تدوير نفايات البلاستيك في صناعة البطاريات

بلاستيك البولي إيثيلين تيريفثاليت (آيستوك)
بلاستيك البولي إيثيلين تيريفثاليت (آيستوك)
TT

تدوير نفايات البلاستيك في صناعة البطاريات

بلاستيك البولي إيثيلين تيريفثاليت (آيستوك)
بلاستيك البولي إيثيلين تيريفثاليت (آيستوك)

نجح فريق من علماء وكالة العلوم والتكنولوجيا والبحوث بسنغافورة، في إعادة تدوير نفايات بلاستيك البولي إيثيلين تيريفثاليت (PET) إلى «إلكتروليتات بوليمر»، وهي مكونات أساسية لبطاريات ليثيوم أيون أكثر أماناً.
وتعد هذه الدراسة المنشورة في العدد الأخير من دورية «كيمياء المواد»، هي أول تقرير معروف لبطارية ليثيوم أيون عاملة، مُجمَّعة باستخدام بوليمرات مُعاد تدويرها من بلاستيك بولي إيثيلين تيريفثاليت، الذي يستخدم في صناعة الزجاجات البلاستيكية.
وتتم إعادة تدوير النفايات البلاستيكية بشكل تقليدي من خلال العمليات الميكانيكية والكيميائية التي لها عيوبها. وبالنسبة لإعادة التدوير الميكانيكية، يمكن في النهاية استخدام نسبة صغيرة فقط من «البولي إيثيلين تيريفثاليت» المعاد تدويره؛ حيث تتحلل خصائصها الفيزيائية مع كل جولة من إعادة التدوير بسبب انقسام سلسلة البوليمر، وتتضمن إعادة التدوير الكيميائي استخداماً عالياً للطاقة، وتتطلب مونومرات (جزيئات صغيرة) نقية، ويمكن أن تكون أكثر تكلفة، مقارنة باستخدام البوليمرات البكر.
يقول ديريك فام، نائب رئيس قسم مركبات البوليمر في معهد أبحاث وهندسة المواد بوكالة العلوم والتكنولوجيا والبحوث بسنغافورة، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للوكالة في 10 فبراير (شباط) 2023: «إعادة تدوير نفايات البلاستيك استراتيجية جديدة لمنح هذه المواد المنتشرة في كل مكان والتي يتم التخلص منها بشكل شائع، فرصة جديدة للحياة، لتحويلها إلى منتجات جديدة ذات قيمة مضافة لتطبيقات جديدة، ويوفر بلاستيك (البولي إيثيلين تيريفثاليت) إمكانات كبيرة لإعادة التدوير».
ويضيف: «هناك ارتفاع في الطلب على المواد ذات المصادر المستدامة لبطاريات الليثيوم أيون، بسبب زيادة الكهرباء، ومع ذلك، فإنه لم يتم الالتفات قبل المحاولة التي قمنا بها إلى نفايات بلاستيك (البولي إيثيلين تيريفثاليت) كمورد لإلكتروليتات البوليمر».
ومن بين الأنواع المختلفة من البلاستيك، يعتبر البولي إيثيلين تيريفثاليت (PET) من أكثر أنواع البلاستيك وفرة اليوم؛ حيث بلغ إنتاجه 31 مليون طن في عام 2019.
ويمتلك بلاستيك البولي إيثيلين تيريفثاليت، ميزات حالية تجعله مناسباً لإعادة تدويره إلى إلكتروليتات بوليمر، فهو يمتلك روابط كيميائية قابلة للتفكك بسهولة، والتي تسمح بإعادة توجيه هذه البوليمرات إلى وحدات بناء كيميائية جديدة بسهولة، يمكن بعد ذلك إعادة تشكيلها في بوليمرات جديدة لتطبيقات جديدة. وبالمقارنة مع الإلكتروليتات السائلة التقليدية المستخدمة حالياً في البطاريات، يعد بلاستيك البولي إيثيلين تيريفثاليت بديلاً واعداً؛ حيث يتمتع بدرجة عالية من الأمان، بما يجنب مخاطر مثل التسخين غير المنضبط ومخاطر الحريق.
وبعد تقييم جدوى البوليمرات المشتقة من البولي إيثيلين تيريفثاليت، باعتبارها إلكتروليتات بوليمر صلبة، قام الفريق البحثي بتقييم الموصلية الأيونية وأداء الدوران عند استخدامها كإلكتروليتات بوليمرية.
وأظهرت النتائج تحقيقها موصلية في درجة حرارة الغرفة مشابهة للأنظمة التجارية الحالية التي تحتوي على إلكتروليتات سائلة، كما أنه يمكن شحن البطارية المصنوعة منها وتفريغها بشكل متكرر حتى 150 دورة.
ويمهد أداء البطاريات الجديدة الواعد الطريق لمستقبل مدعوم بالطاقة الأكثر استدامة؛ حيث يمكن تحويل نفايات البلاستيك إلى مواد مفيدة، ما يخلق اقتصاداً دائرياً، مع مكافحة مشكلة النفايات البلاستيكية المتصاعدة.
وإضافة إلى هذه المزايا الوظيفية، فإن هناك ميزة بيئية مهمة، تشير إليها صباح عبد الرحمن، أستاذة العلوم البيئية بجامعة بني سويف (جنوب مصر)، وهي أن مادة البولي إيثيلين تيريفثاليت، تستغرق مئات السنين حتى تتحلل في البيئة.
تقول صباح لـ«الشرق الأوسط»: «تعتبر النفايات البلاستيكية مشكلة متزايدة في العالم اليوم، وتنمو بشكل أكبر مع ازدياد الطلب على البلاستيك. ويتم إنتاج 460 مليون طن من البلاستيك على مستوى العالم في عام 2019؛ لكن تتم إعادة تدوير 9 في المائة فقط، أما البقية فيتم حرقها أو التخلص منها في مدافن النفايات والبيئة».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟
TT

