ازدواجية معايير المناخ تعرقل عملية تحول واستدامة الطاقة

خبراء يؤكدون أنه لا يمكن الاستغناء عن استخدام منتجات البتروكيماويات في الحياة اليومية

مبادرة السعودية الخضراء نموذج لتوجه دول المنطقة حيال التغير المناخي (الشرق الأوسط)
مبادرة السعودية الخضراء نموذج لتوجه دول المنطقة حيال التغير المناخي (الشرق الأوسط)
TT

ازدواجية معايير المناخ تعرقل عملية تحول واستدامة الطاقة

مبادرة السعودية الخضراء نموذج لتوجه دول المنطقة حيال التغير المناخي (الشرق الأوسط)
مبادرة السعودية الخضراء نموذج لتوجه دول المنطقة حيال التغير المناخي (الشرق الأوسط)

منذ فترة قريبة أعلن الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي استثمار ما يصل إلى تريليون ريال (266.40 مليار دولار) في مجالات توليد الطاقة النظيفة، وفي أواخر العام الماضي، أعلنت دولة الإمارات عن استثمار 100 مليار دولار بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ مشاريع طاقة نظيفة في البلدين ومختلف أنحاء العالم، الأمر الذي يعطي صورة واضحة عن توجه هذه الدول النفطية إلى تنويع اقتصاداتها ومصادر الطاقة فيها والقيام بدورها وواجبها في مواجهة انعكاسات تغير المناخ.
- مطالبة الإنتاج
وفي الوقت الذي تستعد فيه المنطقة لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ المعروف بـ«كوب 28» أواخر العام الحالي في دولة الإمارات، بدأت المطالبات التي تتهم قطاع النفط والغاز بالتسبب في مشكلات التغير المناخي، ووصلت تلك المطالبات للدعوة بوقف الإنتاج واستخدام تلك الموارد.
- تجاهل المسؤولية
يحمل النشطاء البيئيون فيما يتعلق بالتغير المناخي مجموعة من التناقضات والمعلومات الخاطئة، حيث تقوم دولهم بحرق الفحم الحجري على مدى قرون، وهو أكثر أنواع الوقود تسبباً بانبعاثات الكربون. وانتهت تلك الدول من إنجاز بنيتها التحتية الأساسية وتطوير اقتصاداتها، وبالرغم من ذلك يقوم بعض الناشطين البيئيين بالدعوة إلى وقف إنتاج النفط والغاز في دول نامية لا تزال تعمل على إنشاء بنيتها التحتية وبناء اقتصاداتها، حيث يمارس الناشطون البيئيون دعواتهم من خلال الوتر العاطفي في دعواتهم، متجاهلين عدم قدرة العالم على وقف إنتاج النفط والغاز بشكل فوري أو سريع دون أن يؤدي ذلك إلى انهيار عالمي شامل.
وقال الدكتور خالد باطرفي الأستاذ في جامعة الفيصل السعودية: «هناك من يعمل على تسييس القضية، والتربح من ورائها. ويلقي كل طرف بالمسؤولية على الآخرين، كما فعل الغرب بتحميل الدول المنتجة للنفط مسؤولية تلويث الكون، وبالتالي المطالبة بتعويض المتضررين. كما استخدم الساسة الشعارات لكسب الأصوات، ولم ينفذوا أكثر وعودهم، خصوصاً عندما تصطدم بالمصالح».
وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» حول ذلك: «التناقض أيضاً يتجلى في مطالبة البلدان المنتجة بتخفيض الإنتاج والأسعار في نفس الوقت الذي يرفعون فيه إنتاجهم، ويفرضون الضرائب العالية على المستهلك، وفي مطالبتنا بإنشاء بنى تحتية مكلفة بنفس الوقت الذي يتسببون فيه بتخفيض دخلنا القومي بدفع المنتج والسعر إلى الحضيض».
وتابع الدكتور باطرفي: «رغم أننا لم نتضرر حتى الآن من الاحتباس الحراري، كما تضررت دول النصف الشمالي من الكرة الأرضية، كما رأينا هذا العام في صيف أوروبا وأميركا، فإننا جزء من هذا العالم، وما يصيبه يصيبنا. ومع أننا في دائرة الاتهام، ظلماً وتعسفاً، لمجرد أننا ننتج النفط، وأنهم يتناسون أنهم أكثر المستهلكين له، والمتسببون في الانبعاثات الكربونية، فإننا نسابقهم في اكتشاف الحلول، وتطبيقها على أرض الواقع. كما تفعل السعودية من خلال مبادرتي الشرق الأوسط الأخضر والسعودية الخضراء ومشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، والأمونيا الزرقاء. وباعتماد الطاقة المتجددة في مدنها الجديدة كـ«نيوم»، وتطوير المدن القائمة والبنى التحتية، كمشاريع «الداون تاون» لأكثر من عشر مدن.
وأكد باطرفي: «الغرب يطالب ويحاضر، والسعودية تعمل وتحقق، والفارق كبير بين أصحاب الإنجاز وأصحاب الشعارات».
- منتجات الحياة
