ازدواجية معايير المناخ تعرقل عملية تحول واستدامة الطاقة

خبراء يؤكدون أنه لا يمكن الاستغناء عن استخدام منتجات البتروكيماويات في الحياة اليومية

مبادرة السعودية الخضراء نموذج لتوجه دول المنطقة حيال التغير المناخي (الشرق الأوسط)
مبادرة السعودية الخضراء نموذج لتوجه دول المنطقة حيال التغير المناخي (الشرق الأوسط)
TT

ازدواجية معايير المناخ تعرقل عملية تحول واستدامة الطاقة

مبادرة السعودية الخضراء نموذج لتوجه دول المنطقة حيال التغير المناخي (الشرق الأوسط)
مبادرة السعودية الخضراء نموذج لتوجه دول المنطقة حيال التغير المناخي (الشرق الأوسط)

منذ فترة قريبة أعلن الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي استثمار ما يصل إلى تريليون ريال (266.40 مليار دولار) في مجالات توليد الطاقة النظيفة، وفي أواخر العام الماضي، أعلنت دولة الإمارات عن استثمار 100 مليار دولار بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ مشاريع طاقة نظيفة في البلدين ومختلف أنحاء العالم، الأمر الذي يعطي صورة واضحة عن توجه هذه الدول النفطية إلى تنويع اقتصاداتها ومصادر الطاقة فيها والقيام بدورها وواجبها في مواجهة انعكاسات تغير المناخ.
- مطالبة الإنتاج
وفي الوقت الذي تستعد فيه المنطقة لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ المعروف بـ«كوب 28» أواخر العام الحالي في دولة الإمارات، بدأت المطالبات التي تتهم قطاع النفط والغاز بالتسبب في مشكلات التغير المناخي، ووصلت تلك المطالبات للدعوة بوقف الإنتاج واستخدام تلك الموارد.
- تجاهل المسؤولية
يحمل النشطاء البيئيون فيما يتعلق بالتغير المناخي مجموعة من التناقضات والمعلومات الخاطئة، حيث تقوم دولهم بحرق الفحم الحجري على مدى قرون، وهو أكثر أنواع الوقود تسبباً بانبعاثات الكربون. وانتهت تلك الدول من إنجاز بنيتها التحتية الأساسية وتطوير اقتصاداتها، وبالرغم من ذلك يقوم بعض الناشطين البيئيين بالدعوة إلى وقف إنتاج النفط والغاز في دول نامية لا تزال تعمل على إنشاء بنيتها التحتية وبناء اقتصاداتها، حيث يمارس الناشطون البيئيون دعواتهم من خلال الوتر العاطفي في دعواتهم، متجاهلين عدم قدرة العالم على وقف إنتاج النفط والغاز بشكل فوري أو سريع دون أن يؤدي ذلك إلى انهيار عالمي شامل.
وقال الدكتور خالد باطرفي الأستاذ في جامعة الفيصل السعودية: «هناك من يعمل على تسييس القضية، والتربح من ورائها. ويلقي كل طرف بالمسؤولية على الآخرين، كما فعل الغرب بتحميل الدول المنتجة للنفط مسؤولية تلويث الكون، وبالتالي المطالبة بتعويض المتضررين. كما استخدم الساسة الشعارات لكسب الأصوات، ولم ينفذوا أكثر وعودهم، خصوصاً عندما تصطدم بالمصالح».
وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» حول ذلك: «التناقض أيضاً يتجلى في مطالبة البلدان المنتجة بتخفيض الإنتاج والأسعار في نفس الوقت الذي يرفعون فيه إنتاجهم، ويفرضون الضرائب العالية على المستهلك، وفي مطالبتنا بإنشاء بنى تحتية مكلفة بنفس الوقت الذي يتسببون فيه بتخفيض دخلنا القومي بدفع المنتج والسعر إلى الحضيض».
وتابع الدكتور باطرفي: «رغم أننا لم نتضرر حتى الآن من الاحتباس الحراري، كما تضررت دول النصف الشمالي من الكرة الأرضية، كما رأينا هذا العام في صيف أوروبا وأميركا، فإننا جزء من هذا العالم، وما يصيبه يصيبنا. ومع أننا في دائرة الاتهام، ظلماً وتعسفاً، لمجرد أننا ننتج النفط، وأنهم يتناسون أنهم أكثر المستهلكين له، والمتسببون في الانبعاثات الكربونية، فإننا نسابقهم في اكتشاف الحلول، وتطبيقها على أرض الواقع. كما تفعل السعودية من خلال مبادرتي الشرق الأوسط الأخضر والسعودية الخضراء ومشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، والأمونيا الزرقاء. وباعتماد الطاقة المتجددة في مدنها الجديدة كـ«نيوم»، وتطوير المدن القائمة والبنى التحتية، كمشاريع «الداون تاون» لأكثر من عشر مدن.
وأكد باطرفي: «الغرب يطالب ويحاضر، والسعودية تعمل وتحقق، والفارق كبير بين أصحاب الإنجاز وأصحاب الشعارات».
- منتجات الحياة
