هل حان وقت التخلي عن موروثات «بريتون وودز»؟

بلدان فقيرة تشكك في جدوى نظام التمويل الدولي

مظاهرات في العاصمة السريلانكية كولومبو ضد فرض ضرائب جديدة في البلد المثقل بالديون (أ.ب)
مظاهرات في العاصمة السريلانكية كولومبو ضد فرض ضرائب جديدة في البلد المثقل بالديون (أ.ب)
TT

هل حان وقت التخلي عن موروثات «بريتون وودز»؟

مظاهرات في العاصمة السريلانكية كولومبو ضد فرض ضرائب جديدة في البلد المثقل بالديون (أ.ب)
مظاهرات في العاصمة السريلانكية كولومبو ضد فرض ضرائب جديدة في البلد المثقل بالديون (أ.ب)

طرح المشاركون في مؤتمر أقل البلدان نمواً المنعقد في الدوحة، تساؤلات عدة حيال نظام التمويل الدولي والمساعدات متعددة الأطراف الموروث عن حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، على اعتباره غير ملائم بالنسبة للبلدان الفقيرة وأداة للهيمنة.
وتدعو الدول الست والأربعون الأفقر في العالم، والتي تضم 33 بلداً أفريقيا، خلال المؤتمر الذي يستمر حتى الخميس إلى مراجعة كاملة للنموذج الاقتصادي الموروث عن اتفاقية «بريتون وودز» المبرمة العام 1944 التي أسست صندوق النقد الدولي.
وبفضل تصنيفها في فئة أقل البلدان نمواً، يفترض أن تستفيد هذه الدول من امتيازات تجارية وتسهيلات في الحصول على المساعدات وغير ذلك من أشكال التمويل. في العام 1971 كانت هذه الفئة تضم 24 بلداً، لكن عدد الدول المنضوية في هذه الفئة تضاعف تقريباً الآن.
وباتت هذه الدول حالياً أولى ضحايا الاحترار المناخي، بينما ترزح تحت وطأة التضخم المرتبط بأسعار المواد الغذائية ومصادر الطاقة الناجم عن حرب أوكرانيا، في حين تثقل كاهلها الديون التي تكافح حتى لتسديد الفوائد المترتبة عليها.
ويرى الكثير من قادة الدول والحكومات الحاضرين في مؤتمر الدوحة المنعقد برعاية الأمم المتحدة، أن النظام الذي يحكم المساعدات المقدمة من الشمال إلى الجنوب هو المسؤول عن إبقائها في حالة فقر.
وقال رئيس جزر سيشيل وافيل رامكالاوان «حان الوقت لأن تتوقف 12 منظمة دولية، مثل منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي وبنوك التنمية متعددة الأطراف عن استخدام إجمالي الناتج المحلي للفرد كمقياس وحيد للتنمية»، علماً بأن بلاده كانت من بين عدد قليل من أقل البلدان نمواً التي نجحت في الخروج من هذه الفئة. وأضاف رئيس الدولة الصغيرة، أن «مقياساً واحداً لا يناسب الجميع! علينا إدراك احتياجات الدول التي تعاني من نقاط ضعف خاصة بها».
بدوره، اتّهم رئيس تيمور الشرقية جوزيه راموس هورتا، بلدان الشمال بتحميل الجنوب مسؤولية خياراتها الفاشلة. وقال «يميل شركاؤنا لتحميل الشريك المتلقي المسؤولية الكاملة عن أي فشل، وتجنّب إعادة النظر في برامجهم للمساعدات التي قد تكون بالتأكيد ساهمت في الإخفاقات».
وطرحت أزمة «كوفيد» كمثال مرات عدة؛ إذ إن أكثر البلدان فقراً التي أثقل الوباء كاهلها فور انتشاره حُرمت من الوصول إلى اللقاحات في البداية قبل أن تضطّر إلى الاستدانة مجدداً للسيطرة على الوضع.
وفي خطاب ألقاه لدى انطلاق أعمال المؤتمر، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن «النظام المالي العالمي منحاز بشدة - صممته بلدان غنية ليصبّ في مصلحة البلدان الغنية - يتيح التعامل مع أقل البلدان نمواً بشكل غير منصف».
