نظم الاتحاد العام التونسي للشغل، أمس، احتجاجاً مناهضاً للرئيس قيس سعيد في العاصمة، هو الأكبر حتى الآن حسب مراقبين، مستعرضاً قوته بعد إجراءات صارمة اتخذتها السلطات بحق المعارضين في الآونة الأخيرة.
وامتلأ شارع الحبيب بورقيبة بعدة آلاف من المحتجين، الذين رفعوا لافتات كُتب عليها «لا للحكم الفردي»، ورددوا هتاف «حريات حريات دولة البوليس وفات (انتهت)». ونُظمت المسيرة بعد أسابيع من اعتقالات استهدفت معارضين بارزين لسعيد، في أول إجراءات صارمة كبيرة منذ انفراده بسلطات واسعة النطاق في عام 2021، حيث حل البرلمان وتحول إلى الحكم بإصدار المراسيم.
وقال نور الدين الطبوبي، الأمين العام لاتحاد الشغل، أمام تجمع وسط العاصمة حضرته أعداد مهمة من العمال، وبعض المنظمات التي شاركت في مسيرة لدعم الاتحاد، منها «اتحاد الشباب المعطلين عن العمل»، وبعض ممثلي الأحزاب السياسية، بهدف الدفاع عن الحق النقابي والحريات العامة والفردية: «سنواصل الدفاع عن الحريات وكل الحقوق مهما كلفنا ذلك... ونحن لا نخشى السجون والاعتقالات». وأضاف: «أحيي الحقوقيين والسياسيين في سجن المرناقية»، في إشارة للمعتقلين في الآونة الأخيرة، مؤكداً أن «ما ينقص تونس اليوم هو الوحدة الوطنية، لا خطاب التحريض على التفرقة والتباغض». كما شدد على أن الاتحاد «ليس من دعاة العنف، وهو يعمل على ترسيخ آلية الحوار للخروج بالبلاد من أزمتها متعددة الأوجه».
كما نظم اتحاد الشغل مسيرة جابت بعض شوارع العاصمة، وتوجهت نحو مقر محافظة تونس، حيث تم تنظيم وقفة احتجاجية، ردد المشاركون فيها النشيد الوطني التونسي، إلى جانب رفع وترديد شعارات ضد السلطة.
وخلال هذه المسيرات، انتقد الطبوبي حكومة نجلاء بودن، واتهمها بالتلاعب بالاتفاق الذي جرى بينها وبين الاتحاد حول الزيادة في الأجور، واستنكر «طريقة الترهيب ومداهمة المنازل، وتخويف أفراد العائلات»، في إشارة إلى المداهمات التي نفذتها أجهزة الأمن خلال الآونة الأخيرة. وقال إن تقديم مبادرة للإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي «لا يمكن اعتبارها جريمة، وكان على السلطة أن تكون لها رؤية وخيارات».
وحول قرار منع نقابيين أجانب من المشاركة في هذا التجمع العمالي، قال الطبوبي إن اتحاد الشغل لا «يستأسد بالخارج»، موضحاً أن قدومهم إلى تونس «يندرج في إطار التضامن الدولي بين المنظمات النقابية لا غير»، وذلك في رد صريح على انتقاد الرئيس قيس سعيد «دعوة بعض الأشخاص الأجانب للتظاهر في تونس»، وتأكيده أن ذلك «غير مقبول لأن تونس ليست ضيعة أو بستاناً أو أرضاً بلا سيد»، مشيراً إلى أن هذه المظاهرات «لا علاقة لها بمطالب الشعب التونسي... وهناك اليوم للأسف من يتحالف مع الذين أرادوا الإفلات من المحاسبة والمساءلة».
من جهته، قال حمة الحمامي، زعيم حزب العمال لوكالة «رويترز» للأنباء: «الإجابة الوحيدة على سعيد هي الشارع والاحتجاج... والتونسيون لم يعودوا يخافون».
ويقول معارضو الرئيس سعيد إن الأمر أصبح أوضح من أي وقت مضى، فسعيد حسبهم «فكك الديمقراطية التي جلبتها ثورة 2011»، التي أطلقت شرارة الربيع العربي و«سيقضي على الحريات التي تحققت بفضلها». وفي المقابل يقول سعيد إن تصرفاته «قانونية وضرورية لإنقاذ تونس من الفوضى ولا تعد انقلاباً».
واتسمت انتقادات الاتحاد العام التونسي للشغل لخطوات سعيد بالبطء في بادئ الأمر، بينما وصفتها الأحزاب السياسية بالانقلاب، لكن الاتحاد ذا النفوذ بدأ في معارضة الرئيس بوضوح، مع إحكام سعيد قبضته وتجاهله للاتحاد ولاعبين آخرين. وقد اعتُقل مسؤول كبير في الاتحاد الشهر الماضي، لأنه نظم إضراباً في محطات تحصيل الرسوم على الطرق السريعة، ما دفع صحيفة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى القول إن سعيد أعلن الحرب على الاتحاد وأعضائه، البالغ عددهم مليون عضو.
والأسبوع الماضي، منعت السلطات التونسية قادة النقابات العمالية الأجنبية من دخول تونس للمشاركة في المسيرة، تعبيراً عن التضامن مع اتحاد الشغل، وقال سعيد إنه لن يقبل بانضمام الأجانب إلى الاحتجاجات.
ويشير حجم المسيرة، أمس، إلى أن اتحاد الشغل ما زال يمثل خصماً قوياً، قد يتكبّد سعيد العناء لتنحيته جانباً مع تحركه لتهميش المعارضين الآخرين في أعقاب انتخابات برلمانية، لم تحظَ بنسبة إقبال عالية. وقد تتصاعد احتمالات الغضب الشعبي في ظل الأزمة، التي يعاني منها اقتصاد تونس، واقتراب مالية الدولة من شفا الإفلاس ونقص السلع الأساسية.
وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، ألقت الشرطة القبض على أكثر من 10 شخصيات بارزة من المعارضة، معظمهم على صلة بائتلاف أحزاب ومحتجين يخططون للخروج في مسيرة غداً (الأحد)، ووجهت إليهم اتهاماً بالتآمر ضد أمن الدولة.
ومن بين المعتقلين في الأسابيع القليلة الماضية سياسيون من حزب النهضة، الذي كان أكبر حزب في البرلمان المنحل، وزعماء جماعة احتجاج ومدير إذاعة «موزاييك إف.إم»، أهم وسيلة إعلام مستقلة في البلاد ورجل أعمال بارز.
وقال أستاذ تونسي شارك في الاحتجاج، يُدعى ناجح الزيدي: «سعيد يهدد الكل... الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني... التونسيون خرجوا ليعبروا عن رفضهم للشعبوية الزاحفة».
«اتحاد الشغل» التونسي ينظم أكبر احتجاج مناهض للسلطات
شارك فيه آلاف العمال للمطالبة باحترام الحق النقابي وضمان الحريات
«اتحاد الشغل» التونسي ينظم أكبر احتجاج مناهض للسلطات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة