هواجس مسيحيّي لبنان تتفاقم في ظل الشغور الرئاسي

استياء عارم من تقرير تحدث عن تراجع نسبتهم إلى 19.4 %

صورة نشرتها البطريركية المارونية في 17 فبراير لمشاركين في الجمعية السينودسية القارية للكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط بحريصا
صورة نشرتها البطريركية المارونية في 17 فبراير لمشاركين في الجمعية السينودسية القارية للكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط بحريصا
TT

هواجس مسيحيّي لبنان تتفاقم في ظل الشغور الرئاسي

صورة نشرتها البطريركية المارونية في 17 فبراير لمشاركين في الجمعية السينودسية القارية للكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط بحريصا
صورة نشرتها البطريركية المارونية في 17 فبراير لمشاركين في الجمعية السينودسية القارية للكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط بحريصا

أثار تعليق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على تقرير، قيل إن البطريركية المارونية قد تلقته عن أعداد المسيحيين في لبنان، موجة من ردود الفعل، في ظل خشية من تداعيات الفراغ في الموقع المسيحي الأول في البلاد، أي منصب رئيس الجمهورية.
ورغم أن اتفاق «الطائف» أو ما يُعرف أيضاً بـ«وثيقة الوفاق الوطني اللبناني»، الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان عام 1989، نصّ بوضوح على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في مجلس النواب ووظائف الفئة الأولى، فإن المسيحيين يخشون باستمرار على دورهم ومصيرهم في البلد، مع تراجع أعدادهم نتيجة هجرة قسم كبير منهم، كما أبناء الطوائف الأخرى، مع اندلاع الأزمة المالية عام 2019، وبعدها انفجار مرفأ بيروت، الذي أدى إلى دمار العاصمة، صيف العام 2020.
وأطل ميقاتي قبل 5 أيام في مقابلة تلفزيونية طويلة، سئل فيها عن أمور كثيرة، ومنها السؤال الآتي؛ ثمة قضية مهمة، وهي أن لدى البطريركية المارونية تقريراً، فهمت أن جزءاً منه وصلك، يفيد بأن إحصاءً موثوقاً كشف أن المسيحيين الذين كانوا يشكلون 23 في المائة من سكان لبنان قبل انفجار المرفأ باتوا يشكلون حالياً ما نسبته 19.4 في المائة، هل هذا صحيح؟ فأجاب ميقاتي: «إذا كان هذا الإحصاء صحيحاً فإنه أمر مؤسف جداً. ولكن أنا لا أقول إن المسيحي وحده يغادر (لبنان) بل كل شخص تتوافر له فرصة للمغادرة يغادر في هذا الوضع الصعب. أما بالنسبة إلى المسيحيين فأنا أؤكد أننا متمسكون بالعيش الواحد وبوحدة الوطن». وسئل؛ لكن قيل إن البطريركية أرسلت لك التقرير، هل هذا صحيح؟ أجاب: «نعم وصل التقرير. لكن هل هو مؤكد؟ أكيد لا. لكنني بعد قراءته وقراءة تقارير عن واقع المسيحيين في الأردن وسوريا ومصر، ولاحظت تغيراً ديموغرافياً، فطلبت موعداً من البابا وحدد لي لقاء الشهر المقبل، وسأذهب إليه وأشرح له هذا الواقع، الواقع المسيحي في الشرق كله. لا أتدخل في شؤون غيري، لكن هذا جرس إنذار، وأتمنى أن يكون غلطاً، وواجب علينا جميعاً أن نتمسك بالوجود المسيحي»، مشيراً إلى أنه سيبحث أيضاً تعثر الانتخابات الرئاسية التي كرر الدعوة لإجرائها مرات كثيرة لـ«تستقيم الأمور في البلد». ولفت ميقاتي إلى أنه أيضاً سيلتقي البطريرك الماروني بشارة الراعي لمناقشة الأمر قبل سفره إلى الفاتيكان.
وسارعت البطريركية المارونية، في بيان، إلى استغراب «إثارة الموضوع المتعلق بالعدد في لبنان، طالما أنه قد تم تجاوزه في متن الدستور، وبإجماع اللبنانيين على قاعدة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين»، معتبرة أن «ما يثير الاستغراب أكثر وأكثر هو توقيت هذا الكلام وطرح هذه المسألة الوطنية في هذه المرحلة التي تقتضي مزيداً من الالتزام بموجبات الدستور والميثاق الوطني، على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع اللبنانيين». وأكد البيان أن «البطريركية المارونية تلتقي مع الرئيس ميقاتي حول التشكيك بصحة هذا التقرير، وتؤكد أن أعداد المسيحيين في لبنان هي أكبر من النسبة المغلوطة التي نسبت إلى التقرير المزعوم».
