تينوبو... «صانع زعماء» السياسة النيجيرية

التصويت الطائفي والعرقي يؤرق المرشح «الأوفر حظاً» للرئاسة

تينوبو... «صانع زعماء» السياسة النيجيرية
TT

تينوبو... «صانع زعماء» السياسة النيجيرية

تينوبو... «صانع زعماء» السياسة النيجيرية

لا يميل السياسيون كثيراً إلى لغة الأرقام، فالأرقام يُفترض أنها «لا تكذب»، بينما الكذب - حسب قول السياسي البريطاني الشهير وينستون تشرشل - من أدوات السياسة. لكن يبدو أن المرشح البارز في الانتخابات الرئاسية النيجيرية بولا أحمد تينوبو وجد سبيلاً للتوفيق بين الأرقام وبين السياسة، بعدما صار المحاسب الذي تخرّج بشهادة عليا في المحاسبة من إحدى الجامعات الأميركية، و«صانعاً للزعماء» في السياسة النيجيرية على مدى عقود طويلة، وبات على بُعد خطوة واحدة من بلوغ سُدة الرئاسة، في أكثر بلدان أفريقيا سكاناً، وربما ثراءً ومشاكل أيضاً. يبدو الغموض إحدى الصفات اللصيقة بشخصية تينوبو. ولا يقتصر هذا الغموض على حياته السياسية، بل يمتد إلى حياته الشخصية أيضاً، فالرجل المولود في 29 مارس (آذار) عام 1952، لأم تمتعت بشخصية قيادية هي الحاجة حبيبة موغاجي، التاجرة التي حازت حتى وفاتها على لقب «زعيمة سوق ولاية لاغوس». وفي المقابل، لا معلومات وافية عن والده، والكثير من الأوراق التي قدّمها عن نفسه وتعليمه تبدو متناقضة ومكتوبة بخط اليد، وهو ما منح خصومه الكُثر فرصاً قائمة للطعن والتشكيك بشأن نشأته ومسيرته الأكاديمية والسياسية. ولكن المؤكد أن بولا أحمد ورث عن أمه قوة الشخصية، والطموح الذي أتاح له إكمال تعليمه الثانوي والجامعي خارج البلاد، إذ تخرّج في جامعة شيكاغو الحكومية (شيكاغو ستايت) عام 1979، حاملاً شهادة البكالوريوس في المحاسبة. بيد أن المناصب التي تولاها الشاب النيجيري الطموح في عدة شركات أميركية لم تشبع نهمه للثروة والسلطة، فعاد إلى نيجيريا بعد خضوعه لتحقيق من قبل السلطات الفيدرالية الأميركية بشأن ارتفاع دخله بشكل مثير للريبة. وهذه قضية لا يزال خصومه حتى اليوم يحاولون إثارتها للنيل منه.
التحق بولا أحمد تينوبو بعد عودته من أميركا إلى نيجيريا عام 1983 بشركة «موبيل نيجيريا» النفطية، وترقى في المناصب حتى وصل إلى منصب المدير التنفيذي للشركة.
ولدى تينوبو مهارات ستلازمه لبقية حياته، أبرزها توظيف كل المتغيرات لصالحه. وحتى في تلك اللحظات التي تبدو قاسية، ويتصور المرء معها أن النهاية تطل برأسها، استطاع تينوبو تحويلها إلى انطلاقة جديدة. وبالتالي، بين النهايات الوشيكة والبدايات المتجددة، صنع النجم الصاعد في سماء السياسة النيجيرية اسمه الذي ظل عصياً على الانزواء طيلة عقود، تبادل فيها العسكريون والمدنيون السلطة.
لقد استفاد تينوبو من رئاسته لشركة «موبيل نيجيريا» في بناء صلات بالحكومة. وبدأ أولى خطواته في أروقة السياسة عبر حزب «الجبهة الشعبية النيجيرية»، الذي جمع قادة وأعضاء بارزين في تلك الفترة من ثمانينات القرن الماضي. ثم وصل إلى الصف الأمامي في «الحزب الديمقراطي الاجتماعي»، وفاز عام 1992 بمقعد في مجلس الشيوخ، غير أن رياح التغيير هبّت عنيفة على النائب الذي كان يعد نفسه لخطوات أكبر يصعد بها سلم السياسة في بلاده.
هذه المرة جاءت الضربة عبر الجنرال ساني أباتشا، الذي قاد انقلاباً عسكرياً يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1993 بعد خمسة أشهر فقط من إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها موشود (مسعود) أبيولا، وهو مرشح الحزب الذي كان تينوبو من أبرز قياداته. وهكذا، بدلاً من أن تُفتح أمام الرجل أبواب المجد السياسي، وجد أبواب المنفى في استقباله. وبالفعل، تسلل عبر الحدود إلى دولة بنين المجاورة، وبقي هناك مدة خمس سنوات عجاف، لكنها لم تفقده شغفه ولم يفتر فيها طموحه إلى العودة. وتحققت هذه العودة عام 1998 بعد زوال الحكم العسكري، وتأهب نيجيريا لاستعادة الحكم الديمقراطي.
في تلك اللحظة كان تينوبو على موعد مع المحطة التي ستصنع تاريخه الحقيقي في السياسة النيجيرية، وسيظل مرتبطاً بها رغم مغادرته إياها رسمياً منذ ما يزيد على 16 سنة. واللافت أن تلك المحطة لم تكن سوى لاغوس، مدينة الأقدار بالنسبة لتينوبو... ففيها ولد وعلى أرضها صنع مجده، الذي جعل منه إلى اليوم رقماً مهماً في معادلة السياسة النيجيرية.

