دلالات زيارة الرئيس الأميركي إلى كييف

زيلينسكي لدى استقباله بايدن في القصر الرئاسي بكييف أمس (أ.ف.ب)
زيلينسكي لدى استقباله بايدن في القصر الرئاسي بكييف أمس (أ.ف.ب)
TT

دلالات زيارة الرئيس الأميركي إلى كييف

زيلينسكي لدى استقباله بايدن في القصر الرئاسي بكييف أمس (أ.ف.ب)
زيلينسكي لدى استقباله بايدن في القصر الرئاسي بكييف أمس (أ.ف.ب)

إذا قرأنا التاريخ الأميركي الحديث لاستنتجنا ما يلي: عندما تتحرّك أميركا يتغيّر العالم. ويعود سبب هذا الأمر إلى الثقل الأميركي في كلّ الأبعاد، خصوصاً الاقتصادي والعسكريّ. هذا بالإضافة إلى الانتشار الأميركي المُمأسس حول العالم عبر قواعد عسكريّة يتجاوز عددها الـ750 قاعدة ووجوداً. في الحرب العالمية الأولى تدخّلت أميركا فغيّرت أوروبا بعد مؤتمر فرساي، وتأسست عصبة الأمم. في الحرب العالمية الثانية تدخّلت بعد بيرل هاربور، وأنهت الحرب عبر النووي ضدّ اليابان، وإنزال النورماندي في أوروبا. وأسّست بعدها لنظام عالميّ، ولمؤسّسات دوليّة أهمّها الأمم المتحدة، بالإضافة إلى المؤسسات التي نتجت عن اتفاقيّة «بروتون وودز». بعد 11 سبتمبر 2001، أعلن الرئيس بوش الابن الحرب على الإرهاب. هذا مع العلم أن الإرهاب هو تكتيك وليس عدواً، فكيف تُعلن الحرب على تكتيك؟ وبذلك، غيّرت أميركا العالم خصوصاً منطقة الشرق الأوسط.
في 24 فبراير (شباط) 2022 غزا الرئيس بوتين أوكرانيا، فتدخّلت أميركا، لجمع الحلفاء ومنع بوتين من السيطرة على أوكرانيا، وبالتالي تهديد دول الناتو في أوروبا. فهل يُستنتج من هذا السلوك الأميركي نمط معيّن، أو مُسلّمات جيوسياسيّة أميركيّة؟ بالطبع نعم، فما هي؟
تطلّ أميركا على محيطين أساسيّين هما الأطلسي والهادئ (2 - Ocean Country). وهي تؤثّر في الشرق الآسيوي، كما الغرب الأطلسي. وإذا كانت تؤثّر فيهما، فهي تتأثر بهما أيضاً. من هنا القول إن أميركا تهدف دائماً إلى منع قيام قوّة واحدة مهيمنة على الشرق، كما على الغرب. تدخّلت لضرب اليابان، كما تدخّلت لهزيمة هتلر.
وها هي اليوم تتدخّل في الغرب لمنع بوتين من النصر، وليس لهزيمته. تريد إضعاف واستنزاف روسيا، لكن دون إذلالها. تريد أميركا تطبيق المعادلة التالية: «ستربح أوكرانيا إذا لم تخسر، وسيكون بوتين خاسراً إذا لم يربح». أما في الشرق الآسيويّ، فأميركا أيضاً تُعدّ العدّة للصراع مع القوة التي تريد الهيمنة على آسيا - الصين.
لا ضرورة للحديث عن استمرار تدفّق السلاح الغربي إلى أوكرانيا، أو عن عدمه. فالمسألة أصبحت شخصيّة بين الرئيسين بايدن وبوتين. فالزيارة بحدّ ذاتها، تعد المفتاح السحري لباب الترسانة العسكريّة الغربيّة أمام أوكرانيا.
أن يُصرّح الرئيس بايدن من البيت الأبيض باستمرار تدفّق المساعدات العسكريّة لأوكرانيا، هو شيء عادي وطبيعي في ظلّ الظروف الحاليّة. لكن أن يكون التصريح من العاصمة كييف هو شيء مختلف. فكييف لا تبعد عن موسكو أكثر من 850 كلم. أما واشنطن، فهي تبعد عن موسكو نحو 7800 كلم. فهل أراد الرئيس بايدن أن يهمس مباشرةً بأُذن الرئيس بوتين؟ وهل هذه الزيارة هي ردّ على زيارة زيلينسكي لواشنطن في ديسمبر (كانون الأول) الماضيّ؟
أن يعلن وزير الدفاع الأميركي من ألمانيا استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا هو شيء، وأن يعلنه الرئيس بايدن من كييف هو شيء آخر ومختلف.
أن يزور الرئيس بايدن العاصمة كييف في هذا التوقيت، إنما يدلّ على الأمور التالية:
> تلازم توقيت الزيارة مع التحضيرات من كلّ الأفرقاء للمعركة الفاصلة، إنما يعني أن الهزيمة لأوكرانيا ممنوعة، لأنها ستكون هزيمة مباشرة للرئيس بايدن الذي حسبما يُقال إنه يحضّر لترشيح نفسه لفترة جديدة.
> قد تعكس هذه الزيارة حجم التوافق الأميركي الداخلي في الكونغرس فيما خصّ الحرب الأوكرانيّة. ألم يُصرّح مؤخراً زعيم الأقليّة الجمهوريّة في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش ماكونيل بدعم الأغلبيّة في حزبه لأوكرانيا ضد روسيا؟ هذا مع العلم أن قرار صرف المال للإدارة الأميركيّة بشكل عام هو عادة بيد الكونغرس.
> وإذا كان الأمر كذلك، فهل هي رسالة ردعيّة للرئيس بوتين، على أن كلّ أميركا تقف وراء أوكرانيا؟
> وإذا كانت الزيارة هي الرسالة المباشرة للرئيس بوتين، فكيف يمكن ضرب مشروعه في أوكرانيا؟ وهل يمكن للرئيس بوتين التراجع حاليّاً؟ بالطبع كلّا، فلا مكان للضعفاء في الكرملين.
> يأخذنا هذا الأمر إلى تسريع عمليّة تسليم العتاد الموعود لأوكرانيا. إلى تسريع عمليّة التدريب على هذا السلاح، ومن ضمنها التدريب على القتال المشترك للأسلحة (Combined).
> قد تعني هذه الزيارة أن الإدارة الأميركيّة قد تعيد التفكير في رفع الحظر عن تسليم أوكرانيا بعض الأسلحة التي عدّتها واشنطن من ضمن الخطوط الحمر؟ فهل سنرى الصواريخ بعيدة المدى قريباً؟ وهل سنشهد تسليم أوكرانيا الطائرات الغربيّة المقاتلة؟
> لكنّ التحليل وكي يكون شاملاً وكاملاً، لا بد من أن يطرح السؤال التالي: هل أتى الرئيس بايدن فقط من أجل المعركة القادمة، أم من أجل التنسيق مع الرئيس الأوكراني حول المرحلة المقبلة، سواء كانت عسكريّة أم دبلوماسيّة؟ إذ لا بد أن تكون للرئيس بايدن خريطة طريق سياسيّة تربط نتائج أرض المعركة بالهدف السياسي لإدارته.
> وأخيراً وليس آخراً، سيجتمع الرئيس بايدن بقيادات دول أوروبا الشرقيّة. فهل انتقل مركز الثقل الأوروبي من الغرب إلى الشرق بسبب الحرب الأوكرانيّة؟


