الأزمات السياسية والاقتصادية تُفاقم «الاتجار بالأطفال» في أفريقيا

مسلحون من بينهم أطفال ينتمون إلى حركة «الشباب» الإرهابية في شمال الصومال (أ.ب)
مسلحون من بينهم أطفال ينتمون إلى حركة «الشباب» الإرهابية في شمال الصومال (أ.ب)
TT

الأزمات السياسية والاقتصادية تُفاقم «الاتجار بالأطفال» في أفريقيا

مسلحون من بينهم أطفال ينتمون إلى حركة «الشباب» الإرهابية في شمال الصومال (أ.ب)
مسلحون من بينهم أطفال ينتمون إلى حركة «الشباب» الإرهابية في شمال الصومال (أ.ب)

أعادت محاكمة ثمانية كرواتيين في زامبيا الحديث حول تفاقم ظاهرة «تجارة الأطفال» في القارة الأفريقية، عبر وسائل متنوعة، بينها عمليات «التبني المشبوهة»، وتجنيد الأطفال في الجماعات المتطرفة، في ظل رصد لمنظمات دولية متخصصة في رواج تلك التجارة غير المشروعة، مع تنامي الصراعات السياسية وغياب الفرص الاقتصادية والاجتماعية بغالبية دول القارة.
ويترقب في زامبيا، محاكمة أربعة أزواج كرواتيين، في الأول من مارس (آذار) المقبل بتهمة «الاتجار بالأطفال»، بعدما ألقت السلطات القبض عليهم في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبحوزتهم «وثائق زائفة» تقدموا بها لتبني أطفال من جمهورية الكونغو الديمقراطية. ورغم إخلاء سبيل المتهمين بكفالة في وقت لاحق، فإنه ينتظر مثولهم أمام المحكمة في الأول من مارس.
وتجري قرابة ربع عمليات الاتجار بالبشر على مستوى العالم داخل قارة أفريقيا، بحسب «مؤشر الرق العالمي»، الصادر عام 2018 عن مؤسسة «ووك فري» الحقوقية ومقرها أستراليا. ومن حيث الدول، فإن هذه الممارسات تنتشر بالدرجة الأكبر في إريتريا (شرق القارة)، بعدها بوروندي، ثم جمهورية أفريقيا الوسطى. وأكثر من نصف الضحايا سقطوا بسبب الديون.
فيما أشار التقرير العالمي الخامس حول الاتجار في الأشخاص، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، في فبراير (شباط) 2021 إلى أن الأطفال يشكلون أكثر من 75 في المائة من ضحايا الاتجار بمنطقة غرب أفريقيا.
وفي تشاد، يرى الباحث التشادي إبراهيم محمد صالح أن «الواقع الأمني الهش للدولة، وتقويض النظام القانوني سمحا بتفشي تلك الجرائم في شمال وشرق البلاد»، لافتاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المتضرر الأكبر في ذلك النساء والأطفال باعتبار كلاهما من الفئات الضعيفة».
وعلى غرار قضية الأطفال في زامبيا، أشار صالح إلى وقائع مشابهة في بلاده «منها ما حدث في مدينة أبشة عام 2007، عندما كانت هناك منظمة فرنسية وهمية تدعى (أرش دي زوي)، نشطت داخل المدينة باعتبارها منظمة خيرية تهتم بالأطفال، وتلقت أموالاً من أسر فرنسية بدعوى رغبتها في تبني أطفال... ونجحت حيلة المنظمة في أخذ 103 أطفال إلى مطار أبشة الدولي لنقلهم إلى فرنسا، إلا أنه افتضح أمر هؤلاء الأشخاص، وألقي القبض عليهم».
ورغم اعتزام تشاد محاكمتها آنذاك، فإن زيارة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي للبلاد، أفضت إلى الإفراج عن المتهمين الفرنسيين، بعد شهرين فقط، على أساس أن تجري محاكمتهم في فرنسا «رغم عدم وجود اتفاقية بهذا الصدد»، على حد قول الباحث التشادي.
وحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فإن مصطلح الاتجار بالبشر يشير إلى تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم بواسطة استعمال القوة أو الاحتيال أو أشكال الخداع الأخرى، لغرض الاستغلال. وينطوي الاتجار في الأطفال على صور متنوعة، منها عمالة الأطفال وتجنيد الأطفال في قوات مسلحة، وزواج الأطفال واستغلالهم في الدعارة. وأكد صالح أن «هذه الجريمة لا تزال تشغل بال المجتمع التشادي، خصوصاً البلدات القريبة من الحدود الليبية، التي انتعشت فيها تلك التجارة منذ سقوط نظام القذافي». ووفق تصريحات رسمية فإنه يجري استقدام الأطفال التشاديين واستغلالهم للتنقيب عن الذهب والتجنيد الإجباري، سواء من قبل المتمردين التشاديين الذين يتخذون من ليبيا معقلاً لهم، أو الأطراف الليبية المتصارعة على السلطة. وحذر مركز «الناتو الاستراتيجي لأفريقيا والشرق الأوسط»، في تقرير بعنوان «تجنيد الأطفال في المنظمات المتطرفة العنيفة في الشرق الأوسط وأفريقيا»، صدر في ديسمبر الماضي، من «تفاقم هذه المشكلة جراء تصاعد الصراعات القائمة واشتعال أخرى جديدة».