صانع «معجزة لاغوس»
عاد تينوبو من المنفى إلى الحكم، مدفوعاً بشعبية طاغية، فانتخب حاكماً لولاية لاغوس في مايو (أيار) 1999 تحت راية حزب «التحالف من أجل الديمقراطية». واستمر حكمه لمدة 8 سنوات عبر فترتين انتخابيتين، استطاع خلالهما أن يحوّل أضخم مدن نيجيريا، من ساحة تسيطر عليها العصابات والفوضى إلى مدينة غنية يفوق اقتصادها ما تمتلكه دول بأكملها.
في تلك الفترة أكد تينوبو سمعته كرجل دولة قادر على تحقيق المنجزات. وحتى اليوم يرى النيجيريون سجلّه إعجازياً بالقياس إلى ما كانت تواجهه تلك التجربة من تحديات، إذ إنه خلال فترتي حكمه قاد إصلاحات جذرية لتحسين كفاءة الخدمة المدنية، وتحديث البنية التحتية، والأهم أنه وضع مخططاً بعيد المدى للمدينة والولاية، لم يستطع أي حاكم خلفه أن يطرح أفضل منه.
لقد نجح تينوبو، صاحب الشعبية الجارفة، في تحويل مدينة لاغوس، العاصمة التجارية للبلاد، من مدينة يتعثر زوارها وسكانها البالغ عددهم 13 مليون نسمة في أكوام القمامة، ويهدرون في تنقلاتهم الساعات وسط الأزمات المرورية والفوضى إلى مدينة حديثة تتمتع بمرافق وانضباط جعلت مؤيدي تينوبو وخصومه، على السواء، يقرون بنجاحاته. وحقاً، بدأ المستثمرون يتنبهون لإمكانيات المدينة، بعدما طوت صفحة الجريمة والفساد سمعتها، واعتمدت فيها سياسات ضريبية بعيدة المدى عززت بنيتها التحتية، فتدفقت الاستثمارات وتحسنت سمعة المدينة، التي كانت قد فقدت دورها كعاصمة سياسية بعد انتقال السلطة إلى مدينة أبوجا. وهكذا أعادت سياسات تينوبو للمدينة القوة الاقتصادية لتغدو عاصمة الاستثمار في الغرب الأفريقي كله.
غادر تينوبو الحكم في لاغوس عام 2007، لكنه لم يستطع حتى الآن الانفصال عن المدينة، فلا يزال كثيرون يؤمنون بأنه يتحكم دائماً في اختيار حكام الولاية. وهذا اتهام لم يحاول الرجل أن ينكره، بل لعله يشعر بالفخر عندما يوجه إليه. إذ قال لوكالة «رويترز» عام 2015 عندما سئل عن الأمر أثناء انتخابات حاكم لاغوس: «أنا صائد للمواهب... أضع أصحاب المواهب في مناصبهم، وأساعدهم. أنا أستخدم أفضل يد وأفضل عقل وأفضل تجربة للوظيفة».
وحتى عندما قرر تينوبو الانتقال من موقع «صانع الرؤساء» للترشح يوم 10 يناير (كانون الثاني) 2022 إلى السباق الرئاسي الحالي، بقيت تجربته في لاغوس أبرز البنود على لائحة مؤهلاته للترشح. فالبرنامج الانتخابي الذي يخوض به الانتخابات يكاد يكون محاولة أوسع لتطبيق «تجربة» لاغوس على المستوى الوطني. إذ يتعهد تينوبو ببناء دولة تتيح لجميع النيجيريين، وخصوصاً الشباب، الوظائف الكافية بأجور لائقة، وتقلل من هجرة العقول، بالإضافة إلى دفع عجلة التصنيع، وتعزيز التصدير وتقليل الاستيراد. وهذا علاوة على مساعدة المزارعين، وتحديث وتوسيع البنية التحتية العامة، إلى جانب تسخير القطاعات الناشئة، مثل الاقتصاد الرقمي والترفيه والثقافة والسياحة، وغيرها لبناء نيجيريا المستقبل.