مقالات ذات صلة

روسيا وأوكرانيا تتبادلان الاتهامات بشن هجمات جوية على مناطق حدودية

أوروبا عناصر الإطفاء الأوكرانيون يعملون على إخماد حريق شب بمنطقة سومي نتيجة قصف روسي في 30 أغسطس (رويترز)

روسيا وأوكرانيا تتبادلان الاتهامات بشن هجمات جوية على مناطق حدودية

أعلنت السلطات الأوكرانية، صباح الأحد، أن ضربة جوية روسية أسفرت عن سقوط قتيلين وعدد من الجرحى في مدينة سومي بشمال شرقي أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف - موسكو)
أوروبا رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تلتقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

قوات موسكو تتقدّم في الشرق... وكييف تقصف مستودع ذخيرة

تواصل موسكو تقدمها في دونيتسك الواقعة في شرق أوكرانيا، في حين قوات كييف تقصف مستودع ذخيرة روسياً.

«الشرق الأوسط» (كييف) «الشرق الأوسط» (روما)
أوروبا أفراد الخدمة الأوكرانية يستخدمون كشافات ضوئية أثناء بحثهم عن طائرات من دون طيار في السماء فوق وسط المدينة أثناء غارة روسية بطائرة من دون طيار (رويترز)

أوكرانيا «قلقة» بعد تقارير عن نقل صواريخ باليستية إيرانية إلى روسيا

قالت وزارة الخارجية الأوكرانية اليوم (السبت) إنها تشعر بالقلق العميق بعد تقارير إعلامية عن احتمال نقل صواريخ باليستية إيرانية إلى روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجل يتجول في سوق محلية بعد قصف في دونيتسك (رويترز)

الجيش الروسي يعلن سيطرته على بلدة في شرق أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت) سيطرته على بلدة في شرق أوكرانيا حيث يواصل تقدمه في مواجهته مع القوات الأوكرانية التي يفوقها عددا وتعاني من نقص في العتاد.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تصافح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب) play-circle 00:46

زيلينسكي بحث مع ميلوني خطة السلام وإعادة إعمار أوكرانيا

التقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، اليوم (السبت)، في تشيرنوبيو بشمال إيطاليا، وفق ما ذكرت الحكومة الإيطالية.

«الشرق الأوسط» (روما)

«الصحة العالمية» تحذر من ارتفاع حاد في حالات الكوليرا خلال 2023

رجل يطهّر مركز عزل ريفياً حيث يُعالج المرضى من الكوليرا في ود الحليو بولاية كسلا في شرق السودان (أ.ف.ب)
رجل يطهّر مركز عزل ريفياً حيث يُعالج المرضى من الكوليرا في ود الحليو بولاية كسلا في شرق السودان (أ.ف.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذر من ارتفاع حاد في حالات الكوليرا خلال 2023

رجل يطهّر مركز عزل ريفياً حيث يُعالج المرضى من الكوليرا في ود الحليو بولاية كسلا في شرق السودان (أ.ف.ب)
رجل يطهّر مركز عزل ريفياً حيث يُعالج المرضى من الكوليرا في ود الحليو بولاية كسلا في شرق السودان (أ.ف.ب)

حذرت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، من ارتفاع حاد عام 2023 في عدد حالات الإصابة بالكوليرا والوفيات الناجمة عنها، وشدد رئيسها على أنه مع ذلك «مرض يمكن تجنّبه، وتسهل معالجته».

وأظهرت أحدث إحصاءات الكوليرا العالمية أن عدد حالات الكوليرا المسجلة ارتفع سنة 2023 بنسبة 13 في المائة عما كان عليه عام 2022، ووصل إلى 535 ألفاً و321 حالة، في حين شهدت الوفيات زيادة بنسبة 71 في المائة.

ولاحظ المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غبرييسوس، خلال مؤتمر صحافي، أن «الكوليرا قتلت أكثر من أربعة آلاف شخص في عام واحد»، مع أنها «مرض يمكن تجنّبه، وتسهل معالجته».

وقال رئيس فريق منظمة الصحة العالمية المعني بالكوليرا وأمراض الإسهال الوبائية فيليب باربوزا، إن من المرجح أن يكون عدد الحالات والوفيات «أقل مما هو في الواقع»، مشيراً إلى ثغر في التشخيص نظراً إلى التفاوت الكبير في القدرات بين البلدان.

وأوضح بيان للمنظمة أن النزاعات والتغير المناخي وعدم كفاية مياه الشرب والصرف الصحي والفقر والتخلّف ونزوح السكان، بسبب الصراعات الناشئة والمتجددة والكوارث الطبيعية؛ أسهمت في زيادة أوبئة الكوليرا عام 2023.

وأبرزت المنظمة أن التوزيع الجغرافي للكوليرا «تغيّر بشكل كبير» من عام 2022 إلى 2023؛ إذ إن عدد الحالات المبلّغ عنها في الشرق الأوسط وآسيا انخفض بنسبة 32 في المائة، لكنه زاد بنسبة 125 في المائة في أفريقيا.

وأشار غبرييسوس إلى أن الخطر العالمي للإصابة بالكوليرا سيبقى «مرتفعاً جداً» في 2024؛ إذ أبلغت «22 دولة حالياً عن ظهور أوبئة نشطة». ومنذ بداية العام، أُبلغ عن أكثر من 342 ألف حالة إصابة، و2400 حالة وفاة.

وإزاء هذا الواقع، جدّد رئيس منظمة الصحة العالمية دعوته إلى زيادة إنتاج اللقاح.

وأفاد بأن «نحو 36 مليون جرعة أُنتجت في العام المنصرم، أي نصف الكمية التي طلبتها 14 دولة متأثرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022».

كما ذكّر بأن التطعيم «أداة مهمة»، مشدداً على أن «مياه الشرب والصرف الصحي والنظافة الصحية هي الحلول الوحيدة المستدامة والطويلة الأمد».

وتُعد الكوليرا عدوى إسهالية حادة تنتج عن تناول طعام أو ماء ملوث ببكتيريا ضمة الكوليرا. ويسبب المرض الإسهال والجفاف الشديد الذي قد يؤدي إلى الوفاة خلال ساعات قليلة.

عاجل هيئة الإسعاف الإسرائيلية: إصابة شخصين بجروح خطيرة في هجوم بالقرب من معبر اللنبي مع الأردن