الثقوب السوداء قد تكون مصدرا للطاقة المظلمة الغامضة في الكون

الثقوب السوداء قد تكون مصدرا للطاقة المظلمة الغامضة في الكون
TT

الثقوب السوداء قد تكون مصدرا للطاقة المظلمة الغامضة في الكون

الثقوب السوداء قد تكون مصدرا للطاقة المظلمة الغامضة في الكون

وفقًا لعلماء الفلك، يمكن للثقوب السوداء أن تفسر شكلاً غامضًا من الطاقة الذي يتألف من معظم الكون. وقد تم الاستدلال على وجود «الطاقة المظلمة» من ملاحظات النجوم والمجرات، لكن لم يتمكن أحد من شرح ماهيتها أو من أين تأتي.
الأشياء أو المادة التي تشكل العالم المألوف من حولنا هي فقط 5 % من كل شيء في الكون. وأن 27 % مادة مظلمة؛ وهي نظير غامض للمادة العادية التي لا تنبعث أو تعكس أو تمتص الضوء. ومع ذلك، فإن غالبية الكون (حوالى 68 %) هي طاقة مظلمة.
وتم وصف الدليل الجديد على أن الثقوب السوداء يمكن أن تكون مصدرًا للطاقة المظلمة في ورقة علمية نُشرت بـ«The Astrophysical Journal Letters».
والدراسة الجديدة عمل عليها 17 عالم فلك من تسع دول بقيادة جامعة هاواي، وقد شمل التعاون كذلك باحثين من المملكة المتحدة.
ووفق موقع «theconversation» العلمي، فانه من خلال البحث في البيانات التي تمتد لتسعة مليارات سنة من التاريخ الكوني، اكتشف علماء الفلك أول دليل على ما يسمى بـ«الاقتران الكوني»؛ ما يعني أن نمو الثقوب السوداء بمرور الوقت مرتبط بتوسع الكون نفسه.
وفي هذا الاطار، فان فكرة أن الثقوب السوداء قد تحتوي على شيء يسمى طاقة الفراغ (مظهر من مظاهر الطاقة المظلمة) ليست جديدة بشكل خاص. فلقد تمت مناقشتها نظريًا في الستينيات. لكن هذا العمل الأخير يفترض أن هذه الطاقة (وبالتالي كتلة الثقوب السوداء) ستزداد بمرور الوقت مع توسع الكون نتيجة الاقتران الكوني.
لذلك، قام الفريق بحساب مقدار الطاقة المظلمة في الكون التي يمكن أن تُنسب إلى هذه العملية، فوجدوا أن الثقوب السوداء يمكن أن تفسر الكمية الإجمالية للطاقة المظلمة التي نقيسها في الكون اليوم. ويمكن كذلك أن تحل النتيجة واحدة من أكثر المشاكل الأساسية في علم الكونيات الحديث.

التوسع السريع

بدأ كوننا بانفجار كبير منذ حوالى 13.7 مليار سنة. فتسببت الطاقة الناتجة عن هذا الانفجار في المكان والزمان بتوسع الكون بسرعة مع تحليق جميع المجرات بعيدًا عن بعضها البعض. ومع ذلك، نتوقع أن يتباطأ هذا التمدد تدريجيًا بسبب تأثير الجاذبية على كل الأشياء في الكون.
هذه هي نسخة الكون التي اعتقدنا أننا عشناها حتى أواخر التسعينيات؛ عندما اكتشف تلسكوب هابل الفضائي شيئًا غريبًا. حيث أظهرت ملاحظات النجوم المتفجرة البعيدة أنه في الماضي كان الكون يتوسع ببطء أكثر مما هو عليه اليوم. وعليه فإن تمدد الكون لم يتباطأ بسبب الجاذبية، كما اعتقد الجميع، بل كان يتسارع بدلاً من ذلك. كان هذا غير متوقع للغاية وكافح علماء الفلك لتفسيره.
ولتفسير ذلك، تم اقتراح أن «الطاقة المظلمة» هي المسؤولة عن دفع الأشياء بعيدًا بقوة أكبر من الجاذبية التي تجمع الأشياء معًا. لقد كان مفهوم الطاقة المظلمة مشابهًا جدًا للتركيب الرياضي الذي اقترحه آينشتاين ولكنه تجوهل لاحقًا وهو «ثابت كوني» يعارض الجاذبية ويمنع الكون من الانهيار.

