مثقفو الخليج: كتب علم النفس والرواية والأديان تستحوذ على النصيب الأكبر (1ـ2)

قراءات الصيف.. هل يرتبط طقس القراءة بمستجدات الأحداث.. أم هو مزاج عام؟

مثقفو الخليج: كتب علم النفس والرواية والأديان تستحوذ على النصيب الأكبر (1ـ2)
TT

مثقفو الخليج: كتب علم النفس والرواية والأديان تستحوذ على النصيب الأكبر (1ـ2)

مثقفو الخليج: كتب علم النفس والرواية والأديان تستحوذ على النصيب الأكبر (1ـ2)

هل تختلف قراءات الصيف عن قراءات الشتاء أو بقية فصول العام؟ وهل تقل هذه القراءات أم تزداد؟.. بكل الأحوال يبقى السؤال الأهم: «ما الذي يقرأه المثقفون هذه الأيام»، وهل للكتب التي بين أيديهم ارتباط بالأحداث والمستجدات على كافة الأصعدة، بما فيها المتغيرات النفسية الحاصلة نتيجة تطورات العصر..أم هي عامة تأتي وفقًا لميول الشخص نفسه وليس على حسب المزاج العام للكون.
أسئلة جديرة بالتوضيح من أصحابها الأدباء والمثقفين بشكل عام، توجهنا بها إليهم، وكأننا نسترق النظر إلى الكتاب الذي بين أيديهم، فكانت هذه الإجابات:

* «الحياة ليست دائمًا وردية»
القاص السعودي حسن علي البطران، يقول: القراءة هوس ومتعة، ووسيلة من خلالها يعبر الشخص وينتقل إلى الضفة الأخرى، فهي تشكل قاربا بل مجموعة من القوارب يمكنك الإبحار فيها وبواسطتها إلى شواطئ بعيدة. فالقراءة فن ومهارة، وهي أيضًا سلاح ومتعة وحياة وصرخة، وابتسامة وألم، وبناء وهدم، لكنها في النهاية «ثقافة»؛ وتراكم معرفة، ومعلومات، وتوسيع مدارك، وهذا يعطينا مساحة كبيرة للبناء ووقتا متسعا لاختيار المواد الخام وتحديد الهندسة المعمارية الموثوق بها..
شخصيًا أقرأ الآن في رواية «الحياة ليست دائما وردية» للكاتبة المصرية رشا عدلي محمد.. وتدور أحداث الرواية في فترة تاريخية معينة ما بين مصر وفرنسا، وقد اختارت الكاتبة فنانة تشكيلية بطلة لروايتها هذه البطلة فقط من خيال الكاتبة وبقيت الأحداث التاريخية والشخصيات حقيقية؛ وتتناول الرواية قصة مهندس مصري حديث الزواج يسكن الإسكندرية، كلفه عمله أن يعمل في القاهرة وسكن في شقة ذات مواصفات عالية مما أثار فضول زوجته حيث وجدت صندوقًا وبه بعض هذه المذكرات التي سردتها الكاتبة بتكنيك روائي جميل وسرد رائع..

* «فازع شهيد الإصلاح»
أما الناقد البحريني فهد حسين، فيقول: «لا شك أن النخب الثقافية المتخصصة وغير المتخصصة حريصة كل الحرص على المتابعة والاطلاع على الأقل في مجال تخصصها وأدنى الطموح متابعة الملحق الثقافي للجريدة التي يحرص على قراءتها، وبالنسبة لي فلدي طريقة في القراءة، فلا أقرأ للمتعة أو قتل الوقت وربما ذلك بحكم انشغالي بمجال الكتابة والتأليف، لقراءتي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم قراءة في موضوع ضمن مشروع تأليف كتاب، وقسم قراءة ما يرفد الحصيلة الثقافية والمعرفية والنقدية، وقسم المجلات التي أتابعها وهي عادة ما يصلنا من إصدارات النادي الثقافي الأدبي بجدة، ومجلة الدوحة، ومجلة دبي الثقافية، فضلا عن إصدارات المجلس الوطني بالكويت».
وفي الوقت نفسه أسجل كل شهر كم كتابا قرأت لأعرف العدد والنوعية والمقارنة بالشهر الذي قبله، ولأني حاليا أعد كتابا عن المرجعيات الثقافية في الرواية الخليجية فأكثر ما تكون قراءتي منصبة في هذا الجانب حيث أنهيت رواية الإعلامي القطري الدكتور أحمد عبد الملك بعنوان «فازع شهيد الإصلاح في الخليج» وقبلها روايتين عندما تستيقظ الأشجان للكاتب الإماراتي علي محمد راشد ورواية درب المسحورة للكاتب العماني محمود الزعبي.

