«الشرق الأوسط» في كييف... هدوء مشوب بالحذر

التطورات على الأرض وتصريحات أطراف الحرب تنذر بمواجهة أوسع

حالة الهدوء عكستها حركة المرور في شوارع كييف إذ بدت أكثر سلاسة وغابت عنها الاختناقات المرورية (الشرق الأوسط)
حالة الهدوء عكستها حركة المرور في شوارع كييف إذ بدت أكثر سلاسة وغابت عنها الاختناقات المرورية (الشرق الأوسط)
TT

«الشرق الأوسط» في كييف... هدوء مشوب بالحذر

حالة الهدوء عكستها حركة المرور في شوارع كييف إذ بدت أكثر سلاسة وغابت عنها الاختناقات المرورية (الشرق الأوسط)
حالة الهدوء عكستها حركة المرور في شوارع كييف إذ بدت أكثر سلاسة وغابت عنها الاختناقات المرورية (الشرق الأوسط)

خلال عام مضى على الحرب الروسية الأوكرانية التي اشتعلت شرارتها في 24 فبراير (شباط) من العام الماضي، تدفَّقت مياه كثيرة في نهر دنيبرو، بينما تلوح في أفق التطورات المرئية على الأرض، وفي تصريحات أطراف النزاع وحلفائهم، نذر مواجهة أوسع.
في كييف، التي كانت على الخط الأول للعملية العسكرية الروسية فور اندلاعها، وتعرضت لضربات صاروخية وغارات جوية وتقدَّمت نحو ضواحيها القوات الروسية، وجدت «الشرق الأوسط» كلَّ شيء هادئا، تزامناً مع الذكرى الأولى للحرب.
حالة الهدوء المشوب بالحذر في العاصمة عكستها حركة المرور في شوارع كييف وميادينها، إذ بدت الحركة أكثر سلاسة وانسياباً، وغابت عنها الاختناقات المرورية. أندريه، سائق تاكسي، قال لـ«الشرق الأوسط» إنَّ حركة السيارات اليوم في الذكرى الأولى للحرب أقل من الأيام السابقة؛ وذلك بسبب ما يصفه بالقلق النسبي الذي يتملك سكان المدينة إزاء ما قد تحمله المرحلة المقبلة من تطورات.
يظل كل شيء هنا هادئا، أو يكاد، بيد أنَّ التوقعات بصمود ذلك واستمراره تظلُّ متدنية كأحوال الطقس في المدينة التي تهوي فيها درجات الحرارة إلى ما دون الخمس درجات تحت الصفر، بينما تتسارع التحضيرات على جانبي جبهات القتال لفصول ساخنة من الحرب التي تدخل عامها الثاني، من دون أن تلوح في الأفق أي مؤشرات على نهايتها، في حين تتزايد المخاطر من تجاوز ألسنة اللهب حدود البلدين المتحاربين.
كل شيء هادئ في كييف!


مقالات ذات صلة

مبعوثو ترمب إلى الشرق الأوسط... تغريد خارج سرب البيروقراطية

الولايات المتحدة​ ويتكوف في برلين في 15 ديسمبر 2025 (أ.ب)

مبعوثو ترمب إلى الشرق الأوسط... تغريد خارج سرب البيروقراطية

لم يدخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في عهده الثاني برتابة الرؤساء السابقين الذين التزموا بالسياسات الأميركية التقليدية والأعراف الدولية.

رنا أبتر (واشنطن)
أوروبا صورة للقاء عاصف بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب سيلتقي زيلينسكي يوم الأحد في فلوريدا

نقل موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي اليوم الجمعة عن مسؤولين أوكرانيين قولهم إنه من المتوقع أن يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع نظيره الأوكراني

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جندي بريطاني يمر أمام صاروخ «ستورم شادو» في معرض فارنبورو للطيران بلندن في 17 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تستخدم صواريخ «ستورم شادو» البريطانية لاستهداف مصفاة نفط روسية

أعلن الجيش الأوكراني أنه استخدم صواريخ ستورم شادو البريطانية لاستهداف مصفاة نفط روسية الخميس.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي بكييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

زيلينسكي يبحث هاتفياً مع ويتكوف وكوشنر «تفاصيل» خطة السلام مع روسيا

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس أنه تحدث هاتفياً مع المبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر 

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا طفل يشارك في احتفالات عيد الميلاد ويبدو قرب دبابة روسية مدمرة في كييف يوم 25 ديسمبر (إ.ب.أ)

روسيا تدين المحاولات الأوروبية لـ«نسف» تقدم محادثات السلام

روسيا ترى تقدماً «بطيئاً ولكنه ثابت» في محادثات السلام الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (لندن - باريس)

غوارديولا: مان سيتي جاهز للمنافسة على الألقاب

بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي (إ.ب.أ)
بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي (إ.ب.أ)
TT

غوارديولا: مان سيتي جاهز للمنافسة على الألقاب

بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي (إ.ب.أ)
بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي (إ.ب.أ)

قال بيب غوارديولا، مدرب مانشستر سيتي، إنه يتطلع إلى عودة بعض اللاعبين الأساسيين ​من الإصابات، إذ يطمح للمنافسة على عدة ألقاب كبرى؛ من بينها لقب الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.

وأكد غوارديولا، في مقابلة لموقع سيتي، نُشرت الجمعة، أنه كان يودّ أن يكون الفريق في صدارة ترتيب «الدوري»، لكنه سعيد ‌بأن سيتي على ‌مقربة من المتصدر ‌آرسنال.

ويتأخر ⁠سيتي، ​الذي ‌يحل ضيفاً على نوتنغهام فورست في «الدوري»، السبت، بفارق نقطتين عن آرسنال.

وفي «دوري الأبطال»، يتأخر سيتي، صاحب المركز الرابع، بفارق 5 نقاط عن آرسنال، لكنه لا يزال في طريقه للتأهل المباشر إلى دور الـ⁠16 من المسابقة، ضمن أصحاب المراكز الثمانية الأولى في ‌مرحلة «الدوري».

وقال غوارديولا: «كنت أودّ أن نكون ‍متقدمين بفارق 10 نقاط أمام الجميع، لكن هذه هي الحال. آرسنال يقدم أداء جيداً حقاً، لكننا ما زلنا في المنافسة... ولا نزال في نهاية ديسمبر (كانون الأول)». وأضاف: «في دوري أبطال أوروبا، ​ما زلنا في المنافسة، والوضع هكذا أيضاً في الدوري الإنجليزي، ونحن في ما قبل ⁠النهائي (بكأس الرابطة)، وسنبدأ كأس الاتحاد الإنجليزي قريباً. بعض اللاعبين المهمين عائدون، لذلك دعونا نرَ ما سيحدث خطوة بخطوة ومباراة بمباراة».

وقال غوارديولا إن لاعب الوسط رودري، الذي لم يلعب منذ أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بسبب إصابة في عضلات الفخذ الخلفية، قد يكون متاحاً لمباراة فورست.

وأضاف: «رودري أفضل بكثير. سيكون متاحاً أم لا؟ سنقرر اليوم. (‌جيريمي) دوكو وجون (ستونز) لا يزالان غير متاحين، لكنهما سيعودان قريباً».


بين «الرواية الرسمية» وواقع «السناتر»... هل انكسرت شوكة «الدروس الخصوصية» بمصر؟

وزير التعليم المصري خلال تفقد مدرسة في محافظة كفر الشيخ الشهر الماضي (التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري خلال تفقد مدرسة في محافظة كفر الشيخ الشهر الماضي (التربية والتعليم)
TT

بين «الرواية الرسمية» وواقع «السناتر»... هل انكسرت شوكة «الدروس الخصوصية» بمصر؟

وزير التعليم المصري خلال تفقد مدرسة في محافظة كفر الشيخ الشهر الماضي (التربية والتعليم)
وزير التعليم المصري خلال تفقد مدرسة في محافظة كفر الشيخ الشهر الماضي (التربية والتعليم)

بين «رواية رسمية» تحدثت عن «انخفاض الإقبال على الدروس الخصوصية بـ(السناتر)»، و«هي أماكن غير رسمية للدروس»، و«واقع» تحدث عنه طلاب وخبراء تربية أشاروا إلى عكس ذلك؛ أثيرت تساؤلات حول إشكالية «الدروس الخصوصية» في البلاد.

محمد «ح»، يدرس في الصف الثالث الثانوي، ويقطن في ضاحية حدائق الزيتون (شرق العاصمة المصرية)، يشكو من «صعوبة وجود أماكن داخل (السنتر) الذي يتلقى فيه بعض المواد لكثرة الأعداد»، وأنه «لو أراد الجلوس في الـصف الأول، فعليه أن يذهب قبل أي درس بساعتين على الأقل، مما يضيّع عليه وقتاً طويلاً».

حال محمد لا يختلف عن زميله علي «س»، الذي يقطن في المطرية، ويفضّل «عدم تضييع وقته لحجز الصف الأول، ويظل في نهاية الصف». وقال: «المهم هو مُذكّرة المدرس؛ لكن الشرح أحياناً لا أسمع منه شيئاً».

وبحسب وزير التربية والتعليم المصري، محمد عبد اللطيف، فإن «لغة الأرقام والمؤشرات الميدانية تعكس تراجعاً ملحوظاً في (بيزنس) الدروس الخصوصية والكتب الخارجية نتيجة عودة الثقة في دور المدرسة». وأشار في حديث متلفز أخيراً إلى «انخفاض حجم العمل في مراكز الدروس الخصوصية (السناتر) بنسبة تتراوح بين 50 و60 في المائة، نتيجة انتظام الطلاب في المدارس خلال الفترة الصباحية»، مؤكداً أن «هدف وزارته هو حصر العملية التعليمية بالكامل داخل أسوار المدرسة مع المعلمين».

أحد «السناتر» في منطقة فيصل بمحافظة الجيزة (الشرق الأوسط)

إجراءات «التعليم»

وترتبط إشكالية «الدروس الخصوصية» في مصر بطلاب المدارس، خاصة في المرحلة «الثانوية»، وترسخت ثقافياً لدى بعض الأسر بعد أن أضحت مشكلة تعليمية منذ سنوات عديدة، ولم تُفلح الإجراءات الحكومية في مواجهتها، إلى أن أصبح هناك تعايش معها رغم اتخاذ إجراءات إدارية بغلق «سناتر»، وأخرى تتعلق بتوفير بديل للطلاب داخل المدرسة عبر «فصول التقوية» (حصص في مقابل مادي زهيد).

الخبير التربوي، أستاذ التقويم التربوي بجامعة عين شمس الحكومية، الدكتور تامر شوقي، يرى أن وزارة «التعليم» اتبعت عدة إجراءات لتقييد «الدروس الخصوصية» طيلة السنوات الماضية، لكنه أشار إلى «صعوبة القضاء على الدروس الخصوصية؛ نظراً لأنها متصلة بأمور نفسية لأولياء الأمور أكثر من كونها تعليمية وتربوية».

ولفت إلى أن «التعليم» اتبعت بعض الإجراءات التربوية وغير التربوية للحد من «الدروس الخصوصية»، بينها «تخفيف المناهج»، وهذا قد ينعكس بدوره على اختيار مواد بعينها للتقوية فيها عبر «الدروس الخصوصية» دون أخرى.

وفسّر شوقي لجوء الطلاب إلى «السناتر» بسبب «غياب المعلم عن المدرسة والكثافات العالية داخل الفصول الدراسية»، لكنه قال لـ«الشرق الأوسط» إن وزارة «التعليم» عالجت الأمرين، وهذا قد يكون أثر بشكل مباشر أو غير مباشر على بعض الطلاب في تلقي «الدروس الخصوصية»، لكن «السناتر» تعمل كما هي ولم تتأثر، حسب تعبيره.

وزير التعليم المصري خلال زيارة لإحدى مدارس إدارة التبين التعليمية بالقاهرة مطلع الشهر الجاري (التربية والتعليم)

«اقتصاد السناتر»

ويثار من وقت لآخر الحديث حول «بيزنس السناتر والدروس الخصوصية»، والذي قال عنه شوقي إنه «لا يوجد تقديرات رسمية حقيقية حول حجم أموال الدروس الخصوصية»، لكنه قدرها بحسب ما يتردد بـ«120 أو 160 مليار جنيه أو أكثر من ذلك سنوياً» (الدولار الأميركي يساوي 47.5 جنيه في البنوك المصرية). ونهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، ذكر رئيس «جمعية خبراء الضرائب المصرية»، أشرف عبد الغني، في بيان نشرته صحف محلية، أن «الدروس الخصوصية تستنزف 247 مليار جنيه سنوياً من موارد الأسر».

أستاذ القياس والتقويم والإحصاء النفسي والتربوي، الدكتور محمد فتح الله، تساءل: هل انخفضت «الدروس الخصوصية» داخل «السناتر»؟ وكانت إجابته سريعة: لا. ويرى أنه «كان على وزير التعليم أن يقول إن وزارته تقوم بمواجهة مشكلة (الدروس الخصوصية)، لكن حديث انخفاض العمل داخلها إلى هذا الرقم غير واقعي». فالملاحظ أن «هناك انضباطاً بالمدارس بين طلاب صفوف مراحل النقل، لكن الثانوية العامة (3 ثانوي) لا يذهب الطلاب فيها إلى المدارس».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «حديث الوزارة يبقى واقعياً عندما نجد طلاب 3 إعدادي (المرحلة الدراسية التي تسبق الثانوية)، و3 ثانوي (التي تؤهل لدخول الجامعات) في المدارس».

وبحسب فتح الله، فإنه «يوجد الآن نسب حضور مرتفعة في المدارس، لكن أولياء الأمور والطلاب عندما يسمعون حديث انخفاض الدروس بـ(السناتر) يفقدون الثقة في المؤسسة التعليمية؛ لأنهم شهود على الكثافة العالية داخل هذه المراكز»، على حد قوله. وطرح فتح الله مقترح «تقنين السناتر» بشكل يضمن تقديم خدمات تعليمية موازية مثل التعليم الخاص، لكن يتم ذلك «وفق ضوابط محددة ومراقبة من الدولة على ما يقدم داخلها».

وتابع حديثه: «منذ تسعينيات القرن الماضي و(التعليم) تردد بنفس الثقة: قضينا على الدروس الخصوصية»، لكن «الواقع يشير إلى تزايدها وليس كسر شوكتها».

ويصل سعر المحاضرة الواحدة في المراكز التعليمية إلى 100 أو 200 جنيه للطالب الواحد، وهي أسعار تتفاوت بحسب المنطقة، وفقاً لمحمد، الذي فضّل عدم ذكر اسمه الثاني، هو وزميله علي، وقال: «ممكن أحصل على أكثر من محاضرة في اليوم الواحد، فضلاً عن أن سعر المحاضرة يتوقف على (صيت) المدرس، وتجهيزات المكان، وعدد الطلاب».

مقر وزارة التربية والتعليم في مصر (الصفحة الرسمية للوزارة على «فيسبوك»)

«بدائل مراكز الدروس»

وزير التعليم المصري ذكر في تصريحاته المتلفزة أن «وزارته تعمل حالياً على إنشاء منصة رقمية تعليمية موحدة بالتعاون مع الجانب الياباني، بعد النجاحات التي تحققت في مجالات البرمجة والذكاء الاصطناعي، على أن تضم المنصة كل ما يخص الطالب والمنظومة التعليمية، بالتنسيق مع وزارة الاتصالات»، مؤكداً أن «الهدف النهائي هو تعليم حقيقي داخل المدرسة، وتقليل الاعتماد على أي بدائل خارج الإطار الرسمي».

عودة إلى شوقي الذي قال إن «هناك اهتماماً ملحوظاً بالعملية التعليمية خلال الفترة الحالية، لكن هذا الاهتمام من الناحية الكمية والشكلية أكثر من الكيفية والواقعية». وشرح ذلك قائلاً: «من الناحية الشكلية، وزارة (التعليم) وضعت إجراءات تُحسب لها، لكنها أرغمت الأسر وفرضت ضغوطاً عليها، بإجبار الطلاب على الحضور للمدارس من أجل (التقييمات الشهرية)»، وأوضح: «التقييمات وظيفتها التربوية معالجة الأخطاء لدى الطلاب، لكن لم تعالج الأخطاء في التحصيل أو الاستيعاب؛ لكونها أصبحت وسيلة فقط للإجبار؛ لأن الطلاب حضروا بالفعل إلى المدارس».

ولفت إلى أن «التعليم» تسعى بقدر الإمكان لعلاج العجز في المعلمين، لكن المطلوب وجودهم داخل الفصل الدراسي، فنسب حضور الطلاب إلى المدارس قد تكون عالية مثلما أكدت «التعليم»، لكن الأهم جودة العملية التعليمية، وفق قوله.

وعن كيفية كسر شوكة «الدروس الخصوصية»، يرى شوقي أن ذلك يمكن أن يحدث عبر «التوسع في الفصول وتقليل الكثافات، وتغطية العجز في المعلمين بشكل حقيقي وليس بشكل مؤقت، ورفع رواتبهم حتى لا يلجأوا إلى الدروس، فضلاً عن سن تشريعات ضد أي معلم يُضبط وهو يعطي درساً خصوصياً، وكذا تغيير ثقافة أولياء الأمور نحو العملية التعليمية في المدارس».

في حين أوضح فتح الله أن أي نظام تعليمي قوته في التقويمات (الامتحانات)، فـ«بضبط منظومة الامتحانات سوف نتحكم في (الدروس الخصوصية)».


ما هي تداعيات وفاة رئيس الأركان الليبي وتأثيرها على المؤسسة العسكرية؟

الحداد خلال حفل تخرج سابق لفوج جديد من الضباط في ثكنة الخمس العسكرية (رويترز)
الحداد خلال حفل تخرج سابق لفوج جديد من الضباط في ثكنة الخمس العسكرية (رويترز)
TT

ما هي تداعيات وفاة رئيس الأركان الليبي وتأثيرها على المؤسسة العسكرية؟

الحداد خلال حفل تخرج سابق لفوج جديد من الضباط في ثكنة الخمس العسكرية (رويترز)
الحداد خلال حفل تخرج سابق لفوج جديد من الضباط في ثكنة الخمس العسكرية (رويترز)

عدّ المحلل السياسي، فرج فركاش، أن غياب رئيس الأركان الليبي، الفريق أول محمد الحداد، بهذا الشكل المفاجئ ومعه عضو لجنة «5+5» العسكرية، الفيتوري غريبيل «يشكل ضربة كبيرة للمؤسسة العسكرية في غرب ليبيا»؛ لكون الحداد «ليس مجرد قائد عسكري تقليدي، بل شخصية محورية لعبت دوراً أساسياً في محاولات توحيد المؤسسة العسكرية، واحتواء الصراعات المحلية بطرابلس ومحيطها، وبناء علاقات عسكرية متوازنة مع شركاء دوليين، مثل تركيا وإيطاليا و(أفريكوم)».

عناصر الوفد الليبي خلال تنقلهم إلى موقع سقوط الطائرة التي كانت تقل الحداد ومرافقيه (أ.ف.ب)

ولقي الحداد وغريبيل حتفهما رفقة رئيس جهاز التصنيع العسكري، ومستشار رئيس الأركان في حادث تحطم طائرة خاصة، كانت عائدة بهم عقب زيارة رسمية لأنقرة مساء الثلاثاء الماضي.

الحداد «عامل توازن»

في حديث مع «وكالة الأنباء الألمانية»، أرجع فركاش قيمة الحداد إلى وصفه «عامل توازن، وحلقة وصل بين شرق البلاد وغربها، وصاحب رؤية مؤسسية سعت رغم بطئها لدمج الكتائب المسلحة، وإنهاء الانقسام العسكري». وهذا الغياب المفاجئ في نظر فركاش «قد يربك التنسيق داخل المنطقة الغربية، ويعيد التنافس القائم على الولاءات المحلية والمناطقية، خاصة في حال عدم اختيار خليفة دائم، يحظى بقبول واسع ورؤية جامعة؛ ما يهدد إبطاء مسار توحيد الجيش، ويجعل التوازنات العسكرية أكثر هشاشة في مرحلة كانت تشهد تعافياً نسبياً، وبدايات إصلاح مؤسسي تحتاج إلى قيادة قوية ومقبولة، وذات خبرة يصعب تعويضها سريعاً».

الحداد يتحدث إلى فوج جديد من الضباط خلال حفل تخرجهم في العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)

وفي خطوة عاجلة، كلف المجلس الرئاسي نائب رئيس الأركان، الفريق أول صلاح الدين النمروش مهام رئاسة الأركان. وفي هذا السياق، يرى فركاش أن تكليف النمروش «إجراء مؤقت، لكنه قد يتحول قراراً دائماً بعد التشاور مع الجهات الفاعلة عسكرياً في المنطقة الغربية، ومنها وزارة الدفاع المتمثلة في رئيس حكومة طرابلس، عبد الحميد الدبيبة».

وينحدر النمروش (49 عاماً) من مدينة الزاوية، ويشغل منصب قائد المنطقة العسكرية الغربية، وكان وكيلاً ثم وزيراً للدفاع أواخر حكومة فايز السراج.

ويضيف فركاش: «يتمتع النمروش بخبرة عسكرية ولديه مؤيدوه، خاصة في مدينة الزاوية الفاعلة عسكرياً، والمنقسمة حالياً بشأن استمرار حكومة الدبيبة أو إنهائها، وقد يساعد وجوده في تمكين الدبيبة أكثر حال تمكينه، لكن هذا يعتمد أيضاً على استراتيجية المجلس الرئاسي ووزارة الدفاع في موضوع توحيد المؤسسة العسكرية لكي تمثل كل ليبيا، وهذا يتطلب بدوره مفاوضات مع جانب القيادة العامة في الشرق الليبي، وهنا تجب معرفة موقف النمروش من هذا الملف وكيفية تعاطيه معه».

ومع الشرخ السياسي انقسمت المؤسسة العسكرية الليبية أيضاً، وبالتالي يوجد في البلاد رئيس أركان آخر في الشرق والجنوب، هو نجل المشير حفتر، خالد. وبالعودة لحادثة الطائرة والزيارة الأخيرة، التي لم يعد منها الحداد ورفاقه، يرفع المستشار السابق للقائد الأعلى للجيش والحالي للجنة الدفاع والأمن القومي بالمجلس الأعلى للدولة، عميد عادل عبد الكافي، النقاب عن الغرض منها حين يقول: «بعد تصديق البرلمان التركي على تمديد مذكرة التفاهم المشتركة؛ كان يجب على ممثل الجناح العسكري التوجه لتركيا، والتوقيع على البنود الخاصة بالجانب العسكري، وتجهيز مسائل التدريب والإمدادات العسكرية الفنية».

ومنذ 2019 توطدت العلاقة التركية مع الغرب الليبي، وتزامنت مع الحرب التي خاضها حفتر وقواته لدخول طرابلس، وعارضتها تركيا وساعدت على إنهائها، مستفيدة من مذكرة تفاهم مشتركة وقَّعتها مع الجانب الليبي، تضمنت - إضافة إلى التعاون والوجود العسكري - ترسيم الحدود البحرية المشتركة والغنية والغاز.

وفي حديثه مع «د.ب.أ» عدّ عبد الكافي أن الدور التركي «خلق التوازن في المنطقة، وجاء بضوء أخضر أميركي لمواجهة المد الروسي». ووسط الأحاديث عن احتمال وجود شبهات في قضية سقوط الطائرة، وربطها بمستقبل العلاقات الليبية - التركية يقول عبد الكافي: «لا أحد يستطيع الاقتراب من علاقة البلدين ومذكرة التفاهم المشتركة بينهما».

عناصر الأمن التركي تطوق المكان الذي سقطت فيه طائرة الحداد والوفد المرافق له (أ.ف.ب)

ولمزيد من الإيضاح، يستدرك موضحاً: «الجانب التركي حقق مصالح في المتوسط وأفريقيا، عبر توسيع قاعدة نفوذه، هذا فضلاً عن نجاحه مؤخراً في التواصل مع المعسكر الشرقي الليبي. أما في غرب البلاد، فلا يستطيع أحد إنهاء المذكرة لأن التدخلات الإقليمية ما زالت موجودة ومؤثرة، مثل التدخل الروسي، وتهديدات اليونان لحصة ليبيا في المتوسط، هذا بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية».

نظرية المؤامرة

من جانبه، يستبعد فركاش «نظرية المؤامرة» في قضية الطائرة التي لم تُعرف خبايا سقوطها بعد، وستتأجل لحين الكشف عن الصندوق الأسود، الذي قد يستغرق وقتاً، خاصة مع قرار تركيا توكيل دولة محايدة بذلك. لكن المحلل السياسي يستدرك: «لو كانت هناك أي مؤامرة فستتجه نحو صاحب المصلحة في تعكير العلاقات التركية - الليبية، خاصة في موضوع تمديد بقاء القوات التركية في ليبيا لعامين آخرين، أو ما يخص الاتفاق البحري الذي يضمن مصالح الدولتين».

ويضيف فركاش موضحاً: «إن صحت المؤامرة، وهذا أمر بعيد الاحتمال حالياً، فهناك دول إقليمية مجاورة ومعادية لتركيا قد تكون لها المصلحة في ذلك. ولكن أعتقد أن الموضوع لا يعدو كونه خللاً كهربائياً في طائرة متهالكة عمرها 38 سنة أدى إلى نهاية مأساوية، ولكن سننتظر ما تسفر عنه التحقيقات».

صورة التُقطت للحداد خلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة قبل يوم واحد من مقتله في حادث سقوط الطائرة (إ.ب.أ)

ومع الوضع الحالي، وباستثناء مسألة توحيد المؤسسة العسكرية بعموم البلاد، يواجه رئيس الأركان المكلف حالياً، كما سابقه، تحديات إصلاح وضع التشكيلات المسلحة في الغرب، وتحييد أغلبها عن النمط الميليشياوي الذي فاقم الأزمات الأمنية وضاعف الخسائر. هذا فضلاً عن «التحديات القبلية والجهوية التي ستقابل اختيار رئيس أركان دائم»، على حد قول عبد الكافي، الذي يؤكد على ضرورة اختيار شخصية محايدة، وبعيدة عن تأثيرات التشكيلات المسلحة والاعتبارات القبلية والمناطقية، «لكن يبقى العامل الرئيسي عند الحديث عن شخصيات بعينها هو مدى ثقلها، وتأثيرها على المشهد العسكري والسياسي».

وفي مشهد معقد آخر يخص لجنة «5+5» العسكرية المسؤولة عن توحيد الجيش الليبي، والتي فقدت أحد أعضائها في حادث الطائرة، يعلق عبد الكافي قائلاً: «اللجنة ومنذ أن تأسست لم تحدث أي تغيير أو فارق، لم يكن لها عمل ملموس عدا عن الاجتماعات». مضيفاً أنها «لم تخرج المرتزقة والمقاتلين الأجانب. ولم تستلم خرائط الألغام في طرابلس، حتى فتح المجال الجوي بين الشرق والغرب وتبادل الأسرى، الذي تم بجهود أعيان وشخصيات سياسية».