بائعو المشروبات الكحولية في العراق يواجهون «شبح البطالة»

غموض يكتنف تنفيذ قانون يحظرها وينص على عقوبة تصل إلى 25 مليون دينار

محل لبيع المشروبات الروحية في البسماية على بُعد 30 كيلومتراً جنوب بغداد (الشرق الأوسط)
محل لبيع المشروبات الروحية في البسماية على بُعد 30 كيلومتراً جنوب بغداد (الشرق الأوسط)
TT

بائعو المشروبات الكحولية في العراق يواجهون «شبح البطالة»

محل لبيع المشروبات الروحية في البسماية على بُعد 30 كيلومتراً جنوب بغداد (الشرق الأوسط)
محل لبيع المشروبات الروحية في البسماية على بُعد 30 كيلومتراً جنوب بغداد (الشرق الأوسط)

يواجه الشاب العراقي زيد النيساني، العامل في مجال بيع المشروبات الكحولية، «شبح البطالة» بعدما نشرت الجريدة الرسيمة (الوقائع) قبل نحو أسبوعين قانوناً أقره البرلمان قبل سنوات يقضي بحظر تصنيع وبيع المشروبات الكحولية في العراق.
فالنيساني (30 عاماً)، وهو من الأقلية الإيزيدية، هرب وأسرته من ضمن من هربوا من سكان ناحية بعشيقة (25 كيلومتراً جنوب محافظة الموصل) في يونيو (حزيران) 2014 إلى محافظة دهوك في إقليم كردستان بعد سيطرة تنظيم «داعش» على معظم مناطق محافظة نينوى. حياة النيساني لم تكن مثالية في محافظة دهوك مع انعدام فرص العمل و«توجس» سكانها من الإيزيديين بشكل عام، بوصفهم طائفة غير مسلمة، فاضطر لمغادرتها إلى بغداد، المدينة التي وُلد وعاش فيها شطراً من حياته، والتي كان قد غادرها إلى بعشيقة في ذروة أعمال القتل والتفجيرات في بغداد عام 2007، ثم عاد إليها في 2016 على أمل الحصول على فرصة عمل في أسواق ومحال بيع المشروبات الكحولية التي يعمل في مجالها كثيرون من جماعته، خصوصاً أنه عجز عن اللحاق بأفراد أسرته الذين فرَّ بعضهم إلى أميركا وأوروبا.
- «إبادة من نوع آخر»
وبالفعل، اشتغل النيساني في مجال بيع المشروبات منذ 2016 في بغداد، حيث أتمّ مراسم خطبته على قريبته، على أمل الاستمرار في عمله المعتاد. لكنه فوجئ بقرار «حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية» الذي صوَّت عليه البرلمان نهاية عام 2016 ولم يخرج للعلن إلا بعد نشره في جريدة «الوقائع» الرسمية قبل نحو أسبوعين. ومعروف أن القوانين التي يقرها البرلمان أو الحكومة لا تأخذ طريقها إلى التنفيذ، إلا بعد نشرها في الجريدة الرسمية المشار إليها. وينص القانون على فرض عقوبة تتراوح بين 10 ملايين و25 مليون دينار عراقي (من 7 آلاف إلى 16 ألف دولار) على المتاجرين بالمشروبات، لكنه لم يضع عقوبة على المتعاطين.
ورغم سريان مفعول القانون وإمكان السلطات إغلاق محال المشروبات في أي لحظة، فإن ذلك لم يحدث حتى الآن، وما زال النيساني ورفاقه من الإيزيديين الذين تقدَّر أعدادهم بالآلاف، على حد قوله، يعملون في محال بيع الكحوليات، لكنهم يشعرون بعدم أمان واطمئنان لإمكانية خسارتهم فرص عملهم في أي لحظة.