* «سوف تراه عندما تؤمن به»
ويشارك القاص السعودي عبد الخالق الغامدي بقوله: أنا حاليا أقرأ كتابا أعود إليه للمرة الثانية حيث سبق أن قرأته قبل 6 أو 7 سنوات، لكنني رأيت أنني في حاجة إلى العودة لبعض صفحاته، وهو «سوف تراه عندما تؤمن به».. للمؤلف الأميركي «وين دبليو داير»، وترجمة مكتبة جرير.
يتحدث الكتاب عن التحول الذاتي في الحياة وسبل تحقيق التحول. بمعنى أنه يناقش السلوكيات السلبية في حياة الفرد ويضرب له الأمثلة من واقع الفرد والمجتمع ثم يأخذ بيده خطوة خطوة نحو مستقبل أفضل يحقق له مزيدا من النجاحات وجملة من أحلامه إن لم تكن كلها ويرتقي به في التفكير حيث يضيء له الطريق الذي يتوجب عليه أن يسلكه ليصل إلى تحقيق شخصية إيجابية متكاملة.

* «الشرق المتوحش»
ومن الكويت، يقول أمين عام رابطة الأدباء الكويتيين طلال سعد الرميضي: «من الممتع أن نطلع، على الأعمال الأدبية المميزة لأقلام شبابية حيث استمتعت بقراءة رواية (الشرق الموحش) للكاتب عبد الله السعيدي، وهي رواية تدور حول الحياة قديما في الكويت وبواديها والصراعات والتنافس ما بين أبناء القبائل المتناحرة، وفيها إسقاطات على الواقع وتضمنت بعض المعلومات القيمة عن ماضي الأجداد وأخبارهم وقد صيغت بأسلوب أدبي جميل استطاع الكاتب السعيدي أن ينقل القارئ معه في طيات هذه الرواية المثيرة إلى فضاءات حياة الشرق.. الموحش».

* «الجهل المقدس»
أما الكاتب والمحرر في مجلة «العربي» وفي صحيفة «الكويتية» إبراهيم المليفي، فذكر أنه يقرأ حاليًا كتابًا عنوانه «الجهل المقدس.. زمن دين بلا ثقافة» للمؤلف أوليفييه روا، وهو صادر عن دار الساقي في لبنان، وقال: هذا الكتاب الذي لم أنته من قراءته هو الثاني له في مكتبتي بعد كتاب «تجربة الإسلامي السياسي» الذي صدرت طبعته الأولى باللغة العربية عام 1994 ترجمة نصير مروة وحصلت عليه من لندن. وأضاف المليفي: مع «الجهل المقدس» وهو من ترجمة صالح الأشمر، شعرت بانجذاب حاد لأسباب أعتقد أن معظمها صحيح مثل طبيعة الأحداث التي تمر بها المنطقة والتي اتخذت الطابعين الديني والمذهبي بشكل صارخ ومتزامن، الأمر يعود إلى جودة الترجمة واقترابها من المعاني التي أرادها المؤلف وربما تفوقها على النص الأصلي، ومن ثم تفوق هذا الكتاب على ميزة التشويق المعلوماتي وشد القارئ في أي جزء من أجزائه وهذا ما سرع عملية اقتنائه دون تفكير طويل.