وتوجه أصابع الاتهام خصوصاً إلى المؤسسات الكبرى، وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؛ إذ تتهم هذه الهيئات بفرض إجراءات تقشف وتشدد في الموازنة بناء على منطق لا يسع الدول الفقيرة إلا الإذعان له. وكشف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في نهاية فبراير (شباط)، عن أن 52 دولة إما تعاني من أزمة ديون أو باتت على وشك التخلف عن السداد.
من هنا جاءت مداخلة نائبة رئيس وزراء ليسوتو نثومينغ ماغارا، التي أكدت «أصبح عبء الديون والفوائد يشكلان تحدياً متزايداً للبلدان الأقل نمواً. لذلك؛ ثمة حاجة إلى تخفيف عبء الديون بشكل عاجل وإعادة هيكلتها وإلغائها».
وباتت الصين تتصدر قائمة الدول المقرضة، لكن حجم الديون المستحقة لها ما زالت أقل بكثير من تلك المستحقة لمؤسسات متعددة الأطراف وجهات خاصة.
وبموازاة التدخلات الرسمية، يناقش عدد من الناشطين في المجتمع المدني القضية ذاتها في الدوحة. ويؤكد خبير الاقتصاد الكيني والمدير التنفيذي لمنظمة «أفروداد» غير الحكومية جيسن روزاريو براغانزا، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن النظام المالي «يدعم حلولاً مدفوعة من الأسواق لمشاكل في السياسة العامة وعلّمنا التاريخ بأن ذلك غير مجدٍ».
وقالت مارينا دورانو من اتحاد UNI النقابي الدولي «علينا محاولة إعادة الأهمية إلى تعددية الأطراف... نعرف جميعاً إلى أي حد الوضع غير منصف». أما الناشطة الفلبينية المتخصصة في الديون ليدي ناكبيل، فنددت من جانبها بأولئك الذين «يستخدمون الإقراض وتخفيف الديون من أجل فرض سياسات» معينة... وبالنسبة لها لم يعد الإصلاح ممكناً، بل يجب أن يعاد تصميم وبناء كل شيء. وقالت «حان الوقت لتفكيك مؤسسات (بريتون وودز)».
وفي شأن ذي صلة، قال رئيس سريلانكا، الثلاثاء، إن الصين وافقت على إعادة هيكلة قروضها للدولة المفلسة، في خطوة من شأنها إزالة العقبة الأخيرة أمام الإفراج عن خطة إنقاذ لصندوق النقد الدولي بقيمة 2.9 مليار دولار.
وأخطر الرئيس السريلانكي رانيل ويكرمسينغه البرلمان بأن «بنك إكسيم» الذي تملكه الدولة في الصين «وجه رسالة إلى صندوق النقد الدولي» مساء الاثنين يعرب فيها عن استعداد بكين «لإعادة هيكلة» الاعتمادات الممنوحة لسريلانكا. وأضاف، أنه يتوقع الإفراج عن الدفعة الأولى من حزمة صندوق النقد الدولي خلال الشهر الحالي.
وأوضح ويكرمسينغه «بمجرد أن أرسلت رسالة (بنك إكسيم) إلى صندوق النقد الدولي، وقّعت خطاب نوايا سريلانكا للمضي قدماً في برنامج صندوق النقد الدولي».
وتخلّفت سريلانكا عن سداد ديونها الخارجية البالغة 46 مليار دولار في أبريل (نيسان) الماضي خلال أزمتها الاقتصادية التي تسببت في نقص المواد الغذائية والوقود لأشهر في كل أنحاء البلاد الواقعة في جنوب آسيا. ويمثل ما يزيد قليلاً على 14 مليار دولار من ذلك المبلغ ديوناً ثنائية مستحقة لحكومات أجنبية، 52 في المائة منها للصين.
وكانت حكومة ويكرمسينغه تعمل على تأمين حزمة إنقاذ بقيمة 2.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لتصحيح مسار المالية العامة السريلانكية المنهارة. وضاعف ويكرمسينغه الضرائب ورفع أسعار الوقود وتعرفات المرافق العامة ثلاث مرات بما يتوافق مع مطالب صندوق النقد الدولي من أجل زيادة عائدات الحكومة قبل الحصول على أي حزمة إنقاذ.