في حديث مشوب بالانزعاج والألم، يقول النيساني لـ«الشرق الأوسط»: «أعرف أن الإيزيديين تعرضوا لـ73 حملة إبادة خلال قرن من الزمن تقريباً، ثم لحقتها إبادة (داعش) الكارثية، لكنني لم أتوقع أن تمارس السلطة العراقية علينا إبادة من نوع آخر لتقطع أرزاقنا ونمط حياتنا وعيشنا».
وعن إمكانية عمله في مجال آخر في حال قررت السلطات تطبيق قانون الحظر، يؤكد النيساني أن «معظم العاملين في هذا المجال سيصبحون عاطلين عن العمل، لأنهم ببساطة سيتركون بغداد ويعودون إلى قضاء سنجار وناحية بعشيقة ومناطق أخرى يوجدون فيها، حيث لا فرص عمل تذكر هناك».
- وصاية أخلاقية
وما زالت الأمور غير واضحة بالنسبة إلى إجراءات السلطة في المضيّ بتطبيق قانون الحظر أو عدم تطبيقه. وسواء مضت السلطات في تطبيق القانون أو تغافلت عنه، فإن المتوقع أن المتعاملين والمتعاطين للخمور لن يتوقفوا عن ذلك، خصوصاً أنهم واجهوا، بعد عام 2003، صنوف الترهيب من الجماعات المسلحة في أحيان كثيرة، ومن السلطات الرسمية كذلك، إذ تفرض تلك السلطات في معظم محافظات وسط وغرب وجنوب البلاد منذ سنوات، ما يشبه «الوصاية الأخلاقية» غير القانونية على الناس، لجهة منعهم من تعاطي الكحول، علماً بأن تعاطيه غير ممنوع بقانون رسمي. أما بالنسبة إلى الجماعات الدينية المتشددة، سواء السُّنية أو الشيعية منها، فقد قامت بعمليات استهداف واسعة لمحال بيع الخمور في بغداد على وجه التحديد خلال العقدين الأخيرين، وراح ضحية تلك الاستهدافات عشرات القتلى من الباعة وأغلبهم من الأقليات الدينية. ففي منتصف مايو (أيار) 2013، على سبيل المثال لا الحصر، أودى هجوم مسلح على محلات الخمور في منطقة زيونة ببغداد بحياة 15 بائعاً جميعهم ينتمي إلى الطائفة الإيزيدية.
وعشية إصدار قانون حظر المشروبات، الأسبوع الماضي، شنت جماعات عشائرية قبل أيام هجوماً على محل لبيع المشروبات بقضاء الشامية في محافظة الديوانية الجنوبية وحُطمت محتوياته.
- غياب الإحصاءات
ومع غياب الإحصاءات الحكومية الرسمية، يصعب التكهن بحجم كميات الخمور الداخلة إلى البلاد وكذلك حجم محال وأندية وملاهي بيع الخمور، لكنّ حكمت هوازن الذي يملك نادياً لبيع المشروبات في منطقة البتاويين في الباب الشرقي، يقدِّر أن في «بغداد وحدها يوجد أكثر من 500 مكان لبيع الخمور، تتوزع بين نادٍ ومكتب ومحل للمفرد المختوم وملهى ليلي».
ويضيف هوازن، وهو الآخر من الطائفة الإيزيدية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «الفوضى تلعب دوراً أساسياً في قضية بيع الخمور بشكل عام. لاحظِ أن جميع الملاهي والأندية الليلية والبارات العادية لا تتمتع بوجود قانوني، بمعنى أن الجهات المعنية لم تمنحها إجازات عمل أصولية، من هنا فإن معظمها عُرضة للابتزاز». ويتابع أن «السلطات العراقية منذ عام 1996 أوقفت الترخيص لأماكن البيع، باستثناء منحها رخصاً محدودة لمكاتب البيع بالجملة ومحال المفرد المختوم، وظل الأمر قائماً على هذا المنوال حتى اليوم، ومع ذلك تتعمد السلطات في بعض المحافظات عدم منح رخص البيع حتى للمكاتب ومحال المفرد».
