التضخم في أميركا يطيح مستوى الإعلان على وسائل التواصل

خفض الإنفاق وارتفاع التكلفة يؤديان إلى دعايات هابطة ومنتجات وشركات مجهولة

إعلان على «يوتيوب»
إعلان على «يوتيوب»
TT

التضخم في أميركا يطيح مستوى الإعلان على وسائل التواصل

إعلان على «يوتيوب»
إعلان على «يوتيوب»

يتناقش العديد من المعلقين وأصحاب الاهتمام وذوي الاختصاص في الولايات المتحدة، هذه الأيام، في تأثير «إعادة الهيكلة» المالية والوظيفية الجارية في شركات التكنولوجيا الكبرى على سوق الإعلانات ومستواها ونوعية المواد وجودتها، فضلاً عن مدى الإزعاج البصري الذي تسببه للمشاهدين على مواقع التواصل الاجتماعي. وتكاد التعليقات تكون موحّدة في التذمر من هبوط مستوى الإعلان والمنتج على حد سواء، بعدما أجبر تراجع الاقتصاد وازدياد التضخم شركات عدة على خفض نفقاتها الإعلانية بنسب كبيرة.
وبحسب تقرير نشر أخيراً، وجدت دراسة استقصائية شملت 43 شركة متعددة الجنسيات، وتمثل أكثر من 44 مليار دولار في الإنفاق الإعلاني، أن ما يقرب من 30 في المائة خططوا لتقليص ميزانياتهم التسويقية هذا العام. ووفق الدراسة التي أجراها «الاتحاد العالمي للمعلنين» في الخريف الماضي، ذكرت شركة كبرى متخصصة في مستحضرات التنظيف ومواد التعقيم والفلاتر والمنظفات، كانت سابقاً تخصص مئات الملايين من الدولارات سنوياً للإعلان عن منتجاتها، أنها بدأت هذا الشهر في «تبسيط» تسويقها وتقليص الإنفاق.
ومع أن تمرير الدعايات الإعلانية على وسائل التواصل الاجتماعي غالباً ما يكون مزعجاً، فإن الوضع ازداد سوءاً في الآونة الأخيرة، كما تفيد تعليقات العديد من الناس؛ إذ بات الإعلان يقاطع الاستماع إلى أغنية أو مشاهدة شريط مصوّر، أو حتى شريط فيديو لا يتجاوز طوله دقائق قليلة. وصار ما يُسمّون بـ«اللايف كوتشز» يستمتعون أكثر كلما ازدادت الإعلانات على «ترينداتهم»، كدليل على تحقيقهم نجاحاً تسويقياً يعود عليهم بمنفعة مالية أكبر.


إعلان على «تويتر»

المشاهدون رهائن شبكة مربعة الأضلاع

هذا الواقع يتشارك فيه الآن أصحاب المصلحة في شبكة «مربعة الأضلاع» من المنصات والمعلنين والمنتجات والمتلقين. ومنذ تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى أكبر عارض إعلانات ومتلقٍ لها، متغلبة على كل وسائل الإعلام التقليدية، أصبح المواطن العادي «رهينة» حقيقية بكل ما لهذه الكلمة من معنى لتلك الشبكة.
وفعلاً، لطالما شاهد كثيرون على أجهزتهم اللوحية وهواتفهم الجوالة وحواسيبهم الشخصية، إعلانات غير مرحب بها، سواء على «تويتر» أو «فيسبوك» أو «إنستغرام» أو «يوتيوب». وهي على سبيل المثال لعلامات تجارية كبرى تروّج لسيارات ومجوهرات باهظة الثمن، أو منتجات لا قِبل لغالبية الناس بامتلاكها. ولكن اليوم، مع تراجع إنفاق المعلنين، وانخفاض أسعار الإعلانات من قبل شركات التكنولوجيا، فُتح الباب أمام منتجين ومنتجات لإعلانات هابطة عن منتجات لم يكن بالإمكان تخيلها بصرياً أو نوعياً.
ويتداول جمهور عريضٌ راهناً تعليقات، معظمها - حتى الآن - من باب التندر، لكنها بدأت تثير تساؤلات عن المسؤولية الأخلاقية والتجارية لشركات التكنولوجيا، التي بات همها الأساسي الحصول على مال الإعلانات، مهما كان مصدرها.
أيضاً، ومع حملات تقليص العمالة والاستغناء عن الموظفين التي طالت غالبية شركات التكنولوجيا، تراجع الجهاز الرقابي عن المحتوى، سواءً في «تويتر» أو «ميتا» أو «ألفابيت» أو «أمازون» أو «مايكروسوفت». وهنا يدافع القائمون على تلك الشركات بالقول إنه لم يجرِ أي خفض لأعداد الموظفين والمسؤولين عن رقابة المحتوى، غير أن الجمهور يرى عكس ذلك. ويقول البعض إن تراجع الوضع الاقتصادي أدى، على ما يبدو، إلى وجود طبقتين: عليا وسفلى... في سلم الإعلانات والمعلنين والمنتجات والمشاهدين. كذلك يقولون إن تلك الإعلانات الهابطة تشبه برامج ما بعد منتصف الليل التلفزيونية المعادة أو الهابطة. وفي سوق الإعلانات، المهتز في ظل اقتصاد مضطرب، تبدو الإعلانات التي يرغب قلة من الناس في رؤيتها... فجأة موجودة في كل مكان.