وبما أن النفط يتجاوز في الوقت نفسه كونه مصدراً للطاقة، فإنه لا يمكن الاستغناء عن استخدام منتجات البتروكيماويات، بما فيها استخدامات البلاستيك في الأدوات والمعدات الطبية، والتحول الذي أحدثه في القطاع الطبي، وعلى سبيل المثال كانت الحقن الطبية القديمة مصنوعة من الزجاج، ويتطلب استخدامها غليها لمدة عشر دقائق لتعقيمها، في حين تستخدم اليوم الحقن البلاستيكية المعقمة مسبقاً لمرة واحدة، وقد أسهمت في سرعة إيصال العلاج وإنقاذ الأرواح، حيث تمت معالجة الحفاظ على البيئة في هذا الجانب من خلال إعادة التدوير، وعدم رمي المخلفات البلاستيكية في مكبات النفايات أو البحار.
ومن جانبه أكد المهندس عثمان الخويطر الخبير في مستقبل مصادر الطاقة أن البعض يحاولون التقليل من أهمية البترول، ويتنبؤون بقرب الاستغناء عنه. فأحياناً يمجدون ظهور ومستقبل المركبات الكهربائية، وأحيناً يباركون مصادر الطاقة المتجددة. ويغفلون الأهمية الكبرى للمواد الهيدروكربونية للصناعات البتروكيماوية التي تمد العالم بأنواع لا حصر لها من المنتجات الصناعية والاستهلاكية.
وقال المهنس الخويطر في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «معظم هياكل المركبات الكهربائية والتقليدية مصنوع من مواد بترولية، بالإضافة إلى تعبيد الطرق التي تسير عليها المركبات بالأسفلت البترولي».
- أين الحل؟
الوصول إلى حلول فعالة يتطلب تشخيصاً علمياً واقعياً للمشكلة، والواقع أن غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري وارتفاع درجة كوكب الأرض تشمل: الميثان، وثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروز، والهيدروكلور وفلوروكربونات... وغيرها، ولهذه الغازات مصادر كثيرة، منها أنشطة الزراعة وتربية المواشي (الميثان)، والأنشطة الصناعية والمنزلية (الكربون)... وغيرها. أما عندما يكون تركيز بعض الناشطين على نوع واحد من الغازات كالكربون، وعلى قطاع واحد كالنفط والغاز، فهذا يدفع للتساؤل عن النوايا الحقيقية.
وفي هذا الجانب فإن السيارات الكهربائية تحتاج إلى بطاريات قابلة لإعادة الشحن، وتصنيع هذه البطاريات يحتاج إلى معادن مثل الليثيوم، وتعدين هذه المعادن يتسبب بخروج كمية كبيرة من الانبعاثات، وهنا يجب الأخذ في الاعتبار مصدر الكهرباء التي سيتم بها شحن تلك السيارات، والذي يدفع إلى التفكير في الدورة الصناعية والاقتصادية التي ستنشأ وعن مدى تسببها بالانبعاثات، ومن سيكون المستفيد اقتصادياً منها، في الوقت التي يتم فيه الترحيب بكل الخيارات والحلول، حيث تدعو الدول النفطية للاستثمار فيها واختبارها وتجربتها واعتماد الناجح منها ليتم نشره وتطبيقه على نطاق واسع.
- مؤتمرات الأطراف
ومع كل هذه التحديات والطروحات فإن الأنظار الآن إلى مؤتمر الأطراف المقبل الذي ستستضيفه الإمارات نهاية العام، وهو قيام صورة لما تقوم به دولة نفطية في الإعداد لحوار عالمي منطقي وهادئ حول تغير المناخ، مع اختيار الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، لرئاسة تلك الدورة، والذي يمثل انعكاس للنظرة الواقعية، حيث يرأس الدكتور الجابر شركة النفط الوطنية في الإمارات (أدنوك)، حيث بدأ التركيز على خفض الانبعاثات في عمليات الإنتاج، كما أنه عمل على تأسيس شركة مصدر للطاقة المتجددة.
وكان الدكتور الجابر قد أكد في أكثر من مرة أن نظرة قيادة بلاده هي استثمار موارد قابلة للنضوب مثل النفط والغاز، بهدف بناء موارد مستدامة هي الطاقة المتجددة والنظيفة، وأن العالم يمر بمرحلة انتقالية تتطلب مزيجاً متنوعاً من مصادر الطاقة، وأنه يجب إنتاج المزيد من الطاقة بأقل انبعاثات ممكنة لضمان استمرار الحياة والنمو الاقتصادي والاجتماعي، وأن الإمارات تتبع منهجية الحوار والتعاون لتحقيق المصالح المشتركة.
واختيار الإمارات شخصية تعمل في دور فاعل ومؤثر في قطاعي النفط والطاقة المتجددة، هو اختيار هام لتقديم وجهة نظر بلدان الخليج العربي، وجميع الدول المنتجة للنفط حول العالم، لإثبات وجهة النظر بضرورة أن يكون النفط والغاز جزءاً من الحل في مجال العمل المناخي، مع رفع مستوى الوعي في الموضوعات المطروحة للنقاش في مؤتمرات الأطراف التي تقام تحت مظلة الأمم المتحدة.
وفي وسط كل هذه الحركات تظل المعادلة المتناقضة أصعب توازن يواجهه قطاع الطاقة العالمي، حيث تطلب الحكومات الغربية رفع إنتاج النفط والغاز لخفض الأسعار، وفي نفس الوقت يطالبون بوقف الإنتاج حفاظاً على البيئة.