وبشأن ما يتردد عن قيام جماعات محسوبة على أحزاب وميليشيات مسلحة بحماية النوادي ومحال الخمور مقابل «إتاوات» تحصل عليها، يقول هوازن: «في السابق كان الأمر كذلك، لكنه تراجع خلال السنوات القليلة الأخيرة، لكن المؤكَّد أن أحزاباً وميليشيات نافذة تحمي وتؤمِّن وصول عشرات الشاحنات المحمَّلة بالكحول إلى بغداد وبقية المحافظات يومياً، تأتي في الغالب من مناطق إقليم كردستان».
وعن توقعاته لتداعيات قرار الحظر، ذكر أن «السلطات لم تبلغنا بأي شيء ولا نعلم ما سيحلّ بنا مستقبلاً، أخشى أن السلطات ستستثمر سياق المنع في شهر رمضان لتفرض بعد ذلك علينا قرار الحظر». وحول معامل إنتاج وتصنيع الخمور في العراق، يؤكد هوازن «عدم وجود أي معمل لصناعة الخمور في المحافظات العراقية، باستثناء إقليم كردستان. السلطات هناك تسمح بذلك لكن بصورة غير علنية ومعروفة، لكنها لا تمانع في الأمر».
- فسحة الإقليم
وكانت وزارة الثقافة في إقليم كردستان قد أعلنت في وقت سابق أنها غير معنية بتطبيق قانون حظر المشروبات الكحولية، ويتمتع الإقليم منذ سنوات طويلة بفسحة كبيرة بالنسبة لتجارة بيع الخمور وتعاطيها.
وخلافاً لسكوت معظم النواب في البرلمان عن قانون الحظر، طالب النائب عن الحزب «الديمقراطي» الكردستاني شريف سليمان (الثلاثاء)، المحكمة الاتحادية برفض القانون، ورأى أن فيه «تطاولاً» لا يقبله الشعب العراقي.
وقال سليمان في بيان، إن «ما يثير الدهشة والاستغراب هو تفعيل قانون حظر بيع واستيراد وتصنيع المشروبات الكحولية رغم تأكيد الدستور العراقي في الكثير من مواده الأساسية ومواد أخرى حماية صيانة الحريات الخاصة والعامة والخصوصيات الشخصية ومبدأ الديمقراطية، ناهيك بكون العراق بلداً متعدد القوميات والأديان والمذاهب والثقافة». وأضاف أن «إقرار هكذا قوانين هو محاولة لتغيير نهج الدولة، وهذا تطاول آخر لا يفهمه ولا يقبله الشعب العراقي».
ويرى قاضي النزاهة السابق رحيم العكيلي، أن «منع المشروبات الكحولية هو إعلان دعم لتجارة وتعاطي المخدرات من خلال منع منافسة تعاطي المشروبات الكحولية لتلك التجارة الإجرامية المزدهرة رغم خطورة المخدرات العظيمة قياساً بالمشروبات الكحولية». وعن الآثار الاقتصادية السلبية المحتملة لتطبيق القانون يقول إنه «سيتسبب بإهدار كامل لموارد اقتصادية كبيرة للدولة تأتي من الرسوم الجمركية التي تُفرض على استيراد تلك المشروبات، وفي مقابل هذه الضياعات المالية ستنشأ عن تطبيق هذا القانون سوق سوداء خفية أو شبه علنية لتصنيع وتهريب وبيع المشروبات الكحولية».
ولم يصدر قانون مماثل لحظر المشروبات في تاريخ الدولة العراقية المعاصر، باستثناء إقدام السلطات على «تطبيق منع بيع الخمور بشكل علني في نهارات شهر رمضان احتراماً لقدسية الشهر، ثم أصبح المنع طوال شهر رمضان»، وفي 1996 إبان ذروة «الحملة الإيمانية» التي دشّنها حكم الرئيس الراحل صدام حسين أبقت الحملة على منافذ بيع الخمور لمن يريد أن يتعاطاه في بيته أو في مناسباته الخاصة.