شح المال وصحافة «التابلويد»

في سياق موازٍ، تتحدث بعض التقارير والتعليقات عن إعلانات أخيرة على «تويتر» - مثلاً - بأنها حوّلت المنصة إلى ما يشبه صحافة «التابلويد» الصفراء التي تروج لمنتجات لا مجال لأن يحتاج إليها الناس... كالترويج لخفّاق للبيض داخل القشرة. وهناك أيضاً، إعلانات على «إنستغرام» من «أمازون» لمنتجات من تجار مجهولين وشركات مجهولة العناوين، وإعلانات على «يوتيوب» لمنتحلي صفة بعض المشهورين على منصات التواصل، بهدف خداع المشاهدين.
للعلم، كانت التحديثات والتطويرات التقنية في الإعلانات الرقمية، قد أدت إلى تحسين تجربة المستخدمين. وبذا، صار بإمكان الباحث عن حذاء أو دراجة هوائية أو حقيبة أو سيارة، بأوصاف وماركة محددة، أن تصل إليه دعايات تلك المنتجات تلقائياً وبسهولة، بدلاً من دعايات السياحة أو تعلم السباحة والرقص. ويفترض بتلك التقنية أن تعمل بالطريقة نفسها في تصفية الإعلانات المضلّلة أو الخطيرة أو الهابطة. لكن يبدو أن العكس هو الذي يحدث في الآونة الأخيرة على العديد من منصات التواصل الاجتماعي، ولأسباب عدة، منها التباطؤ في سوق الإعلانات الرقمية بشكل عام.
وبحسب تقديرات شركة «سينسور تاور» للأبحاث، يبدو أن موقع «تويتر» كان الأسوأ أداء بين وسائل التواصل، بعد استحواذ إيلون ماسك عليه، والخضّة التي أحدثها فيه. إذ كافح الموقع للاحتفاظ بالمعلنين البارزين الذين غادروا بعد توليه المسؤولية، وسط مخاوف من انتشار خطاب الكراهية والمعلومات المضللة على المنصة، ولقد أنفق أكبر 10 معلنين في العام الماضي 55 في المائة أقل خلال فترة استحواذ ماسك مما أنفقوه العام السابق. ثم إن 6 منهم لم ينفقوا شيئاً حتى الآن في عام 2023. وهنا، قال مشترو الإعلانات على وسائل الإعلام، إن «تويتر» عرض صفقات مثل «اشترِ واحداً واحصل على الثاني مجاناً»، مع حسومات وحوافز إضافية لجذب المعلنين.
في أي حال، أضاف التقرير أن المشاكل أصابت كل شبكات التواصل الاجتماعي. فقد سجلت الشركة الأم للموقع «سناب شات»، الشهر الماضي، أبطأ معدل نمو ربع سنوي، وتوقعت انخفاضاً في المبيعات للربع الحالي. أيضاً قالت شركة «ألفابيت» - الشركة الأم لـ«غوغل» - إن مبيعات الإعلانات على موقع «يوتيوب»، التابع بدوره لـ«غوغل»، تراجعت بنسبة 8 في المائة تقريباً في الربع الأخير من العام الماضي.
وفي الاتجاه نفسه، أبلغت شركة «ميتا» المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام»، عن أول انخفاض لها على الإطلاق في الإيرادات الفصلية، حيث انخفضت مرة أخرى في الربع الأخير، كما تراجعت أسعار الإعلانات على المنصتين بنسبة 24 في المائة في الربع الأخير من عام 2022 عن العام السابق.