وبما أن النفط يتجاوز في الوقت نفسه كونه مصدراً للطاقة، فإنه لا يمكن الاستغناء عن استخدام منتجات البتروكيماويات، بما فيها استخدامات البلاستيك في الأدوات والمعدات الطبية، والتحول الذي أحدثه في القطاع الطبي، وعلى سبيل المثال كانت الحقن الطبية القديمة مصنوعة من الزجاج، ويتطلب استخدامها غليها لمدة عشر دقائق لتعقيمها، في حين تستخدم اليوم الحقن البلاستيكية المعقمة مسبقاً لمرة واحدة، وقد أسهمت في سرعة إيصال العلاج وإنقاذ الأرواح، حيث تمت معالجة الحفاظ على البيئة في هذا الجانب من خلال إعادة التدوير، وعدم رمي المخلفات البلاستيكية في مكبات النفايات أو البحار.
ومن جانبه أكد المهندس عثمان الخويطر الخبير في مستقبل مصادر الطاقة أن البعض يحاولون التقليل من أهمية البترول، ويتنبؤون بقرب الاستغناء عنه. فأحياناً يمجدون ظهور ومستقبل المركبات الكهربائية، وأحيناً يباركون مصادر الطاقة المتجددة. ويغفلون الأهمية الكبرى للمواد الهيدروكربونية للصناعات البتروكيماوية التي تمد العالم بأنواع لا حصر لها من المنتجات الصناعية والاستهلاكية.
وقال المهنس الخويطر في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «معظم هياكل المركبات الكهربائية والتقليدية مصنوع من مواد بترولية، بالإضافة إلى تعبيد الطرق التي تسير عليها المركبات بالأسفلت البترولي».
- أين الحل؟
الوصول إلى حلول فعالة يتطلب تشخيصاً علمياً واقعياً للمشكلة، والواقع أن غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري وارتفاع درجة كوكب الأرض تشمل: الميثان، وثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروز، والهيدروكلور وفلوروكربونات... وغيرها، ولهذه الغازات مصادر كثيرة، منها أنشطة الزراعة وتربية المواشي (الميثان)، والأنشطة الصناعية والمنزلية (الكربون)... وغيرها. أما عندما يكون تركيز بعض الناشطين على نوع واحد من الغازات كالكربون، وعلى قطاع واحد كالنفط والغاز، فهذا يدفع للتساؤل عن النوايا الحقيقية.
وفي هذا الجانب فإن السيارات الكهربائية تحتاج إلى بطاريات قابلة لإعادة الشحن، وتصنيع هذه البطاريات يحتاج إلى معادن مثل الليثيوم، وتعدين هذه المعادن يتسبب بخروج كمية كبيرة من الانبعاثات، وهنا يجب الأخذ في الاعتبار مصدر الكهرباء التي سيتم بها شحن تلك السيارات، والذي يدفع إلى التفكير في الدورة الصناعية والاقتصادية التي ستنشأ وعن مدى تسببها بالانبعاثات، ومن سيكون المستفيد اقتصادياً منها، في الوقت التي يتم فيه الترحيب بكل الخيارات والحلول، حيث تدعو الدول النفطية للاستثمار فيها واختبارها وتجربتها واعتماد الناجح منها ليتم نشره وتطبيقه على نطاق واسع.
- مؤتمرات الأطراف
ومع كل هذه التحديات والطروحات فإن الأنظار الآن إلى مؤتمر الأطراف المقبل الذي ستستضيفه الإمارات نهاية العام، وهو قيام صورة لما تقوم به دولة نفطية في الإعداد لحوار عالمي منطقي وهادئ حول تغير المناخ، مع اختيار الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، لرئاسة تلك الدورة، والذي يمثل انعكاس للنظرة الواقعية، حيث يرأس الدكتور الجابر شركة النفط الوطنية في الإمارات (أدنوك)، حيث بدأ التركيز على خفض الانبعاثات في عمليات الإنتاج، كما أنه عمل على تأسيس شركة مصدر للطاقة المتجددة.
وكان الدكتور الجابر قد أكد في أكثر من مرة أن نظرة قيادة بلاده هي استثمار موارد قابلة للنضوب مثل النفط والغاز، بهدف بناء موارد مستدامة هي الطاقة المتجددة والنظيفة، وأن العالم يمر بمرحلة انتقالية تتطلب مزيجاً متنوعاً من مصادر الطاقة، وأنه يجب إنتاج المزيد من الطاقة بأقل انبعاثات ممكنة لضمان استمرار الحياة والنمو الاقتصادي والاجتماعي، وأن الإمارات تتبع منهجية الحوار والتعاون لتحقيق المصالح المشتركة.
واختيار الإمارات شخصية تعمل في دور فاعل ومؤثر في قطاعي النفط والطاقة المتجددة، هو اختيار هام لتقديم وجهة نظر بلدان الخليج العربي، وجميع الدول المنتجة للنفط حول العالم، لإثبات وجهة النظر بضرورة أن يكون النفط والغاز جزءاً من الحل في مجال العمل المناخي، مع رفع مستوى الوعي في الموضوعات المطروحة للنقاش في مؤتمرات الأطراف التي تقام تحت مظلة الأمم المتحدة.
وفي وسط كل هذه الحركات تظل المعادلة المتناقضة أصعب توازن يواجهه قطاع الطاقة العالمي، حيث تطلب الحكومات الغربية رفع إنتاج النفط والغاز لخفض الأسعار، وفي نفس الوقت يطالبون بوقف الإنتاج حفاظاً على البيئة.