مقالات ذات صلة

مؤتمر المناخ يصل إلى محطته الأخيرة دون توافق في نسخة «كوب 30»

الاقتصاد جانب من الجلسات في اليوم الختامي لمؤتمر المناخ «كوب 30» المنعقد في مدينة بيليم البرازيلية (أ.ب)

مؤتمر المناخ يصل إلى محطته الأخيرة دون توافق في نسخة «كوب 30»

دخل مؤتمر المناخ «كوب 30»، المنعقد في مدينة بيليم البرازيلية وسط غابات الأمازون، يومه الأخير على وقع توتر غير مسبوق.

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))
أميركا اللاتينية انتشر الدخان داخل وخارج المكان الذي يستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (أ.ف.ب)

علاج 13 شخصاً بعد استنشاق الدخان إثر حريق بمقر مؤتمر المناخ «كوب 30»

قال منظمون، في بيان، إن 13 شخصاً تلقوا العلاج من استنشاق الدخان الناجم عن حريق اندلع في المقر الذي ينعقد فيه مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ (كوب 30).

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))
تحليل إخباري الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا يصافح نائب رئيس الوزراء الصيني دينغ شيويه شيانغ قبل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في بيليم (رويترز)

تحليل إخباري الصين تتربع على عرش «كوب 30» وتملأ الفراغ الأميركي

لأول مرة منذ 3 عقود، تغيب أميركا عن قمة الأمم المتحدة للمناخ، تاركة الباب مفتوحاً أمام الصين لتتصدر المشهد قائدةً جديدة في مكافحة الاحتباس الحراري.

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))
أميركا اللاتينية قارب مهجور يرقد في خزان مائي جفّ بفعل الجفاف على مشارف صنعاء (إ.ب.أ)

الأمم المتحدة: أزمة المناخ أكبر تهديد في عصرنا

رغم الحروب والنزاعات الكثيرة في أنحاء العالم، عدّت رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنالينا بيربوك، أزمة المناخ «أكبر تهديد في عصرنا».

«الشرق الأوسط» (بيلم (البرازيل))
أميركا اللاتينية اشتبك متظاهرون مع قوات الأمن في محاولة لاقتحام مقر مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 30» في بيليم بالبرازيل (إ.ب.أ) play-circle 00:37

متظاهرون من السكان الأصليين يشتبكون مع الأمن في قمة المناخ بالبرازيل (صور)

اشتبك عشرات المتظاهرين من السكان الأصليين مع حراس أمن، الثلاثاء، في قمة المناخ (كوب 30) في بيليم البرازيلية، في حدث نادراً ما يحصل في مؤتمر المناخ السنوي.

