عقبات رئيسية في طريق مساعي فرنسا لإعادة ترميم علاقاتها بأفريقيا

«فقدان الثقة والصعود الروسي» يهددان استراتيجية ماكرون الجديدة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته عن أفريقيا في قصر الإليزيه أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته عن أفريقيا في قصر الإليزيه أمس (إ.ب.أ)
TT

عقبات رئيسية في طريق مساعي فرنسا لإعادة ترميم علاقاتها بأفريقيا

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته عن أفريقيا في قصر الإليزيه أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته عن أفريقيا في قصر الإليزيه أمس (إ.ب.أ)

ثمة عقبات رئيسية في طريق الرغبة الفرنسية في إعادة ترميم علاقاتها مع الدول الأفريقية، بعد سلسلة من «الانتكاسات»، خاصة في مستعمراتها السابقة في الغرب. وبحسب مراقبين، فإن فقدان الثقة لدى تلك الدول في جدية باريس لإقامة «شراكة ندية» متوازنة، بجانب «الصعود الروسي» المتنامي في القارة بشكل عام، ومناطق النفوذ الفرنسي بشكل خاص، مهددان رئيسيان لاستراتيجية فرنسا الجديدة في التعامل مع القارة السمراء.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، في خطاب موسع، ملامح استراتيجية بلاده الدبلوماسية والعسكرية في القارة الأفريقية، عشية جولة أفريقية يقوم بها. وفي محاولة لخفض «المشاعر المعادية» لباريس في القارة، اعتبر الرئيس الفرنسي، التحلي بـ«التواضع» و«المسؤولية»، عنصرين رئيسيين في السياسية الفرنسية المقبلة، رافضاً «المنافسة» الاستراتيجية في أفريقيا، كما تعهد بـ«خفض ملموس» لعدد الجنود الفرنسيين هناك.
ويزور ماكرون من الأول إلى الخامس من مارس (آذار) أربع دول في وسط أفريقيا، هي الغابون، وأنغولا، والكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية، لحضور قمة مخصصة لحماية الغابات الاستوائية وتعزيز العلاقات الثنائية في منطقة نفوذ تثير أطماع روسيا والصين بشكل متزايد. وتأتي الجولة بعدما اضطرار الجيش الفرنسي إلى مغادرة قواعده في مالي وبوركينا فاسو، حيث كان يشارك منذ سنوات في عمليات لـ«مكافحة الإرهاب»، وُصفت في تلك الدول بـ«غير المجدية».
ووفق المحلل البوركينابي والخبير بالشؤون الأفريقية محمد الأمين سوادغو؛ الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن ماكرون يحمل ثلاثة ملفات رئيسية في زيارته المرتقبة لأفريقيا، أوّلها ملف تقويض النفوذ الروسي في أفريقيا، وحث رؤساء أفريقيا عبر منظمة (إيكواس) على سنّ قرارات حاسمة ضد البلدان الأفريقية التي فتحت أبوابها للروس من ناحية وتدويل الملف عبر مجلس الأمن الدولي و«الناتو» إذا حال تمادت تلك البلدان على موقفها، خاصة أفريقيا الوسطى، ومالي وبوركينافاسو.