مقالات ذات صلة

واشنطن وبكين لعقد قمة بشأن انبعاثات الميثان

بيئة المبعوث الأميركي للمناخ جون بوديستا خلال اجتماع ثنائي مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي في قاعة الشعب الكبرى في بكين 6 سبتمبر 2024 (إ.ب.أ)

واشنطن وبكين لعقد قمة بشأن انبعاثات الميثان

أعلن المبعوث الأميركي للمناخ، جون بوديستا، الجمعة، أن واشنطن وبكين تحققان تقدماً باتجاه عقد قمة تتناول خفض انبعاثات الميثان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد رئاسة «كوب 29» تطلق منصة للشفافية لدعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ

رئاسة «كوب 29» تطلق منصة للشفافية لدعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ

أطلقت رئاسة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 29» منصة باكو العالمية للشفافية المناخية.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد محطات لتوليد الطاقة من الفحم في نيوراث بشمال غربي ألمانيا (رويترز)

المفوضية الأوروبية تعلن دخول قواعد جديدة لخفض الانبعاثات حيز التنفيذ

أعلنت المفوضية الأوروبية دخول قواعد جديدة تابعة للاتحاد الأوروبي، حيز التنفيذ، الأحد، بهدف خفض الانبعاثات من المزارع والمصانع الكبرى، مع فترة لتوفيق الأوضاع.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الولايات المتحدة​ جانب من تدريبات عسكرية صينية - روسية مشتركة بجنوب الصين في 14 يوليو (أ.ب)

قلق أميركي من التعاون الروسي - الصيني في القطب الشمالي

حذّرت وزارة الدفاع الأميركية من تعزيز التعاون بين روسيا والصين في القطب الشمالي؛ حيث ترتفع حدة المنافسة على الطرق البحرية والموارد على خلفية تغيّر المناخ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد إحدى المناطق الجبلية الواقعة جنوب المملكة (الشرق الأوسط)

البرامج والمشاريع البيئية القائمة تحت مظلة مبادرة «السعودية الخضراء»

علمت «الشرق الأوسط» أن الحكومة السعودية تنوي ضم جميع المبادرات والبرامج والمشاريع في القطاعين العام والخاص والقطاع غير الربحي إلى مبادرة «السعودية الخضراء».