ورغم ذلك، لم يمر كلام ميقاتي مرور الكرام، بل وظّف في السجال السياسي، إذ تساءلت «المؤسسة المارونية للانتشار» عن «سبب اهتمام ميقاتي بعدد المسيحيين بدلاً من أن يصبّ جهوده على الأمور التي تخفف من نزيف الهجرة، الذي طال جميع اللبنانيين، ولا سيما بؤر البؤس، حيث يدفع الناس أموالاً طائلة لركوب زوارق الموت».
من جهتها، نفت شركة «الدولية للمعلومات» علاقتها بالتقرير الذي كان سبب السجال، وأشارت إلى أن نسبة مسيحيي لبنان تتجاوز 30 في المائة، وليست 19.4 في المائة، وذلك بالاستناد إلى عدد الناخبين المسجلين في انتخابات عام 2022. وقدرت الشركة النسبة الصحيحة بأنها قريبة من نسبة المسيحيين الذين اقترعوا في انتخابات 2022، والتي بلغت 31.9 في المائة.
ولا ينفي رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم أن يكون «عدد المسيحيين تقلص فعلاً منذ بدء الحرب في لبنان، في العام 1975، ولكن ذلك لا يعني أن عددهم قد تناقص إلى الحد الذي تحدث عنه التقرير الذي استند إليه الرئيس نجيب ميقاتي خلال إطلالته التلفزيونية الأخيرة»، لافتاً إلى أن «مرسوم التجنيس الصادر في العام 1994 الذي طعنت فيه الرابطة المارونية أمام القضاء المختص في حينه، هو الذي شكل الخطر الأكبر، والأكثر تأثيراً على ديموغرافية لبنان، وضرب التوازن النسبي الذي كان قائماً في تلك الفترة». ويشير كرم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الشغور في سدة رئاسة الجمهورية المترافق مع شلل مؤسسات الدولة، أو معظمها، يدفعنا إلى طرح علامات استفهام كثيرة، خصوصاً أن ثمة نغمة في بعض الأوساط أن المواقع التي يشغلها المسيحيون لا تتناسب مع واقع عددهم الحالي». ويلفت كرم إلى أنه «بعد انفجار مرفأ بيروت شهد لبنان موجة هجرة كثيفة، ليس من المسيحيين فحسب، بل سائر المكونات اللبنانية. ولو أن المسيحيين مثلوا الشريحة الكبرى»، موضحاً أن «الكنائس المسيحية التي تتبع التقويمين الشرقي والغربي تستشعر هذا الخطر منذ وقت طويل، وتسعى للتصدي له، وكذلك الهيئات المارونية المدنية كالرابطة المارونية. ومع أن هذا الملف هو ملف وطني لا ينحصر بطائفة، فإن المسيحيين هم الأكثر تأثراً به، لذلك يحتاج إلى استراتيجية وطنية متكاملة، وحسن قراءة للواقع، من أفق وطني، لا طائفي، ولا فئوي، لأن لبنان من دون الوجود المسيحي القوي والفاعل، لن تكتب له الحياة، وسيكون على هامش الأوطان بعد سقوط نموذجه الإنساني في الحوار الحضاري».
ويؤكد كرم أن «الفرقاء المسيحيين لم يطالبوا بالخروج من اتفاق الطائف»، و«يريدون أن يعيد الجميع قراءته بتمعنٍ، وأن يطبق نصاً وروحاً، لاكتشاف ما يعتوره من نقاط ملتبسة، وتلمس الثغر، ومن ثم الاتفاق على النقاط التي ينبغي تعديلها من أجل أن تتوازن السلطات وتزال الالتباسات».
ولفت مؤخراً خروج القيادات المسيحية بوقت واحد لانتقاد الوضعية الحالية والمطالبة بتغييرها. ففيما اعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنه من الضروري «إعادة النظر بالتركيبة اللبنانية إذا تمكن (حزب الله) من الإتيان برئيس كما يريد»، أطلق رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل مواقف عالية النبرة اعتراضاً على تغطية «حزب الله» جلسات مجلس الوزراء، التي يعتبرها غير دستورية وغير شرعية، في ظل شغور سدة الرئاسة، وأبرزها قوله: «مش ماشي الحال أبداً، ويجب البدء جدياً باللامركزية الموسعة، إن لم يكن بالقانون بعد 30 سنة من الطائف، نبدأها على الأرض».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