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))

«وول ستريت» تختتم أسبوعاً هادئاً... والأسهم تلامس المستويات القياسية

متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
TT

«وول ستريت» تختتم أسبوعاً هادئاً... والأسهم تلامس المستويات القياسية

متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)

اقتربت الأسهم الأميركية، يوم الجمعة، من مستوياتها القياسية، مع توجه «وول ستريت» نحو نهاية أسبوع اتسم بالهدوء النسبي.

وارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.3 في المائة، ليصبح على بُعد 0.2 في المائة فقط من أعلى مستوى له على الإطلاق، فيما صعد مؤشر «داو جونز» الصناعي بـ46 نقطة (0.1 في المائة). أما مؤشر «ناسداك» المركّب فزاد بنحو 0.4 في المائة، في حين تراجع مؤشر «راسل 2000» لأسهم الشركات الصغيرة بنسبة 0.2 في المائة بعدما لامس مستوى قياسياً في الجلسة السابقة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وفي قطاع الشركات، سجّل سهم «نتفليكس» انخفاضاً بنسبة 2.1 في المائة، بعد إعلانها خططاً لشراء «وارنر براذرز» إثر انفصالها عن «ديسكفري غلوبال»، في صفقة تبلغ 72 مليار دولار نقداً وأسهماً. وارتفع سهم «ديسكفري» التابعة للشركة بنسبة 2.6 في المائة.

وقفز سهم «ألتا بيوتي» بنسبة 11 في المائة بعد إعلان نتائج فصلية فاقت توقعات المحللين من حيث الأرباح والإيرادات، مع إشارتها إلى تحسّن ملحوظ في التجارة الإلكترونية، مما دفعها إلى رفع توقعاتها للإيرادات السنوية.

كما حققت «فيكتوريا سيكريت» أداءً قوياً، إذ سجّلت خسارة أقل من المتوقع ورفعت توقعاتها لمبيعات العام، ليرتفع سهمها بنسبة 14.4 في المائة.

أما سهم «هيوليت باكارد إنتربرايز» فانخفض 3.9 في المائة رغم تحقيق أرباح أعلى من التوقعات، نتيجة إعلان الشركة إيرادات دون المستوى المأمول.

وجاء هذا الأداء في أسبوع هادئ نسبياً بالنسبة إلى السوق الأميركية، بعد أسابيع شهدت تقلبات حادة بفعل مخاوف مرتبطة بتدفقات كبيرة على قطاع الذكاء الاصطناعي وتوقعات تحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

بعد فترة من التردد، يتوقع المستثمرون الآن بالإجماع تقريباً أن يخفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي الأسبوع المقبل لدعم سوق العمل البطيئة. وسيكون ذلك الخفض الثالث هذا العام إن حدث.

وتحظى أسعار الفائدة المنخفضة بدعم المستثمرين، لأنها تعزّز تقييمات الأصول وتحفّز النمو الاقتصادي، لكنها قد تزيد الضغوط التضخمية التي لا تزال أعلى من هدف «الفيدرالي» البالغ 2 في المائة.

ويدعم توقع خفض الفائدة عودة مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى مشارف مستوياته القياسية المسجلة في أكتوبر (تشرين الأول)، في حين يترقب المستثمرون إشارات جديدة من اجتماع «الفيدرالي» حول مسار الفائدة العام المقبل.

وفي أسواق السندات، استقرت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات عند 4.11 في المائة، في حين ارتفع العائد على السندات لأجل عامَين إلى 3.54 في المائة من 3.52 في المائة.

وعالمياً، ارتفعت المؤشرات في معظم أوروبا وآسيا؛ فقد صعد مؤشر «داكس» الألماني بنسبة 0.9 في المائة، وقفز مؤشر «كوسبي» الكوري الجنوبي بنسبة 1.8 في المائة.

في المقابل، تراجع مؤشر «نيكي 225» في طوكيو بنسبة 1.1 في المائة بعد بيانات أظهرت انخفاض إنفاق الأسر اليابانية بنسبة 3 في المائة في أكتوبر على أساس سنوي، وهو أكبر تراجع منذ يناير (كانون الثاني) 2024، وسط تقلبات أثارها احتمال رفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة.


