تعهَّد الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال زيارة مفاجئة استمرت أكثر من خمس ساعات (الاثنين)، لكييف بأن الولايات المتحدة ستواصل «التزامها الثابت» دعم أوكرانيا بعد نحو عام من الغزو الروسي لأراضيها، واعداً مضيفه الرئيس فولوديمير زيلينسكي بالمزيد من المساعدات الأميركية والغربية لمواجهة الحرب «الوحشية والظالمة» التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها الرئيس الأميركي أوكرانيا منذ بدء الحرب في 24 فبراير (شباط) من العام الماضي، ولكنها الثامنة لبايدن إلى هذا البلد. ورغم أن هذه الزيارة لم تعلن مسبقاً لأسباب تتعلق بالإجراءات الأمنية، فهي حصلت في توقيت حاسم يحاول فيه بايدن إبقاء الحلفاء موحّدين في دعمهم لأوكرانيا في ظل توقعات بأن تشتد الحرب ضراوةً مع هجمات الربيع. وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان إن واشنطن أبلغت موسكو بها قبل ساعات من حصولها.
وغادر بايدن فجر الأحد واشنطن بصمت وسرّيّة في رحلة مقررة إلى وارسو، ثم توجه إلى الحدود البولندية - الأوكرانية حيث استقل القطار لمدة عشر ساعات ليصل إلى كييف صباح الاثنين. وفور وصوله، استقبله زيلينسكي أمام قصر مارينسكي. وبينما تذوق طعم الرعب الذي يعيشه الأوكرانيون منذ نحو عام، دوّت صفارات الإنذار من الغارات الجوية، فيما كان الرئيسان يتفقدان كاتدرائية سانت مايكل ذات القبة الذهبية، من دون أن يبدو عليهما القلق. ووضعا أكاليل الزهور عند الجدار التذكاري والتكريمي للجنود الأوكرانيين الذين قضوا منذ عام 2014، حين ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وبدأ القتال المدعوم من روسيا في شرق أوكرانيا. وأمضى بايدن أكثر من خمس ساعات في العاصمة الأوكرانية، حيث تشاور مع نظيره الأوكراني بشأن الخطوات التالية، واجتمع مع موظفي السفارة الأميركية، بالإضافة إلى جولته في كييف.
* دعم ثابت
وتوصف زيارة بايدن بأنها بمثابة توبيخ حازم للرئيس الروسي، الذي كان يأمل أن يجتاح جيشه كييف بسرعة في غضون أيام.
وخلال اجتماعهما في قصر مارينسكي، تحدث بايدن عن صمود المقاومة الأوكرانية، مذكّراً بكيف كان المجتمع الدولي يخشى في البداية أن تسقط كييف في مواجهة الغزو الروسي. وقال: «بعد عام، تصمد كييف». وإذ أشار إلى المنصة التي يحيط بها العَلَمان الأميركي والأوكراني، أضاف أن «أوكرانيا تصمد. الديمقراطية تصمد. الأميركيون يقفون معكم، والعالم يقف معكم». وأعلن مساعدة إضافية بقيمة نصف مليار دولار لأوكرانيا تضاف إلى نحو 50 مليار دولار قدمتها الولايات المتحدة حتى الآن، مؤكداً أن المزيد من التفاصيل سيُكشف في الأيام المقبلة، لكنّ الحزمة ستشمل أيضاً المزيد من المعدات العسكرية مثل ذخيرة المدفعية وصواريخ «جافلين» ومدافع «الهاوتزر». ووعد بـ«دعم ثابت» لأوكرانيا وسيادتها واستقلال أراضيها، قائلاً: «اعتقد أنه من الأهمية بمكان ألا يكون هناك أي شك، على الإطلاق، بشأن دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا في الحرب». وأشار أيضاً إلى الاستجابة الدولية بمواجهة قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القيام بغزو أوكرانيا العام الماضي، معتبراً أن العقوبات المنسقة من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ «تضغط على شريان الحياة الاقتصادي لروسيا». ولاحظ أن القوات الروسية فقدت نصف الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا خلال الأيام الأولى للغزو. وقال: «اعتقد بوتين أن أوكرانيا كانت ضعيفة وأن الغرب منقسم»، مضيفاً: «كان يعتقد أنه يمكن أن يصمد أمامنا. لا أعتقد أنه يفكر كذلك الآن». وزاد أن «التضحيات كبيرة للغاية. نحن نعلم أنه ستكون هناك أيام وأسابيع وسنوات صعبة للغاية. لكن هدف روسيا كان محو أوكرانيا من الخريطة. حرب الفتح التي شنها بوتين تفشل». ورأى أن بوتين «كان على خطأ واضح. خطأ واضح».
* من ليلة الغزو
من جهته، شكر زيلينسكي لبايدن والكونغرس دعمهما. وقال: «أعتقد أن هذه لحظة تاريخية لبلدنا»، مذكّراً بأن المكالمة الأولى التي أجراها ليلة الغزو العام الماضي كانت مع بايدن حين «كانت الطائرات الروسية تحلّق في أجواء (أوكرانيا) وكانت الدبابات تعبر حدودنا».