بعد الإطاحة بالأسد... الجولاني يضع بصمته على الدولة السورية

رجال يركبون دراجة خارج سجن صيدنايا وخلفهم علم الثورة السورية (رويترز)
رجال يركبون دراجة خارج سجن صيدنايا وخلفهم علم الثورة السورية (رويترز)
TT

بعد الإطاحة بالأسد... الجولاني يضع بصمته على الدولة السورية

رجال يركبون دراجة خارج سجن صيدنايا وخلفهم علم الثورة السورية (رويترز)
رجال يركبون دراجة خارج سجن صيدنايا وخلفهم علم الثورة السورية (رويترز)

تفرض إدارة العمليات العسكرية في سوريا بقيادة أحمد الشرع المكنى «أبو أحمد الجولاني» سلطتها على الدولة السورية بنفس السرعة الخاطفة التي سيطرت بها على البلاد؛ ففي غضون أيام قليلة نشرت شرطةً، وسلَّمت السلطة لحكومة مؤقتة، وعقدت اجتماعات مع مبعوثين أجانب، مما يثير مخاوف بشأن ما إذا حُكَّام دمشق الجدد سيلتزمون بعدم إقصاء أحد.

ومنذ أطاحت «هيئة تحرير الشام»، تحت قيادة الشرع وبدعم تحالف من قوات معارضة، ببشار الأسد من السلطة، يوم الأحد، انتقل موظفوها الذين كانوا حتى الأسبوع الماضي يديرون إدارة إسلامية في شمال غربي سوريا إلى مقر الحكومة في دمشق.

وكان تعيين محمد البشير رئيس حكومة «هيئة تحرير الشام» في إدلب رئيساً انتقالياً جديداً للوزراء في سوريا، يوم الاثنين، بمثابة تأكيد على مكانة الهيئة باعتبارها الأقوى بين الفصائل المسلحة التي حاربت لأكثر من 13 عاماً لإنهاء سنوات الأسد الذي حكم بقبضة من حديد.

ورغم أن الهيئة كانت تابعة لتنظيم «القاعدة» قبل فك الارتباط معها عام 2016، فقد نجحت في طمأنة زعماء العشائر والمسؤولين المحليين والسوريين العاديين خلال زحفها إلى دمشق؛ بأنها ستحمي معتقدات الأقليات، وقد حظيت بدعم واسع النطاق. وساعدت هذه الرسالة في تسهيل تقدُّم مقاتلي الفصائل. ويكرر الشرع الرسالة نفسها منذ الإطاحة بالأسد.

