ديمقراطيو إيطاليا على أبواب تجربة جديدة محكّها البراغماتية السياسية

جنتيلوني (رويترز)
جنتيلوني (رويترز)
TT

ديمقراطيو إيطاليا على أبواب تجربة جديدة محكّها البراغماتية السياسية

جنتيلوني (رويترز)
جنتيلوني (رويترز)

نشأ الحزب الديمقراطي الإيطالي بصفته وريثاً للثقافة السياسية الاجتماعية الديمقراطية، مطعَّماً ببعض الأفكار الاجتماعية الليبرالية والبيئية التي تشكّل قاعدته الأيديولوجية الأساسية.
على الصعيد الأوروبي، بنى الحزب علاقات وثيقة مع عدد من الأحزاب الاشتراكية الأوروبية مشكِّلاً «التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين» في البرلمان الأوروبي. وهو حالياً القوة السياسية الثانية في البرلمان الإيطالي، ويتمتع بتأييد واسع في أقاليم إيميليا ورومانيا وتوسكانيا وأومبريا وماركيه وبازيليكاتا وسردينيا، بالإضافة إلى بعض المناطق في إقليمي فينيتو ولومبارديّا.
أُسّس الحزب في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2007 في أعقاب انتخابات أولية لاختيار أمين عام وتشكيل جمعية تأسيسية أعلنته وريثاً لتحالف «الزيتون». وكان هذا التحالف قد نشأ عام 1995 وكان يضمّ مجموعة من الأحزاب بهدف صهر التيارات الديمقراطية الاجتماعية، والليبرالية الاجتماعية المسيحية، والبيئية والاشتراكية الديمقراطية تحت راية الالتزام بالمشروع الأوروبي.
الأمين العام الأول للحزب كان والتر فلتروني الذي استقال من منصبه في فبراير (شباط) عام 2009 بعد الهزيمة التي تعرَّض لها في الانتخابات الإقليمية التي أُجريت في جزيرة سردينيا، التي تُعدّ من المعاقل الرئيسية للحزب. غير أن السبب الحقيقي وراء استقالة فلتروني كان النزاعات الداخلية بين تيارات الحزب والصراعات الشخصية بين قياداته.
بعد ذلك تولّى منصب الأمين العام داريو فرانشسكيني، ثم بيير لويجي برساني الذي استقال بدوره عام 2013. وبعد سنة من استقالة برساني انتخب الحزب - بأغلبية ساحقة - ماتّيو رينزي أميناً عاماً له. وحقاً، قاده رينزي للفوز في الانتخابات العامة مطلع عام 2014 وتولَّى على الأثر رئاسة الحكومة، قبل أن يستقيل عام 2018 بعد هزيمته في استفتاء شعبي لم تكن نتيجته مُلزمة لاستقالته. الفترة التالية شهدت تعاقب 3 قياديين على منصب الأمين العام كان آخرهم إنريكو ليتّا، الذي بعد الهزيمة في الانتخابات العامة في خريف العام الماضي، دعا إلى مؤتمر لانتخاب أمين عام جديد... معلناً عزوفه عن الترشح.

برودي (أ.ف.ب)

قيادات بارزة
من القياديين البارزين لهذا الحزب رومانو برودي الرئيس الأسبق للوزراء وللمفوضية الأوروبية، وباولو جنتيلوني الذي تولّى أيضاً رئاسة الحكومة الإيطالية بين عامي 2016 و2018، قبل تعيينه نائباً لرئيس المفوضية مسؤولاً عن الشؤون الاقتصادية. ولكن رغم كثرة الكفاءات في داخله، ورث الحزب الديمقراطي منذ تأسيسه «داء» الخلافات والصراعات الشخصية العميقة التي أنهكت الأحزاب والحركات اليسارية الإيطالية منذ عقود وتسببت في انشقاقات عدة بين صفوفها. إلا أنها في حالة الحزب الديمقراطي خصوصاً، أضعفته لكنها لم تؤثر كثيراً على حضوره في البرلمان أو قدراته لإقامة تحالفات برلمانية ساعدته على الوجود دائماً في الحكم، ولا سيما أن أيّاً من الأحزاب المتنافسة في الانتخابات لم ينجح بكسب غالبيات كافية تسمح له بتشكيل الحكومة منفرداً.

رينزي (د.ب.أ)

في عام 2017 طرح رئيس الوزراء يومذاك ماتّيو رينزي مشروع قانون انتخابي جديد يكافئ التحالفات الانتخابية الكبرى؛ بهدف وضع النظام السياسي الإيطالي على سكة تشكيل قطبين رئيسيين يتناوبان على السلطة في منأى عن تأثير الأحزاب الصغيرة التي غالباً ما كانت هي العامل المرجّح في تشكيل الحكومات وسقوطها. لكن منذ بدأ العمل بالقانون الانتخابي الجديد الذي وضعه الحزب الديمقراطي، لم يتمكن هذا الحزب من الفوز في أي من الانتخابات التي خاضها منفرداً، بعدما كان يعجز عن بناء التحالفات التي تضمن له الفوز، كما حصل بالنسبة للتحالف اليميني في الانتخابات العامة الأخيرة.
اليوم، يتفق عدد كبير من المحللين السياسيين الإيطاليين على أن وصول إيلي شلاين إلى زعامة الحزب ربما يكون فرصة الحزب الأخيرة أمامه للنهوض من كبواته المتكررة وتصدُّر المشهد السياسي، وهو الذي يتمتع بأوسع وجود محلي ويسيطر على أكبر عدد من البلديات في إيطاليا.


