قلب الموقف الصارم لرئيسة حزب «الجيد» التركي ميرال أكشينار الوضع في «طاولة الستة» لأحزاب المعارضة، وحوّل مسار الترابط إلى أزمة بسبب رفضها تقديم رئيس حزب «الشعب الجمهوري» كمال كليتشدار أوغلو كمرشح مشترك للأحزاب الستة، وإصرارها على ترشيح رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، أو رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو لمنافسة الرئيس رجب طيب إردوغان في الانتخابات الرئاسية المقررة في 14 مايو (أيار).
أزمة تطايرت شظاياها سريعاً في مختلف اتجاهات الساحة السياسية في أنقرة، بعد أن بات المشهد الواضح أن المرأة الحديدية، كما أصبحت أكشينار تُلقّب، لم تعد جزءاً من طاولة الستة على الرغم من توقيعها على البيان المشترك الصادر عن اجتماع قادة الأحزاب عقب اجتماعهم المطول بمقر حزب «السعادة»، والذي أكد فيه القادة أنهم توصلوا إلى تفاهم حول المرشح المشترك، وسيتم الإعلان النهائي يوم الاثنين المقبل بعد رجوع قادة الأحزاب إلى المجالس المفوضة في أحزابهم.
لم تنتظر أكشينار طويلاً، وعقدت على الفور اجتماعاً للجنة القرار المركزي والمجموعة البرلمانية ورؤساء فروع الحزب في جميع الولايات التركية الـ81، بعد منتصف ليل الخميس، واستمر حتى ساعة مبكرة من صباح أمس الجمعة، أتبعته باجتماع آخر بعد ظهر أمس مع المجلس الإداري للحزب، تبعه مؤتمر صحافي قصير، جددت فيه تمسكها بموقفها من ترشيح كليتشدار أوغلو. وأعلنت أن «طاولة الستة» لم تعد تعكس الإرادة الوطنية للشعب التركي، بل تحولت إلى «كاتب عدل» للمصادقة على قرار 5 أحزاب بترشيح كليتشدار أوغلو.
وقالت إن الأحزاب الخمسة الأخرى لم توافق على المرشحين اللذين طرحهما حزبها لخوض الانتخابات الرئاسية، وهما رئيسا بلديتي إسطنبول وأنقرة، المنتميان أيضاً إلى حزب «الشعب الجمهوري» الذي يرأسه كليتشدار أوغلو.
ووجهت نداءً إلى كل من منصور ياواش وأكرم إمام أوغلو للاضطلاع بواجبهما الوطني وتلبية توقعات الشعب التركي، في دعوة واضحة لهما للترشح، عُدت بمثابة ضغط عليهما يمكن أن يضعهما بين شقي رحى، وهو ما يعني الخروج على رئيس حزبهما أو الانشقاق عن الحزب.
وقالت أكشينار، التي كانت تتحدث بينما ظهر في الخلفية شعار «الأمة تنادينا»: «إن 5 أحزاب سياسية عبرت عن تأييدها لاسم واحد، وقالت نعم لترشيح السيد كليتشدار أوغلو. وطرحنا اسمين هما منصور ياواش وأكرم إمام أوغلو نتيجة جولاتنا المستمرة في الشوارع والأسواق في تركيا منذ 3 سنوات، وقد أظهرت أنهما يحظيان بدعم كبير يمكن أن يجعل أياً منهما يفوز بالرئاسة بسهولة وبفرق كبير، لكن وجدنا أنه تم تفضيل الطموح الشخصي (...) على إرادة الأمة». وأضافت: «لن نكون جزءاً من طاولة (...) تعمل ككاتب عدل».
عاصفة سياسية
تصريحات أكشينار أثارت عاصفة من الانقسام في الشارع التركي، بين مؤيد ومعارض رأى أنها تريد تدمير وحدة الصف، وأنها تعمل لصالح النظام. ورأى محللون أن تصريحاتها لم تكن فقط تدميراً لطاولة الستة فحسب، بل محاولة أيضاً لتقسيم حزب «الشعب الجمهوري»، بدعوتها كلاً من إمام أوغلو وياواش للتقدم للرئاسة، وتأكيد أنهما لا يمكنهما رد هذه الدعوة؛ لأنها تكليف من 85 مليون تركي.
من جانبه، اكتفى كليتشدار أوغلو بالرد بجملة واحدة على تصريحات أكشينار، قائلاً: «كل الأحجار ستستقر في مكانها». وعقد اجتماعين لافتين مع كل من أوندر إشلنان، عضو مجلس رؤساء حزب «اليسار» التركي، ثم إركان باش، رئيس حزب «العمال» التركي، بناءً على طلب عاجل منه، فيما عُدَّ تحركاً لتوسيع تحالف الأمة مع الانفصال المتوقع لأكشينار، وضم أطراف جديدة لطاولة الستة.
كما لفت الأنظار توجُّهُه إلى استوديو للتصوير الفوتوغرافي في أنقرة صباح الجمعة؛ حيث تم التقاط صور جديدة له، فيما يشير إلى استعداده لإطلاق حملته الانتخابية للرئاسة. وأجرى كليتشدار أوغلو أيضاً اتصالين مع كل من إمام أوغلو وياواش، وقرر عقد اجتماع استثنائي لمجلس القرار المركزي للحزب، بعد الاجتماع الذي عقد الليلة قبل الماضية.
وبدوره، قال إمام أوغلو إن «طاولة الستة ليست طاولة للتمييز، ولا ينبغي أن يكون هناك أحد أقل من أحد، فهي مكونة من 6 أطراف متساوية، وإذا كانت هناك حاجة إلى البصيرة للتغلب على هذه المشكلة، فإن كمال كليتشدار أوغلو والعزيزة للغاية ميرال أكشينار يتمتعان بهذه البصيرة، وسيصلحان هذه العملية».
ولم تعلن أكشينار انسحابها من طاولة الستة، لكن أجمع جميع المراقبين أن تصريحاتها الحادة والأوصاف التي نعتت بها الطاولة تعنيان انفصالها عنها، وسيتضح لاحقاً ما إذا كانت ستشارك في اجتماع قادة الأحزاب الستة بعد غد الاثنين.
دعم لكليتشدار أوغلو
وفي هذه الأجواء، قرر حزب «الشعوب» الديمقراطية (المؤيد للأكراد) عقد اجتماع للجنته التنفيذية اليوم (السبت). وسبق أن أعلن الحزب، الذي يملك نسبة تأييد تصل إلى نحو 12 في المائة، أنه في حال ترشح كليتشدار أوغلو للرئاسة فإنه سيدعمه، ولن يرشح منافساً له. ونشر الحزب على موقعه رسالة عقب تصريحات أكشينار جاء فيها: «واصل السير يا كليتشدار أوغلو».
وقالت نائبة الحزب عن ديار بكر سيبال يغيت ألب: «لم تكن ميرال أكشينار يوماً أملاً للشعب، لا داعي لإعطائها أدواراً أكثر من اللازم... لقد فعلت ما يناسبها»، في إشارة إلى تصريحاتها التي هاجمت فيها طاولة الستة.
واستبعد الباحث المتخصص في استطلاعات الرأي، هاكان بيرقجي، تراجع كل من كليتشدار أوغلو أو أكشينار عن موقفهما، مشيراً إلى أن هناك احتمالاً لأن يقبل أكرم إمام أوغلو النداء الذي وجهته إليه أكشينار. وقال: «يجب ألا ينخدع أحد بما يجري الآن ويعتقد أن طاولة الستة قد انهارت، لأنه إذا لم يقدم حزب (الجيد) مرشحاً في الانتخابات، واتجهت الانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية، فسيفوز مرشح المعارضة على حساب الرئيس رجب طيب إردوغان. حتى لو ترشح كليتشدار أوغلو وإمام أوغلو، فإن المعارضة ستتكتل في المرحلة الثانية وراء أحدهما وسيفوز». وقال إن كليتشدار أوغلو لديه نسبة تأييد من «الشعب الجمهوري» في حدود 25 في المائة، ويمكن أن يحصل على 10 في المائة من أنصار حزب «الشعوب» الديمقراطي، ونحو 6 في المائة من الأحزاب الأخرى.