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟

تمكن علماء في مركز السرطان بجامعة «جونز هوبكنز» في الولايات المتحدة من تحديد 16 جيناً تستخدمها خلايا سرطان الثدي للبقاء على قيد الحياة في مجرى الدم، بعد هروبها من المناطق منخفضة الأكسجين في الورم.

جينات تحمي خلايا السرطانوتعد هذه النتيجة خطوة مهمة في فهم كيفية بقاء خلايا سرطان الثدي بعد مغادرتها للورم الأولي وانتقالها إلى مجرى الدم؛ حيث يمكن أن تبدأ في الانتشار من موقعها الأصلي إلى أماكن أخرى من الجسم.

وقد يفتح التعرف على الجينات المسؤولة عن حماية الخلايا السرطانية من الأضرار الناتجة عن «الأكسدة» بسبب أنواع الأكسجين التفاعلية «Reactive oxygen species ROS» (هي منتجات ثانوية لعملية الاستقلاب الغذائي الطبيعي للأكسجين)، آفاقاً جديدة للعلاج؛ خصوصاً في الحالات التي تُظهِر مقاومة عالية، مثل سرطان الثدي الثلاثي السلبي.

وحددت الباحثة الرئيسية دانييل جيلكس (أستاذة مساعدة في قسم الأورام، ضمن برنامج سرطان الثدي والمبيض، في كلية الطب بالجامعة) في الدراسة التي نشرت في مجلة «Nature Communications» في 28 سبتمبر (أيلول) 2024، 16 جيناً تستخدمها خلايا سرطان الثدي للبقاء على قيد الحياة في مجرى الدم، بعد هروبها من المناطق منخفضة الأكسجين في الورم.

وعلى الرغم من أن الخلايا التي تعاني من نقص الأكسجين توجد فيما تسمى «المنطقة المحيطة بالورم»، أي أنها تجلس بجوار الخلايا الميتة؛ فإن هناك اعتقاداً بأنها قادرة على الهجرة إلى مناطق ذات مستويات أعلى من الأكسجين؛ حيث يمكنها بالفعل العثور على مجرى الدم.