الملف الثاني، بحسب سوادغو، طمأنة حلفائه المخلصين في أفريقيا، ضد أي انقلابي عسكري لصالح المعسكر الروسي، خاصة الذين وقفوا بقوة ضد أي شراكة أمنية وعسكرية مع الروس والصين، خاصة أن هناك توترات سياسية عميقة في أكثر من بلد أفريقي، وتخوفات من تكرار النموذج المالي والبوركينابي والغيني في أي لحظة؛ وأخيراً سيعمل ماكرون على «إعادة ترميم علاقة بلاده مع البلدان الأفريقية الثائرة على السياسة الفرنسية».
وما زالت فرنسا تتمتع بثقل كبير في القارة، كما أشار الخبير البوركينابي، فلفرنسا وحدها أكثر من 1100 شركة كبرى، وأكثر من 2100 شركة متوسطة وصغيرة، وهي ثالث أكبر محفظة استثمارية بعد بريطانيا والولايات المتحدة في أفريقيا. واللغة الفرنسية رسمية في أكثر من 11 دولة أفريقية، وثاني لغة في 10 دول أخرى.
وضمن استراتيجية بلاده الجديدة، أعلن ماكرون «قانوناً إطاراً» من أجل «تنفيذ عمليات إعادة جديدة» لأعمال فنية «للدول الأفريقية التي تطلب ذلك». وعلى الصعيد العسكري، أوضح أن «التحول سيبدأ في الأشهر المقبلة عبر خفض ملموس لعددنا وحضور أكبر في القواعد (العسكرية) لشركائنا الأفارقة»، واعداً بأن «تبذل فرنسا مزيداً من الجهد على صعيد التدريب والتجهيز».
وتنشر فرنسا نحو ثلاثة آلاف عسكري في المنطقة، خصوصاً في النيجر وتشاد بينما كان عددهم 5500 عسكري قبل فترة قصيرة. لكنها تريد إعادة نشر جنودها متوجهة نحو دول خليج غينيا التي انتشرت فيها موجة تطرف. ففي تلك المنطقة وفي مجمل القارة، يلقى نفوذ فرنسا والدول الغربية منافسة كبيرة من الصين وروسيا. إذ إن ثلاث دول من الأربع التي سيزورها الرئيس الفرنسي، وهي الغابون والكونغو وأنغولا، امتنعت الخميس الماضي عن التصويت على مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا. وفي السياق، قال الرئيس الفرنسي، إن أفريقيا ليست «منطقة نفوذ» ويجب أن ننتقل من «منطق» المساعدة إلى منطق الاستثمار.
ويرى المحلل السياسي البوركينابي، أن «فرنسا لن توفق في علاج أزمتها بسهولة، بسبب فقدان الثقة مع الشعوب الأفريقية، بخاصة الدول التي تعاني من هجمات الإرهابين، فضلاً عن تصاعد وعي الشعوب الأفريقية بسبب التواصل الاجتماعي، فلم يعودوا يصبرون على السياسة الفرنسية الاستعمارية».
بدوره، قال الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، أبو بكر حسين، لـ«الشرق الأوسط»، إن «فرنسا لن تستطيع حتى مستقبلاً بناء شراكات جديدة لأن المزاج الأفريقي أصبح ضدها تماماً»، موضحاً أن «استراتيجية ماكرون الجديدة نحو القارة والتي قال إنها تتمحور على الشراكة والتواضع، تفتقد الإشارة إلى التغيرات في الوعي الأفريقي».