مقالات ذات صلة

انفجار في السليمانية... وأنباء عن استهداف قائد «قسد»

المشرق العربي انفجار في السليمانية... وأنباء عن استهداف قائد «قسد»

انفجار في السليمانية... وأنباء عن استهداف قائد «قسد»

راجت أنباء عن وقوع محاولة لقتل مسؤول كردي سوري بارز في السليمانية بشمال العراق مساء اليوم الجمعة. فقد أورد موقع «صابرين نيوز» القريب من الحرس الثوري الإيراني، نقلاً عن «مصادر كردية»، أن قصفاً استهدف قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مظلوم عبدي «في محاولة اغتيال فاشلة بواسطة طائرة مسيّرة». من جهتها، أعلنت مديرية قوات الأمن (آسايش) في مطار السليمانية أنها تحقق في انفجار وقع قرب سياج مطار السليمانية دون أن يسفر عن خسائر بشرية أو مادية، مشيرة إلى أن فرق الإطفاء تمكنت من السيطرة على الحريق الناجم عنه سريعاً، بحسب موقع «رووداو» الكردي.

المشرق العربي مسيحيات فررن من العراق يتعلمن مهارت الخياطة لكسب لقمة العيش

مسيحيات فررن من العراق يتعلمن مهارت الخياطة لكسب لقمة العيش

في إحدى الكنائس في الأردن، تخيط العشرينية سارة نائل قميصاً ضمن مشروع أتاح لعشرات النساء اللواتي فررن من العنف في العراق المجاور، مهارات لكسب لقمة العيش. نجت نساء عديدات بصعوبة من العنف المفرط الذي مارسته «دولة الخلافة» التي أعلنها تنظيم «داعش» على مساحات واسعة من العراق وسوريا، قبل أن ينتهي بهن المطاف في الأردن يعانين للحصول على عمل. تنكب سارة نائل (25 عاماً)، وهي لاجئة مسيحية عراقية من بلدة قرقوش تعلمت مهنة الخياطة في الطابق الثالث في كنيسة مار يوسف في عمان، على ماكينة الخياطة في طرف المكان لتخيط قطعة قماش مشرقة زرقاء اللون تمهيداً لصنع قميص. وتقول سارة التي وصلت إلى الأردن عام 2019 وبدأت تعم

«الشرق الأوسط» (عمّان)
المشرق العربي «الشيوخ الأميركي» يقترب من إلغاء تفويضي حربي العراق

«الشيوخ الأميركي» يقترب من إلغاء تفويضي حربي العراق

صوت مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة، أمس (الاثنين)، لصالح الدفع قدماً بتشريع لإلغاء تفويضين يعودان لعقود مضت لشن حربين في العراق مع سعي الكونغرس لإعادة تأكيد دوره بخصوص اتخاذ قرار إرسال القوات للقتال. وانتهى التصويت بنتيجة 65 إلى 28 صوتاً، أي تجاوز الستين صوتاً اللازمة في مجلس الشيوخ المؤلف من مائة عضو، مما يمهد الطريق أمام تصويت على إقراره في وقت لاحق هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ خطوة جديدة في «الشيوخ» الأميركي نحو إلغاء تفويضي حربي العراق

خطوة جديدة في «الشيوخ» الأميركي نحو إلغاء تفويضي حربي العراق

صوت مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة أمس (الاثنين) لصالح الدفع قدما بتشريع لإلغاء تفويضين يعودان لعقود مضت لشن حربين في العراق مع سعي الكونغرس لإعادة التأكيد على دوره بخصوص اتخاذ قرار إرسال القوات للقتال، وفقاً لوكالة «رويترز». وانتهى التصويت بنتيجة 65 إلى 28 صوتا أي تجاوز الستين صوتا اللازمة في مجلس الشيوخ المؤلف من مائة عضو مما يمهد الطريق أمام تصويت على إقراره في وقت لاحق هذا الأسبوع. وجميع الأصوات الرافضة كانت لأعضاء في الحزب الجمهوري.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي 20 عاماً على الزلزال العراقي