* «خطأ النادل»
وللكاتبة استبرق أحمد تقرأ أكثر من كتاب في وقت هذا الأيام، ولها وجهة نظر توضحها كالآتي: القراءة المعينة للكاتب على الكتابة والحياة، هي العالم الذي يحمل له نتاجات يسد بها جوع ذائقة جشعة وصعبة في معاييرها بمقدار ما يقرأ. وتضيف: في الأسابيع الماضية قرأت كتابات إبداعية لافت أغلبها منها المجموعة القصصية «خطأ النادل» للكاتب الفلسطيني زياد خداش، و«مصحة الدمى» كتاب فوتوغرام - حكائي كما أشار على غلافه كاتبه المغربي أنيس الرافعي، ورواية «سماء قريبة أعرفها» للكاتبة الكويتية تسنيم الحبيب، ومجموعة «مرعى النجوم الدافئة» للعماني محمود الرحبي، وحاليا أقرأ رواية «ليل تشيلي» للكاتب التشيلي روبرتو بولانيو، التي بمصادفة باهرة كتبت الأميركية سوزان سونتاج عنها بأنها «نهر رائع من المشاعر، تأمل مدهش، خيال آسر. ليل شيلي عملٌ شديد الأصالة والتفرد». وتتابع استبرق أحمد: «إنها رواية معاصرة كتبت لتحتل مكانة عالية في الأدب العالمي». منبع الصدفة وتقرأ استبرق أيضًا كتاب السيرة الذاتية الخاص بسوزان سونتاج المعنون بـ«ولادة ثانية» وتقول عنه إنه يحمل اكتشافات الذات والعالم لكاتبة وناقدة نهمة في القراءة والبحث.

* عودة لكتاب عن الأصولية
الروائي حمد الحمد، تميل قراءاته مع ما يستجد من أحداث، فيقول: نظرا لتوحش الأصولية بظهور «داعش» وغيرها من فرق بالوطن العربي وتكوينها دولة في سوريا والعراق ووجودها في بقاع أخرى، فإن كل هذه الفرق تُنسب من قبل الغرب للأصولية الإسلامية، وقد انتبه المفكرون الغربيون ومنهم ريتشارد هرير دكمجيان وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة نيويورك وأصدر كتابه المعنون بـ«الأصولية في العالم العربي»، وقد صدر الكتاب قبل ثلاثين سنه عام 1985، وما زلت أحتفظ بالنسخة المُترجمة للعربية، وهذه الأيام رحت أطالعه وأعود لما كتبه هذا المؤلف حيث يُرجع الأصولية لعدد من الشخصيات العربية، وهذا ما يراه هو، حيث إن الفكر الأصولي قد اتفق على مرتكزات هي: الالتزام بتجديد الأمة بالعودة إلى الأصولية الإسلامية. والدعوة إلى النضالية والجهاد بالدفاع عن الإسلام. والجمع بين المذهبية الأصولية والحركية السياسية والاجتماعية في حياتهم. والاستعداد لتحدي السلطة السياسية والدينية والرغبة والتضحية من أجل الإسلام.

* «وليمة متنقلة»
أما الروائية الكويتية إيمان سعد فتقول عن كتابها الذي بين يديها: حين تمر عليك تلك الأوقات التي تشعر فيها بأنك الوحيد على وجه الأرض ولا أحد بمقدوره أن يتفهم مشاعرك، حينها، إن كنتَ محظوظًا، يبعث لك القدر بكتاب. وتعتبر إيمان سعد نفسها من المحظوظين: أنا كنت محظوظة. ففي الوقت الذي أعيش فيه قلق ما بعد الرواية الأولى والشكوك أثناء كتابة الرواية الثانية، ومعهما فوبيا السفر إلى باريس للمرة الأولى، وقع بين يدي كتاب «وليمة متنقلة» لأرنست همنغواي.
هذا الكتاب هو عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة جدًا موضوعها يوميات همنغواي في باريس في عشرينات القرن الماضي حين عاش فيها مع زوجته ليتفرغ لكتابة روايته الأولى «الشمس تشرق أيضًا». على مدار الكتاب يدخل القارئ في خفايا تجربة الروائي الشاب الذي يعشق الكتابة في المقهى ساعات الصباح الباكر ليتفرغ بقية اليوم للتنزه في باريس والالتقاء بأصدقائه الذين يشاركونه تجربة الكتابات الأولى.

