أبت السياسة أن تدع تركيا تلملم جراحها التي خلفها زلزالا 6 فبراير (شباط) الماضي اللذان أوقعا أكثر من 45 ألف قتيل إلى جانب نحو 115 ألف مصاب، ودمرا مئات الآلاف من المباني في 11 ولاية في جنوب البلاد وشرقها وجنوب شرقها. وفرضت كارثة الزلزالين - الأسوأ منذ 100 سنة - على الملايين مواصلة حياتهم في الخيام أو الحاويات أو أماكن إقامة مؤقتة أو الارتحال إلى ولايات أخرى. ذلك أنه بالتزامن مع الفاجعة غرقت تركيا أكثر فأكثر في دوامة الاستقطاب السياسي المتفاقم مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أعلن الرئيس رجب طيب إردوغان أنها ستجرى في 14 مايو (أيار) المقبل. وكان التطور الأبرز خلال الساعات الأخيرة انشقاق حزب {الجيد} بقيادة ميرال أكشينار عن المعارضة، بسبب رفضه ترشيح تكتل { طاولة الستة}، المناوىء لأردوغان، زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو مرشحاً للتكتل.
كان المواطنون الأتراك يظنون - أو يأملون - أن تنهي كارثة بحجم فاجعة الزلزالين المدمّرين حالة الاستقطاب السياسي والمشاحنات، التي لم تبدأ فقط مع اقتراب موعد الانتخابات، بل زرعت بذرتها منذ العام 2015. ويومذاك، عندما عجز حزب العدالة والتنمية الحاكم عن الفوز منفردا بالانتخابات البرلمانية في 7 يونيو (حزيران) من ذلك العام، لجأ إلى انتخابات مبكرة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني). وبين الموعدين وقع ما وقع من أحداث وضعت المجتمع التركي في دوامة الصراعات السياسية التي تعمّقت تدريجياً. ثم تعقّدت مع طرح التعديلات الدستورية في نوفمبر عام 2017 للانتقال إلى النظام الرئاسي، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو (تموز) 2016، وتفاقمت الاستقطابات، ودفع ذلك إلى تغيير وجه الديمقراطية في تركيا.
وبينما كانت تركيا تبحث عن هدنة لالتقاط الأنفاس، جاءت خطوة الانتقال إلى النظام الرئاسي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في يونيو 2018 لتشعل ما يشبه الحرب بين المعارضة وحزب العدالة والتنمية برئاسة إردوغان، الذي تحالف مع حزب الحركة القومية برئاسة دولت بهشلي، ضمن ما يُعرف بـ«تحالف الشعب». وأصبحت معركة الاستقطاب تدور حول النظام الرئاسي و«حكم الرجل الواحد».
من وجهة نظر المعارضة، التي يقودها حزب الشعب الجمهوري برئاسة كمال كليتشدار أوغلو، لا تتعلق المسألة فقط بتغيير نظام الحكم، وإنما أيضا يعتبره كثيرون «انقلاباً» على إرث مصطفى كمال «أتاتورك».
وحقاً، أثرت الأزمات التي صاحبت انتقال تركيا إلى النظام الرئاسي سلبياً على الاقتصاد المتراجع منذ العام 2018، وعلى مناخ الديمقراطية والحريات، ناهيك مما لحق بعلاقات تركيا بمحيطها الخارجي نتيجة ما تعتبره المعارضة «تخبطاً» في السياسة الخارجية كلف البلاد الكثير بسبب تحكم فرد واحد في كل القرارات.
هدنة قصيرة
جاءت كارثة 6 فبراير الزلزالية، استقطابية سياسية بقدر ما كانت صادمة ومفجعة إنسانياً. وفي أول يومين لوقوع الكارثة تطايرت الاتهامات من المعارضة لإردوغان وحكومته، اللذين اتهما بالفشل والتقاعس عن اتخاذ التدابير الضرورية رغم التحذيرات السابقة، مقابل اتهام إردوغان وحزبه للمعارضة بمحاولة استغلال الكارثة الإنسانية لأغراض سياسية.
لكن فداحة الكارثة دفعت الجميع إلى التفكير الهادئ، فخفّ غلو الخطاب الشعبوي من الجانبين. وبالتالي، شهدت تركيا للمرة الأولى منذ سنين توحيدا للخطاب في وسائل الإعلام المحسوب غالبيتها على الحكومة، وقلة منه محسوبة على المعارضة، وصولا إلى فكرة البث المباشر بينها في حملة لجمع التبرعات. ومرحلياً، توارى كل شيء من أجل التركيز على الكارثة وسبل إنقاذ البشر ومد يد العون للمتضررين.