مقالات ذات صلة

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

أصبح برنامج «تشات جي بي تي» الشهير الذي طورته شركة الذكاء الاصطناعي «أوبن إيه آي» متاحا مجددا في إيطاليا بعد علاج المخاوف الخاصة بالخصوصية. وقالت هيئة حماية البيانات المعروفة باسم «جارانتي»، في بيان، إن شركة «أوبن إيه آي» أعادت تشغيل خدمتها في إيطاليا «بتحسين الشفافية وحقوق المستخدمين الأوروبيين». وأضافت: «(أوبن إيه آي) تمتثل الآن لعدد من الشروط التي طالبت بها الهيئة من أجل رفع الحظر الذي فرضته عليها في أواخر مارس (آذار) الماضي».

«الشرق الأوسط» (روما)
العالم إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

في الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) من كل عام تحتفل إيطاليا بـ«عيد التحرير» من النازية والفاشية عام 1945، أي عيد النصر الذي أحرزه الحلفاء على الجيش النازي المحتلّ، وانتصار المقاومة الوطنية على الحركة الفاشية، لتستحضر مسيرة استعادة النظام الديمقراطي والمؤسسات التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم. يقوم الدستور الإيطالي على المبادئ التي نشأت من الحاجة لمنع العودة إلى الأوضاع السياسية التي ساهمت في ظهور الحركة الفاشية، لكن هذا العيد الوطني لم يكن أبداً من مزاج اليمين الإيطالي، حتى أن سيلفيو برلوسكوني كان دائماً يتغيّب عن الاحتفالات الرسمية بمناسبته، ويتحاشى المشاركة فيها عندما كان رئيساً للحكومة.

شوقي الريّس (روما)
شمال افريقيا تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

أعلنت الحكومة المصرية عن عزمها تعزيز التعاون مع إيطاليا في مجال الاستثمار الزراعي؛ ما يساهم في «سد فجوة الاستيراد، وتحقيق الأمن الغذائي»، بحسب إفادة رسمية اليوم (الأربعاء). وقال السفير نادر سعد، المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، إن السفير الإيطالي في القاهرة ميكيلي كواروني أشار خلال لقائه والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، (الأربعاء) إلى أن «إحدى أكبر الشركات الإيطالية العاملة في المجال الزراعي لديها خطة للاستثمار في مصر؛ تتضمن المرحلة الأولى منها زراعة نحو 10 آلاف فدان من المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاج إليها مصر، بما يسهم في سد فجوة الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي». وأ

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
TT

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)
مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا، كما أيّد تصدي المملكة العربية السعودية للمتمردين الحوثيين في اليمن.

في المقابل، أدان روبيو هجوم حركة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على غلاف قطاع غزة، وأعرب بقوة عن دعمه لإسرائيل و«عن حقها في الدفاع عن النفس»، داعياً إلى القضاء التام على «حماس» في القطاع الفلسطيني المحتل.

وعندما سُئل عما إذا كانت هناك طريقة ما لوقف «حماس» من دون التسبّب في خسائر بشرية جسيمة في صفوف مدنيي غزة، قال روبيو - بالحرف - إن إسرائيل لا تستطيع التعايش «مع هؤلاء المتوحشين... يجب القضاء عليهم». وتابع في الاتجاه نفسه ليقول: «إن (حماس) مسؤولة بنسبة 100 في المائة» عن الخسائر البشرية الفلسطينية في غزة.

أما فيما يتعلق بإيران فالمعروف عن روبيو أنه يدعم العقوبات الصارمة وإلغاء الاتفاق النووي معها. وإزاء هذه الخلفية يرى محللون أن اختياره لمنصب وزير الخارجية ربما يعني تطبيقاً أكثر صرامة للعقوبات النفطية على كلّ من إيران وفنزويلا.

ومن جهة ثانية، بصفة ماركو روبيو نائباً لرئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وعضواً في لجنة العلاقات الخارجية، فإنه يناقش في الكثير من الأحيان التهديدات العسكرية والاقتصادية الأجنبية، ولعل من أبرزها ما تعدّه واشنطن تهديد الصين. وهو يحذّر بشدّة من أن كلاً من الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا تتعاون بشكل متزايد ضد الولايات المتحدة. وسبق له أن قال في خطاب ألقاه خلال مارس (آذار) الماضي: «إنهم جميعاً يشتركون في هدف واحد. إنهم يريدون إضعاف أميركا، وإضعاف تحالفاتنا، وإضعاف مكانتنا وقدراتنا وإرادتنا».

وحول الصين بالذات، فيما يتعلق بالأمن القومي وحقوق الإنسان، فإنه يحذر من الصين. وفي حين يأمل روبيو بنمو اقتصادي أكبر نتيجة للتجارة معها، فإنه يعتقد أن على واشنطن دعم الديمقراطية والحرية والاستقلال الحقيقي لشعب هونغ كونغ.

أما بالنسبة لروسيا، فقد أدان روبيو غزو روسيا لأوكرانيا، خلال فبراير (شباط) 2022، بيد أنه صوّت مع 15 جمهورياً في مجلس الشيوخ ضد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا وإسرائيل وشركاء آخرين جرى تمريرها في أبريل (نيسان).

ثم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وصف الأوكرانيين بأنهم «شجعان وأقوياء بشكل لا يصدق»، لكنه قال إن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى «طريق مسدود»، و«يجب إنهاؤها» عبر التفاوض لتجنب المزيد من الضحايا، بدلاً من التركيز على استعادة كل الأراضي التي استولت عليها موسكو.

في المقابل، يدعم وزير الخارجية المرشّح الشراكةَ التجارية والتعاون مع الحلفاء عبر المحيط الهادئ، ويدعو إلى تعزيز الوجود العسكري الأميركي في تلك المنطقة، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة «تخاطر بالاستبعاد من التجارة العالمية ما لم تكن أكثر انفتاحاً على التجارة».