ويشير الباحث الإثيوبي المعني بالشؤون الأفريقية عباس محمد عباس إلى كثير من العوامل التي ساعدت في انتشار ظاهرة الاتجار بالأطفال في أفريقيا، بينها «تزايد الصراعات السياسية وغياب الفرص الاقتصادية والاجتماعية والنزوح والتشرد، جراء غياب الاستقرار، ما خلق بيئة مواتية للاتجار بالأطفال».
وتبعاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإنه جرى عالمياً تجنيد أكثر من 93 ألف طفل للمشاركة في صراعات مسلحة بين عامي 2005 و2020، وجاء العدد الأكبر من الأطفال الضحايا من داخل أفريقيا من الكونغو والصومال، لكن ممارسات تجنيد الأطفال لا تقتصر على الجماعات المسلحة غير القانونية، وإنما تمتد أحيانا إلى الجيوش النظامية. يقول الباحث التشادي محمد طاهر زين، لـ«الشرق الأوسط»: «عمليات الاتجار بالأطفال تجري عبر صور مختلفة. في بعض الأحيان يجري تجنيد أطفال دون الـ18 عاما في الجيش، في انتهاك صريح لقانون حقوق الإنسان، أو استغلالهم في أعمال شاقة، أو الخروج في مظاهرات»، مضيفا «جرت محاربة هذه الظواهر بقوة من جانب المجتمع المدني إلى أن انتبهت الحكومة، وأجرت مراجعات عام 2022 في صفوف القوات المسلحة لتحديد القصر والمسؤولين عن تجنيدهم. وبالفعل جرى تسريح عدد كبير من الخدمة».
ولم يعف طاهر زين أحزاب المعارضة هي الأخرى من المسؤولية، وأشار إلى أن «بعض الأحزاب السياسية المعارضة تستغل الأطفال في الخروج في مظاهرات ضد الحكم العسكري».
ومع أن التجنيد في صراعات مسلحة قد يكون الأقسى من بين صور استغلال الأطفال، لكنه بالتأكيد ليس الوحيد. وتبعاً للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، فإن الكثير من الأطفال بغرب أفريقيا تحديداً يجري فصلهم عن ذويهم في سن صغيرة للغاية ويرسلون لعواصم دول المنطقة لممارسة التسول، وبالتالي يسقطون ضحايا لشبكات الاتجار في البشر.
وأوضح الإعلامي المالي علي كونتا لـ«الشرق الأوسط» أنه «حتى بالمناطق الأفريقية التي تشهد هدوءاً واستقراراً، لا يعيش الأطفال حياة وردية، بل يجري استغلالهم في أعمال شاقة في المناجم والمزارع التي لا غنى للدول المتقدمة عن منتجاتها، فعلى رفوف مراكز التسوق الكبرى بالعالم، هناك الكثير من أنواع الشوكولاته الفاخرة التي جمعتها أيادي الأطفال في كوت ديفوار، أو سلاسل ذهبية مرصعة بالأحجار الكريمة التي جمعتها الأنامل الضعيفة لأطفال غانا، أو ملابس قطنية مريحة حصدها أطفال مالي الذين تلاحقهم لعنة الذهب الأبيض».
وبحسب اليونيسيف، سيعيش أكثر من نصف أطفال العالم في أفريقيا، بحلول عام 2050، وستتضاعف معهم احتمالات نشأتهم في ظروف غير مواتية لطفولتهم، بينما تحوم حولهم أشباح المجاعات والنزاعات المسلحة والجهل والفقر.
في المقابل، تجد مسألة التبني الغربي لأطفال أفريقيا، مؤيدين يرون أنها «تخفف الأعباء المادية على كاهل المؤسسات المعنية برعاية الأيتام داخل دول أفريقية فقيرة، وكذلك على كاهل أسر فقيرة عاجزة عن تدبير أبسط احتياجات أبنائها». لكن المخاوف ممن يتخذون من التبني ستاراً لممارسة الاتجار في الأطفال الأفارقة لأغراض مختلفة دفعت بعض الدول ومنها كينيا عام 2014 لفرض حظر على إجراءات التبني لأطفالها من خارج الحدود، كما فرضت جنوب أفريقيا هي الأخرى حظراً مماثلاً، لكن رفعته لاحقاً بعد تشديد الإجراءات.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا حول اتفاق الأخيرة مع إقليم أرض الصومال على استخدام ساحلها على البحر الأحمر.

وقال إردوغان، في اتصال هاتفي، الجمعة، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن «بإمكان تركيا التوسط لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة». وبحسب بيان للرئاسة التركية، تناول إردوغان مع البرهان، خلال الاتصال الهاتفي، العلاقات بين تركيا والسودان، وقضايا إقليمية وعالمية، وأكد أن تحقيق السلام والاستقرار في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته ومنع تحوله إلى ساحة للتدخلات الخارجية، من المبادئ الأساسية لتركيا.