ألمانيا تُقرّ قانون المعاشات المثير للجدل وسط تحذيرات من تفاقم الدين

ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)
ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)
TT

ألمانيا تُقرّ قانون المعاشات المثير للجدل وسط تحذيرات من تفاقم الدين

ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)
ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)

تفادى المستشار الألماني فريدريش ميرتس أزمة سياسية حادة بعد تمكنه بصعوبة من الحصول على الأغلبية المطلقة لتمرير مشروع قانون المعاشات التقاعدية في البرلمان يوم الجمعة، رغم التمرد الذي شهدته كتلته المحافظة، والذي ألقى الضوء على هشاشة سلطته داخل الائتلاف الحاكم.

وأُقر مشروع القانون بأغلبية 318 صوتاً في «البوندستاغ» المؤلف من 630 مقعداً، دون الحاجة إلى دعم طارئ من المعارضة اليسارية. إلا أن حالة الغموض التي رافقت التصويت حتى لحظاته الأخيرة عكست عمق الانقسامات داخل ائتلاف ميرتس المكوّن من المحافظين والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وذلك بعد 7 أشهر فقط من تسلّمه منصبه.

ويعد مشروع القانون، الذي يرفع الإنفاق على المعاشات التقاعدية بنحو 185 مليار يورو (216 مليار دولار) خلال السنوات الـ15 المقبلة، اختباراً مهماً لقدرة الحكومة على تمرير إصلاحات ضرورية لإنعاش أكبر اقتصاد في أوروبا وتعزيز قدرات القوات المسلحة الألمانية التي تعاني منذ سنوات، وفق «رويترز».

كما أسهمت هذه الخلافات في تعزيز صعود حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، الذي يتصدر الآن استطلاعات الرأي على مستوى البلاد، ويتجه لتحقيق مكاسب واسعة في انتخابات 5 ولايات العام المقبل.

وقال الخبير السياسي يوهانس هيلغي: «المستشار خرج منتصراً، لكنه منتصر ضعيف. النقاش كشف حدود سلطته، وجعل الحكم المستقر والمتوقع أمراً صعباً في هذه الظروف». وأضاف أن 7 من نواب المعسكر المحافظ صوّتوا ضد مشروع القانون، فيما امتنع اثنان، وهو رقم مرتفع يعكس حدة الانقسامات.

المعاشات التقاعدية... محور اشتعال سياسي في أوروبا

يثبّت مشروع القانون نسبة المعاشات التقاعدية عند 48 في المائة من متوسط الأجور حتى عام 2031، بدلاً من السماح بانخفاضها، وهو بند أساسي في اتفاق الائتلاف ويحظى بأهمية خاصة للحزب الاشتراكي الديمقراطي.

لكن الجناح الشبابي في حزب المحافظين، الذي يملك 18 صوتاً، عارض المشروع مؤكّداً أنه يرسخ نظاماً مالياً غير مستدام ويحمّل الأجيال الشابة عبئاً كبيراً. ومع أغلبية برلمانية ضئيلة لا تتجاوز 12 صوتاً، لم يكن واضحاً حتى اللحظة الأخيرة إن كان الائتلاف سيتمكن من تمرير المشروع.

وتدخل حزب اليسار في اللحظة الأخيرة عارضاً الامتناع عن التصويت لخفض عدد الأصوات المطلوبة، باعتبار أن حماية المتقاعدين أولوية.

ويحذر اقتصاديون من أن قانون المعاشات الجديد يتجاهل التحديات الديموغرافية وتصاعد الدين العام. وقال كارستن برزيسكي، كبير خبراء الاقتصاد الكلي في بنك «آي إن جي»: «الحكومة تتصرف وكأن الحاضر أبدي، متجاهلة التغيرات الديموغرافية وارتفاع الدين وقضايا الاستدامة المالية».

أخطاء سياسية تكشف هشاشة القيادة

خلال حملته الانتخابية، انتقد ميرتس الصراعات الداخلية في حكومة سلفه أولاف شولتز، ودخل المنصب بتوقعات عالية بعد إبرام صفقة تاريخية لتمويل قياسي في البنية التحتية والدفاع.

لكن ائتلافه أثبت هشاشته منذ اليوم الأول، إذ احتاج إلى جولة تصويت ثانية غير مسبوقة لضمان تنصيبه رسمياً. وفي الصيف، فشل في توحيد صفوف المحافظين خلف مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي للمحكمة الدستورية، ما أدى إلى سقوط التصويت.

وقال يان تيشو من «أوراسيا غروب»: «الصورة العامة للحكومة باعتبارها منقسمة وغير فعّالة وسوء إدارتها تتكرّس بشكل متزايد».

ورغم إشادة الخارج بموقف ميرتس القوي تجاه أوكرانيا، فإن شعبيته المحلية تراجعت إلى نحو 25 في المائة، ليصبح من أقل المستشارين شعبية في التاريخ الحديث.

وبحسب أحدث استطلاع لمؤسسة «فورسا»، تراجع الدعم المشترك للمحافظين والحزب الاشتراكي إلى 39 في المائة مقابل 44.9 في المائة في انتخابات فبراير (شباط)، بينما يواصل حزب «البديل من أجل ألمانيا» صدارته بنسبة 26 في المائة.


قلق خليجي من تبعات تشريعين أوروبيين لاستدامة الشركات

جانب من جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (أ.ف.ب)
جانب من جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (أ.ف.ب)
TT

قلق خليجي من تبعات تشريعين أوروبيين لاستدامة الشركات

جانب من جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (أ.ف.ب)
جانب من جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (أ.ف.ب)

أعربت دول مجلس التعاون الخليجي، الجمعة، عن بالغ قلقها تجاه التشريعين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها، اللذين تتعلق بهما مجموعة تعديلات رفعها البرلمان الأوروبي، مؤخراً، إلى المفاوضات الثلاثية.

وأكّدت دول المجلس في بيان، أن قلقها نابع من أن هذه التشريعات ستفضي إلى إلزام الشركات الكبرى، الأوروبية والدولية، اتباع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستدامة، وبتشريعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، وبتقديم خطط للتغير المناخي خارج إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، كذلك الالتزام بتقديم تقارير عن الاستدامة حول آثار تلك الشركات، والإبلاغ عن ذلك، وفرض غرامات على التي لا تمتثل لهذا التشريع.

وأوضح البيان أنه وعلى الرغم من أن التعديلات المقدمة للإسهام في تخفيف وطأة وتأثير بعض مواد التشريع، وإلغاء البعض الآخر، فإن دول الخليج ما زالت ترى أن هذه التعديلات لا تلبي ما تتطلع إليه، ولا تزال تمثل مصدراً للضرر ومصدراً محتملاً لمخاطر واسعة على مصالح شركاتها العاملة في السوق الأوروبية، خاصةً في ظل البيئة التنظيمية الجديدة التي يفرضها التشريع والتي قد تنعكس سلباً على تنافسية تلك الشركات واستمرارية أعمالها.

وأكّدت دول الخليج أنها لا تزال تواصل جهودها بصفتهم أعضاء فاعلين في جميع المنظمات الأممية المتعلقة بحقوق الإنسان والبيئة والتغير المناخي، وواءمت جميع تشريعاتها مع مبادئ هذه المنظمات، واضعة في الحسبان حقوقها الوطنية السيادية، مبيِّنة أنها تقدم تقاريرها بكل شفافية، وبشكل دوري ومنتظم، في مختلف المنتديات والمؤتمرات الدولية، تحت مظلة الأمم المتحدة، وقد تجسّد ذلك بانضمام دول المجلس إلى اتفاقيتي «باريس» و«الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ»، واعتمادها تشريعات وطنية لحماية البيئة وتنظيم الانبعاثات، فضلاً عن مشاركتها في آليات المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان.

ونوَّه البيان بأنه على الرغم من الجهود التي تقوم بها للوفاء بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي بشكل عام، والاتحاد الأوروبي بشكل خاص؛ لضمان وصول إمدادات الطاقة لأوروبا بشكل يوثق به ويُعتمد عليه، إلا أن دول الخليج تتوقع أن يؤدي استمرار البحث والتفاوض، بين المؤسسات الأوروبية، حول هذا التشريع، إلى آثار سلبية على استمرار تلك الإمدادات.

وخلُصت دول المجلس إلى أن شركاتها، التي قد ينطبق عليها التشريع، وهي تعمل وفق أفضل الممارسات العالمية، ستقوم بدراسة المخاطر والآثار التي قد تتعرض لها جراء اعتماده، وهو إجراء لا يستبعد أن يؤدي إلى التخارج من السوق الأوروبية والبحث عن بديل.

وعبّر البيان عن أمل دول الخليج في أن تنظر الدول الأوروبية الصديقة في إلغاء التوجيه، أو تعديل نطاق تطبيقه ضمن نطاق الاتحاد، بحيث لا يكون تأثيره عابراً للحدود، في حال رأى الأخير ضرورة الاستمرار فيه.