وفي مكتب محافظ دمشق، حيث الجدران المزينة بشكل رائع بالخشب المطعَّم والزجاج الملوَّن، قلَّل مسؤول تم جلبه من إدلب لتولي المسؤولية من شأن المخاوف من أن سوريا تتجه نحو شكل إسلامي من أشكال الحكم.

وقال محمد غزال، وهو مهندس مدني يبلغ من العمر 36 عاماً ويرتدي نظارة طبية ولديه لحية كثيفة ويتحدث الإنجليزية بطلاقة تقريباً: «لا يوجد شيء اسمه الحكم الإسلامي. في النهاية، نحن مسلمون، ومؤسساتنا أو وزاراتنا مدنية».

وأضاف: «ليس لدينا أي مشكلة مع أي عرق أو دين. ومَن صَنع المشكلة هو النظام (السابق بقيادة الأسد)».

ورغم ذلك، فقد أثارت الطريقة التي اتبعتها «هيئة تحرير الشام» في تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة، من خلال استقدام كبار الإداريين من إدلب، قلق البعض. وقالت أربعة مصادر من المعارضة وثلاثة دبلوماسيين لـ«رويترز» إنهم يشعرون بالقلق إزاء شمول العملية حتى الآن.

وقال البشير إنه سيبقى في السلطة حتى مارس (آذار) فقط، إلا أن «هيئة تحرير الشام» (التي لا تزال مُصنَّفة جماعة إرهابية لدى الولايات المتحدة، والقوة الإقليمية تركيا، وحكومات أخرى) لم تفصح بعد عن التفاصيل الرئيسية للعملية الانتقالية، بما في ذلك تفكيرها في دستور جديد.

وقال زكريا ملاحفجي أمين عام «الحركة الوطنية السورية» الذي عمل في الماضي مستشاراً سياسياً للمعارضين في حلب: «(انت عم بتجيب من لون واحد. مفروض يكون في تشارك مع الآخرين)... هذه الطريقة ليست صحيحة. المفترض أن تأتي القوى السياسية والعسكرية إلى الطاولة، وترتّب، وتضع حكومة انتقالية بالتشاور مع الآخرين. هذا يعطي دعماً للحكومة».

وأضاف: «المجتمع السوري متعدد الثقافات، (فبصراحة هيك مقلق)».

«خراب... خراب... خراب»

لإدارة هيئات حكومية، قال غزال إنه قدَّم تطمينات للموظفين وحثهم على العودة للعمل. وقال غزال إنها «دولة منهارة. خراب، خراب، خراب».

وتتركز أولوياته للأشهر الثلاثة المقبلة في تشغيل الخدمات الأساسية وتبسيط البيروقراطية. كما ستتم زيادة الرواتب، التي يُقدَّر متوسطها بنحو 25 دولاراً في الشهر لتتماشى مع أجور حكومة الإنقاذ الذي يبلغ الحد الأدنى لأجورها 100 دولار في الشهر.

ورداً على سؤال حول كيفية تمويل هذا، قال: «سوريا دولة غنية للغاية. لكن النظام اعتاد على سرقة الأموال».

كما يتولى رجال شرطة قدموا من إدلب تنظيم حركة المرور في دمشق، في محاولة لاستعادة جانب من الوضع الطبيعي، بعد أن أمرت «هيئة تحرير الشام» الفصائل المسلحة بالخروج من المدينة. وقال أحد المسؤولين الأمنيين (لم يذكر اسمه) إن العبء أصبح كبيراً للغاية، مشيراً إلى أنهم كانوا في السابق يقومون بمهامهم في إدلب فقط.

ورغم أن «هيئة تحرير الشام» هي الأبرز بين الفصائل التي حاربت الأسد، فإن فصائل أخرى لا تزال مسلحة، خاصة في المناطق الواقعة على الحدود مع الأردن وتركيا.