مقالات ذات صلة

كوريا الجنوبية تتعهد بزيادة 45 % في مساهمتها بصندوق تابع للبنك الدولي

الاقتصاد متسوقون في أحد الشوارع التجارية بالعاصمة الكورية الجنوبية سيول (رويترز)

كوريا الجنوبية تتعهد بزيادة 45 % في مساهمتها بصندوق تابع للبنك الدولي

قالت وزارة المالية الكورية الجنوبية إن الرئيس يون سوك يول تعهد بزيادة مساهمة بلاده في صندوق المؤسسة الدولية للتنمية التابع للبنك الدولي بمقدار 45 في المائة.

«الشرق الأوسط» (سيول)
الاقتصاد منظر عام لمدينة وهران الجزائرية (رويترز)

البنك الدولي: الجزائر تحقق نمواً 3.9 % في النصف الأول رغم انخفاض إنتاج المحروقات

أفاد تقرير البنك الدولي بعنوان «تقرير رصد الوضع الاقتصادي للجزائر: إطار عمل شامل لدعم الصادرات» بأن اقتصاد الجزائر سجل نمواً بنسبة 3.9 في المائة في النصف الأول.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مشاركته في قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو (أ.ب)

بايدن يتعهد بأربعة مليارات دولار لصندوق يساعد أفقر البلدان

يسجل المبلغ رقما قياسيا ويتجاوز كثيرا نحو 3.5 مليار دولار تعهدت بها واشنطن في الجولة السابقة من تعزيز موارد الصندوق في ديسمبر كانون الأول 2021.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد منظر عام لشارع الحبيب بورقيبة في وسط تونس (رويترز)

البنك الدولي يتوقع نمو الاقتصاد التونسي 1.2 % في 2024

توقّع البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد التونسي بنسبة 1.2 في المائة في 2024، وهو أقل من توقعاته السابقة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
العالم العربي جانب من لقاء وزير التخطيط اليمني مع مسؤولي البنك الدولي على هامش زيارته لواشنطن (سبأ)

اليمن يقدم رؤية شاملة للبنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات التنموية

قدمت الحكومة اليمنية إلى البنك الدولي رؤية شاملة لإعادة هيكلة المشروعات، في مسعى لزيادة المخصصات المالية للبلاد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
TT

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

استعادت جماعة «بوكو حرام» الموالية لـ«تنظيم داعش» الإرهابي، قدرتها على المبادرة والهجوم في مناطق مختلفة بشمال نيجيريا، وشنّت هجوماً استهدف قاعدة عسكرية تابعة للجيش، قُتل فيه خمسة جنود على الأقل، وأُصيب عشرة جنود، فيما قال الجيش إنه قتل أكثر من خمسين من عناصر الجماعة الإرهابية.

وقالت قيادة الجيش النيجيري في بيان، إن الهجوم الإرهابي الذي شنّه فرع من جماعة «بوكو حرام»، في غرب أفريقيا، استهدف القوات المتمركزة بموقع عمليات التثبيت بقرية «كاريتو»، بولاية بورنو، في أقصى شمال شرقي نيجيريا، على الحدود مع دولة النيجر.

البيان الصادر عن مدير الإعلام العسكري، اللواء إدوارد بوبا، قال إن الهجوم الإرهابي وقع بالتزامن مع عطلة نهاية الأسبوع، ووصفه بأنه «كان منسقاً»، قبل أن يؤكد «مقتل خمسة جنود وإصابة عشرة آخرين بجروح، بالإضافة إلى فقدان أربعة جنود آخرين».