20 عاماً على الزلزال العراقي

تحلُّ اليومَ، الأحد، الذكرى العشرون للغزو الأميركي للعراق، وهو حدثٌ كان بمثابة زلزال ما زالت المنطقة تعيش تداعياتِه حتى اليوم. لم يستمع الرئيسُ الأميركي آنذاك، جورج دبليو بوش، لتحذيراتٍ كثيرة، غربيةٍ وعربية، سبقت إطلاقَه حرب إطاحة نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003، وحذرته من أنَّ خطوتَه ستفتح «باب جهنم» بإدخال العراق في فوضى واقتتال داخلي وستسمح بانتشار التطرفِ والإرهاب. أطلق بوش حملةَ إطاحة صدام التي أطلق عليها «الصدمة والترويع» ليلة 19 مارس (آذار) بقصفٍ عنيف استهدف بغداد، في محاولة لقتل الرئيس العراقي، قبل إطلاق الغزو البري.


ماكرون قريباً في لبنان... وتأكيد فرنسي على دعم «غير مشروط» بعد انتخاب عون

الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)
الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون قريباً في لبنان... وتأكيد فرنسي على دعم «غير مشروط» بعد انتخاب عون

الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)
الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)

عجلت فرنسا في الإعراب عن سرورها بانتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في الجولة الثانية من جلسة مجلس النواب، وعدّت أن وصوله إلى «قصر بعبدا» يأتي «في لحظة تاريخية وحاسمة بالنسبة إلى لبنان، هذا الانتخاب يضع حداً لسنتين من الشغور الرئاسي الذي أضعف لبنان. ويفتح صفحة جديدة للبنانيين، وينبغي أن يكون الانتخاب مصدر أمل لهم ولجميع شركاء لبنان وأصدقائه»، فيما أعلن «الإليزيه» أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور «لبنان قريبا جدا»، بعد اتصال هاتفي جمعه مع الرئيس عون وتمنّى فيه الرئيس الفرنسي «كل النجاح» لنظيره اللبناني.

وكانت وزارة الخارجية الفرنسية، قد قالت بعد دقائق قليلة من انتهاء العملية الانتخابية، في بيان قرأه كريستوف لوموان، الناطق باسمها، إن انتخاب الرئيس الجديد «مصدر تشجيع لفرنسا، التي عملت جاهدةً على إعادة تشغيل المؤسسات اللبنانية عبر التعبئة الكاملة للوزير جان نويل بارو، وبعثة المساعي الحميدة التي يقودها منذ يونيو (حزيران) 2023 الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية في لبنان، جان إيف لودريان، بالتعاون الوثيق، بالطبع، مع شركائنا في (اللجنة الخماسية)».

هذا وذكرت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس ماكرون «أبلغ الرئيس عون بأنّ فرنسا ستواصل جهودها الرامية للتوصل سريعاً إلى تشكيل حكومة قادرة على جمع اللبنانيين وتلبية تطلعاتهم واحتياجاتهم وإجراء الإصلاحات اللازمة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار والاستقرار والأمن وسيادة لبنان».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً لسفراء بلده عبر العالم الاثنين الماضي... وقد لعب دوراً ميسِّراً ساهم في انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية (أ.ف.ب)

بيد أن الدور الفرنسي لم يتوقف عند بارو وبعثة لودريان؛ إذ إن الرئيس إيمانويل ماكرون أدى درواً خاصاً وفاعلاً عبر الاتصالات الكثيرة التي أجراها مع المسؤولين اللبنانيين، الذين دعا بعضهم إلى باريس، والبعض الآخر تواصل معه عبر الهاتف، حتى في الأيام الأخيرة. فضلاً عن ذلك، أجرى ماكرون مشاورات عدة مع الجانب الأميركي ومع أطراف عربية، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية، وكذلك مع مصر والأردن وقطر والإمارات. كذلك لعبت الخلية الدبلوماسية في «قصر الإليزيه» دوراً مهماً، ممثلة في مانويل بون، مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية، وآن كلير لو جاندر، مستشارته لشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي.