ولفت إردوغان، بحسب البيان، إلى أن تركيا توسطت لحل الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، وأن الاتفاق بين البلدين سيساهم في السلام بالمنطقة.

اتهامات متبادلة

ودأب قادة الجيش السوداني على اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم قوات «الدعم السريع» وتزويدها بالأسلحة والمعدات. وتقدم مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، بشكوى رسمية ضدها، واتهمها بالتخطيط لإشعال الحرب ودعم «قوات الدعم السريع» بمساعدة من تشاد، طالباً إدانتها، بيد أن أبوظبي فندت تلك الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر للأدلة الموثوقة.

وفي المقابل وجهت دولة الإمارات رسالة إلى مجلس الأمن في 21 أبريل (نيسان)، شددت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بعد عام من الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وأكدت أنها «ستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، ودعم أي عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية».

الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح البرهان في أبو ظبي 14 فبراير (أ.ف.ب)

وفي يوليو (تموز) الماضي، بحث رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في اتصال هاتفي، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، «سبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها»، وأكد حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان.

تعهدات تركية للبرهان

ووفقاً لنشرة صحافية صادرة عن مجلس السيادة السوداني، فإن الرئيس إردوغان تعهد للبرهان باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية التركية للسودان، وباستئناف عمل الخطوط الجوية التركية قريباً، وباستعداد بلاده لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتعاون في الزراعة والتعدين.

وذكر السيادي أن البرهان أشاد بمواقف تركيا «الداعمة للسودان»، وجهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ودورها في معالجة الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، ودورها في الملف السوري، مبدياً ترحيبه بأي دور تركي لوقف الحرب «التي تسببت فيها ميليشيا الدعم السريع المتمردة». ودعا البرهان لتعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، مؤكداً ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.

ويرى مراقبون أن الاتصال الهاتفي بين إردوغان والبرهان في هذا التوقيت يأتي في ظل متغيرات وترتيبات جديدة في المنطقة تشمل السودان، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

حضور تركي في القرن الأفريقي

وقطعت تركيا، الأربعاء الماضي، خطوة كبيرة على طريق حل النزاع بين الصومال وإثيوبيا، بعد جولات من المباحثات بين الطرفين في إطار ما عرف بـ«عملية أنقرة»، يراها مراقبون ترسيخاً للحضور التركي القوي في منطقة القرن الأفريقي.

إردوغان يتوسط الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال مؤتمر صحافي في أنقرة مساء الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)

وأعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الصومالي، آبي أحمد، في مؤتمر صحافي مع إردوغان مساء الأربعاء، أعقب 8 ساعات من المفاوضات الماراثونية سبقتها جولتان من المفاوضات في أنقرة في الأشهر الماضية، أنهما قررا بدء المفاوضات الفنية بحسن نية بحلول نهاية فبراير (شباط) 2025 على أبعد تقدير، والتوصل إلى نتيجة منها والتوقيع على اتفاق في غضون 4 أشهر، بحسب ما ورد في «إعلان أنقرة». وقبل الطرفان العمل معاً على حل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي تسببت في زيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وقال إردوغان إن البلدين الجارين توصلا، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة، إلى اتفاق «تاريخي» ينهي التوترات بينهما.

وبحسب نص إعلان أنقرة، الذي نشرته تركيا، اتفق البلدان على «التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك، والعمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولاً إلى البحر «موثوقاً به وآمناً ومستداماً تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية».

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر، قائلاً: «أعتقد أنه من خلال الاجتماع الذي عقدناه سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر لإثيوبيا».

إردوغان مع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي عقب توقيع إعلان أنقرة (الرئاسة التركية)

وتدخلت تركيا في النزاع بطلب من إثيوبيا، التي وقعت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقية مع منطقة «أرض الصومال»، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، وتشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، واستغلال 20 كيلومتراً من ساحل أرض الصومال لمدة 50 عاماً مقابل الاعتراف باستقلالها عن الصومال، مع منحها حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.

ترحيب دولي

ورحب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال لقائه إردوغان في أنقرة، ليل الخميس – الجمعة، بنجاح تركيا في التوصل إلى اتفاق بين الصومال وإثيوبيا. كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وأشاد بدور الوساطة الذي لعبته تركيا بهذا الخصوص.

وترتبط تركيا بعلاقات قوية بإثيوبيا، كما أصبحت حليفاً وثيقاً للحكومة الصومالية في السنوات القليلة الماضية. وافتتحت عام 2017 أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في مقديشو، وتقدم تدريباً للجيش والشرطة الصوماليين.

وبدأت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة في الصومال تمثل كل منها مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، بموجب مذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في مارس (آذار) الماضي، لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي.

وجاء توقيع المذكرة بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تقدم تركيا بمقتضاها دعماً أمنياً بحرياً للصومال، لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية لمدة 10 سنوات.