* «سيكولوجية الجماهير»
أما الدكتور سمير علي البلوشي، فكتابه الذي يقرأه حاليًا هو: «سيكولوجية الجماهير». تأليف المؤرخ الفرنسي وعالم الاجتماع جوستاف لوبون في سنة 1895، ومحاور الكتاب تتركز حول عدة نقاط هي: العاطفة ضد العقلانية. اللاوعي ضد الوعي. الفرد ينسلخ من صفاته الفردية ويتطبع ويتبنى فكر الجماهير دون تفكير أو تعقل. ويبينها لوبون ويدلل عليها في أشهر كتبه. وقد قسم كتابه إلى ثلاثة أقسام رئيسية:الخصائص العامة للجماهير. آراء الجماهير وعقائدها. وتصنيف الجماهير. ويجيب الدكتور سمير عن السؤال: «لماذا اخترت هذا الكتاب الذي عمره أكثر من مائة عام الآن»؟ ويجيب: «لأننا في أمس الحاجة الآن مع ظهور الثورات من حولنا لأن نفهم ما يحصل من ناحية علمية ونفسية واجتماعية لهذه الجماهير الثورية. حتى يتشكل لدينا الوعي الكافي ولا ننجرف خلف ما لا نعيه. الكتاب سلاح ذو حدين. فهو يشرح للقائد كيف يحرض الجماهير ويسيطر عليهم. ويشرح للجماهير كيف يتم تحريضهم والسيطرة عليهم».

* «الراهب الذي باع سيارته الفيراري»
من المثقفين الذين يختارون كتبًا متميزة باللغة الإنجليزية، عبد العزيز إبراهيم الموسى الذي يفصح لنا عن كتابه قائلاً: هو كتاب «الراهب الذي باع سيارته الفيراري» لمؤلفه روبن شارما (The Monk Who Sold His Ferrari)، ويشرح الموسى مجريات الكتاب: يروي قصة خيالية عن محامٍ مشهور يدعى جوليان مانتر أدى به انغماسه الشديد في عمله إلى أن أصبح أحد أشهر وأثرى المحامين في أميركا متمتعا بكل ملذات الحياة ومنها تلك السيارة الفيراري التي كان مغرما بها جدا، ولكن انغماسه الشديد في عمله كان على حساب صحته وعدم تكوينه عائلة، حتى انهار ذات يوم في إحدى جلسات المحكمة مصابا بأزمة قلبية حادة كادت أن تودي بحياته.

* «خرائط التيه»
الروائية والقاصة باسمة العنزي تعجبها رواية بعنوان «خرائط التيه» لزميلتها الروائية بثينة العيسى، وقول: قرأت مؤخرا بمزاج حزين رواية بثينة العيسى «خرائط التيه» فزاد عملها حزني!، وتصف باسمة العنزي الرواية بأنها رواية عن الضياع بأكثر من شكل ومعنى، عن الطفولة المعذبة والخريطة الممزقة، عن الباحثين عن خلاص، وعن السفلة الذين كانوا يوما ضحايا الحروب والفقر والجهل. وتضيف: بثينة في عملها الأخير غيرت من خطها الروائي ونجحت في الاحتفاظ بقارئ ينتظر جديدها. عمل كويتي مختلف بجرعة إنسانية عالية، وفضاء أحداث متسارعة خارج الإطار المحلي.

