فرنسا إلى إعادة التموضع في الغرب الأفريقي

تستعد لدعم كوت ديفوار بعد «الخروج» من بوركينا فاسو

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل رئيس النيجر محمد بازوم في باريس في فبراير 2022 (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل رئيس النيجر محمد بازوم في باريس في فبراير 2022 (رويترز)
TT

فرنسا إلى إعادة التموضع في الغرب الأفريقي

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل رئيس النيجر محمد بازوم في باريس في فبراير 2022 (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل رئيس النيجر محمد بازوم في باريس في فبراير 2022 (رويترز)

بعد الإعلان عن «خروج» قواتها من بوركينا فاسو ومالي، تبحث فرنسا عن شراكة أقوى في منطقة غرب أفريقيا، في إطار قد يأتي ضمن استراتيجية جديدة لإعادة التموضع في المنطقة، التي استعمرت العديد من بلدانها على مدى العقود الماضية.
فبعد يوم من إعلان بوركينا فاسو انتهاء عمليات القوات الفرنسية على أراضيها، تعهد وزير الدفاع الفرنسي (الاثنين)، بتعزيز الدعم العسكري لكوت ديفوار. وخلال زيارة رسمية للعاصمة التجارية الإيفوارية أبيدجان، رفض الوزير الفرنسي سيباستيان ليكورنو التعليق على قرار بوركينا فاسو، لكنه أعاد «التأكيد على التزام فرنسا بالتعامل مع القضايا الأمنية في غرب أفريقيا». وقال مسؤول في وزارة الدفاع الفرنسية سافر مع ليكورنو إن «جيش كوت ديفوار في وضع جيد ليصبح لاعبا رئيسيا في القتال الإقليمي ضد المتمردين». وأشاد المسؤول أيضا باستثمارات بنين «الرائعة» في بناء قواتها المسلحة، وفقاً لما أوردته «رويترز».
وكانت حكومة بوركينا فاسو أمهلت القوات الفرنسية في يناير (كانون الثاني) الماضي شهرا لمغادرة البلاد. وعلى إثر القرار من المقرر أن يغادر 400 جندي فرنسي من البلاد، ليلحقوا بأكثر من 2400 من زملائهم الذين خرجوا من مالي المجاورة في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وسط تصاعد مستمر في المشاعر المعادية للوجود الفرنسي في أفريقيا، مقابل تنام لنفوذ روسيا التي تتهمها فرنسا بأنها تشن حملة عدائية ضدها.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، «إطلاق مشاورات مع الشركاء الأفارقة والمنظمات الإقليمية لتطوير وضع وشكل ومهمات القواعد العسكرية الفرنسية الحالية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا».
وتسعى باريس إلى إعادة نشر جزئي أو كلي لوجودها العسكري السابق في مالي وبوركينا فاسو في بلدان أخرى في الساحل ومنها النيجر وتشاد وبنين. وفي أغسطس (آب) العام الماضي، قالت باريس إنها تسعى إلى «إعادة ابتكار» جهاز عسكري وأمني فرنسي، خصوصا في منطقة الساحل. واشترط الرئيس الفرنسي على الدول الأفريقية الراغبة في تلقي دعم بلاده عسكريا ودبلوماسيا وأمنيا، تقديم «طلب جلي وصريح».
واستقبلت النيجر 1500 جندي فرنسي غادروا جارتها مالي العام الماضي، وأعلنت ترحيبها باستقبال مئات الجنود الفرنسيين بعد أن يغادروا جارتها الأخرى بوركينا فاسو. وبهذا يصل عدد القوات الفرنسية في النيجر إلى عدة آلاف، لديهم قاعدة عسكرية مهمة في العاصمة نيامي، إلا أن الرهان الفرنسي على النيجر أمامه تحديات كبيرة، من أبرزها نقمة الشارع على القوى الاستعمارية السابقة، إذ كثيراً ما تخرج مظاهرات في النيجر مناهضة للوجود العسكري الفرنسي في البلاد، وهي مظاهرات شبيهة بتلك التي خرجت في مالي وبوركينا فاسو، وأسفرت في النهاية عن طرد الفرنسيين في البلدين.
وفي يوليو (حزيران) الماضي، وخلال زيارة تعهد فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدعم جهود بنين في مكافحة الإرهاب عبر تقديم معدات عسكرية، أعلن الرئيس البينيني توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية جديدة مع باريس للفترة بين عامي 2022 و2026، قال إنها سترتقي بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد، كما يتمركز ما بين 700 و1000 جندي فرنسي في تشاد.
ويرى محمد الأمين ولد الداه الخبير في شؤون الساحل الأفريقي، أن «التحركات الفرنسية في كوت ديفوار والنيجر وغيرها لا تعكس تفكيراً فرنسياً مغايراً يخاطب المستقبل، بقدر ما هي محاولة للحفاظ على مصالح أمنية وعسكرية وربما اقتصادية مباشرة ومؤقتة».
وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «منطقة الساحل وغرب أفريقيا تشهد غضباً شعبياً متنامياً ضد الوجود الفرنسي، وعلى باريس التعامل الجاد مع أسباب وجذور هذا الغضب الشعبي». واستطرد: «ربما تبدو العلاقات الرسمية بين فرنسا وساحل العاج والنيجر أو غيرها من الدول على ما يرام، لكن هذا لا يعكس بالضرورة رضا شعوب تلك الدول عن سياسات فرنسا هناك، خاصة في ظل حالة تنامي الوعي لدى الشعوب ودخول قوى أخرى مثل الصين وروسيا في مضمار كسب العقول والقلوب في أفريقيا».
وأضاف ولد الداه: «ما لم تراجع فرنسا سياساتها في القارة القائمة على الوصاية وفرض الإرادة لتحقيق مصالح ضيقة دون النظر إلى احتياجات الشعوب فلن يحدث إعادة انتشار لقواتها في بلاد أخرى بأي فارق على المدى الطويل، وقد يتكرر ما حدث في مالي وبوركينا فاسو في بلاد أخرى».
وبالرغم من الوجود الغربي، اتسعت رقعة الأنشطة الإرهابية في دول غرب أفريقيا بشكل غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة، ما أدى إلى مقتل وتشريد عشرات الآلاف. ووفقا لتقديرات مؤشر الإرهاب للعام 2022؛ الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، زاد عدد الهجمات الإرهابية المنفذة في المنطقة بمعدل 55 بالمائة، وارتفعت حصة المنطقة من مجمل وفيات العالم الناجمة عن عمليات إرهابية من 1 في المائة في 2007 إلى 35 في المائة.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