«تسوّل» الإعلانات

مع تعرّض هذه الشركات الكبرى لضغوط المساهمين من أجل تحقيق الأرباح، كائناً ما كان مصدرها، دُفعت تلك الشركات لقبول الإيرادات وتوليدها حيثما كان ممكناً. وبضمن ذلك، بيع إعلانات منخفضة الجودة لمنتجات أقل جودة. هذا الواقع وصفه البعض بأنه يشبه «التسول»، حيث لا مجال للاختيار، بل فقط القبول بأي أموال تأتي. واستطراداً، ثمة من يضيف أسباباً أخرى على علاقة بتراجع وانخفاض جودة الإعلان؛ إذ بعدما كان الإعلان على وسائل التواصل الاجتماعي فناً متخصصاً تمارسه بإتقان ومهنية وكالات متخصصة، نراه الآن متاحاً بسهولة لأيٍّ كان. وصار كثيرون يتجنبون الإعلانات المستهدِفة الوصول إلى جمهور محدّد بتكلفة أعلى عادة، لمصلحة تعميم الإعلان عشوائياً عبر الإنترنت، بأمل جذب انتباه المتسوّقين السذّج أو المحبَطين الذين يعانون الملل.
وعلى الرغم من محاولة بعض المواقع والمنصات خفض كمية الإعلانات المتداولة ووقتها، وتطبيق برامج تجريبية للالتفاف عليها، أو طلب اشتراكات شهرية من المشاهدين؛ لإعفائهم من مشقة متابعة «الوقفات الإعلانية»، غدا من المستحيل أن تؤدي تلك الإجراءات إلى وقفها. ثم إن محاولة المنصات الاجتماعية إعادة السيطرة على موادها الإعلانية أضحت قضية صعبة، والرقابة على الإنترنت أعقد بكثير.
ختاماً، مع كل ما سبق، عمد العديد من خدمات البث الإخبارية إلى وضع إرشادات إعلانية أكثر صرامة ومساحة إعلانية محدودة ومكلفة، ما يجعل تنظيم الإعلانات أسهل. وعلى سبيل المثال، عمدت «بلومبيرغ ميديا» إلى تجنب سماسرة الجهات الخارجية والمزادات الآلية للمساحات الإعلانية، وهي خطوة يرجح أنها ستؤدي إلى إنهاء الإعلانات منخفضة الجودة.


مقالات ذات صلة

«بي بي سي» تعتزم تسريح 500 موظف

أوروبا صورة لشعار «بي بي سي» (فليكر)

«بي بي سي» تعتزم تسريح 500 موظف

تعتزم هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» تسريح 500 موظف بحلول نهاية مارس 2026 بعدما خفّضت عدد موظفيها بنسبة 10 % خلال السنوات الخمس الماضية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث في المؤتمر الوطني رقم 115 لـ NAACP في لاس فيغاس بنيفادا (رويترز)

بايدن: أميركا تعمل بلا كلل للإفراج عن غيرشكوفيتش

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة تعمل «بلا كلل» لضمان الإفراج عن الصحافي الأميركي إيفان غيرشكوفيتش.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية إيفان غيرشكوفيتش في صورة غير مؤرخة (رويترز)

الحكم على الصحافي الأميركي غيرشكوفيتش بالسجن 16 عاماً في روسيا

أدانت محكمة يكاترينبورغ الروسية في الأورال الصحافي الأميركي إيفان غيرشكوفيتش، اليوم (الجمعة)، بتهمة «التجسس» وحكمت عليه بالسجن 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
إعلام التوجه الاستراتيجي يجسّد إرادة جماعية واضحة لحماية المصالح الرقمية العربية (واس)

اجتماع عربي في الرياض يبحث التعامل مع الإعلام العالمي

ناقش فريق التفاوض العربي الخطة التنفيذية للتفاوض مع شركات الإعلام الدولية وفق إطار زمني، وصياغة التوجه الاستراتيجي للتعامل معها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا عناصر من الشرطة البريطانية أمام بوابة في «دوانينغ ستريت» (إ.ب.أ)

السجن مدى الحياة لرجل خطط لخطف مذيعة بريطانية لاغتصابها

قضت محكمة بريطانية بالسجن مدى الحياة على رجل أدين بمحاولة اختطاف مذيعة تلفزيونية بريطانية شهيرة واغتصابها وقتلها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ألمانيا: اعتماد الإعلام «اللغة البسيطة» يكشف عن مدى عُمق الحساسيات السياسية... والعنصرية

نجم الكرة الألماني التركي الأصل إيلكاي غوندوان (غيتي)
نجم الكرة الألماني التركي الأصل إيلكاي غوندوان (غيتي)
TT