ولكن بدا خلال تشييع جنازة رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق دينيز بايكال، في أنقرة بعد أقل من أسبوع من الكارثة، أن ما في القلب في القلب، وأن كلا الفريقين يقف على موقفه، وأن شيئا لم يتغير. وأمام الكاميرات صافح إردوغان الشخصيات التي تقدمت الجنازة، إلا أنه امتنع عن مصافحة رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو. وكانت لافتة مصافحته خصمه السابق من حزب الشعب الجمهوري، محرم إينجه، الذي انشق عن الحزب وأسس حزباً جديداً باسم «البلد» على الرغم من انتقاداته الحادة لإردوغان وحكومته بسبب الاستجابة البطيئة لكارثة الزلزال. وطبعاً، فتح هذا التجاهل من جانب إردوغان لكل من كليتشدار أوغلو وإمام أوغلو الباب لتأويلات كثيرة، أهمها أنه رفض مصافحتهما لأنهما منافسان محتملان له في الانتخابات المقبلة.
أزمة مفتعلة
وفجأة، تفجّر جدل جديد حول موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وذلك بعدما نشر رئيس البرلمان السابق بولنت أرينتش، أحد رفاق إردوغان القدامى وأحد أضلاع حزب العدالة والتنمية الحاكم عند تأسيسه، بياناً عبر «تويتر»، دعا فيه إلى تأجيل الانتخابات.
أرينتش، المحامي المخضرم بالأساس، طعن في شرعية إجراء الانتخابات في الولايات الـ11 التي ضربها الزلزال (قهرمان مرعش وهطاي وعثمانية وكلِس وأضنة وأديامان وملطية وإلازيغ وشانلي أورفا وغازي عنتاب وديار بكر). وقال إن إجراء الاقتراع فيها متعذّر قانونياً وفعلياً وسط هذه الظروف، ويجب تأجيل الانتخابات. وأوضح أن تلك الولايات تضرر فيها أكثر من 15 مليون مواطن، ويمثلها 85 نائبا في البرلمان. وعليه، باتت القوائم الانتخابية في هذه المحافظات باطلة، ما يعني قانونياً وفعلياً استحالة إجراء انتخابات فيها.
كذلك اعتبر أرينتش أن البلاد بحاجة للتخلص من ضغوط الانتخابات في هذه الأيام الأليمة. واقترح تأجيلها إلى نوفمبر المقبل، أو إجراءها مع الانتخابات المحلية المقررة في مارس (آذار) عام 2024، ورأى أنه في حال حدوث خلاف بين الخيارين، يمكن تحديد موعد تتفق عليه جميع الأطراف السياسية في البلاد.
وفي إشارة إلى المادة 78 من الدستور، التي تمنع تأجيل الانتخابات إلا في حالة الحرب وتشترط موافقة البرلمان على التأجيل، قال أرينتش: «الدساتير ليست نصوصا مقدسة، بل يمكن تغييرها».
بيان أرينتش فجّر غضبا في صفوف المعارضة التركية التي أكدت رفضها تأجيل الانتخابات وتمسكها بنص المادة 78 من الدستور، معتبرة أن إردوغان وحزبه يحاولون تأجيل الانتخابات، وأنه إذا أقدم المجلس الأعلى للانتخابات على مثل هذه الخطوة فستكون صفعة للديمقراطية.
وهاجم كليتشدار أوغلو الرئيس إردوغان لتصريحاته المتكررة التي يصف فيها كارثة الزلزال في تركيا بأنها «كارثة العصر»، وهو المصطلح الذي تتبناه أيضا وسائل الإعلام القريبة من الحكومة، قائلا إن «كارثة العصر الحقيقية هي النظام الرئاسي وحكم الرجل الواحد في تركيا». وتابع أن إردوغان طالب المواطنين بمنحه سنة أخرى من أجل إعادة إعمار ما هدمه الزلزال، ولكن «منحك الشعب 20 سنة، وكانت هذه هي النتيجة... لقد تجاهلت الدراسات العلمية والتحذيرات المتكررة من الزلزال وأحالت الأمر إلى القدر... لكن مع القدر هناك التدبير... لا تدار فشلك خلف الأقدار... سنزيل كل ذلك وسنسحب بلدنا من تحت أنقاض حكمك».
حزب العدالة والتنمية الحاكم، من جانبه، تبرأ من اقتراح أرينتش، على لسان ناطقه الرسمي عمر تشيليك، الذي غرّد على «تويتر» قائلا: «في الوقت الحالي نحن نكافح لإنقاذ حياتنا من الأنقاض... نكافح من أجل مداواة الجروح. نرى أنه من الخطأ جداً الحديث عن أي شيء يتعلق بالانتخابات، ولا نجده صحيحاً بأي شكل من الأشكال. اليوم لدينا أجندة واحدة فقط. كيف يمكننا الاستمرار في الوقوف إلى جانب مواطنينا المشردين في الشوارع؟ كيف يمكننا مواصلة معركتنا ضد هذه الكارثة دون مغادرة الميدان أبداً؟ بخلاف ذلك لا حديث عن انتخابات أو أي شيء آخر. نحن لا نتحدث. هذه الأنواع من الأحاديث لا علاقة لها بنا».
إغلاق الجدل
من جهته، أغلق إردوغان باب الجدل، الذي استمر لأسابيع، بالإعلان رسمياً يوم الأربعاء، عن موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مؤكدا أنها ستجرى في موعدها المحدد سابقاً وهو 14 مايو. وفي هجوم على أحزاب المعارضة بسبب الانتقادات الموجهة لحكومته بسبب إدارتها للكارثة الزلزالية التي خلفت 45 ألفا و89 قتيلا، قال متوعداً: «سنعطيهم الرد المناسب في 14 مايو... أعلم جيدا أن هذه الأمة تأمل أن تفعل ما هو ضروري في صناديق الاقتراع».
وجاء الإعلان بينما كانت الأوساط السياسية والشعبية التركية تترقب إعلان «طاولة الستة» لأحزاب المعارضة لاسم مرشحها المشترك لمنافسة إردوغان على الرئاسة.
ولكن بعيد الإعلان عن السير قدما بكليتشدار أوغلو مرشحا موحداً للمعارضة، أعلنت ميرال أكشينار رفضها الترشيح وخروج حزبها، حزب «الجيد»، من تكتل {طاولة الستة}. وللعلم، ضم التكتل حتى أمس، أحزاب الشعب الجمهوري برئاسة كليتشدار أوغلو، و«الجيد» برئاسة ميرال أكشينار، و«الديمقراطية والتقدم» برئاسة علي باباجان، و«المستقبل» برئاسة أحمد داود أوغلو، و«السعادة» برئاسة تمل كرم الله أوغلو، و«الديمقراطي» برئاسة غولتكن أويصال. وهي تُعد «تحالفَ مبادئ» - ولا تعد «تحالفاً انتخابياً» - هدفه العودة للنظام البرلماني المعزّز بدلاً من النظام الرئاسي المطبق منذ عام 2018.
موعد 14 مايو، الذي تمسّك به إردوغان، يحمل ذكرى رمزية تتعلق بفوز الحزب الديمقراطي بزعامة رئيس الوزراء الراحل عدنان مندرِس بالانتخابات في هذا التاريخ قبل 73 سنة، إذ يرغب إردوغان أن يكرر فوز مندرِس، الذي كان قد انشق مع رفاق له عن حزب الشعب الجمهوري، الذي أسسه «أتاتورك».
ووفق المحلّل السياسي آدم توكسوز، فإن الحكومة فضلت السير في موعد 14 مايو في ضوء الحسابات القائلة بأن هذه اللعبة الرابحة للجانبين يمكن أن تتحول إلى مكسب من جانب واحد، وربما الأهم من ذلك، ملاحظة أن حالة الاقتصاد لم تتحسن بعد بشكل كافٍ للفوز في الانتخابات بالنسبة لإردوغان.
وتوقع توكسوز أنه على الرغم من الهيمنة الإعلامية للحكومة، فأزمة المساعدات الإنسانية لمنكوبي الزلزال - خاصة في منطقة الزلزال - وغيرهم من المواطنين في المنطقة، ستكون معيارا مهما للتصويت مع اقتراب الانتخابات. وتابع أن الأمر يعتمد أيضا على كيفية تعامل المعارضة مع هذه القضية في حملتها، ويجب قراءة موقف المعارضة «المتمرد»، الذي لم يلاحظ من قبل على أنه تصميم على استخدام هذه القضية، مع أهمية تذكّر تأثير الوضع الاقتصادي على شعبية إردوغان.
مشاهد متعاقبة
مع توالي الأيام الثقيلة لكارثة الزلزال، تزايد الاحتقان السياسي مع استمرار التراشق بين الحكومة والمعارضة حول التعامل مع الكارثة، والجدل حول تورط «الهلال الأحمر» في بيع الخيام والمواد الغذائية لإحدى الجمعيات المدنية الخيرية لتوزيعها على المتضررين.
أما إردوغان فتعهد بإنهاء حقبة انهيار المباني في تركيا عبر مشروع التحوّل الحضري في الولايات الـ11 المنكوبة وغيرها. وقال أخيراً أثناء زيارته بلدة البستان بولاية قهرمان مرعش - التي كانت بؤرة الزلزال الثاني في 6 فبراير بقوة 7.6 درجة، بعد الزلزال الأول الذي كانت بؤرته بلدة بازارجيك (في الولاية ذاتها) بقوة 7.7 درجة: «سنعمل بكل قوة لإنهاء حقبة انهيار المنازل على المواطنين من خلال تسريع مشروع التحول الحضري».
ولم يفوت إردوغان، الذي كان يتكلّم وبجواره شريكاه في «تحالف الشعب» رئيسا حزبي الحركة القومية دولت بهشلي، و«الوحدة الكبرى» مصطفى ديستيجي، الفرصة للهجوم على المعارضة، فقال: «كل من يحاول عرقلة مشاريع التحول الحضري بخطاباته السامة، سيكون بمثابة من يمارس الغدر والخيانة للشعب التركي والبلاد».
في المقابل، اتهم كليتشدار أوغلو، الحكومة بـ«الفشل الذريع» في التعامل مع كارثة الزلزال، حيث قال: «هذا الفشل كان واضحاً للعيان منذ اللحظة الأولى». وأضاف في كلمة خلال اجتماع المجموعة البرلمانية لحزبه «لا توجد دولة حول العالم فشلت فشلاً ذريعاً في مواجهة كارثة كبيرة على أراضيها كما حدث في تركيا بسبب هذه الحكومة الفاشلة... تبيع جمعية الهلال الأحمر التركي الخيام للمتضررين من الزلزال مقابل المال... هذه فضيحة كبيرة... نقول لهم: كم عدد الخيام في مخازنكم؟ سنشتريها كلها ونعطيها للمتضررين من الزلزال مجاناً». وتابع أن إردوغان «يطلب من المتضررين بمناطق الزلزال أن يسامحوه هو والجهات الرسمية والحكومية، لعدم فعل ما يلزم في الأيام الأولى من وقوع الزلزال... أنتم لم تقوموا بواجبكم، ولم تأخذوا كل التحذيرات والتقارير حول الزلزال على محمل الجد، وتسببتم بمقتل ما يقرب من 50 ألف مواطن... أكثر ما يؤلم هو أن نسبة كبيرة منهم ماتوا بسبب البرد القارس».
وطالب كليتشدار أوغلو بتأسيس محاكم جديدة تسمى بـ«محاكم الزلزال» لتتخذ قرارات بشكل سريع بحق من تثبت إدانتهم بخصوص الزلزال «كي لا تضيع القضايا داخل أروقة المحاكم في تركيا لمدة 30 أو 40 أو 50 سنة».
في هذه الأثناء، تفاعلت الأزمة مع اعتراف كرم كينيك، رئيس «الهلال الأحمر» التركي، ببيع 2050 خيمة لجمعية «أحباب» الخيرية غير الحكومية؛ إذ كان رئيسها المطرب خلوق ليفنت قد كشف أنها اشترت الخيام والمواد الغذائية من «الهلال الأحمر» لتوزيعها على المتضررين في المناطق المنكوبة.
وبرّر كينيك الأمر بأنه لم يكن «على علم بذلك... وأن فريق التسويق والمبيعات في شركة الهلال الأحمر للخدمات اللوجيستية تعاقد مع الجمعية على شراء الخيام، التي كانت أنتجت سابقاً لتصديرها إلى الخارج، حيث تعمل الشركة على إنتاج وتصدير الخيام لتحقيق عائد مادي للهلال الأحمر، لأن تبرعات المواطنين وحدها لا تكفي»، رافضاً في الوقت نفسه دعوات لتقديم استقالته بسبب هذا الخطأ.
غضب في الملاعب
وامتداداً للاحتقان السياسي على هامش كارثة الزلزال، هدّد وزير الداخلية سليمان صويلو «بإظهار قوة الدولة لمن يهتفون ويرفعون لافتات استقالة الحكومة في ملاعب كرة القدم، بسبب تحميلها مسؤولية التقصير في التعامل مع كارثة الزلزال في الأيام الأولى، كما حدث في مباراتي فنربخشة وقونية سبور، السبت، وبشيكتاش وأنطاليا سبور، الأحد».
وجاءت تهديدات صويلو بعد مطالبة بهشلي، رئيس حزب الحركة القومية، بمنع الجمهور من حضور المباريات بسبب الهتافات المطالبة باستقالة الحكومة. كذلك ألقت قوات الأمن في إسطنبول، القبض على عشرات من أعضاء حزب العمال التركي اليساري لتظاهرهم أمام مقر الحزب، مطالبين باستقالة الحكومة.
من سيستفيد أكثر من كارثة الزلزال في الانتخابات؟
> أظهرت أحدث استطلاعات الرأي التي أجريت في تركيا وسط كارثة الزلزال بين 16 و20 فبراير الماضي تقارباً كبيراً في النسب التي سيحصل عليها «تحالف الشعب» المؤلف من حزبي العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية، و«تحالف الأمة» المؤلف من حزبي «الشعب الجمهوري» و«الجيد»، وأن الفرق في المقاعد بينهما في البرلمان قد يكون مقعدا واحدا فقط، حيث يمكن أن يحصل الأول على 300 مقعد والثاني على 299 مقعداً... وبالتالي، لن يملك «تحالف الشعب» الغالبية المطلقة (301 مقعد).
أيضا أظهرت الاستطلاعات أن إردوغان لن يكون قادرا على الفوز بالرئاسة من الجولة الأولى، إذ لن يستطيع الحصول على نسبة 50 في المائة 1 اللازمة للفوز من الجولة الأولى، وقد يحصل على 49.8 في المائة.
ويعتقد خبراء أن كارثة الزلزال سيكون لها تأثير في توزيع إعادة توزيع أصوات الناخبين بقدر تمكّن حكومة إردوغان من إطفاء موجة الغضب التي لعبت عليها المعارضة بسبب تباطؤ أجهزة الدولة في الوصول إلى المناطق المنكوبة. وهذا أمر أقر به إردوغان، وناشد المتضررين أن يسامحوه وحكومته على أي قصور حدث في أول يومين. وطبعاً كان الوضع الاقتصادي يشكل عاملا مؤثرا في الأساس من قبل وقوع كارثة الزلزال.
ولفت أستاذ العلوم السياسية الدكتور إيفرين بالطا، إلى أن تغيير تفضيلات الناخبين يستغرق وقتاً، لكن قد تأتي العاطفة في المقام الأول، وربما يتغير السلوك بسبب حالة الغضب لدى المتضررين من الزلزال. وتابع: «قد يكون الشخص المسؤول عن حرق منزلك آخر شخص تريده، لكنك قد تعتقد أيضا أن هذا الشخص هو الأكثر كفاءة لإطفاء الحريق، وأن مسؤوليته عنه تحمّله المسؤولية الأكبر عن إطفائه».
وكشف عن أن ناخبي «تحالف الأمة» الذين عبروا عن مشاعر الغضب بلغت 77.6 في المائة والقلق 74.4 في المائة، وأن أولئك الذين يدعمون «تحالف الشعب» لديهم مشاعر الغضب بنسبة 31.3 في المائة والقلق بنسبة 39.4 في المائة، بينما يقول 52.7 في المائة إنهم متفائلون.
أما محمد علي كولات، رئيس مجلس إدارة شركة «ماك» للأبحاث، فيرى أن ثمة وضعاً خاصاً في الولايات المنكوبة، مشيراً إلى أن المنطقة يمكن وصفها بأنها «معقل» حزب العدالة والتنمية، الذي تصل نسبة تأييده فيها إلى 70 في المائة. وتابع أن استخدام إردوغان التعابير والمصطلحات القوية والمؤثرة في خطاباته في المنطقة، استهدف منع الناخبين فيها من التحول إلى حزب يميني آخر، مثل «الجيد» أو «الديمقراطية والتقدم» أو «المستقبل» أو «السعادة»، وجميعها ضمن «طاولة الستة».
واعتبر كولات أن تعهد إردوغان بمنح ضحايا الزلزال منازلهم خلال سنة يمكن أن يكون له أثر إيجابي على الناخبين في المنطقة، كون «ضحايا الزلزال يتحرقون لاستعادة منازلهم المدمرة وهي الضمانات الأكثر أهمية بالنسبة لهم حالياً، لكن هذا الوعد سيكون له تأثير إيجابي أو سلبي على أساس جدية التنفيذ».