عدد النازحين داخلياً في أفريقيا ازداد 3 مرات خلال 15 عاماً

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)
TT

عدد النازحين داخلياً في أفريقيا ازداد 3 مرات خلال 15 عاماً

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)

أدت النزاعات وأعمال العنف والكوارث الطبيعية في أفريقيا إلى زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين أجبروا على مغادرة منازلهم، ووصل عدد النازحين داخلياً إلى 35 مليوناً بنهاية العام الماضي، وفق «مركز رصد النزوح الداخلي».

وقالت مديرة المركز، ألكسندرا بيلاك، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن النازحين داخلياً الأفارقة يمثلون وحدهم نحو نصف عدد الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من منازلهم في كل أنحاء العالم للعثور على ملاذ في مكان آخر ببلادهم.

وأضافت: «لقد شهدنا ارتفاع عدد النازحين داخلياً في القارة الأفريقية 3 مرات خلال الـ15 عاماً الماضية»، مضيفة أن «معظم حالات النزوح الداخلي هذه ناجمة عن النزاعات وأعمال العنف والكوارث الطبيعية».

ويظهر تقرير صادر عن «مركز رصد النزوح الداخلي» أن «المستويات المتصاعدة من الصراعات والعنف مسؤولة عن النزوح الداخلي لنحو 32.5 مليون شخص في أفريقيا. وقد نزح 80 في المائة منهم في 5 بلدان هي: جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا ونيجيريا والصومال والسودان».

وأشار المركز إلى أن «اتفاقية الاتحاد الأفريقي لحماية ومساعدة النازحين داخلياً في أفريقيا (اتفاق كمبالا)» أداة مهمة لمعالجة المشكلة.

ووضع هذا الاتفاق، الذي اعتُمد في عام 2009 ودخل حيز التنفيذ خلال ديسمبر (كانون الأول) 2012، معياراً دولياً بوصفه الاتفاق الإقليمي الأول والوحيد الملزم قانوناً بشأن النزوح الداخلي.

ومذاك، صادقت 24 دولة أفريقية على الاتفاق، ووضع كثير منها أطراً قانونية وقدمت استثمارات كبيرة لمعالجة المشكلة. لكن الحكومات تجد صعوبة في التعامل معها.

وعدّت بيلاك أن «مفتاح المشكلة» يكمن في «فعل المزيد بشأن بناء السلام والدبلوماسية وتحويل الصراعات».