ألمانيا: اعتماد الإعلام «اللغة البسيطة» يكشف عن مدى عُمق الحساسيات السياسية... والعنصرية

نجم الكرة الألماني التركي الأصل إيلكاي غوندوان (غيتي)
نجم الكرة الألماني التركي الأصل إيلكاي غوندوان (غيتي)

«في بريطانيا يمكن لملايين السكان انتخاب برلمان. رئيس الحكومة هو ريتشي سوناك. حزب سوناك هو حزب المحافظين، بالإنجليزية (توريز). الكثير من السكان يقولون إنهم يجدون حكومة المحافظين غير جيدة. يريدون حزباً آخر، هو حزب العمال، بالإنجليزية (لايبور)...».

هكذا بدأت نشرة الأخبار الرئيسية بـ«اللغة البسيطة» على «القناة الألمانية الأولى» قبل بضعة أيام.

جُمل قصيرة باللغة الألمانية وتعابير غاية في السهولة وتفسير وخلفية مفصّلة وبسيطة لكل خبر. وحتى مذيعة النشرة تقرأ الأخبار بشكل أبطأ من العادة.

النشرة التي بدأتها «القناة» منتصف شهر يونيو (حزيران) الماضي، تستغرق 7 دقائق وتعرض لأهم 3 أو 4 أخبار تتناولها النشرة الرئيسية باللغة الألمانية العادية. وتُبث النشرة بـ«اللغة البسيطة» على موقع «القناة» قبيل النشرة الأساسية... وهدفها الوصول إلى «قرابة 17 مليون شخص بالغ في ألمانيا يجدون صعوبة في فهم النصوص المعقّدة»، وفق ما أوضحته «القناة» في تفسيرها إطلاق النشرة التي تثير اليوم الكثير من الجدل.

أصحاب الحاجات

شعار "القناة الالمانية الأولى"

والظروف الخاصة

«القناة الألمانية الأولى» تستند إلى دراسة أُجريت عام 2018، وأظهرت أن في ألمانيا نحو 17 مليون شخص بين سن الـ18 وسن الـ64 يقرأون ويكتبون بمستوى أطفال في الصف الرابع وأسوأ... أي طفل في سن الـ10 سنوات. وتذكر الدراسة أيضاً أن هؤلاء الأشخاص إما ما زالوا يتعلمون اللغة الألمانية، لم يحصلوا على تعليم كافٍ، أو يعانون مشاكل في السمع والقراءة، أو صعوبات في التعلم، أو يعانون أمراضاً ناجمة مثلاً عن جلطات. ومن ثم، تقول القناة إن نشرتها الجديدة موجّهة «إلى كل هؤلاء الأشخاص، ولكن أيضاً إلى مَن يريد أن يحصل على معلومات سريعة وسهلة بعد يوم عمل شاق».

ماركوس بورنهايم، رئيس تحرير «القناة»، أفاد بأنها تريد بهذه النشرة «أن تستهدف شريحة جديدة من المشاهدين الذين نريد أن نقدّم لهم معلومات سياسية أو رياضية أو ثقافية ودولاً أخرى». ومع ذلك، تحرص «القناة» على أن تقدم مضموناً شبيهاً بمضمون النشرة الرئيسية، ولكن بقالب مختلف. وأوضح برونهايم أن «التقارير والأخبار تعاد صياغتها بشكل كامل، والنصوص تفترض معرفة قليلة ويصار إلى قراءتها بوتيرة أبطأ». أما مديرة المشروع، سونيا فيلو، فشرحت أن الكتابة بـ«اللغة الألمانية البسيطة» غالباً تأخذ في الاعتبار «التحدّيات الثقافية والتعليمية التي يكابدها الأشخاص المستهدفون، وكثيرون من هؤلاء ما عادوا يعيرون انتباهاً للأخبار لأنهم عاجزون عن فهمها؛ ولذا فإننا بتنا نفسّر خلفية الخبر قبل أن نبدأ به».

النائب المتطرف ماكسيميليان كراه (رويترز)

الشقّ العنصري المتطرف

من جهة ثانية، على الرغم من أن النشرة الجديدة لاقت ترحيباً من الداعين إلى المزيد من الاندماج، فإن التعليقات الهازئة باللغة التي تعتمدها النشرة أغرقت وسائل التواصل الاجتماعي. وكتب أحدهم على منصة «إكس» إن النشرة «أشبه بتلفزيون الأطفال»، بينما كتب آخر: «عندما تسمع النشرة تصبح أكثر غباءً». إلا أن رد الفعل الأسوأ جاء من حزب «البديل لألمانيا» (يمين متطرف) ونائبه (المعلّق العضوية) في البرلمان الأوروبي ماكسيميليان كراه الذي أثار أخيراً جدلاً كبيراً دفع بحزبه إلى التخلي عنه والطلب منه ألا يتسلّم المقعد الذي كسبه في الانتخابات الأوروبية الشهر الماضي.