نقص الأكسجين

وانتشار الورمتعمل ظروف نقص الأكسجين في المناطق المحيطة بالأورام على تعزيز هجرة الخلايا السرطانية نحو مناطق أكثر ثراءً بالأكسجين، مثل مجرى الدم؛ إذ يمكن أن تؤدي عملية الهجرة هذه إلى انتشار الخلايا السرطانية من موقعها الأصلي إلى أجزاء أخرى من الجسم، ما يساهم في تكرار الإصابة بالسرطان حتى بعد إزالة الورم الأولي. أما الخلايا التي تتكيف للبقاء في ظل مثل هذه الظروف منخفضة الأكسجين، فتكون أكثر قدرة على التعامل مع الإجهاد التأكسدي «oxidative stress» (هو حالة عدم التوازن في نظام العوامل المؤكسدة والعوامل المضادة للتأكسد) في مجرى الدم، ما يمنحها ميزة البقاء.

وقد أظهرت الدراسة أن الخلايا السرطانية المعرضة لنقص الأكسجين لفترات طويلة (على سبيل المثال لفترة 5 أيام) حافظت على التعبير عن الجينات الناجمة عن نقص الأكسجين، حتى بعد الانتقال إلى مناطق ذات أكسجين أفضل، ما يشير إلى أن هذه الخلايا تحتفظ بـ«ذاكرة» لحالة نقص الأكسجين، وهو ما يتناقض مع الاستجابات قصيرة المدى التي شوهدت في مزارع المختبر القياسية.

دور بروتين «ميوسين»وكانت نتائج الدراسة تنبؤية بشكل خاص لسرطان الثدي الثلاثي السلبي «triple-negative breast cancer» الذي يتميز بمعدل تكرار مرتفع. فقد اكتشف الباحثون أن خزعات المرضى من هذا السرطان الذي تكرر في غضون 3 سنوات، تحتوي على مستويات أعلى من بروتين يسمى «ميوسين» (MUC1 glycoprotein mucin). وقام الباحثون بحجب بروتين «ميوسين» لتحديد ما إذا كان سيقلل من انتشار خلايا سرطان الثدي إلى الرئة، وكان هدفهم هو القضاء على الخلايا الخبيثة العدوانية بعد نقص الأكسجين على وجه التحديد.

وأكدت دانييل جيلكس أنه عند تخفيض مستوى بروتين «ميوسين» في هذه الخلايا التي تعاني من نقص الأكسجين، فإنها تفقد القدرة على البقاء في مجرى الدم، أو في ظروف وجود مركبات الأكسجين التفاعلي. كما أنها تشكل عدداً أقل من النقائل السرطانية «Cancer metastases» في الفئران (وهذا المصطلح يستخدم لوصف انتشار السرطان، إذ إن الخلايا السرطانية -على عكس الخلايا الطبيعية- تتمتع بالقدرة على النمو خارج المكان الذي نشأت فيه بالجسم).

ولا يزال الباحثون يجهلون أسباب الإصابة بسرطان الثدي الثلاثي السلبي بشكلٍ دقيق؛ لكنهم يعتقدون أن الطَّفرة الجينية المسماة «BRCA1» هي السبب؛ لأن وجودها يؤدي لانعكاس مبدأ عمل الجين السليم، وتصبح الخلايا أكثر عرضة للإصابة بالسرطان.

وتؤكد النتائج إمكانية استهداف بروتين «ميوسين» لمنع انتشار الخلايا السرطانية، وتحسين النتائج للمرضى، وخصوصاً أولئك الذين يعانون من أنواع سرطان عدوانية.

وقد تمهد التجربة السريرية الحالية في المرحلتين الأولى والثانية لعلاجات تستهدف بروتين «ميوسين» في أنواع مختلفة من السرطان، الطريق لتطبيقات أوسع إذا ثبتت فعاليتها.

ويعزز هذا البحث فهم كيفية مساهمة الظروف التي تسبب نقص الأكسجين داخل الأورام في حدوث النقائل، ويسلط الضوء على بروتين «ميوسين» كهدف علاجي واعد لمنع انتشار السرطان.