إيران تنشر أفكارها من خلال مدارس ودور أيتام في جنوب العراق

تدرس اللغة الفارسية ومذهب ولاية الفقيه

إيران تنشر أفكارها من خلال مدارس ودور أيتام في جنوب العراق
TT

إيران تنشر أفكارها من خلال مدارس ودور أيتام في جنوب العراق

إيران تنشر أفكارها من خلال مدارس ودور أيتام في جنوب العراق

تبدو للوهلة الأولى وكأنها مدارس مهداة للشعب العراقي من قبل الجانب الإيراني، إلا أنها ومع تقدم الزمن تثبت أنها مدارس فتحت خصيصا لتعليم اللغة الفارسية والثقافة الإيرانية، إنها مجموعة من المدارس فتحت مؤخرا في مدينة البصرة العراقية، وكأن إيران لا تريد فقط أن تثبت سيطرتها على الوضع السياسي والاقتصادي في المدينة وإنما تريد أن تربي جيلا يتكلم ويتقن ثقافتها.
وفي الوقت الذي أعلن فيه القنصل الإيراني في البصرة عن فتح إحداها، شمال المدينة، وأن دورات بلغة الفارسية سيتم تنظيمها، كشفت مصادر في مدينة البصرة لـ«الشرق الأوسط» أن «المدارس ليست وحدها التي تعلم اللغة والثقافة الفارسية في البصرة وعدد من المدن العراقية وإنما هناك دور للأيتام ومنظمات مجتمع مدني وأخرى ثقافية تعمل على ذات المنهاج وأنها غالبا تستهدف الأحياء الفقيرة».
وكان القنصل الإيراني العام في البصرة حميد آبادي قد أعلن في 18 يونيو (حزيران) 2013 عن افتتاح أول مدرسة إيرانية في المحافظة للمراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، مشيرا إلى أنه «أول مدرسة إيرانية مجانية في البصرة تم افتتاحها في البصرة وتشمل المراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية»، مبينا أن «المناهج الدراسية تشمل دورات لتعليم اللغة الفارسية».
إلى ذلك كشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن «المدارس التي تم افتتاحها بعد عام 2013 وحتى قبله كانت بمباركة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، الذي سمح بافتتاح هكذا مدارس في كل من البصرة وذي قار والنجف وكربلاء والتي وصل عددها إلى سبع مدارس وتدرس في مناهجها اللغة الفارسية والثقافة الإيرانية والفقه الشيعي حسب منهج ولاية الفقيه».
وأضافت أن «الزي المستخدم داخلها عادة يكون الزي الإيراني للنساء وتستهدف الناس الفقراء أو العراقيين العائدين من إيران ويستخدم فيها أساليب للاستقطاب ومنها تقديم المساعدات العينية أو غيرها من الأساليب الأخرى».
وتابعت المصادر أن «المناهج المتبعة التي تدرس في تلك المدارس تشدد على تبني الفكر الفارسي وخاصة في مادة التربية الإسلامية وهي ليست ذاتها التي تعتمدها وزارة التربية العراقية».
النفوذ الإيراني في البصرة وبعض المدن العراقية دفع الكثير من أهالي تلك المناطق إلى تعلم اللغة الفارسية فتجد مؤسسات ثقافية ومؤسسات مجتمع مدني هي في حقيقة الأمر مؤسسات لنشر الثقافة الفارسية في المجتمع العراقي تعلم هذه اللغة، كما تجد أن بعضها يقيم معارض للكتاب لدور نشر إيرانية فقط وبعضها أفتتح مطاعم تقدم الأكلات الفارسية (كالآش والهريسة) في مدن كالنجف.
وقالت المصادر إن «هناك عملية (تفريس) للبصرة واضحة جدا وخاصة بعد عام 2003 حيث تجد الكثير من الموالين لإيران يلجأون إلى تعلم اللغة الفارسية بسبب الهجمة الثقافية الفارسية وترعاها مؤسسة تابعة لمؤسسات من منظمات المجتمع المدني العراقي مجازة من منظمة الأمم المتحدة N.G.O وهي مثل (مؤسسة أبناء روح الله للثقافة والفن) ومن مشاريعها الدائمية تعلم اللغات وهناك قسم فيها خصص للغة الفارسية كان اسمه باسم الصحابي (سلمان الفارسي)، كما أن هناك مؤسسات أخرى ترعى هكذا نشاطات وتدخل في صلب قطاع التعليم في العراق».
وتابعت أن «هناك دارا للأيتام افتتحت في مدينة الحيانية الفقيرة في البصرة وهي ذات الأغلبية الشيعية وتسكنها عائلات فقيرة، وعندما تدخل الدار التي خصصت غالبا للبنات تجدهن يرتدين الزي الإيراني، الذي انتشر في المدن الإيرانية، بعد الثورة الإسلامية».
ونوه إلى أن «قطاع التعليم العام في المدينة أيضا يشهد تغلغلا للنفوذ الإيراني حيث يوجد مدرسون لا يتقيدون بمنهاج الوزارة الخاص بالتربية الإسلامية وإنما يدرس حسب ما يرونه مناسبا مع معتقداتهم».
وكان القنصل الإيراني السابق في البصرة محمد رضا نصير باغبان، قد افتتح عام 2010 مدرسة نموذجية بتمويل من إيران بمحافظة ذي قار جنوب العراق.
وقال القنصل الإيراني، لإحدى الصحف المحلية: «إن المدرسة التي افتتحت اليوم هي هدية مقدمة من الجمهورية الإيرانية إلى الشعب العراقي»، مشيرًا إلى «أن المدرسة من ضمن 14 مدرسة موزعة في عدد من المحافظات العراقية». وأضاف: «إن هذه المشاريع تأتي لتركيز العلاقات الثقافية بين البلدين وسيكون هناك توسيع العلاقات بالمستقبل القريب»، لافتًا إلى أن «تكلفة مشروع بناء المدرسة بلغت مليار دينار عراقي».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.