3 قرارات حوثية تثير استغرابًا بين المحللين واستياءً وسط السكان

انتقادات لـ«اللجنة الثورية» بعد قرارها تحرير أسعار الوقود وإنشاء ميناء نفطي ومحطة للكهرباء

يمني يطالع صحيفة أمام متجره بصنعاء أمس (إ.ب.أ)
يمني يطالع صحيفة أمام متجره بصنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

3 قرارات حوثية تثير استغرابًا بين المحللين واستياءً وسط السكان

يمني يطالع صحيفة أمام متجره بصنعاء أمس (إ.ب.أ)
يمني يطالع صحيفة أمام متجره بصنعاء أمس (إ.ب.أ)

أصدرت «اللجنة الثورية العليا» الحوثية، خلال اجتماعها الأخير، قرارات تتعلق بتعويم أسعار النفط وإنشاء ميناء نفطي ومحطة للكهرباء. وأثارت القرارات الثلاثة التي سيعمل بها ابتداء من منتصف الشهر المقبل استهجانا محليا ودوليا، لأن هذه القرارات صادرة عن لجنة غير معترف بها دوليا وتمثل سلطة انقلاب على الشرعية.
ونصت قرارات اللجنة التي يرأسها محمد الحوثي على تعويم أسعار المشتقات النفطية وربط أسعار البيع بسعر البورصة العالمية وفقا لمتوسط سعر الشراء خلال الشهر السابق، والإغلاق المؤقت لرسوم الجمارك والضرائب وصندوق الطرق إضافة لصندوق التشجيع، من سعر بيع المشتقات النفطية. وبحسب المواد الثالثة والرابعة والخامسة من نص القرارات، «تجري إضافة مبلغ خمسة ريالات يمنية للتر الواحد من مادتي البنزين والديزل لتمويل إنشاء محطة كهرباء»، و«يورد المبلغ لحساب المشروع في البنك المركزي اليمني، وأن يضاف لصالح إنشاء ميناء نفطي ولمدة أربعة وعشرين شهرا مبالغ مالية على كل لتر من مواد الكيروسين والبنزين والديزل، وأن تورد المبالغ إلى حساب المشروع في البنك المركزي ولا يجوز الصرف منه إلا لأغراض تمويل المشروع».
وتحدد في القرارات عمولات بيع المشتقات النفطية، وجاءت عمولة المناولة والتداول لشركة النفط أربعة ريالات عن اللتر الواحد من مادة الديزل وثلاثة ريالات يمنية عن اللتر الواحد من مادة البنزين، وعمولة المحطات خمسة ريالات يمنية في اللتر الواحد على مادتي الديزل والبنزين.
وسمح رئيس اللجنة الثورية العليا محمد الحوثي: «للقطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية وفقا لضوابط معينة، كما كلف شركة النفط باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ القرار». وأصدر في بيانين لاحقين قرارات بإنشاء محطة للكهرباء بقدرة ألف ميغاوات في المرحلة الأولى قابلة للتوسع إلى ألفي ميغاوات في المرحلة الثانية، تتولى وزارة الكهرباء خلال مدة أقصاها ثلاثون يومًا اتخاذ الإجراءات والترتيبات اللازمة كافة للشروع في تنفيذ المحطة، وإنشاء ميناء نفطي في منطقة الصليف بالحديدة بطاقة استيعابية قدرها خمسمائة ألف طن في المرحلة الأولى قابلة للزيادة إلى ألف طن في المرحلة الثانية، وتتولى شركة النفط بالتنسيق مع الوزارة اتخاذ الإجراءات والترتيبات اللازمة كافة للشروع في تنفيذ الميناء.
وتعليقا على هذه القرارات، قال المحلل السياسي الدكتور قاسم المحبشي لـ«الشرق الأوسط» إن محمد الحوثي يفتقد الشرعية السياسية السيادية التي تخوله إصدار أي قرارات تتعلق بالسلطات الثلاث في اليمن (التشريعية والقضائية والتنفيذية). ولفت إلى أن القرارات الصادرة عن رئيس اللجنة الثورية العليا «تتعلق بتغيرات طائفية في كوادر السلطات التنفيذية الإدارية والعسكرية والاقتصادية والأمنية والتربوية والمالية والثقافية والإعلامية، وإن القرارات الثلاثة الأخيرة تتعلق بالثروة النفطية اليمنية لجعلها حوثية خالصة وتحت سيطرة ما يسمى باللجنة الثورية الحوثية».
