طفرات الحضارة المعاصرة... بين العلم والتكنولوجيا والفكر

روبوت للتوزيع يسير في أحد شوارع طوكيو 13 يناير الماضي (أ.ف.ب)
روبوت للتوزيع يسير في أحد شوارع طوكيو 13 يناير الماضي (أ.ف.ب)
TT

طفرات الحضارة المعاصرة... بين العلم والتكنولوجيا والفكر

روبوت للتوزيع يسير في أحد شوارع طوكيو 13 يناير الماضي (أ.ف.ب)
روبوت للتوزيع يسير في أحد شوارع طوكيو 13 يناير الماضي (أ.ف.ب)

كيف ينشأ العالم التكنولوجي، بتقنياته المبهرة، من أساسيات العلم النظرية؟ كيف يؤدي التطور التقني بدوره إلى طفرات معرفية تدفع العلم الأساسي قدماً؟ وكيف يؤثر ذلك في فكر وتصورات الإنسان؟ اتصال حلقات تلك السلسلة، بعناصرها المؤسسة للعالم المعاصر، ليس دائماً واضحاً في عالمنا العربي، مما يؤزم محاولات التواصل مع الحضارة المعاصرة.
العالم الحديث نشأ من ثورة علمية اندلعت نتيجة تكهنات واكتشافات فلكية، لخصها نيوتن في قوانين عامة ربطت تجوال الكواكب في السماء بحركة الأجسام حولنا (مثل سقوط التفاحة الأسطورية من الشجرة). هذا الربط بين طبيعة الكون كليّاً وبين حياتنا اليومية كان مذهلاً، ليس لكونه غريباً عن فكر الإنسان عامة، فالميثولوجيا التقليدية طالما عرضت أطروحات مماثلة عبر العصور، لكن نظراً لدقة المنهج الجديد، الملخص في معادلات رياضية يمكن اختبار تكهناتها وتنبؤاتها. عندما تكهنت نظرية نيوتن مثلاً بضرورة وجود كوكب مجهول في المجموعة الشمسية، نظراً لتأثيره المرصود على حركة الكواكب المعروفة، بحث لو فيريه عن هذا الكوكب (نبتون) ووجده في المكان نفسه بالضبط، الذي حددته النظرية. في الوقت نفسه، استخدم آخرون النظرية نفسها لحساب كيفية تصويب قذائف المدفعية بدقة نحو العدو.
هذا الربط الدقيق بين الكوني واليومي، كانت له تداعيات فكرية وثقافية واسعة النطاق أسست للعالم الحديث (كما شرحت في مقال 20 - 06 - 2022 على هذه الصفحة). لكن ما الذي جعل من حركة الكواكب بالذات أساساً للثورة العلمية؟ بالإضافة لكونه ساكناً لسماوات مجهولة، فإن نمط تجوال الكواكب فيه شيء جذب انتباه العقل المتأمل منذ الأزل؛ لأنه يجسد ظاهرة التكرار الدوري التي تجعل من السهل نسبياً التنبؤ بالمستقبل. فالعلم الحديث عبارة عن محاولة لتنظيم الكون بتلخيص أنماطه في قوانين رياضية تشرح تتبع الأحداث، والتكرار البسيط المجسد في توالي الليل والنهار ومواسم الصيف والشتاء يشكل بداية سهلة، يمكن من خلالها بدء خوض مشوار التنبؤ الرياضي بواسطة أرقام متكررة دورياً. فبساطة التكرار الدوري التي تتسم بها حركة الكواكب، الذي يجعلها مثل بندول الساعة، تجعل من السهل مثلاً التنبؤ بأن يوم 21 من يونيو (حزيران) سيكون أطول يوم في السنة في النصف الشمالي من الأرض، وتجعل من السهل كذلك التنبؤ بتاريخ وساعة رؤية الكسوف الشمسي أو القمري لمدة قرون طويلة في المستقبل.
ليست كل الظواهر الطبيعية بهذه البساطة. تغير الطقس مثلاً لا يخضع للنمط الدوري نفسه؛ لذلك يمكن التنبؤ فقط بأن درجة الحرارة يوم 21 من يونيو غالباً ما ستكون أعلى من مثيلتها يوم 21 ديسمبر (كانون الأول)، لكن لا يمكن بصفة عامة التنبؤ بدرجات الحرارة نفسها بدقة إلا لمدة بضعة أيام. ذلك رغم أن حالة الجو تخضع، كما تخضع حركة الكواكب، لقوانين رياضية صارمة، محددة وحتمية من حيث المبدأ. لكن طبيعة حلول المعادلات، لاستخراج أرقام منها تشير إلى حالة الطقس، تحتاج إلى تعريف حالته الحالية بدقة متناهية (أي معرفة دقيقة بكميات مثل درجة الحرارة والضغط الجوي وسرعات الرياح وكثافة الهواء في كل مكان على الأرض، في اللحظة الحالية)، وهذا ليس متاحاً بالطبع.
عملياً، تختفي قدرتنا على التنبؤ بمستقبل الجو بعد بضعة أيام؛ لأن تغيراته تأتي باستمرار بمستجدات نعجز عن مواكبتها بمعرفتنا المحدودة، على عكس حركة بندول الساعة التي تكرر نفسها ولا تأتي بجديد. أما حالة الكواكب فهي تشبه البندول لأزمان طويلة جداً، فزمن فقدان المعرفة عنها يقدر بملايين السنين، مما يمكننا من التنبؤ بسهولة ودقة بتعاقب الليل والنهار وحركة الأرض حول الشمس على مدى طويل. أما في حالة الطقس فيمكن التنبؤ بهذا المستقبل فقط إحصائياً - مثل التنبؤ بمعدلات درجات الحرارة في شهر معين في بلد معين - وحتى ذلك يكون صعباً في ظل وجود تغيرات مناخية مثل التي تشهدها الأرض مؤخراً.
وجود الفوضى والعشوائية في نظام طبيعي مثل المناخ، هو الذي يمكننا فقط من التنبؤ بالاحتمالات. تماماً كما، في سياق أبسط، يمكننا التنبؤ فقط بأن قرعة العملة المعدنية ستسفر عن «ملك أو كتابة»، باحتمالية نصف لكل منهما، لكن لا يمكن معرفة إذا كنا سنحصل على نتيجة ملك أو كتابة في تجربة معينة. هذا الجانب الفوضوي العشوائي للعالم الطبيعي هو الذي في أساس ما يسمى القانون الثاني للديناميكا الحرارية، والذي يقر بأن (في غياب المؤثرات الخارجية) الحرارة تنتقل من جسم ساخن إلى آخر بارد، رغم أن قوانين نيوتن (والنسبية وميكانيكا الكم كذلك) تقبل دائماً أن يحدث العكس؛ فإذا تابعت فيلماً لحركة بندول الساعة، لن تتمكن من معرفة إذا كان الفيلم معروضاً في الزمن الطبيعي أو كان معكوساً إلى الوراء، فالحركة في الاتجاهين مقبولة. لكن العشوائية الفعلية التي تجعل الكثير من الأنظمة لا تعمل كالساعة، تعني أن احتمالية تفاعل جزيئات المادة بطريقة تجعل الحرارة تذهب من الأسقع للأسخن غير مرجحة بشكل يجعل رصدها شبه مستحيل عملياً.
علم الديناميكا الحرارية لم يبدأ من تكهنات عن مكاننا في الكون، بل نشأ في إطار عملي بحت، تعلق بعمل محركات البخار التي ظهرت مع الثورة الصناعية في أعقاب الثورة العلمية. لكن سريعاً ما اتضح أن قوانين عمل موتورات القطارات لها تداعيات واسعة النطاق، تتطرق لمفاهيم أساسية لدى الإنسان مثل إحساسه بالزمن. فالقانون الثاني للديناميكا الحرارية هو الوحيد الذي نعرفه عن العالم الطبيعي الذي يصاحبه «سهم زمني»، يشير إلى أن الزمن يتحرك فقط نحو المستقبل كما يؤكد إحساسنا الداخلي.
هذا القانون النابع عن تطورات تكنولوجية، له تداعيات فلسفية؛ ليس فقط على تصورنا لمكاننا في الكون، إنما على تصوراتنا عن مصير الكون نفسه. هكذا اعتقد علماء عظام من بدايات القرن العشرين، مثل السيرين آرثر إدينجتون وجيمس جينز، أن هذا القانون معناه أن الكون «يموت» مثل موتور البخار (أو الإنسان) الذي يستنفد وقوده. وتكهن كذلك إدينجتون بأن هذه الحقيقة هي التي تربط قوانين الفيزياء بإحساس الإنسان الداخلي بالزمن، الممثل مثلاً في مفهوم الـ«مدة» لدى الفيلسوف هنري يرجسون، الذي اعتقد أن طبيعة الدهر مختلفة جذرياً عن طبيعة المكان. فلاحظ إدينجتون أن قوانين الفيزياء ليس فيها ما يحدد اتجاه التغير في المكان، لتناظر القيود التي يفرضها «السهم» النابع من القانون الثاني على الزمن.
أما حقيقة أن يرجسون كان قد أثَّر كثيراً كذلك في الثقافة العامة، بما في ذلك على مارسيل بروست في بحثه الملحمي عن «الزمن المفقود»، فتشير إلى اكتمال السلسلة التي تربط بين نتائج العلم الأساسي وتداعياته التكنولوجية، وتأثير الأخيرة بدورها على تقدم العلم الأساسي وتصوراته، وما ينبثق عن كل ذلك من تداعيات على فكر حضارة الإنسان في العالم المعاصر.
هذه هي السلسلة التي أعتقد أننا نفتقد الكثير من حلقاتها الواصلة. كمثال، كم من بين قراء هذا المقال يربط بين عمل جهاز الحاسب أو الهاتف أو التابلت، الذي قد يقرأ عليه النص وبين التداعيات الفكرية والحضارية الواسعة النطاق النابعة عن ميكانيكا الكم، التي في أساس هذه الأجهزة؟ أو يدرك أن ميكانيكا الكم، بتداعياتها التصورية الثورية، أتت أصلاً نتيجة تطورات عملية جداً في تكنولوجيا تحليل الضوء إلى ترددات وألوان، مثلما يحدث في ظاهرة قوس قزح، في سبيل إدراج بصمات للعناصر الكيميائية؟
في هذا السياق يمكن التساؤل: من أين سيأتي الاكتشاف العلمي الكبير القادم، الذي سيقلب نظرتنا للعالم الطبيعي، ومن ثم تصوراتنا وأنماط حياتنا، رأساً على عقب؟ أعتقد أنه من المرجح أن يأتي من اتجاه لن يتصوره من لا يدرك أهمية تواصل حلقات السلسلة المذكورة؛ لأني أعتقد أنه سيأتي «فلكياً»، كما حدث في بدايات الثورة العلمية ذاتها.
لدينا حالياً نموذج ناجح لتطور الكون ونشأة الأشياء خلاله؛ لكن الأغلبية الساحقة من المادة والطاقة فيه ما زالت في صورة غير معلومة، وتصاحب ذلك معضلات في تفاصيل خواص المجرات. الوضع يشبه حال «إراتوستينس»، مدير مكتبة الإسكندرية القديمة، حين نجح في حساب مدار الأرض، بمقارنة أطوال ظلال الأعمدة في الإسكندرية وأسوان، رغم أنه لم يعرف شيئاً عن أميركا وأستراليا أو المحيطات الشاسعة التي تحيطهما. في سياق العلم المعاصر لدينا كذلك «أعمدة كونية»، نرصدها ونقدر أطوالها بواسطة أجهزة مثل تلسكوب جيمس ويب، الذي أطلقته وكالة «ناسا» الصيف الماضي، وآخر ملقب بـ«يوكليد» (تذكيراً بعبقري آخر عمل في الإسكندرية قديماً، وهو إقليدس)، الذي من المقرر أن تطلقه وكالة الفضاء الأوروبية نحو نهاية هذا العام، لينضم لأسطول هائل من المراصد الكونية العاملة والمزمعة.
أي شرح ملائم لأهمية ما ستأتي به النتائج المرتقبة خلال العقد القادم يحتاج لعدة مقالات. الخلاصة أنها ستسد فجوات مهمة في فهمنا لما ظل مفقوداً في الكون رغم البحث الدؤوب. ومن ثم ربما تشير إلى أننا لم نجده حتى الآن لأن طبيعته أغرب بكثير مما تصورنا. وهكذا ربما تأتي بقوانين ومفاهيم جديدة، ذات تداعيات عميقة قد تقلب عالمنا الفكري، ومن ثم واقعنا الفعلي، رأساً على عقب. كما حدث من قبل.

* مدير مركز الفيزياء النظرية بالجامعة البريطانية في مصر



فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

TT

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)
جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)

216 ليس مجرد رقم عادي بالنسبة لعائلة «سالم» الموزعة بين مدينة غزة وشمالها. فهذا هو عدد الأفراد الذين فقدتهم العائلة من الأبناء والأسر الكاملة، (أب وأم وأبنائهما) وأصبحوا بذلك خارج السجل المدني، شأنهم شأن مئات العائلات الأخرى التي أخرجتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ عام.

سماهر سالم (33 عاماً) من سكان حي الشيخ رضوان، فقدت والدتها وشقيقها الأكبر واثنتين من شقيقاتها و6 من أبنائهم، إلى جانب ما لا يقل عن 60 آخرين من أعمامها وأبنائهم، ولا تعرف اليوم كيف تصف الوحدة التي تشعر بها ووجع الفقد الذي تعمق وأصبح بطعم العلقم، بعدما اختطفت الحرب أيضاً نجلها الأكبر.

وقالت سالم لـ«الشرق الأوسط»: «أقول أحياناً إنني وسط كابوس ولا أصدق ما جرى».

وقصفت إسرائيل منزل سالم وآخرين من عائلتها في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2023، وهو يوم حفر في عقلها وقلبها بالدم والألم.

رجل يواسي سيدة في دفن أفراد من عائلتهما في خان يونس في 2 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

تتذكر سالم لحظة غيرت كل شيء في حياتها، وهي عندما بدأت تدرك أنها فقدت والدتها وشقيقاتها وأولادهن. «مثل الحلم مثل الكذب... بتحس إنك مش فاهم، مش مصدق أي شي مش عارف شو بيصير». قالت سالم وأضافت: «لم أتخيل أني سأفقد أمي وأخواتي وأولادهن في لحظة واحدة. هو شيء أكبر من الحزن».

وفي غمرة الحزن، فقدت سالم ابنها البكر، وتحول الألم إلى ألم مضاعف ترجمته الأم المكلومة والباقية بعبارة واحدة مقتضبة: «ما ظل إشي».

وقتلت إسرائيل أكثر من 41 ألف فلسطيني في قطاع غزة خلال عام واحد في الحرب التي خلّفت كذلك 100 ألف جريح وآلاف المفقودين، وأوسع دمار ممكن.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بين الضحايا 16.859 طفلاً، ومنهم 171 طفلاً رضيعاً وُلدوا وقتلوا خلال الحرب، و710 عمرهم أقل من عام، و36 قضوا نتيجة المجاعة، فيما سجل عدد النساء 11.429.

إلى جانب سالم التي بقيت على قيد الحياة، نجا قلائل آخرون من العائلة بينهم معين سالم الذي فقد 7 من أشقائه وشقيقاته وأبنائهم وأحفادهم في مجزرة ارتكبت بحي الرمال بتاريخ 19 ديسمبر 2023 (بفارق 8 أيام على الجريمة الأولى)، وذلك بعد تفجير الاحتلال مبنى كانوا بداخله.

وقال سالم لـ«الشرق الأوسط»: «93 راحوا في ضربة واحدة، في ثانية واحدة، في مجزرة واحدة».

وأضاف: «دفنت بعضهم وبعضهم ما زال تحت الأنقاض. وبقيت وحدي».

وتمثل عائلة سالم واحدة من مئات العائلات التي شطبت من السجل المدني في قطاع غزة خلال الحرب بشكل كامل أو جزئي.

وبحسب إحصاءات المكتب الحكومي في قطاع غزة، فإن الجيش الإسرائيلي أباد 902 عائلة فلسطينية خلال عام واحد.

أزهار مسعود ترفع صور أفراد عائلتها التي قتلت بالكامل في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة (رويترز)

وقال المكتب الحكومي إنه في إطار استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، فقد قام جيش الاحتلال بإبادة 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأضاف: «كما أباد جيش الاحتلال الإسرائيلي 1364 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها، ولم يتبقَّ سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة، ومسح كذلك 3472 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها ولم يتبقَّ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة».

وأكد المكتب: «تأتي هذه الجرائم المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، وبمشاركة مجموعة من الدول الأوروبية والغربية التي تمد الاحتلال بالسلاح القاتل والمحرم دولياً مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول».

وإذا كان بقي بعض أفراد العائلات على قيد الحياة ليرووا ألم الفقد فإن عائلات بأكملها لا تجد من يروي حكايتها.

في السابع عشر من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، كانت عائلة ياسر أبو شوقة، من بين العائلات التي شطبت من السجل المدني، بعد أن قُتل برفقة زوجته وأبنائه وبناته الخمسة، إلى جانب اثنين من أشقائه وعائلتيهما بشكل كامل.

وقضت العائلة داخل منزل مكون من عدة طوابق قصفته طائرة إسرائيلية حربية أطلقت عدة صواريخ على المنزل في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

وقال خليل أبو شوقة ابن عم العائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ما يعبر عن هذه الجريمة البشعة».

وأضاف: «كل أبناء عمي وأسرهم قتلوا بلا ذنب. وذهبوا مرة واحدة. شيء لا يصدق».

الصحافيون والعقاب الجماعي

طال القتل العمد عوائل صحافيين بشكل خاص، فبعد قتل الجيش الإسرائيلي هائل النجار (43 عاماً) في شهر مايو (أيار) الماضي، قتلت إسرائيل أسرته المكونة من 6 أفراد بينهم زوجته و3 أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاماً.

وقال رائد النجار، شقيق زوجة هائل: «لقد كان قتلاً مع سبق الإصرار، ولا أفهم لماذا يريدون إبادة عائلة صحافي».

وقضى 174 صحافياً خلال الحرب الحالية، آخرهم الصحافية وفاء العديني وزوجها وابنتها وابنها، بعد قصف طالهم في دير البلح، وسط قطاع غزة، وهي صحافية تعمل مع عدة وسائل إعلام أجنبية.

الصحافي غازي أشرف علول يزور عائلته على شاطئ غزة وقد ولد ابنه في أثناء عمله في تغطية أخبار الموت (إ.ب.أ)

إنه القتل الجماعي الذي لا يأتي بطريق الخطأ، وإنما بدافع العقاب.

وقال محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة، إن الاحتلال الإسرائيلي استخدم الانتقام وسيلة حقيقية خلال هذه الحرب، وقتل عوائل مقاتلين وسياسيين ومسؤولين حكوميين وصحافيين ونشطاء ومخاتير ووجهاء وغيرهم، في حرب شنعاء هدفها إقصاء هذه الفئات عن القيام بمهامها.

وأضاف: «العمليات الانتقامية كانت واضحة جداً، واستهداف العوائل والأسر والعمل على شطب العديد منها من السجل المدني، كان أهم ما يميز العدوان الحالي».

وأردف: «ما حدث ويحدث بحق العوائل جريمة مكتملة الأركان».