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الصومال يحذر من تصاعد صراعات «القرن الأفريقي» بعد انتخابات جوبالاند

مظاهرة في العاصمة مقديشو لتأييد إجراء انتخابات مباشرة بالصومال (وكالة الأنباء الصومالية)
مظاهرة في العاصمة مقديشو لتأييد إجراء انتخابات مباشرة بالصومال (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

الصومال يحذر من تصاعد صراعات «القرن الأفريقي» بعد انتخابات جوبالاند

مظاهرة في العاصمة مقديشو لتأييد إجراء انتخابات مباشرة بالصومال (وكالة الأنباء الصومالية)
مظاهرة في العاصمة مقديشو لتأييد إجراء انتخابات مباشرة بالصومال (وكالة الأنباء الصومالية)

حذرت السلطات الصومالية من تزايد «صراعات» القرن الأفريقي، بالتوازي مع طعن قدمته مقديشو على إجراء ولاية جوبالاند (جنوبي) الانتخابات بالطريقة القديمة، بينما صادق البرلمان الفيدرالي، السبت الماضي، على قانون «الانتخاب المباشر».

هذا الموقف، الذي تعزز بمظاهرات في مقديشو للمطالبة بإجراء الاقتراع المباشر، اعتبره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنه يحمل احتمالات زيادة وتيرة الصراع الداخلي مع إقليم جوبالاند، بخلاف أزمة اتفاق إثيوبيا وإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، لافتين إلى أن هذا سيؤثر على منطقة القرن الأفريقي التي «قد تشهد مظاهر انفصال جديدة وتدخلات إثيوبية، مما قد يؤجج حروباً بالوكالة في المنطقة».

* تحذير من تزايد الصراع

في خطاب ألقاه، الثلاثاء، بمؤتمر حول التطورات السياسية احتضنته جيبوتي، أوضح وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، أنه «إذا ما تم تجاهل قوانين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وغيرهما من القوانين والمواثيق الدولية، فسوف تتزايد الصراعات في المنطقة»، مستدركاً: «لكن إذا تم تنفيذها فستتم الاستفادة من الموارد الطبيعية المختلفة، والعيش بسلام»، وفق وكالة الأنباء الصومالية الرسمية.

وزير الخارجية الصومالي أثناء مشاركته في مؤتمر معهد دراسة التراث والسياسات «هيرتيج» بجيبوتي (وكالة الأنباء الصومالية)

وجاء التحذير الصومالي وسط تمسّك إثيوبيا بالمُضيّ في اتفاق مبدئي في يناير (كانون الثاني) 2024 مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي عن مقديشو، تحصل بموجبه أديس أبابا على منفذ بحري في البحر الأحمر، يتضمّن ميناءً تجارياً، وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» على أنها دولة مستقلة.

وتعتبر مقديشو هذه الخطوة مساساً بسيادتها، علماً بأنها عقدت اتفاقاً دفاعياً في أغسطس (آب) الماضي مع مصر، وتسلمت أكثر من شحنة عسكرية لدعم الجيش الصومالي لمواجهة حركة «الشباب» الإرهابية، تلاها إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية، بسبب «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

ولم يتغير موقف أديس أبابا تجاه التمسك بالوصول للبحر الأحمر، وفي هذا السياق سلط الباحث في معهد الشؤون الخارجية الإثيوبي، أنتينيه جيتاشو الضوء على «الأهمية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأحمر»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية، الاثنين، خلال مقابلة معه، أكد خلالها أن إثيوبيا، باعتبارها دولة غير ساحلية، «يجب عليها تأمين المنافذ البحرية في البحر الأحمر سلمياً، على أساس مبدأ المنفعة المتبادلة وتسريع التكامل الإقليمي»، دون إشارة لأرض الصومال مباشرة.

وينبه حديث وزير الخارجية الصومالي، بحسب الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، إلى خطورة تحركات أديس أبابا، خاصة أن لها علاقة جيدة مع ولاية جوبالاند، التي أقامت انتخابات بالمخالفة لقرار الحكومة الفيدرالية، الاثنين، وحذر من أن منطقة القرن الأفريقي وأهميتها الاستراتيجية لا تزال محط طموح إثيوبي في إيجاد منفذ بحري، وهذا سيزيد حالة عدم الاستقرار بالمنطقة، حسبه.

ويتفق مع هذا الطرح المحلل في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، بقوله إن مقديشو «تدرك إمكانية أن تتدخل إثيوبيا في تعزيز انفصال إقليم أرض الصومال لتحقيق مصالحها، التي تعدها مساساً بسيادتها، وقد تذهب المنطقة إلى حرب بالوكالة، وبالتالي فإن تحذيرات وزير الخارجية الصومالي تحاول أن توصل رسائل دبلوماسية لتفادي أي تصعيد جديد».

وباعتقاد تورشين فإن «إثيوبيا هي أقرب للاستمرار في تدخلاتها بالصومال، ضماناً لمصالحها في وجود منفذ بحري لها، ولا يلوح في الأفق أي تغيير في مواقفها الجديدة، خاصة بعد إجراء انتخابات أرض الصومال، وأخيراً الخلافات التي قد تستغلها بين ولاية جوبالاند المقربة منها ومقديشو، بسبب الاقتراع الأخير».

