خلافات منتظرة لوزراء خارجية «العشرين» في نيودلهي

فرنسا تدعو للتحدث بـ«صوت واحد» والتنديد بالحرب على أوكرانيا

توقعات بأن تسيطر الحرب الروسية على أوكرانيا على مناقشات وزراء خارجية مجموعة العشرين (رويترز)
توقعات بأن تسيطر الحرب الروسية على أوكرانيا على مناقشات وزراء خارجية مجموعة العشرين (رويترز)
TT

خلافات منتظرة لوزراء خارجية «العشرين» في نيودلهي

توقعات بأن تسيطر الحرب الروسية على أوكرانيا على مناقشات وزراء خارجية مجموعة العشرين (رويترز)
توقعات بأن تسيطر الحرب الروسية على أوكرانيا على مناقشات وزراء خارجية مجموعة العشرين (رويترز)

تستضيف نيودلهي ليومين اجتماعات وزراء خارجية مجموعة العشرين، وسط توقعات بأن تسيطر الحرب الروسية على أوكرانيا على مناقشاتهم التي يرتقب أن تكون حامية بسبب حضور وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة الأميركية والصين.
وترى أوساط أوروبية متابعة أن فرص توصلهم إلى إصدار بيان مشترك تبدو ضعيفة، علماً بأن وزراء الاقتصاد الذين استضافتهم العاصمة الهندية الأسبوع الماضي أخفقوا في التوصل إلى تسوية تمكنهم من إصدار بيان مشترك، ما دفع الطرف الهندي إلى التخلي عن البيان.
وكان وزيرا الاقتصاد الفرنسي والألماني قد أبديا معارضتهما لخلو البيان ذي الطابع الاقتصادي من الإشارة إلى الحرب في أوكرانيا، وأصرا على أن أقل ما يقبلان به هو استعادة الفقرة الخاصة بهذه الحرب التي وردت في بيان قمة مجموعة العشرين في بالي (إندونيسيا) خريف العام الماضي.
والأسبوع الماضي، عارض وزيرا الاقتصاد الروسي والصيني مشروع البيان الذي أعدته الدولة المضيفة، ما أدى إلى التخلي عنه. كذلك، تجدر الإشارة إلى أن بكين ونيودلهي امتنعتا عن التصويت لصالح مشروع القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يطلب من روسيا وضع حد لحربها على أوكرانيا وسحب قواتها من الأراضي الأوكرانية كافة.
فضلاً عن ذلك، فإن الهند والصين لم تقدما على إدانة العملية العسكرية الروسية، ما يبين حرصهما على المحافظة على العلاقات الجيدة التي تربطهما بروسيا.
وبعكس ما نقل عن مصدر مقرب من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي رجح صدور بيان يدين الغزو الروسي، فإن المصادر الأوروبية استبعدت أن تغير بكين ونيودلهي مقاربتهما خلال الاجتماعات الجارية اليوم وغداً، فضلاً عن أن روسيا ستعارض بالطبع صدور بيان كهذا إلا إذا استُخدم تعبير يقول إن «مجموعة من الوزراء».
بيد أن اللافت أيضاً أن بلينكن لا يخطط للقاء نظيريه الصيني والروسي. فالعلاقات الأميركية ــ الصينية متوترة لثلاثة أسباب: إسقاط القوات الجوية الأميركية منطاداً صينياً اعتبرت واشنطن أن هدفه التجسس والدعم الصيني لروسيا، والشكوك الأميركية بأنه يتناول الدعم العسكري وهو ما تنفيه الصين، وأخيراً التوتر بسبب ملف تايوان.
وقد عقد بلينكن اجتماعاً ساده التوتر في 18 فبراير (شباط) مع مسؤول السياسة الخارجية الصيني وانغ يي على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، بعد أيام من إلغاء بلينكن زيارة طال انتظارها لبكين عقب إسقاط المنطاد الصيني. أما العلاقات مع روسيا فهي أكثر توتراً ولم يحصل أي اجتماع لكبار مسؤولي البلدين منذ بدء «العملية العسكرية الخاصة» الروسية قبل عام. وجل ما حصل تواصل هاتفي بين الوزيرين لافروف وبلينكن في يوليو (تموز) 2022.
وقبل وصول لافروف إلى نيودلهي، أصدرت الخارجية الروسية بياناً نددت فيه بـ«سياسة الولايات المتحدة وحلفائها المدمرة التي دفعت العالم إلى حافة الهاوية وأفضت إلى تراجع النمو الاقتصادي ــ الاجتماعي وإلى التسبب بأزمة خطيرة لأوضاع الدول الأكثر فقراً».
من جانبها، أصدرت الخارجية الفرنسية بياناً أشارت فيه إلى مشاركة الوزيرة كاترين كولونا في الاجتماعات التي تعقد «في ظل نتائج العدوان الروسي على أوكرانيا، الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي وأمن الطاقة، فضلاً عن تمكين الدول الأكثر هشاشة من الوصول إلى مصادر التمويل الدولية».
وأضاف البيان أن الوزراء سيبحثون «كيفية الرد الجماعي» على التحديات التي رصدتها قمة القادة العام الماضي، معرباً عن عزم فرنسا على «مساندة» الجهود الهندية «حتى تتكلم مجموعة العشرين بصوت واحد» لجهة التنديد بالحرب في أوكرانيا والدعوة إلى عودة السلام واحترام مبادئ شرعة الأمم المتحدة. وإزاء تفاقم الأزمة الغذائية، فإن الوزيرة الفرنسية سوف تدعو زملاءها لـ«مقاربة أكثر طموحاً» وإلى رفع مستوى التمويل المخصص للتنمية المستدامة والبيئة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