من عملية ضد جماعة «بوكو حرام» (أرشيفية متداولة)

وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم قيادة الجيش إن «القوات المسلحة نجحت في القضاء على عدد من الإرهابيين، واستعادة أسلحة كانت بحوزتهم»، مشيراً إلى تكبد الجيش خسائر مادية «فادحة»، حيث إن منفذي الهجوم الإرهابي أحرقوا بعض المعدات «بما في ذلك شاحنة محملة بالأسلحة، وثلاث مركبات تكتيكية، وجرافة».

وأطلق الجيش النيجيري عملية تعقب بقيادة وحدة من قوات الدعم مع غطاء جوي، وقال إن الهدف هو «استكشاف المنطقة بشكل عام، ومسارات انسحاب الإرهابيين»، وفق تعبير البيان.

وتسعى القوات النيجيرية إلى قطع الطريق أمام منفذي الهجوم الإرهابي، بهدف استعادة الجنود المفقودين، في ظل توقعات بأن الإرهابيين «اختطفوهم» ليكونوا دروعاً بشرية تحميهم من أي قصف جوي.

صورة أرشيفية لهجوم شنّته جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا (رويترز)

الهجوم الإرهابي استهدف قرية «كاريتو»، التي لا تبعد سوى 153 كيلومتراً عن العاصمة الإقليمية مايدوجوري، وهي المقر الرئيس لـ«الكتيبة 149» التابعة للجيش النيجيري، التي تشارك بنشاط في عمليات محاربة الإرهاب، كما استهدف معاقل فرعي جماعة «بوكو حرام»، الموالية لتنظيمي «داعش» و«القاعدة».

وقالت قيادة الجيش النيجيري إن «هذا الهجوم لن يثني القوات المسلحة النيجيرية عن القضاء على الإرهاب والتمرد والتحديات الأمنية الأخرى التي تواجه البلاد»، وأعربت عن تعويلها على تعاون السكان المحليين في ملاحقة الإرهابيين.

وأعلن حاكم ولاية بورنو، باباغانا زولوم، عن وقوفه إلى جانب القوات المسلحة النيجيرية، وأضاف في بيان صحافي أن الهجوم «يعيد إلى الأذهان مستوى وحشية العناصر الإرهابية لجماعة (بوكو حرام)».

وبينما أعلن عدد من كبار قادة الجيش في نيجيريا عن انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»، والاقتراب من القضاء عليها بشكل نهائي، بدأت الجماعة تعيد ترتيب صفوفها، وإظهار قدرات جديدة على المبادرة والهجوم.

ففي حادث منفصل، نصب مسلحون من «بوكو حرام»، الثلاثاء، كميناً لفريق مراقبة من قوات الأمن والدفاع المدني النيجيرية، كان يتفقد منشآت الشبكة الوطنية للكهرباء والطاقة في إقليم النيجر التابع لنيجيريا.

مسلحو «بوكو حرام» خلَّفوا الخراب والدمار في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال المتحدث باسم قوات الأمن والدفاع المدني أفولابي باباوالي، إن خطوط الشبكة الوطنية للطاقة تعرضت مؤخراً لهجمات إرهابية تخريبية، وقد أسفرت عن انقطاع واسع للتيار الكهربائي في أقاليم شمال نيجيريا.

وأوضح المتحدث أنه «حينما كانت فرق الأمن تتفقد خطوط الشبكة الوطنية، تعرضت لهجوم إرهابي نفذه أكثر من 200 مسلح نصَبوا كميناً من قمة أحد التلال»، مشيراً في السياق ذاته إلى أن المواجهات بين الطرفين «أسفرت عن مقتل أكثر من خمسين إرهابياً، فيما يوجد سبعة جنود في عداد المفقودين».

وتتزامن هذه الهجمات الإرهابية المتفرقة، مع معارك طاحنة تجري منذ أسابيع ما بين جيش تشاد ومقاتلي «بوكو حرام» في منطقة حوض بحيرة تشاد، التي تُوصف بأنها «العمق الاستراتيجي» للتنظيم الإرهابي، حيث توجد قواعده الخلفية وسط الغابات والجزر المترامية في واحدة من أكبر المناطق الرطبة في أفريقيا.