وتذكر بايدن أنه «في تلك الليلة المظلمة قبل عام واحد، كان العالم حرفياً في ذلك الوقت يستعد لسقوط كييف. ربما حتى نهاية أوكرانيا». وأضاف: «بعد مضيّ عام، لا تزال العاصمة الأوكرانية تخضع لسيطرة أوكرانيا».
قال بايدن لزيلينسكي: «أخبرتني بأنه يمكنك سماع انفجارات في الخلفية»، مضيفاً: «لن أنسى ذلك أبداً. كان العالم على وشك التغيير».
«جوزيف بايدن، مرحباً بك في كييف! زيارتك علامة مهمة للغاية على دعم جميع الأوكرانيين»، هذا ما كتبه زيلينسكي في حسابه على «تلغرام»، اليوم (الاثنين)، مرفقاً بصورة لهما يتصافحان عندما زار زيلينسكي واشنطن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأظهرت لقطات مصوَّرة على وسائل التواصل الاجتماعي بايدن يمشي إلى جانب زيلينسكي وسط كييف، التي أغلقت شوارع وسط المدينة قبل وصول الضيف الأميركي.
وبعد جولة في المدينة، اصطفّ ضباط أوكرانيون يرتدون الزي الرسمي في الشارع. ووضع بايدن وزيلينسكي إكليلاً من الزهور على الجدار القريب لإحياء ذكرى الجنود الذين سقطوا في أثناء خدمتهم العسكرية.
وأكدت صورة بايدن وزيلينسكي هذه المرة في كييف قوة أوكرانيا بعد عام من الغزو، وفاق أداء القوات الأوكرانية التوقعات بين الزعماء الدوليين في شأن قدراتها قبل الحرب. لكن رحلة بايدن إلى أوكرانيا تأتي في لحظة محورية من الحرب، في وقت يترقب فيه المسؤولون الغربيون والأوكرانيون هجوماً روسياً كبيراً يتزامن مع الذكرى السنوية للحرب في 24 فبراير.
واعتمدت كييف بشدة على المساعدات العسكرية الأميركية على مدار الأشهر الـ12 الماضية. لكن بايدن كان أحد القادة الغربيين القلائل الذين لم يزوروا البلاد. ولكن هذه الزيارة تأتي في الوقت الذي يسعى فيه بايدن إلى الحفاظ على تحالف تقوده الولايات المتحدة خلف أوكرانيا مع دخول الحرب عامها الثاني وتراجع الدعم القوي لمساعدة كييف في الداخل الأميركي.
ويضغط زيلينسكي منذ مدة على الحلفاء لتسريع تسليم أنظمة الأسلحة الموعودة. ويدعو الغرب إلى توفير طائرات مقاتلة -وهو أمر رفضه بايدن حتى الآن. وقال زيلينسكي إنه تحدث مع بايدن عن «أسلحة بعيدة المدى والأسلحة التي يمكن أن توفَّر لأوكرانيا رغم أنها لم تورد من قبل». ومع أنه لم يذكر بالتفصيل أي التزامات جديدة، وأضاف: «كانت مفاوضاتنا مثمرة للغاية».
بايدن في بولندا
وبعد مغادرته كييف، توجه الرئيس الأميركي إلى بولندا، في إطار سعي إدارته إلى طمأنة الشركاء الأوروبيين إلى التزام أميركا حيال أوكرانيا. ومن المقرر أن يلتقي الرئيس بايدن نظيره البولندي أندريه دودا غداً (الثلاثاء)، قبل خطابٍ رئيسيٍّ قال مساعدو بايدن إنه سيطرح قضية الدعم المستمر لأوكرانيا. كما يخطط (الأربعاء) للقاء زعماء مجموعة بوخارست لدول أوروبا الشرقية التسع المنضوية في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
* واشنطن أبلغت موسكو مسبقاً عن الزيارة
وأبلغت الولايات المتحدة موسكو بشأن زيارة الرئيس بايدن «قبل ساعات» من حصولها، وفق ما أفاد مسؤول أميركي.
وقال مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان، الذي رافق الرئيس، للصحافيين: «أبلغنا الروس بأن الرئيس بايدن سيتوجه إلى كييف. وذلك قبل ساعات على مغادرته». وأضاف: «بسبب الطبيعة الحساسة لتلك الاتصالات، لن أتحدث عن كيفية ردهم أو عن طبيعة رسالتنا».
بدورها، قالت مديرة الاتصالات كيت بيدينغفيلد: «نتحفظ على ذكر تفاصيل بعض وسائل النقل تلك وغيرها من التفاصيل اللوجيستية المحددة حتى استكمال الرحلة تماماً». وقال سوليفان إن الرحلة «تطلبت جهداً أمنياً تشغيلياً ولوجيستياً من متخصصين من مختلف أفراد الحكومة الأميركية، لتنفيذ مهمة محفوفة بالمخاطر بطبيعتها وجعلها في مستوى مخاطر يمكن التحكم به». وأضاف: «بالطبع لا تزال هناك مخاطر في مسعى كهذا، وشعر الرئيس بايدن بأن من المهم إجراء هذه الرحلة». وسُمح لصحافيين اثنين فقط بمرافقة الرئيس. وبعد أن سلما أجهزتهما، أُبلغ الصحافيان بوجود الرئيس على متن طائرة الرئاسة قبل 15 دقيقة فقط من إقلاعها. وكانت تلك أول زيارة يقوم بها رئيس أميركي لأوكرانيا منذ 2008.