وانتقد المحبشي قرارات محمد الحوثي قائلا إنه يريد «تعويم أسعار النفط وتوريده وتصفيته وجبايته في ميناء الحديدة القريب من بيته في صعدة الجبلية». ورأى أن الحوثي «كشف بهذه القرارات عن وجهه الحقيقي وغاياته من الحركة الانقلابية، وحلم السيطرة على السلطة في اليمن، بعد عام من هذه الحرب الهمجية الشاملة، إذ أسال سلاحه الإيراني أنهارا من دماء اليمنيين بهدف الحصول على النفط، والنفط وحده هو الهدف والغاية، الذي هو بعيد المنال ومستحيل التحقيق في الواقع». وتساءل الدكتور قاسم المحبشي، وهو أيضا أكاديمي بجامعة عدن، عن كيفية تنفيذ هذه القرارات في ظل المعركة الحالية، مشيرًا إلى أن «القرار الوحيد الذي يمكن أن تكون له قيمة ويمكن للحوثي إصداره اليوم هو الاستجابة الكاملة للهدنة الإنسانية، وإيقاف ميليشياته عن الاستمرار في ارتكاب الجرائم المروعة من قتل وتدمير بحق اليمنيين». ورأى أن «قرارات الحوثي الأخيرة جاءت لتفضح الحالة الهستيرية التي بلغها بعد أربعة أشهر من الحرب والدمار وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ميليشياته ضد اليمنيين، فإذا كان الحوثي قد فعل كل هذه الجرائم قبل أن يمتلك النفط فيكف سيكون الحال لو أنه امتلك بعض الموارد النفطية؟ إنه بذلك يعلن للعالم أن مشروعه بلغ الرمق الأخير وهذه قرارات ما قبل السقوط والانهيار التام».
بدوره، قال مصطفى نصر، رئيس «مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي» اليمني، لـ«الشرق الأوسط» إن قرارات اللجنة الثورية «جاءت ارتجالية ودون دراسة دقيقة، أعتقد أنها جاءت تحت ضغط الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها البلد بعد سيطرة جماعة الحوثي علي مؤسسات الدولة بالقوة وصعوبة إمكانية الشراء للمشتقات النفطية من الخارج بسبب ضعف السيولة من العملة الصعبة». ورأى أنه «من غير الواضح طبيعة الآليات التي ستتبعها جماعة الحوثي في تنفيذ هذا القرار الذي يستلزم شفافية كبيرة وإلغاء لكل الضرائب والإتاوات التي قد تجعل أسعار البنزين والديزل تزيد بنسبة 50 في المائة عن السعر الرسمي الحالي. كما أنه من غير الواضح كيف تم احتساب الرسوم الإضافية التي تضمنتها قرارات لجنة الحوثي الأخيرة، وأعتقد أن قرار الحوثي جاء كرد على بدء تدفق المشتقات النفطية إلى عدن وبالتالي التخفيف من السوق السوداء التي باتت تشكل حرج كبير لجماعة الحوثي». وأوضح رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن «إضافة إتاوات على السعر العالمي للمشتقات النفطية تحت مسميات عدة سيشكل عبئا كبيرا على المواطنين، كما أنه يفتح المجال للقطاع الخاص للاستيراد دون معايير وإجراءات شفافة مما يخلق مجالا خصبا للفساد وسوق سوداء أكثر ضررا على المواطنين».
من جهته أشار الدكتور محمد فرحان، أستاذ مساعد العلوم المالية والمصرفية بجامعة صنعاء، إلى أنه كان من الأفضل صدور قرار تعويم المشتقات النفطية «بعد دراسة من قبل كل الجهات ذات العلاقة»، حتى «تنشأ منافسة حقيقة ويفتح باب الاستيراد أمام كل التجار وليس أمام تاجر معين بقصد الاحتكار».
ولقيت قرارات الحوثي صدى لدى المواطن اليمني. وقال عبد اللطيف القدسي، وهو موظف حكومي، لـ«الشرق الأوسط» إن «قرارات جماعة الحوثي تبين مدى الإفلاس الحقيقي، وهي محاولة من الجماعة المسلحة لتعويض خسائرها الفادحة في الميدان، وإظهار نفسها أنها لا تزال تحكم البلاد من خلال إصدار مثل هذه القرارات».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.