وخلال سنوات الحرب، كانت تقع في كثير من الأحيان صدامات بين فصائل مسلحة، مما يترك إرثاً من التنافسية والعداء يُنظر إليه على أنه أحد المخاطر العديدة التي تهدد الاستقرار في سوريا ما بعد الأسد.

وقال يزيد صايغ، وهو زميل أول بمركز «كارنيغي» لـ«الشرق الأوسط» إن «(هيئة تحرير الشام) تسعى بوضوح إلى الحفاظ على الزخم على جميع المستويات»، مضيفاً أن أي مجموعة في موقفها تتولى السلطة من نظام منهار في بلد منهك، ستتصرف بشكل عام بالطريقة ذاتها.

وأضاف: «هناك مخاطر متعددة تكمن في تحديد (هيئة تحرير الشام) للأولويات، ووتيرة ما سيأتي بعد ذلك. أحد هذه المخاطر إنشاء شكل جديد من الحكم الاستبدادي، هذه المرة في ثوب إسلامي».

لكنه ذكر أن تقديراته تشير إلى أن تنوُّع المعارضة والمجتمع في سوريا من شأنه أن يجعل من الصعب على مجموعة واحدة احتكار النفوذ.

وقال إن «تركيا، الداعم المؤثر للمعارضة، حريصة أيضاً على أن تكون هناك حكومة قادرة على الفوز بالدعم الدولي».

«سنبقى حتى مارس»

قال مصدر من المعارضة مطَّلع على مشاورات «هيئة تحرير الشام» إن جميع الطوائف السورية سيكون لها تمثيل في حكومة تصريف أعمال. وأوضح المصدر أن من الأمور التي سيتم تحديدها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ما إذا كان ينبغي أن يكون نظام الحكم في سوريا رئاسياً أم برلمانياً.

واندلعت الثورة السورية ضمن ما يُعرَف بانتفاضات الربيع العربي عام 2011 التي أطاحت بالحكام في مصر وتونس وليبيا واليمن، وأعقبتها فترات انتقالية مضطربة وعنيفة في كثير من الأحيان.

وفي مقابلة مع صحيفة «كورييري ديلا سيرا» الإيطالية نُشِرت أمس (الأربعاء)، قال رئيس الوزراء البشير: «سنبقى حتى مارس (آذار) 2025 فقط».

وأوضح أن الأولويات استعادة الأمن وسلطة الدولة، وإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وتوفير الخدمات الأساسية.

وعندما سُئِل عما إذا كان الدستور السوري الجديد سيكون إسلامياً، قال إن «هذه التفاصيل» سيتم توضيحها خلال عملية صياغة الدستور.

وقال محمد علاء غانم، وهو ناشط سوري بارز مقيم في واشنطن وعلى اتصال بشخصيات بارزة من المعارضة، إن «هيئة تحرير الشام» مطالَبة بأن «تتحلى بالذكاء، وأن تنفذ الانتقال بشكل صحيح، لا أن يتملكها الغرور، وتهيمن بشكل كامل على الحكومة الجديدة».

وحثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن «هيئة تحرير الشام» على عدم تولي القيادة بشكل تلقائي في سوريا، وإنما تبني عملية لا تقصي أحداً لتشكيل حكومة انتقالية، وفقاً لمسؤولين أميركيين ومساعد في الكونغرس مطلعين على الاتصالات الأميركية الأولى مع الهيئة.

وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن الانتقال في سوريا يجب أن يؤدي إلى «حكم موثوق وشامل وغير طائفي»، بما يتفق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم «2254».

ويدعو هذا القرار، الذي تمت الموافقة عليه في عام 2015، إلى عملية بقيادة سوريا تتولى الأمم المتحدة تسهيلها، والتأسيس لحكم غير طائفي في غضون 6 أشهر، وتحديد جدول زمني لعملية صياغة دستور جديد.

كما يدعو إلى انتخابات حرة ونزيهة.