انفجارات نجمية

لكن ما هي الطاقة المظلمة؟ يبدو أن الحل قد يكمن في لغز كوني آخر هو «الثقوب السوداء». إذ ان الثقوب السوداء تولد عادة عندما تنفجر النجوم الضخمة وتموت في نهاية حياتها. وتعمل الجاذبية والضغط في هذه الانفجارات العنيفة على ضغط كميات هائلة من المواد في مساحة صغيرة. على سبيل المثال، نجم بنفس كتلة شمسنا سيُسحق في فضاء لا يتجاوز بضع عشرات من الكيلومترات.
إن قوة الجاذبية للثقب الأسود شديدة لدرجة أنه لا يمكن حتى للضوء الهروب منه؛ حيث يتم امتصاص كل شيء. وفي مركز الثقب الأسود يوجد مكان يسمى «التفرد»؛ حيث يتم سحق المادة إلى نقطة ذات كثافة لا نهائية. لكن المشكلة هي أن التفردات بناء رياضي لا ينبغي أن يوجد.
ويوفر هذا النموذج بدقة أصلًا محتملاً للطاقة المظلمة في الكون. كما أنه يتحايل على المشكلات الرياضية التي تؤثر على بعض دراسات الثقوب السوداء، لأنه يتجنب الحاجة إلى التفرد في المركز.
وقد قام الفريق أيضًا بحساب مقدار الطاقة المظلمة في الكون التي يمكن أن تُنسب إلى عملية الاقتران هذه. وخلصوا إلى أنه سيكون من الممكن للثقوب السوداء توفير الكمية اللازمة من طاقة الفراغ لحساب كل الطاقة المظلمة التي نقيسها في الكون اليوم.
لن يفسر هذا أصل الطاقة المظلمة في الكون فحسب، بل سيجعلنا أيضًا نعيد التفكير جذريًا في فهمنا للثقوب السوداء ودورها في الكون.
هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لاختبار هذه الفكرة وتأكيدها، سواء من خلال ملاحظات السماء أو من الناحية النظرية. لكننا قد نرى أخيرًا طريقة جديدة لحل مشكلة الطاقة المظلمة.


مقالات ذات صلة

«سبيس إكس» تستعد لإجراء اختبار سادس لصاروخ «ستارشيب» وسط توقعات بحضور ترمب

يوميات الشرق مركبة الفضاء «ستارشيب» تظهر وهي تستعد للإطلاق من تكساس (رويترز)

«سبيس إكس» تستعد لإجراء اختبار سادس لصاروخ «ستارشيب» وسط توقعات بحضور ترمب

تجري «سبيس إكس» اختباراً سادساً لصاروخ «ستارشيب» العملاق، الثلاثاء، في الولايات المتحدة، في محاولة جديدة لاستعادة الطبقة الأولى منه عن طريق أذرع ميكانيكية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد جانب من الجلسة الافتتاحية لـ«منتدى دبي للمستقبل»... (الشرق الأوسط)

«منتدى دبي»: 7 تطورات رئيسية سيشهدها العالم في المستقبل

حدد نقاش المشاركين في «منتدى دبي للمستقبل - 2024» 7 تطورات رئيسية تمثل لحظة محورية للبشرية، منها العودة إلى القمر والطاقة الشمسية.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد جناح «مجموعة نيو للفضاء» في معرض «جيتكس» (إكس) play-circle 01:45

رئيس «الخدمات الجيومكانية» في «نيو للفضاء»: سنطلق تطبيقاً للخرائط الرقمية

تمضي السعودية نحو مساعيها في التنويع الاقتصادي عبر تطوير قطاعات جديدة ومستقبلية، يبرز من ضمنها قطاع الفضاء بوصفه أحد القطاعات التي يتسارع فيها التقدم.

