الانتخابات النيجيرية... مفترق طرق لـ«الجمهورية الرابعة»

مدينة لاغوس الحديثة (شاترستوك)
مدينة لاغوس الحديثة (شاترستوك)
TT

الانتخابات النيجيرية... مفترق طرق لـ«الجمهورية الرابعة»

مدينة لاغوس الحديثة (شاترستوك)
مدينة لاغوس الحديثة (شاترستوك)

تكتسب انتخابات 2023 الرئاسية النيجيرية أهمية مضاعفة ليس في نيجيريا وحدها، بل في عموم أفريقيا وعلى مستوى العالم، إذ إنها ترتبط بهوية مَن سيحدد مستقبل السياسة في أكثر الدول الأفريقية سكاناً ثراءً.
وعلى امتداد شهرين، سيُدعى أكثر من 94 مليون نيجيري إلى صناديق الاقتراع، يوم 25 من الشهر الحالي، من أجل انتخاب رئيس بين 18 مرشحاً، كذلك سيختار الناخبون في الوقت ذاته أعضاء الجمعية الوطنية (البرلمان)، بواقع 469 مشرعاً يتألفون من 109 أعضاء في مجلس الشيوخ و360 عضواً في مجلس النواب.
ويوم 11 مارس المقبل، ستُجرى انتخابات حكام الولايات لاختيار حكام 28 ولاية من أصل 36 من ولايات البلاد. وهنا أيضاً تكمن تحديات أمنية كبيرة، وسط توقع تصاعد حدة الهجمات الإرهابية مع اقتراب موعد الاقتراع. وهذا ما دفع المفوضية القومية المستقلة للانتخابات (INEC) إلى الإقرار بتردي الأوضاع الأمنية، رغم تأكيدها إجراء الانتخابات في موعدها المحدد.
بالمناسبة، انتخابات هذا العام ستكون مختلفة عن أي استحقاقات سابقة عرفتها نيجيريا، حتى على المستوى التكنولوجي؛ إذ من المنتظر استخدام نظام جديد يقوم على اعتماد ثنائي للناخبين (BVAS)، وهو عبارة عن جهاز أدخلته مفوضية الانتخابات عام 2021، ويستهدف التصدي لعمليات التزوير، وهو يتخذ شكل صندوق مستطيل صغير مزوّد بشاشة، ويعدّ أكثر تطوراً من أجهزة قراءة البطاقات الذكية المستخدمة سابقاً. ويتميز هذا النظام بقدرته على إجراء تحديد مزدوج للناخبين باستخدام بصمات الأصابع وتكنولوجيا التعرف على الوجه.

من هجمات «بوكو حرام» (أ.ف.ب)

ومن جانب آخر، المعركة الرئاسية المرتقبة ستكون سابع انتخابات رئاسية منذ بدء الموجة الحالية من الحكم المدني الديمقراطي في عام 1999، وهي ما تُعرف بـ«الجمهورية الرابعة». وتكتسب هذه الجولة من التنافس السياسي أهمية إقليمية ودولية، إذ تمتلك نيجيريا أكبر اقتصاد في أفريقيا، بجانب كونها أكبر مركز ثقل سكاني القارة، بأكثر من 217 مليون نسمة... ويتوقع أن يتضاعف عدد سكانها بنهاية القرن الحالي ثلاث مرات ليصل إلى 580 مليون نسمة، ما يجعلها ثالث أكبر دول العالم سكانياً بعد الهند والصين.
ثمة تحديات كثيرة ستواجهها نيجيريا، قبيل الاقتراع أو بعده، أبرزها يتعلق بالوضع الأمني، فطوال الأشهر الأخيرة شهدت عدة مناطق وخصوصاً من شرق نيجيريا، حوادث حرق وإطلاق النار على كثير من مراكز الشرطة ومكاتب تابعة لمفوضية الانتخابات، كما تعرضت بطاقات الناخبين في مناطق مختلفة إلى السرقة عدة مرات. واللافت أنه في معظم الوقائع لم يُعتقل أحد من المهاجمين.
أيضاً، هددت حركة «بوكو حرام»، إحدى أخطر الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا، بمنع النيجيريين من التصويت في تكرار لما فعلته في انتخابات سابقة. إذ أجبرت الحركة السلطات على تأجيل انتخابات 2015 الرئاسية لمدة 6 أسابيع، كما قامت بمحاولة أخرى في 2019، عبر موجة من الهجمات في يوم الانتخابات وعشيته في مدن الشمال الشرقي. ولكن التحدي الأمني لن يكون مصدره فقط الجماعات الإرهابية النشطة، بل تروج في أوساط النيجيريين مخاوف من تدخل الجيش النيجيري لإرباك مشهد المنافسة السياسية، وهو ما دفع القيادة العامة للجيش قبل أسبوعين من إجراء الانتخابات المرتقبة، إلى إصدار بيان رسمي نفت فيه «تخطيط بعض ضباطه لانقلاب عسكري»، واعتبرت الأنباء مجرد «دعاية خبيثة لعناصر عديمة الضمير».
أخيراً، عندما يؤدي الرئيس النيجيري الجديد اليمين في 29 مايو المقبل، لن يكون أمامه متسع للاحتفال، ذلك أنه سيتحتم عليه التعاطي سريعا مع تحديات اقتصادية ضاغطة، بينها ارتفاع معدلات البطالة، التي بلغت بحسب إحصاءات نيجيرية رسمية 33 في المائة، فيما تصل النسبة بين الشباب إلى 42.5 في المائة، يضاف إلى ذلك أزمة ديون تجاوزت في مطلع العام الحالي 103 مليارات دولار، وتلتهم تكلفة خدمة تلك الديون ما يزيد على 46 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب البنك المركزي النيجيري.


مقالات ذات صلة

المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

العالم المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

كشفت موجة المعلومات المضللة التي تستهدف حاليا لجنة الانتخابات وقضاة المحكمة العليا في نيجيريا، وهما الجهتان المسؤولتان عن الفصل في الانتخابات الرئاسية، عن تشويه سمعة المؤسسات في أكبر بلد في إفريقيا من حيث عدد السكان، وفقا لخبراء. في حين أن الانتخابات في نيجيريا غالبا ما تتميز بشراء الأصوات والعنف، فإن الإخفاقات التقنية والتأخير في إعلان النتائج اللذين تخللا انتخابات 25 فبراير (شباط)، أديا هذه المرة إلى انتشار المعلومات المضللة. وقال كيمي بوساري مدير النشر في منظمة «دوبابا» لتقصّي الحقائق إن تلك «مشكلة كبيرة في نيجيريا... الناس يسخرون من تقصّي الحقائق.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
العالم 8 تلميذات مخطوفات يفلتن من خاطفيهن بنيجيريا

8 تلميذات مخطوفات يفلتن من خاطفيهن بنيجيريا

تمكنت 8 تلميذات خطفن على طريق مدرستهنّ الثانوية في شمال غربي نيجيريا من الإفلات من خاطفيهن بعد أسبوعين، على ما أعلنت السلطات المحلية الأربعاء. وأفاد صامويل أروان مفوض الأمن الداخلي بولاية كادونا، حيث تكثر عمليات الخطف لقاء فدية، بأن التلميذات خطفن في 3 أبريل (نيسان).

«الشرق الأوسط» (كانو)
الاقتصاد هل تنجح نيجيريا في القضاء على ظاهرة «سرقة النفط»؟

هل تنجح نيجيريا في القضاء على ظاهرة «سرقة النفط»؟

بينما يعاني الاقتصاد النيجيري على كل المستويات، يستمر كذلك في تكبد خسائر تقدر بمليارات الدولارات نتيجة سرقة النفط الخام.

العالم مخيمات انتقالية للمتطرفين السابقين وضحاياهم في نيجيريا

مخيمات انتقالية للمتطرفين السابقين وضحاياهم في نيجيريا

يبدو مخيم الحج للوهلة الأولى شبيهاً بسائر مخيمات النازحين في شمال نيجيريا؛ ففيه تنهمك نساء محجبات في الأعمال اليومية في حين يجلس رجال متعطّلون أمام صفوف لا تنتهي من الخيم، لكن الفرق أن سكان المخيم جهاديون سابقون أو أشخاص كانوا تحت سيطرتهم. أقنعت الحكومة العناصر السابقين في تنظيم «بوكو حرام» أو تنظيم «داعش» في غرب أفريقيا بتسليم أنفسهم لقاء بقائهم أحراراً، على أمل وضع حد لحركة تمرد أوقعت عشرات آلاف القتلى وتسببت بنزوح أكثر من مليوني شخص منذ 2009. غير أن تحقيقاً أجرته وكالة الصحافة الفرنسية كشف عن ثغرات كبرى في آلية فرز المقاتلين واستئصال التطرف التي باشرتها السلطات بعد مقتل الزعيم التاريخي لحرك

«الشرق الأوسط» (مايدوغوري)
العالم «قضية مخدرات» تثير الجدل حول الرئيس النيجيري المنتخب

«قضية مخدرات» تثير الجدل حول الرئيس النيجيري المنتخب

أثارت تغريدات لمنصة إعلامية على موقع «تويتر» جدلاً في نيجيريا بعد أن نشرت أوراق قضية تتعلق باتهامات وُجهت من محكمة أميركية إلى الرئيس المنتخب حديثاً بولا أحمد تينوبو، بـ«الاتجار في المخدرات»، وهو ما اعتبره خبراء «ضمن حملة إعلامية تديرها المعارضة النيجيرية لجذب الانتباه الدولي لادعاءاتها ببطلان الانتخابات»، التي أُجريت في فبراير (شباط) الماضي. والاثنين، نشرت منصة «أوبر فاكتس (UBerFacts»)، التي تعرّف نفسها على أنها «منصة لنشر الحقائق الموثقة»، وتُعرَف بجمهورها الكبير على موقع «تويتر»، الذي يقارب 13.5 مليون متابع، وثائق ذكرت أنها صادرة عن محكمة أميركية (متاحة للجمهور العام) في ولاية شيكاغو، تقول


معظم رؤساء الحكومات التونسية ولدوا في منطقة «الساحل»

الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)
الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)
TT

معظم رؤساء الحكومات التونسية ولدوا في منطقة «الساحل»

الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)
الحبيب الصيد (الشرق الاوسط)

يتحدّر أغلب رؤساء الحكومات في تونس منذ أواسط خمسينات القرن الماضي من منطقة «الساحل» (وسط الشاطئ الشرقي لتونس)، موطن الرئيسين الأسبقين الحبيب بورقيبة (1957 - 1987) وزين العابدين بن علي (1987 - 2011) وكبار المسؤولين في الدولة. وفي المقابل، جاء 3 منهم فقط من مواليد العاصمة تونس، هم الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ.

الرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي، سياسي مخضرم تولّى رئاسة الحكومة عام 2011 في عهد «الرئيس المؤقت» رئيس البرلمان السابق فؤاد المبزّع ثم انتخب رئيساً للجمهورية لمرحلة ما بين 2014 و2019. وفي حين ترأس يوسف الشاهد الحكومة من صيف 2016 إلى أوائل 2020، تولّى إلياس الفخفاخ المنصب عندما ترأس الحكومة الأولى في عهد قيس سعيّد لمدة 6 أشهر في 2020، وهو بالمناسبة، وإن كان من مواليد تونس العاصمة فإنه أصلاً من صفاقس، العاصمة الصناعية والتجارية في الساحل الشرقي الجنوبي للبلاد.

محمد الغنوشي (آ ف ب)

هيمنة «الساحل»

بما يخصّ منطقة «الساحل» الواقعة على بعد 150 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة، وكبرى مدنها مدينة سوسة، فقد تعاقب منها على رئاسة الحكومة نخبة من كبار رجال السياسة في البلاد، هم على التوالي:

الحبيب بورقيبة، من مدينة المنستير (1955 - 1957)، وتولّى عملياً رئاسة الحكومة حتى 1969. وللعلم، رسمياً كان المنصب شاغراً (بين 25 يوليو - تموز 1957 و7 نوفمبر - تشرين الثاني 1969)، إذ في مطلع النظام الجمهوري تولى الرئيس إدارة الحكومة، وبعدها تعاقب «فعلياً» على المنصب كل من:

الباهي الأدغم، بلدة منزل النور المجاورة لمدينة المنستير، (1969 - 1970)

أحمد بن صالح، مدينة المكنين، (1960 - 1970)

الهادي نويرة، المنستير، (1970 - 1980) – أول رئيس حكومة يحمل المسمّى رسمياً.

محمد مزالي، المنستير، (1980 - 1986)

رشيد صفر، من المهدية، (1986 - 1987)

زين العابدين بن علي، مدينة حمام سوسة، (1987)

الهادي البكّوش، حمام سوسة، (1987 - 1989)

حامد القَروي، مدينة سوسة، ( 1989 - 1999 )

محمد الغنّوشي، سوسة، (1999 - 2011)

حمّادي الجبالي، سوسة، (2012 - 2013)

المهدي جمعة، المهدية، (2014)

الحبيب الصيد، سوسة، (2015 - 2016).

حامد القروي (الشرق الاوسط)

في المقابل، من خارج منطقة «الساحل» وتونس العاصمة، تولّى المهندس علي العريّض، القيادي السابق في حزب حركة النهضة رئاسة الحكومة في عام 2013، فكان السياسي الوحيد الذي يصل إلى هذا المنصب من «الجهات المهمشة» في أقصى الجنوب الشرقي الصحراوي، وهو من مواليد مدينة مدنين.

كذلك، تولّى وزير الداخلية السابق هشام المشيشي رئاسة الحكومة بين سبتمبر (أيلول) 2020 و25 يوليو 2021، فكان أول رئيس للحكومة من مدينة بوسالم في محافظة جندوبة في الشمال الغربي الزراعي و«المهمّش».

وبين 2021 و2023 صارت الدكتورة نجلاء بودن، من مواليد مدينة القيروان، أول سيدة تشغل منصب رئاسة الحكومة في تونس.

أخيراً، ما يستحق الذكر أن الدكتور محمد المنصف المرزوقي، ابن الجنوب الصحراوي التونسي، صار بين عامي 2012 و2014 الشخصية الوحيدة التي تولت رئاسة الدولة (رئاسة الجمهورية) من غير أبناء «الساحل» وتونس العاصمة.