، في مقابلة تلفزيونية الأربعاء: «إذا كان هدفك هو إعطاء الأمل للأمة، فلن تركز على المنصب... السيدة أكشينار خاضت كفاحاً مهماً وصعباً قبل انفصالها عن حزب الحركة القومية، وربما تكون هي أكثر سياسي انضباطاً وصرامة في تركيا، عاشت صراعاً صعباً وصنعت قصة نجاح من خلال تأسيس حزب الجيد، ويجب أن تتوج هذه التضحيات الآن».
وأضاف «أعتقد أن التصريحات التي أدلت بها السيدة أكشينار الليلة الماضية كانت أهم الأشياء في هذه العملية، اتصلت بها وهنأتها وشكرتها، لقد كنا قريبين كعائلة لفترة طويلة، لذلك يجب أن أقف إلى جانبها عندما يتم الافتراء عليها. نعم وقعت أزمة، لكن هذه الأزمة كانت مفيدة، لأن حلها جعل الضربة التي لا تقتل تقوي، لهذا السبب كان من المهم أن تحضر السيدة أكشينار اجتماع إعلان المرشح المشترك».
في السياق ذاته، توقع الكاتب والمحلل السياسي، فكرت بيلا، أن يجعل حصول مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو على دعم حزب «الشعوب الديمقراطية» والأحزاب اليسارية المتحالفة معه، فرصته في الفوز بالرئاسة عالية جداً وأن يحصل على نسبة تتراوح بين 55 و60 في المائة من الأصوات.
- حملة كليتشدار أوغلو
إلى ذلك، كشف نائب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب «الشعب الجمهوري»، أنجين أوزكوتش الأفيش الأول للحملة الانتخابية لكليتشدار أوغلو، والذي حمل صورته وعبارة «أنا كمال قادم» وفي الخلفية وضعت مجموعة من الصور التي ترتبط بأحداث شهدتها تركيا كشفت الأداء السلبي للحكومة في بعض الحوادث المهمة كحرائق المناجم والغابات، فضلاً عن وقائع اعتبرت قمعاً للحريات ومنافية للديمقراطية مثل قمع احتجاج طلاب جامعة بوغازيتشي على تعيين رئيس لها من خارج كادرها رغم أنه كان يختار بالانتخاب، وهناك صور أخرى لمعاناة العاملين في القطاع الصحي والفلاحين، ما يشير إلى الوعود بتحسين أوضاعهم، فضلاً عن صورة تحمل سؤالا عن: «أين الـ128 مليار دولار؟» التي سبق أن أكدت المعارضة اختفاءها من الاحتياطي النقدي للمصرف المركزي منذ العام 2018 ولم تستطع الحكومة الكشف عن مصيرها حتى الآن.