كراه، الناشط جداً على منصة «تيك توك» نشر فيديو يهزأ فيه من النشرة، ويصفها بأنها «نشرة للأغبياء»، ويصف القناة بأنها «تريد تلقين المشاهدين رسائل» معينة. أما الجدل الذي أثاره هذا السياسي اليميني المتطرّف – قبيل الانتخابات الأوروبية – فكان رفضه وصف رجال قوات الأمن النازية الخاصة المعروفة بالـ«إس إس» بأنهم مجرمون. وما يُذكر أن قوات الـ«إس إس» كانت مسؤولة عن تأسيس وإدارة معسكرات الموت النازية التي قُتل فيها الملايين، وقد حوكم عدد كبير من قادتها في محاكمات نورنبرغ الشهيرة بعد نهاية الحرب وهزيمة النازيين.

وحقاً، صدرت انتقادات مشابهة من إعلام يميني شعبوي مقرّب من «البديل لألمانيا»، فكتبت إليزا ديفيد في موقع «أبولو» مقالاً وصفت فيه النشرة بأنها تهدف «إلى توسيع شريحة الأشخاص الذين يسهل التلاعب بهم بسبب عوائق اللغة التي لديهم»، وعنونت مقالها «الأخبار اليومية بلغة بسيطة - عندما يعتبر الأغبياء (الأشخاص الأغبياء) أغبياء».

في المقابل، علّق عدد من المنظمات المعنية بالتنوّع والاندماج على التعليقات السلبية، خاصةً تعليقات كراه. وأصدرت بياناً مشتركاً قالت فيه إن «اللغة البسيطة تجعل من المشاركة أسهل بالنسبة للكثير من الأشخاص في بلدنا... والاستهزاء بجميع مَن يعتمد على اللغة البسيطة يُظهر مرة أخرى أن غاية حزب البديل لألمانيا منع قيام مجتمع مندمج ومتنوّع؛ ولذا يعمل على الإقصاء».

أزمة سياسية أصلاً

الواقع، أنه غالباً ما يُعرِب ساسة من حزب «البديل لألمانيا» عن امتعاضهم من «التنوع» في المجتمع الألماني. والنائب المتطرف كراه، نفسه، كان قد علّق بصورة سلبية على المنتخب الألماني لكرة القدم بسبب ضمه لاعبين أفارقة وأتراكاً، واعتبر أن المنتخب «لا يمثل ألمانيا»، وقال إنه غير عابئ بدعمه في مباريات كأس الأمم الأوروبية «يورو 2024».

وحول هذه النقطة تزايد النقاش في ألمانيا أخيراً حول التنوع والاندماج، ولقد تزايد أخيراً مع كون المنتخب الألماني مادة لاستطلاع أجرته «القناة الألمانية الأولى» وسألت فيه قبل بدء البطولة عمّا إذا كان الألمان «يفضّلون أن يروا عدداً أكبر من اللاعبين البيض داخل المنتخب الوطني». وكان الجواب بالإيجاب من 20 في المائة من المستطلعين، وهو أمر أثار غضب مدّرب المنتخب، فقال: «لا يُصدق أن القناة الألمانية الأولى ممكن أن تطرح سؤالاً كهذا».

وفي هذه الظروف حاول الساسة الألمان توجيه رسالة ضمنية بضرورة تقبّل واندماج التنوّع عبر التعبير عن تأييد المنتخب. وحرص المستشار أولاف شولتس على حضور جميع مباريات المنتخب، إلى جانب وزراء آخرين في حكومته، بينهم وزيرة الخارجية أنالينا بيروبوك ووزير الصحة كارل لاوترباخ. إلا أن الجدل حول الهجرة والمهاجرين تصاعد بوتيرة ثابتة خلال السنوات الماضية، وهو جدل يستفيد منه «البديل لألمانيا» الذي حقق مكاسب كبيرة في الانتخابات الأوروبية وحلّ ثانياً بعد الحزب المسيحي الديمقراطي (يمين معتدل)، وهو يتجه لتحقيق مكاسب أكبر في الانتخابات المحلية في الولايات الشرقية للبلاد في نهاية سبتمبر (أيلول) ومطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبلين.