«البداية»... معرض يتتبع الخطوة الأولى إلى النضج الفني

يجمع 9 فنانين في الرياض... ويستلهم فكرته من ذكرى التأسيس

المصور فيصل بن زرعة يتحدث عن عمله (الشرق الأوسط)
المصور فيصل بن زرعة يتحدث عن عمله (الشرق الأوسط)
TT

«البداية»... معرض يتتبع الخطوة الأولى إلى النضج الفني

المصور فيصل بن زرعة يتحدث عن عمله (الشرق الأوسط)
المصور فيصل بن زرعة يتحدث عن عمله (الشرق الأوسط)

قلما ينسى الفنان اللحظة التي اكتشف فيها موهبته، إذ يبقى العمل الأول محفوراً في ذاكرته، وحبيس خزانته في أكثر الأحيان، يسترجع معه أولى خطوات الطريق، بما يسبق الشهرة والنضج الفني وتطور التجربة، وهو ما يظهره بوضوح معرض «البداية» الذي ينظمه مركز «بربل» الإبداعي في الرياض، ويختتم مساء اليوم الجمعة.
المعرض الذي يجمع 9 فنانين، يضع مقارنة ما بين أول ضربة فرشاة للفنان وآخر عمل له بعد مرور سنين طويلة، بما يصنع حالة من الدهشة تجاه التباين الكبير بين الاسكتشات الأولية لفنانين أصبح يشار لهم بالبنان اليوم، في مساحة تحتفي بهذا التدرج الفني الذي تطلب الكثير من الوقت والجهد، بما يجمع العديد من القصص عن شرارة الفن الأول.
يتزامن المعرض مع ذكرى يوم التأسيس السعودي، الذي يصادف 22 فبراير (شباط)، حيث تعود الذاكرة إلى الأجداد والأسلاف الأوائل الذين أسسوا هذه الدولة العظيمة، باعتباره يوم يحتفل به جميع السعوديين، إلا أن الفنانين احتفلوا به على طريقتهم الخاصة، في تناول فكرة: من أين يبدأ المرء؟ وما الذي يمكن له أن يحققه من خلال المثابرة والثبات والتعبير؟

- فنانات مخضرمات
القيم الفني للمعرض دانة قباني توضح لـ«الشرق الأوسط» أن «البداية» هو معرض فني يظهر أعمال فنانين بارزين في المراحل الأولى من حياتهم المهنية، إلى جانب أعمالهم الحديثة، مما يوضح تطورهم على مر السنين، مضيفة «طلبنا من كل فنان أن يعطينا آخر عمل له وأول عمل بدأ به، سواء منذ الطفولة أو أثناء الدراسة وبعضهم بعد أن استقر مهنياً وأسرياً قرر التوجه إلى الفن».
وتأخذ قباني «الشرق الأوسط» في جولة بين أعمال المعرض، حيث تشير إلى عمل للفنانة السعودية عواطف آل صفون، قائلة «الرسمة القديمة تعود لعام 1992، وعواطف هي من الفنانين المخضرمين، وتمتاز بإتقانها لفن الباتيك، وهو فن إندونيسي يتضمن الطباعة على الأقمشة الطبيعية، ولكون المعرض يتزامن مع الاحتفال بذكرى التأسيس؛ استعملت الفنانة تربة من بلدتها في محافظة القطيف (شرق السعودية)».
تنتقل قباني إلى عمل التشكيلية السعودية تغريد البقشي، مبينة أنها بدأت في الفن قبل أكثر من 20 عاما، واشتهرت لها لوحة على نطاق عالمي لكونها تناولت الاحتفال بقرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة في عام 2017. تضيف قباني «يسمى أسلوبها بالمدرسة التغريدية، حيث إن لها اتجاها فنيا مستقلا بذاته، وشاركتنا عملا رسمته في بداياتها يعود لعام 2002».

الفنانة نور هشام السيف أمام عملها

- تنوع فني
ويبدو تباين التجارب الفنية بين الفنانين المشاركين في المعرض واضحاً ومثيراً للاهتمام، حيث تكمل قباني حديثها عن الأعمال متناولة مشاركة التشكيلية السعودية نور هشام السيف، بالقول «الفنانة خلفيتها السينمائية واضحة في أعمالها، وأعتقد أنها متفردة بذلك على مستوى العالم العربي، كما أنها شاركت برسمة قديمة من بداياتها حين كانت في سن الخامسة، وأخرى من أحدث أعمالها».
يجاورها لوحة للفنانة السعودية فاطمة الحكمي، تصفها قباني بالقول «هي فنانة اشتهرت في وقت قصير نظير اجتهادها، علماً بأنها شاعرة، لكنها قررت أن تتجه إلى الفن عام 2013. وظهرت موهبتها بوضوح منذ أول اسكتش لها، ثم انطلقت في عوالم الفن التجريدي، ونجدها تستند على الشعر في كل لوحاتها».
وللتصوير أيضاً نصيب من أعمال المعرض، حيث يشارك المصور السعودي فيصل بن زرعة، وعن قصة بدايته تقول القيم الفني دانة قباني «كانت بداية متواضعة، فهو يعمل في القطاع الحكومي ويحب التصوير الليلي، وبمحض الصدفة اشتهرت له صورة بعد أن نشرتها إحدى الجرائد السعودية، ثم ازدادت شهرته بعد إعلان رؤية المملكة 2030. حيث انتشرت صورته التي التقطها للعلم السعودي على جبل طويق».
كما تشارك الفنانة الراحلة إيمان غفة، وهنا تقول قباني «كانت الفنانة تعاني من شلل كامل باستثناء يديها، وكانت موهوبة جداً برسم الإنيمي والكرتون، ثم تطورت إلى الرسم الحر والبورتريه، وأرادت المشاركة في يوم التأسيس إلا أنها تعرضت لوعكة صحية وتوفيت بعدها، مما دعاني للتواصل مع والدتها لعرض آخر أعمالها، وهو بورتريه لمؤسس المملكة العربية السعودية».
وفي المعرض أيضاً عمل بديع للفنان أحمد باوزير، وهو فنان يمني مقيم في السعودية، وأخذت أعماله انتشاراً واسعاً في السعودية، كما تفيد قباني. إلى جانب مشاركة الفنان السعودي علي الموسى المعروف باسم «إليقاتو»، وهو فنان تشير قباني إلى أنه الوحيد الذي يعد «ديجيتل ارتست» في المعرض، حيث رسم قصر المصمك التاريخي في الرياض، وجعله أشبه بحلم وردي يتخيل من خلاله السعودية الحديثة.
وفي لوحة للتشكيلية السعودية نوف السماري أسمتها «مهرجان الرمال»، توضح قباني أنها فنانة تستلهم كثيراً من فكرة السراب في الصحراء، وكأن هناك كائنات غير مرئية تظهر وتختفي، وهو ما بدا واضحاً في لوحتها التي يتسمر المتلقي أمامها طويلاً، وكلما أمعن النظر بها اكتشف أمراً جديداً لم ينتبه له في هذا العمل الذي تبلور بعد سنوات طويلة من العطاء الفني.


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
TT

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

يَندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هُوبَال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد فقط، وتحوّل سريعاً إلى «تريند» على شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال مقاطع الفيديو والأحاديث التي تتناول تفاصيل العمل الذي يجمع للمرة الثالثة بين المخرج عبد العزيز الشلاحي والكاتب مفرج المجفل.

يتحدث بطل الفيلم مشعل المطيري، لـ«الشرق الأوسط»، عن السر في ذلك قائلاً: «حين يكون الفيلم مصنوعاً بشكل جيد، فمن المتوقع أن يلقى إقبالاً كبيراً لدى الجمهور»، مشيراً إلى أن «هُوبَال» يحكي قصة إنسانية قريبة للناس، تم سردها في بيئة مغرية وسط الصحراء، مما جعل الكثيرين يتحمسون لمشاهدته.

ويتابع المطيري: «ارتباط الفيلم بالبيئة البدوية جعله جاذباً، ورغم أننا شاهدنا أعمالاً درامية وسينمائية لها علاقة بمجتمعات معينة، فإن البيئة البدوية لم يسبق أن جرى تقديمها بهذا التركيز من قبل، وهذه ميزة زادت من رغبة الناس في مشاهدة العمل». مؤكداً في الوقت نفسه أن الفيلم يناسب جميع أفراد العائلة، وهو ما لاحظه في صالات السينما، التي ضمَّت صغار وكبار السن على حد سواء.

يدور الفيلم حول العزلة في الصحراء والتحديات التي تواجه العائلة بسبب ذلك (الشرق الأوسط)

قصة الفيلم

تدور أحداث فيلم «هُوبَال» في السعودية خلال الفترة التي تلت أحداث حرب الخليج الثانية، ويتناول قصة عائلة بدوية تقرر العيش في عزلة تامة وسط الصحراء جرّاء اعتقاد «الجد ليام»، (إبراهيم الحساوي)، بقرب قيام الساعة بعد ظهور علامات تؤكد مزاعمه.

هذه العزلة تُعرضه لامتحان صعب عندما تصاب حفيدته بمرض مُعدٍ يحتِّم على الجميع عدم الاقتراب منها، الأمر الذي يدفع والدتها سرّاً (ميلا الزهراني) إلى التفكير في تحدي قوانين الجد لإنقاذ ابنتها، وهو ما يصطدم بمعارضة شديدة من زوجها «شنار»، (مشعل المطيري).

سينما الصحراء

ورغم أن العائلة انزوت في الصحراء هرباً من المدينة، فإن مشعل المطيري لا يرى أن «هُوبَال» يأتي ضمن تصنيف سينما الصحراء بالمفهوم الدارج، بل يشير إلى أن له تصنيفاً مختلفاً، خصوصاً أن العمل يتناول فترة التسعينات من القرن الماضي، عن ذلك يقول: «هي فكرة ذكية في توظيف الصحراء في فترة زمنية قريبة نسبياً، كما أن شخصيات الفيلم لم تنقطع تماماً عن المدينة، بل كان بعضهم يرتادها للبيع والشراء، فحياتهم كانت مرتبطة بالمدينة بشكل أو بآخر».

ويشير المطيري هنا إلى أن الصحراء كانت اختياراً في القصة وليست واقعاً محل التسليم التام، مضيفاً أن «المخرج تعامل مع البيئة الصحراوية بدقة كبيرة، من حيث تفاصيل الحياة التي رآها المُشاهد في الفيلم». ويؤمن المطيري بأنه ما زال هناك كثير من الحكايات المستلهَمة من عمق الصحراء وتنتظر المعالجة السينمائية.

مشعل المطيري في دور «شنار» بالفيلم (الشرق الأوسط)

«شنّار بن ليام»

يصف المطيري شخصية «شنار بن ليام» التي لعب دورها بأنه «شخص سلبي، ومخيف أحياناً، كما أنه جبان، وبراغماتي، وواقعي إلى حد كبير مقارنةً ببقية أهله، حيث لم يستطع معارضة والده، وكانت لديه فرصة لعيش الحياة التي يريدها بشكل آخر، كما أنه حاول الاستفادة من الظروف التي حوله». ويرى المطيري أنها من أكثر الشخصيات وضوحاً في النص، ولم تكن شريرة بالمعنى التقليدي لمفهوم الشر في السينما.

ويمثل «هُوبَال» بدايةً قوية للسينما السعودية في مطلع 2025، وهنا يصف المطيري المشهد السينمائي المحلي بالقول: «هناك تطور رائع نعيشه عاماً تلوم آخر، وكل تجربة تأتي أقوى وأفضل مما سبقها، كما أننا موعودون بأعمال قادمة، وننتظر عرض أفلام جرى الانتهاء من تصويرها مؤخراً». ويختم حديثه بالقول: «كل فيلم جيد يسهم في رفع ثقة الجمهور بالسينما المحليّة، وتباين مستوى الأفلام أمر طبيعي، لكن الأهم ألا يفقد الجمهور ثقته بالأفلام السعودية».

تجدر الإشارة إلى أن فيلم «هُوبَال» حقَّق أداءً مميزاً في شِبّاك التذاكر في أول 3 أيام من عرضه، وتجاوزت مبيعات التذاكر 30 ألف تذكرة بإيرادات تُقدّر بأكثر 1.5 مليون ريال سعودي.