بندر مسلم (الرياض)

رئيس الوزراء البريطاني يتجنب تمرداً من حزبه بشأن تخفيضات في مدفوعات الوقود الشتوية

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يحضر مؤتمر نقابات العمال في برايتون (رويترز)
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يحضر مؤتمر نقابات العمال في برايتون (رويترز)
TT

رئيس الوزراء البريطاني يتجنب تمرداً من حزبه بشأن تخفيضات في مدفوعات الوقود الشتوية

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يحضر مؤتمر نقابات العمال في برايتون (رويترز)
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يحضر مؤتمر نقابات العمال في برايتون (رويترز)

تجنب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تمرداً كبيراً في حزبه، الثلاثاء، بشأن خطط لخفض 1.5 مليار جنيه إسترليني (1.96 مليار دولار) من مدفوعات الوقود الشتوي لكبار السن بعد أن امتنع المشرّعون غير السعداء عن التصويت بدلاً من التصويت ضد الحكومة.

وكان التصويت اختباراً مهماً لسلطة ستارمر بعد شهرين فقط من فوزه الساحق في الانتخابات، وخططه للمضي قدماً في بعض تخفيضات الإنفاق الحكومي، والتي يقول إنها حيوية لتحسين المالية العامة لبريطانيا. في النهاية، صوّت واحد فقط من بين 404 من نواب حزب «العمال» ضد الخطة، ولم يصوّت 53 في مجلس العموم.

وكان بعض المشرعين قلقين من أنهم إذا لم يدعموا السياسة، فقد يواجهون إجراءات تأديبية بعد أن علّق حزب «العمال» عمل سبعة مشرّعين لتصويتهم ضد الحكومة في يوليو (تموز).

وقالت ليز كيندال، وزيرة العمل والمعاشات التقاعدية، للبرلمان: «يجب أن نصلح أسس اقتصادنا. عندما تكون الأموال شحيحة، يجب أن تكون أولويتنا توجيه الموارد إلى أولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إليها». وعلى الرغم من الدعوات لإعادة التفكير أو التخفيف من تأثير سياسة إلغاء المدفوعات لنحو 10 ملايين متقاعد لا يتلقون إعانات الرعاية الاجتماعية الحكومية، رفض ستارمر التراجع قائلاً إن التحكم في الإنفاق ضروري لخلق الظروف للاستثمار والنمو الاقتصادي في المستقبل.

انتخب ستارمر في الرابع من يوليو على وعد بإعادة بناء بريطانيا، وأثار احتمال زيادة الضرائب على الأثرياء والمزيد من التخفيضات في الإنفاق في موازنة الشهر المقبل لمحاولة إصلاح مجموعة من المشاكل التي ألقى باللوم فيها على 14 عاماً من سوء الحكم المحافظ.

وفي خطاب ألقاه أمام مؤتمر النقابات العمالية في وقت سابق، الثلاثاء، لم يعتذر ستارمر، قائلاً إن أولويته هي الاستقرار الاقتصادي. واتهم الحكومة المحافِظة الأخيرة بترك حفرة مالية سوداء بقيمة 22 مليار جنيه إسترليني (29 مليار دولار)، مما أجبره على اتخاذ قرارات صعبة. ويطعن المحافظون، الذين هم الآن في المعارضة، في هذه التهمة.

وتلقى ستارمر استجابة دافئة، وإن كانت صامتة، لخطابه من قادة النقابات، الذين انتقدوا علناً خططه لتقييد مدفوعات الوقود.

يقول وزراء الحكومة إن توفير مدفوعات الوقود لجميع المتقاعدين مضيعة؛ لأن هذه المدفوعات تلقاها أناس أثرياء لم يحتاجوا إلى المساعدة. لكن السياسة ستخفض المدفوعات بقيمة تصل إلى 300 جنيه إسترليني (390 دولاراً) سنوياً لبعض المتقاعدين من ذوي الدخل المنخفض، الذين لا يحق لهم الحصول على مزايا حكومية.

وطلب ميل سترايد، رئيس العمل والمعاشات التقاعدية في حزب «المحافظين»، من الساسة العماليين خلال مناقشة في البرلمان «النظر إلى ضمائرهم»، والتصويت لوقف التخفيض الذي قال إنه سيؤدي إلى صعوبات لملايين المسنين. ورفض ستارمر أن يقول ما الإجراء الذي سيتم اتخاذه ضد النائب العمالي الذي صوّت ضد الحكومة. وفي يوليو، اتخذ ستارمر موقفاً متشدداً ضد المتمردين في الحزب الذين صوتوا ضد الحكومة لتعديل لإلغاء الحد الأقصى لإعانة الطفلين، وتعليق عضوية أعضاء حزب «العمال» السبعة في الحزب البرلماني لمدة ستة أشهر.