* «حين ينام العالم»
وفي جعبة الكاتبة حصة العجمي رواية «بينما ينام العالم» للكاتبة سوزان أبو الهوى، وتقول: لم يحدث قبلاً أن أعجز عن كتابة تعليق عن رواية أو رأي كما حدث مع رواية من النوع الذي أحب، كتبت عن تفاصيل النفس البشرية وجعلت الصورة كاملة من غير إسهاب في وصفٍ يجعلك تتململ.. رواية تتحدث عن القضية الفلسطينية على مدى أربعة أجيال أبطالها كل فرد أتى ذكره في الرواية، سرقة الفتاة البدوية للحصان رغبه فقط في امتطائه، بينما تبادل طلاء الأظافر إشارة لبدء الرحيل عن مرحلة الطفولة، وتفاصيل أخرى مثل: الحياة في مخيمات اللاجئين مع أمل العودة.

* «فئران أمي حصة»
بينما تقرأ الشاعرة أمينة بوغيث رواية الكاتب سعود السنعوسي الجديدة «فئران أمي حصة»، وتقول عنها إنها عمل روائي رائع يستحق القراءة للروائي الكويتي سعود السنعوسي، وقد صدرت عن دار العربية للعلوم ناشرون، وتدور أحداثها في الكويت ما بين عامي 1985 وحتى الزمن الافتراضي الذي تتحرّك فيه الرواية في عام 2020 مرورا بأحداث الغزو العراقي. وتصف أمينة الرواية بأنها «جميلة جدا ومؤلمة جدا لأنها رواية تحذيرية. هي نص كتب ببراعة بقدر ما تسعدك فإنها أيضًا تحزنك لأنها تضعك في مواجهة صريحة ومباشرة مع نفسك، ولأنّها حقيقية جدًا، تشبهنا جدًا.

* «ليل الخطاطين»
الشاعر حمود الشايجي يقول انتهيت قبل أيتم من رواية صغيرة مختلفة بعنوان «ليل الخطاطين» للمؤلفة ياسمين غاتا. بحثت عن الرواية طويلاً حتى وجدتها. عناء الوصول إليها بعد قراءتها تبدد بل تحول إلى سعادة. لأني لم أقرأ منذ مدة بعيدة كتابًا ناعما سلسًا لهذه الدرجة. رغم أن الكتاب مترجم فإني لم أشعر بذلك. ربما لبراعة المترجم. وربما لأسلوب الكاتبة الساحرة. الناعم البسيط. ففي هذه الرواية تروي الكاتبة تاريخًا ممزوجًا بسيرة ذاتية لجدتها الخطاطة التركية. حيث تصف العوالم الشرقية وتحولاتها التي طرأت عليها بقدوم كمال أتاتورك ومدى تأثير سقوط الدولة العثمانية والإجراءات التي جرت على عالم الخط من تحريم الكتابة بالعربية وتحويل الأحرف من عربية إلى حروف تركية مشتقة من الحروف اللاتينية.

* الحياة الروحانية
الشاعرة حنان عبد القادر تختار كتابًا غير الشعر لتقرأه، هو بعنوان «دين الإنسان» للكاتب المهتم بالأساطير فراس السياح، وتقول عن الكتاب بأنه يتناول وصف الظاهرة الدينية عند الإنسان بما أنه كائن متدين منذ الخلق، فقد ترك ما يدل على ذلك فوق جدران كهوفه، وتبين أن الدين ظهر مع التكنولوجيا كمؤشرين أساسيين على بدء الحضارة الإنسانية، ورغم قبول الكاتب بالتقسيم المعتاد لتاريخ الفكر الإنساني: السحر فالدين فالفلسفة فالعلم التجريبي، إلا أنه يرى امتصاص الفكر الديني لصدمة انتصار العلم والفلسفة، وما زال يزاحم وبقوة على اقتسام هوى وعقل الناس في كل مكان. وتقول: يريد الكاتب من خلال هذا البحث التعرف على الظاهرة الدينية في حقيقتها عن طريق وصفها بدقة، وعزلها عن بقية الظواهر الثقافية الإنسانية الأخرى في محاولة لتقصي الحياة الروحية عند الإنسان.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.