أشواك في الطريق
من ناحية أخرى، ثمة أمران عززا صورة بولا أحمد تينوبو كأب روحي لكثيرين من الساسة النيجيريين، هما تجربته في لاغوس، ومعركته ضد الرئيس السابق أولوسيغون أوباسونجو الذي حاول الحد من نفوذ خصومه السياسيين في جنوب غربي نيجيريا، وهي المنطقة التي ينتمي إليها تينوبو. ولقد رد الأخير بأنه لعب دورا حاسما في توحيد أكبر ثلاثة أحزاب معارضة في نيجيريا من الشمال والجنوب والشرق تحت مظلة «مؤتمر جميع التقدميين» الذي أُسس عام 2013، ونجح في حكم نيجيريا منذ عام 2015 بقيادة الرئيس محمد بخاري، والذي يُعزى انتصاره جزئيا إلى نفوذ تينوبو الواسع في جنوب غربي نيجيريا، حيث معقل شعب اليوروبا، خصوصا في لاغوس. وهذا الدور البارز، ضمن لتينوبو اكتساح معركة التصويت على مرشح الحزب الحاكم، إذ حصل على 1271 صوتاً من بين 2300، وهو ما يزيد على مجموع الأصوات التي حصدها منافسوه، بمن فيهم من سياسيين وقيادات بارزة في الدولة، بينهم ييمي أوسينباجو، نائب الرئيس الحالي، إلا أن تينوبو، الذي عرك السياسة طيلة أربعة عقود، يدرك أن الطريق إلى الأحلام لا تُفرش دائما بالورود، وأن على الطامحين أن تُدمى أقدامهم بأشواك الطريق... وأولى تلك الأشواك تلك التركيبة العرقية والطائفية المعقدة للنيجيريين.
يدرك تينوبو جيدا أن التركيبة التقليدية للسياسة النيجيرية تلعب لصالحه في الانتخابات الحالية، وأن الدور لتولي منصب الرئاسة هذه المرة يُفترض أن يكون من نصيب شعبه (أو قبيلته) اليوروبا وموطنه في الجنوب، وفق عُرف «غير مكتوب» بين القوى السياسية النيجيرية منذ نهاية الحكم العسكري عام 1999، وبموجب هذا العرف يجري تقاسم السلطة بين الشمال الذي تقطنه غالبية مسلمة، والجنوب الذي يغلب المسيحيون على سكانه، فضلا عن تداول الرئاسة بين الشعوب (أو القبائل المكونة) لنيجيريا، التي يزيد عددها على 250 جماعة، أكبرها بالترتيب ثلاث مجموعات تمثل أكثر من 60 في المائة من السكان هي: الهاوسا واليوروبا والإيبو.
ولأن تينوبو ينتمي إلى الجنوب، وهو من مسلمي اليوروبا (الذين ينقسمون مناصفة تقريباً بين المسيحيين والمسلمين)، فإن الدور الآن لهذا الشعب في تولي الرئاسة، وهذا ما شجعه خلال أحد مؤتمراته الانتخابية على اعتبار نفسه «الرئيس المقبل»، وبالتالي اندفع إلى الهتاف «Emi Lokan» التي تعني في لغة يوروبا «إنه دَوْري». هذا التصرف أثار انتقادات واسعة من جانب منافسيه، الذين يعتبرون أن الوصول إلى الرئاسة النيجيرية يجب أن يكون على أسس الديمقراطية، والقدرة الصحية والعقلية، والكفاءة الإدارية، وامتلاك الحلول العملية للقضايا الوطنية.
في أي حال، يشعر هذا السياسي المخضرم بمتغيرات تهب على دروب السياسة التي خبرها جيدا، فأكثر من 40 في المائة من الناخبين البالغ عددهم 94 مليون شخص، لم يبلغوا بعد 35 سنة. وهؤلاء لا يبدون ميلا كبيرا نحو المرشح السبعيني، الذي يواجه صعوبات صحية جمة. وحقاً، لم تفلح صوره وهو يمارس الرياضة في منزله بتغيير قناعات قطاعات واسعة من الناخبين الشباب. هؤلاء يبدون الآن دعماً متزايداً للمرشح الأصغر سناً، بيتر أوبي، الذي بات يحظى بدعم معلن من جانب شباب وفنانين ومؤثرين نيجيريين تتزايد أعدادهم مع اقتراب موعد التصويت يوم 25 من فبراير (شباط) الحالي.

التصويت الديني - الطائفي
في سياق متصل، يدرك تينوبو أن التصويت الديني - الطائفي ربما يكون له تأثير واضح، فالانتماء الفئوي للمرشح الرئاسي يؤثر في قاعدة الدعم والتعبئة الشعبية لصالحه. وهنا قد يمثل عتيقو أبو بكر، مرشح «حزب الشعب الديمقراطي» المعارض، والصديق القديم لتينوبو، تهديداً حقيقياً على حظ الأخير من أصوات الناخبين المسلمين. إذ تتصاعد حملات التشكيك من جانب بعض الشماليين في مدى الالتزام الديني الإسلامي لدى تينوبو، المتزوج من السياسية المسيحية أولوريمي تينوبو، عضو مجلس الشيوخ الحالي، وزادت حدة تلك الحملات بعد انسحاب بعض السياسيين الشماليين من حملته الانتخابية، وأعلنوا دعمهم لعتيقو أبو بكر.
في المقابل، لا تبدو أصوات الناخبين المسيحيين مضمونة بالكامل لصالح تينوبو الذي اختار صديقه المقرّب كاشيم (قاسم) شيتيما، وهو مسلم شمالي من شعب الكانوري، ليكون نائبه في الانتخابات الحالية، الأمر الذي أثار حفيظة كثيرين ممن رأوا في ذلك الاختيار «خرقا» للاتفاق «غير المكتوب» بشأن التوازن العرقي والديني، والقائم على تداول الرئاسة بين الشمال والجنوب، وبين المسلم والمسيحي (في حال كان الرئيس مسلما يكون نائب الرئيس غير مسلم).
وحقاً، أدى اختيار تينوبو المسلم ترشيح مسلم آخر ليكون نائبه إلى إطلاق حملة إدانات واسعة، شاركت فيها مؤسسات المجتمع المدني المسيحية، التي هاجمت «تذكرة مسلم - مسلم» التي يطرحها تينوبو على الناخبين. وبلغت الحملة حد التخوّف من تأجيج صراع ديني، لا سيما وقد بدأت تظهر في الخطاب السياسي والإعلامي النيجيري مصطلحات من عينة «خطة أسلمة» نيجيريا، و«الاستقطاب الديني».


مقالات ذات صلة

المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

العالم المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

كشفت موجة المعلومات المضللة التي تستهدف حاليا لجنة الانتخابات وقضاة المحكمة العليا في نيجيريا، وهما الجهتان المسؤولتان عن الفصل في الانتخابات الرئاسية، عن تشويه سمعة المؤسسات في أكبر بلد في إفريقيا من حيث عدد السكان، وفقا لخبراء. في حين أن الانتخابات في نيجيريا غالبا ما تتميز بشراء الأصوات والعنف، فإن الإخفاقات التقنية والتأخير في إعلان النتائج اللذين تخللا انتخابات 25 فبراير (شباط)، أديا هذه المرة إلى انتشار المعلومات المضللة. وقال كيمي بوساري مدير النشر في منظمة «دوبابا» لتقصّي الحقائق إن تلك «مشكلة كبيرة في نيجيريا... الناس يسخرون من تقصّي الحقائق.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
العالم 8 تلميذات مخطوفات يفلتن من خاطفيهن بنيجيريا

8 تلميذات مخطوفات يفلتن من خاطفيهن بنيجيريا

تمكنت 8 تلميذات خطفن على طريق مدرستهنّ الثانوية في شمال غربي نيجيريا من الإفلات من خاطفيهن بعد أسبوعين، على ما أعلنت السلطات المحلية الأربعاء. وأفاد صامويل أروان مفوض الأمن الداخلي بولاية كادونا، حيث تكثر عمليات الخطف لقاء فدية، بأن التلميذات خطفن في 3 أبريل (نيسان).

«الشرق الأوسط» (كانو)
الاقتصاد هل تنجح نيجيريا في القضاء على ظاهرة «سرقة النفط»؟

هل تنجح نيجيريا في القضاء على ظاهرة «سرقة النفط»؟

بينما يعاني الاقتصاد النيجيري على كل المستويات، يستمر كذلك في تكبد خسائر تقدر بمليارات الدولارات نتيجة سرقة النفط الخام.

العالم مخيمات انتقالية للمتطرفين السابقين وضحاياهم في نيجيريا

مخيمات انتقالية للمتطرفين السابقين وضحاياهم في نيجيريا

يبدو مخيم الحج للوهلة الأولى شبيهاً بسائر مخيمات النازحين في شمال نيجيريا؛ ففيه تنهمك نساء محجبات في الأعمال اليومية في حين يجلس رجال متعطّلون أمام صفوف لا تنتهي من الخيم، لكن الفرق أن سكان المخيم جهاديون سابقون أو أشخاص كانوا تحت سيطرتهم. أقنعت الحكومة العناصر السابقين في تنظيم «بوكو حرام» أو تنظيم «داعش» في غرب أفريقيا بتسليم أنفسهم لقاء بقائهم أحراراً، على أمل وضع حد لحركة تمرد أوقعت عشرات آلاف القتلى وتسببت بنزوح أكثر من مليوني شخص منذ 2009. غير أن تحقيقاً أجرته وكالة الصحافة الفرنسية كشف عن ثغرات كبرى في آلية فرز المقاتلين واستئصال التطرف التي باشرتها السلطات بعد مقتل الزعيم التاريخي لحرك

«الشرق الأوسط» (مايدوغوري)
العالم «قضية مخدرات» تثير الجدل حول الرئيس النيجيري المنتخب

«قضية مخدرات» تثير الجدل حول الرئيس النيجيري المنتخب

أثارت تغريدات لمنصة إعلامية على موقع «تويتر» جدلاً في نيجيريا بعد أن نشرت أوراق قضية تتعلق باتهامات وُجهت من محكمة أميركية إلى الرئيس المنتخب حديثاً بولا أحمد تينوبو، بـ«الاتجار في المخدرات»، وهو ما اعتبره خبراء «ضمن حملة إعلامية تديرها المعارضة النيجيرية لجذب الانتباه الدولي لادعاءاتها ببطلان الانتخابات»، التي أُجريت في فبراير (شباط) الماضي. والاثنين، نشرت منصة «أوبر فاكتس (UBerFacts»)، التي تعرّف نفسها على أنها «منصة لنشر الحقائق الموثقة»، وتُعرَف بجمهورها الكبير على موقع «تويتر»، الذي يقارب 13.5 مليون متابع، وثائق ذكرت أنها صادرة عن محكمة أميركية (متاحة للجمهور العام) في ولاية شيكاغو، تقول


ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.