هواجس مسيحيّي لبنان تتفاقم في ظل الشغور الرئاسي

استياء عارم من تقرير تحدث عن تراجع نسبتهم إلى 19.4 %

صورة نشرتها البطريركية المارونية في 17 فبراير لمشاركين في الجمعية السينودسية القارية للكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط بحريصا
صورة نشرتها البطريركية المارونية في 17 فبراير لمشاركين في الجمعية السينودسية القارية للكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط بحريصا
TT

هواجس مسيحيّي لبنان تتفاقم في ظل الشغور الرئاسي

صورة نشرتها البطريركية المارونية في 17 فبراير لمشاركين في الجمعية السينودسية القارية للكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط بحريصا
صورة نشرتها البطريركية المارونية في 17 فبراير لمشاركين في الجمعية السينودسية القارية للكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط بحريصا

أثار تعليق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على تقرير، قيل إن البطريركية المارونية قد تلقته عن أعداد المسيحيين في لبنان، موجة من ردود الفعل، في ظل خشية من تداعيات الفراغ في الموقع المسيحي الأول في البلاد، أي منصب رئيس الجمهورية.
ورغم أن اتفاق «الطائف» أو ما يُعرف أيضاً بـ«وثيقة الوفاق الوطني اللبناني»، الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان عام 1989، نصّ بوضوح على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في مجلس النواب ووظائف الفئة الأولى، فإن المسيحيين يخشون باستمرار على دورهم ومصيرهم في البلد، مع تراجع أعدادهم نتيجة هجرة قسم كبير منهم، كما أبناء الطوائف الأخرى، مع اندلاع الأزمة المالية عام 2019، وبعدها انفجار مرفأ بيروت، الذي أدى إلى دمار العاصمة، صيف العام 2020.
وأطل ميقاتي قبل 5 أيام في مقابلة تلفزيونية طويلة، سئل فيها عن أمور كثيرة، ومنها السؤال الآتي؛ ثمة قضية مهمة، وهي أن لدى البطريركية المارونية تقريراً، فهمت أن جزءاً منه وصلك، يفيد بأن إحصاءً موثوقاً كشف أن المسيحيين الذين كانوا يشكلون 23 في المائة من سكان لبنان قبل انفجار المرفأ باتوا يشكلون حالياً ما نسبته 19.4 في المائة، هل هذا صحيح؟ فأجاب ميقاتي: «إذا كان هذا الإحصاء صحيحاً فإنه أمر مؤسف جداً. ولكن أنا لا أقول إن المسيحي وحده يغادر (لبنان) بل كل شخص تتوافر له فرصة للمغادرة يغادر في هذا الوضع الصعب. أما بالنسبة إلى المسيحيين فأنا أؤكد أننا متمسكون بالعيش الواحد وبوحدة الوطن». وسئل؛ لكن قيل إن البطريركية أرسلت لك التقرير، هل هذا صحيح؟ أجاب: «نعم وصل التقرير. لكن هل هو مؤكد؟ أكيد لا. لكنني بعد قراءته وقراءة تقارير عن واقع المسيحيين في الأردن وسوريا ومصر، ولاحظت تغيراً ديموغرافياً، فطلبت موعداً من البابا وحدد لي لقاء الشهر المقبل، وسأذهب إليه وأشرح له هذا الواقع، الواقع المسيحي في الشرق كله. لا أتدخل في شؤون غيري، لكن هذا جرس إنذار، وأتمنى أن يكون غلطاً، وواجب علينا جميعاً أن نتمسك بالوجود المسيحي»، مشيراً إلى أنه سيبحث أيضاً تعثر الانتخابات الرئاسية التي كرر الدعوة لإجرائها مرات كثيرة لـ«تستقيم الأمور في البلد». ولفت ميقاتي إلى أنه أيضاً سيلتقي البطريرك الماروني بشارة الراعي لمناقشة الأمر قبل سفره إلى الفاتيكان.
وسارعت البطريركية المارونية، في بيان، إلى استغراب «إثارة الموضوع المتعلق بالعدد في لبنان، طالما أنه قد تم تجاوزه في متن الدستور، وبإجماع اللبنانيين على قاعدة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين»، معتبرة أن «ما يثير الاستغراب أكثر وأكثر هو توقيت هذا الكلام وطرح هذه المسألة الوطنية في هذه المرحلة التي تقتضي مزيداً من الالتزام بموجبات الدستور والميثاق الوطني، على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع اللبنانيين». وأكد البيان أن «البطريركية المارونية تلتقي مع الرئيس ميقاتي حول التشكيك بصحة هذا التقرير، وتؤكد أن أعداد المسيحيين في لبنان هي أكبر من النسبة المغلوطة التي نسبت إلى التقرير المزعوم».
ورغم ذلك، لم يمر كلام ميقاتي مرور الكرام، بل وظّف في السجال السياسي، إذ تساءلت «المؤسسة المارونية للانتشار» عن «سبب اهتمام ميقاتي بعدد المسيحيين بدلاً من أن يصبّ جهوده على الأمور التي تخفف من نزيف الهجرة، الذي طال جميع اللبنانيين، ولا سيما بؤر البؤس، حيث يدفع الناس أموالاً طائلة لركوب زوارق الموت».
من جهتها، نفت شركة «الدولية للمعلومات» علاقتها بالتقرير الذي كان سبب السجال، وأشارت إلى أن نسبة مسيحيي لبنان تتجاوز 30 في المائة، وليست 19.4 في المائة، وذلك بالاستناد إلى عدد الناخبين المسجلين في انتخابات عام 2022. وقدرت الشركة النسبة الصحيحة بأنها قريبة من نسبة المسيحيين الذين اقترعوا في انتخابات 2022، والتي بلغت 31.9 في المائة.
ولا ينفي رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم أن يكون «عدد المسيحيين تقلص فعلاً منذ بدء الحرب في لبنان، في العام 1975، ولكن ذلك لا يعني أن عددهم قد تناقص إلى الحد الذي تحدث عنه التقرير الذي استند إليه الرئيس نجيب ميقاتي خلال إطلالته التلفزيونية الأخيرة»، لافتاً إلى أن «مرسوم التجنيس الصادر في العام 1994 الذي طعنت فيه الرابطة المارونية أمام القضاء المختص في حينه، هو الذي شكل الخطر الأكبر، والأكثر تأثيراً على ديموغرافية لبنان، وضرب التوازن النسبي الذي كان قائماً في تلك الفترة». ويشير كرم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الشغور في سدة رئاسة الجمهورية المترافق مع شلل مؤسسات الدولة، أو معظمها، يدفعنا إلى طرح علامات استفهام كثيرة، خصوصاً أن ثمة نغمة في بعض الأوساط أن المواقع التي يشغلها المسيحيون لا تتناسب مع واقع عددهم الحالي». ويلفت كرم إلى أنه «بعد انفجار مرفأ بيروت شهد لبنان موجة هجرة كثيفة، ليس من المسيحيين فحسب، بل سائر المكونات اللبنانية. ولو أن المسيحيين مثلوا الشريحة الكبرى»، موضحاً أن «الكنائس المسيحية التي تتبع التقويمين الشرقي والغربي تستشعر هذا الخطر منذ وقت طويل، وتسعى للتصدي له، وكذلك الهيئات المارونية المدنية كالرابطة المارونية. ومع أن هذا الملف هو ملف وطني لا ينحصر بطائفة، فإن المسيحيين هم الأكثر تأثراً به، لذلك يحتاج إلى استراتيجية وطنية متكاملة، وحسن قراءة للواقع، من أفق وطني، لا طائفي، ولا فئوي، لأن لبنان من دون الوجود المسيحي القوي والفاعل، لن تكتب له الحياة، وسيكون على هامش الأوطان بعد سقوط نموذجه الإنساني في الحوار الحضاري».
ويؤكد كرم أن «الفرقاء المسيحيين لم يطالبوا بالخروج من اتفاق الطائف»، و«يريدون أن يعيد الجميع قراءته بتمعنٍ، وأن يطبق نصاً وروحاً، لاكتشاف ما يعتوره من نقاط ملتبسة، وتلمس الثغر، ومن ثم الاتفاق على النقاط التي ينبغي تعديلها من أجل أن تتوازن السلطات وتزال الالتباسات».
ولفت مؤخراً خروج القيادات المسيحية بوقت واحد لانتقاد الوضعية الحالية والمطالبة بتغييرها. ففيما اعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنه من الضروري «إعادة النظر بالتركيبة اللبنانية إذا تمكن (حزب الله) من الإتيان برئيس كما يريد»، أطلق رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل مواقف عالية النبرة اعتراضاً على تغطية «حزب الله» جلسات مجلس الوزراء، التي يعتبرها غير دستورية وغير شرعية، في ظل شغور سدة الرئاسة، وأبرزها قوله: «مش ماشي الحال أبداً، ويجب البدء جدياً باللامركزية الموسعة، إن لم يكن بالقانون بعد 30 سنة من الطائف، نبدأها على الأرض».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين في دمشق

رئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين (من حسابه في «إكس»)
رئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين (من حسابه في «إكس»)
TT

رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين في دمشق

رئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين (من حسابه في «إكس»)
رئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين (من حسابه في «إكس»)

وصل رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين، الخميس، إلى العاصمة السورية دمشق، بعد بضعة أيام من سقوط الرئيس السابق بشار الأسد، وفق مشاهدَ بثّتها وسائل إعلام تركية.

كالين والوفد المرافق يشقون طريقهم بصعوبة إلى المسجد الأموي بدمشق وسط تجمع من مئات السوريين (من البث الحي للقنوات التركية)

وأظهرت مشاهد، عرضتها قناة «إن تي في» التركية الخاصة، كالين خارجاً من المسجد الأموي في دمشق.

وذكرت القناة أن كالين أدى الصلاة في المسجد الذي زاره قائد «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني، الأحد، وألقى كلمة فيه.

مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي بدمشق الخميس (من البث الحر للقنوات التركية)

وسَرَت شائعات مفادها أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان سيكون أيضاً في دمشق مرافقاً كالين، لكن الخارجية التركية نفت هذا الأمر.

وقال المتحدث باسم «الخارجية» إن «الوزير في أنقرة، لم يغادر إلى دمشق»، وذلك قبل ساعات من وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى العاصمة التركية.

وتركيا تدعم عدداً من الفصائل المعارِضة التي أسقطت الأسد، الأحد.