باريس تدعو لتعجيل تشكيل حكومة داعمة للرئيس الجديد

لم تكتف باريس بالتهنئة؛ بل وجهت مجموعة من الرسائل؛ أولاها دعوة السلطات والسياسيين اللبنانيين إلى «الانخراط في إنهاض مستدام» للبنان الغارق منذ سنوات في أزمات متعددة الأشكال سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً، فضلاً عن إعادة إعمار ما تهدم بسبب الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» وما نتج عنها من دمار مخيف. والطريق إلى ذلك، يمر، وفق «الخارجية» الفرنسية، عبر «تشكيل حكومة قوية، وداعمة لرئيس الجمهورية، وقادرة على لمّ شمل اللبنانيين والاستجابة لتطلعاتهم واحتياجاتهم، وإجراء الإصلاحات اللازمة لانتعاش لبنان الاقتصادي واستقراره وأمنه وسيادته».

وسبق لفرنسا أن أسدت، مع دول رئيسية أخرى، هذه النصائح للبنان منذ سنوات كثيرة وقبل الشغور الرئاسي؛ لا بل إنها دعت منذ عام 2018 السلطات اللبنانية إلى القيام بإصلاحات سياسية (الحوكمة) واقتصادية يحتاجها لبنان، ويطالب بها المجتمع الدولي والمؤسسات المالية والاقتصادية الإقليمية والدولية؛ لمد يد العون والمساعدة للبنان. ويتعين التذكير بأن مؤتمر «سيدر» الذي دعت إليه فرنسا واستضافته في عام 2018، وعد بتقديم 11 مليار دولار للبنان قروضاً ومساعدات؛ شرط إتمام الإصلاحات، وهو الأمر الذي لم يحدث.

الرئيس اللبناني الجديد مستعرضاً الحرس الجمهوري لدى وصوله إلى قصر بعبدا الخميس (د.ب.أ)

دعم غير مشروط للبنان

ترى باريس أن انتخاب العماد عون يمكن أن يساهم في أمرين؛ الأول: الذهاب إلى استقرار لبنان من جهة؛ وثانياً، من جهة أخرى، «التنفيذ السليم، في المستقبل القريب، لوقف إطلاق النار» بين لبنان وإسرائيل بموجب الاتفاق المبرم في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي دفعت باريس إليه بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية.

بيد أن الرسالة الأخرى التي شددت عليها وزارة الخارجية الفرنسية عنوانها أن باريس «ملتزمة بحزم» بتحقيق هذا الأمر (احترام وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار الدولي رقم «1701»)، وذلك «إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية و(قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان - يونيفيل)».

وزيرا خارجية فرنسا والولايات المتحدة يتحدثان للصحافة بمقر وزارة الخارجية الفرنسية الأربعاء (أ.ف.ب)

وبكلام قاطع، أرادت فرنسا أن تقول إنها إذا كان لها دور عبر مشاركتها في «اللجنة الخماسية» وفي دفع الطبقة السياسية اللبنانية إلى الوصول لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، إلا إنها لن تتخلى عن لبنان مستقبلاً. وجاء في بيان «الخارجية» أن فرنسا «وقفت إلى جانب لبنان والشعب اللبناني، وستواصل القيام بذلك، وهو الأمر الذي يعلم به رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد جوزيف عون».