وقبل أيام، أعلنت المفوضية الانتخابية في أرض الصومال انتخاب المعارض عبد الرحمن محمد عبد الله (عرو)، رئيساً جديداً للإقليم، كما انتخب أعضاء برلمان ولاية جوبالاند، أحمد مدوبي، الاثنين، رئيساً للولاية في فترة رئاسية ثالثة، وذلك بعد يومين من مصادقة نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية المعنيّ بإجراء انتخابات بنظام «الصوت الواحد» في البلاد. وهذا القانون لا يزال محل رفض مدوبي، الذي يعد رئيساً لجوبالاند منذ إنشائها عام 2013، والذي يعد الأطول بقاءً في كرسي الرئاسة بالمقارنة مع نظرائه في الولايات الإقليمية.

* انتخابات «غير شرعية»

واجه الصومال هذا الرفض قبل الانتخابات بتأكيد رئيس الوزراء، حمزة عبدي بري، على أنها «غير شرعية»، وتلاها خلال اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء، الاثنين لبحث تطورات الوضع في ولاية جوبالاند، مؤكداً أن «انتخاب مدوبي زعيماً للولاية يخالف الدستور والقانون».

وانتهى الاجتماع إلى أن «تعيين لجنة الانتخابات، والإجراءات المصاحبة لها في جوبالاند، تمت خارج الأطر القانونية، وأوعز إلى النائب العام للدولة بتحريك دعوى قضائية أمام المحكمة العليا للطعن في الإجراءات، التي اتخذها الرئيس السابق للولاية أحمد مدوبي، بهدف تعزيز سيادة القانون وضمان التزام الإدارات الإقليمية بالدستور والقوانين الوطنية»، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الصومالية.

رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)

وأجريت آخر انتخابات مباشرة في البلاد عام 1968، تلاها انقلابات وحروب أهلية، ليبدأ الصومال العمل بنظام الانتخابات غير المباشرة في عام 2000، إذ ينتخب بناء على المحاصصة القبلية في ولاياته الخمس أعضاء المجالس التشريعية المحلية، ومندوبو العشائر نواب البرلمان الفيدرالي، الذين ينتخبون بدورهم رئيس البلاد، إلا أنه في الآونة الأخيرة تزايدت المطالب لإجراء انتخابات مباشرة، وقد اتفق منتدى المجلس التشاوري الوطني في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على اتفاق، يقضي بإجراء انتخابات مباشرة في سبتمبر (أيلول) 2025 بعد وضع القوانين، وسط رفض ولايتي جوبالاند وبونتلاند وسياسيين، قبل أن يصادق البرلمان عليها السبت.

وغداة إعلان النتائج بولاية جوبالاند شهدت مقديشو، الثلاثاء، مظاهرة حاشدة لتأييد مصادقة مجلسي البرلمان الفيدرالي على قانون الانتخابات الوطنية، للمطالبة بالوحدة، والثقة في إجراء انتخابات بنظام الصوت الواحد، والتي تمكن المواطنين من التصويت واختيار من يريدون، وفق وكالة الأنباء الصومالية الرسمية.

وباعتقاد تورشين، فإن «الطعن الصومالي، وتحريك المظاهرات يعني أننا إزاء معضلة حقيقية ستعيد الأوضاع في الصومال إلى الوراء، في ظل تمسك كل جانب بموقفه، وقد يزيد من خيارات حرب أشبه بحروب الوكالة في الصومال، مع التدخلات لا سيما الإثيوبية»، محذراً من أن «عودة الأوضاع للاقتتال الداخلي الأهلي في الصومال، وعدم حسم الخلافات الكبيرة بالحوار سيزيد من أعمال حركة (الشباب) الإرهابية».

ويرى عبد المنعم أبو إدريس أن «تطورات الأحداث في جوبالاند، وتحرك المظاهرات بمقديشو تشير إلى حالة من التصعيد، وأن الحرب بالوكالة ستكون هي الأداة التي تصفي كل من مقديشو، وأديس أبابا بها حساباتهما، ما لم يحدث اتفاق بينهما عبر وسطاء».