مساعد الزياني (الرياض)
يوميات الشرق رواد الفضاء ماثيو دومينيك ومايكل بارات وجانيت إيبس يعقدون مؤتمراً صحافياً في مركز جونسون الفضائي في هيوستن (أ.ب)

بعد 8 أشهر في الفضاء... رواد «ناسا» يرفضون الإفصاح عن شخصية من أصيب منهم بالمرض

رفض 3 رواد فضاء تابعين لـ«ناسا» انتهت مهمة طويلة قاموا بها في محطة الفضاء الدولية بالمستشفى، الشهر الماضي، كَشْفَ مَن منهم كان مريضاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق مركبة «زورونغ» الصينية هبطت على المريخ في مايو عام 2021 (أ.ف.ب)

بحر قديم على المريخ؟ مسبار صيني يكشف التفاصيل

عثرت مركبة «زورونغ» الصينية على أدلة على وجود خط ساحلي قديم على كوكب المريخ.

«الشرق الأوسط» (بكين)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
TT

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

عاد إلى ذاكرة مُؤسِّسة غاليري «آرت أون 56»، نهى وادي محرم، مشهد 4 أغسطس (آب) 2020 المرير. حلَّ العَصْف بذروته المخيفة عصر ذلك اليوم المشؤوم في التاريخ اللبناني، فأصاب الغاليري بأضرار فرضت إغلاقه، وصاحبته بآلام حفرت ندوباً لا تُمحى. توقظ هذه الحرب ما لا يُرمَّم لاشتداد احتمال نكئه كل حين. ولمّا قست وكثَّفت الصوتَ الرهيب، راحت تصحو مشاعر يُكتَب لها طول العُمر في الأوطان المُعذَّبة.

رغم عمق الجرح تشاء نهى وادي محرم عدم الرضوخ (حسابها الشخصي)

تستعيد المشهدية للقول إنها تشاء عدم الرضوخ رغم عمق الجرح. تقصد لأشكال العطب الوطني، آخرها الحرب؛ فأبت أن تُرغمها على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية. تُخبر «الشرق الأوسط» عن إصرارها على فتحه ليبقى شارع الجمّيزة البيروتي فسحة للثقافة والإنسان.

تُقلِّص ساعات هذا الفَتْح، فتعمل بدوام جزئي. تقول إنه نتيجة قرارها عدم الإذعان لما يُفرَض من هول وخراب، فتفضِّل التصدّي وتسجيل الموقف: «مرَّت على لبنان الأزمة تلو الأخرى، ومع ذلك امتهنَ النهوض. أصبح يجيد نفض ركامه. رفضي إغلاق الغاليري رغم خلوّ الشارع أحياناً من المارّة، محاكاة لثقافة التغلُّب على الظرف».

من الناحية العملية، ثمة ضرورة لعدم تعرُّض الأعمال الورقية في الغاليري لتسلُّل الرطوبة. السماح بعبور الهواء، وأن تُلقي الشمس شعاعها نحو المكان، يُبعدان الضرر ويضبطان حجم الخسائر.

الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه (آرت أون 56)

لكنّ الأهم هو الأثر. أنْ يُشرّع «آرت أون 56» بابه للآتي من أجل الفنّ، يُسطِّر رسالة ضدّ الموت. الأثر يتمثّل بإرادة التصدّي لِما يعاند الحياة. ولِما يحوّلها وعورةً. ويصوّرها مشهداً من جهنّم. هذا ما تراه نهى وادي محرم دورها في الأزمة؛ أنْ تفتح الأبواب وتسمح للهواء بالعبور، وللشمس بالتسلُّل، وللزائر بأن يتأمّل ما عُلِّق على الجدران وشدَّ البصيرة والبصر.

حضَّرت لوحات التشكيلية اللبنانية المقيمة في أميركا، غادة جمال، وانتظرتا معاً اقتراب موعد العرض. أتى ما هشَّم المُنتَظر. الحرب لا تُبقى المواعيد قائمة والمشروعات في سياقاتها. تُحيل كل شيء على توقيتها وإيقاعاتها. اشتدَّت الوحشية، فرأت الفنانة في العودة إلى الديار الأميركية خطوة حكيمة. الاشتعال بارعٌ في تأجيج رغبة المرء بالانسلاخ عما يحول دون نجاته. غادرت وبقيت اللوحات؛ ونهى وادي محرم تنتظر وقف النيران لتعيدها إلى الجدران.

تفضِّل نهى وادي محرم التصدّي وتسجيل الموقف (آرت أون 56)

مِن الخطط، رغبتُها في تنظيم معارض نسائية تبلغ 4 أو 5. تقول: «حلمتُ بأن ينتهي العام وقد أقمتُ معارض بالمناصفة بين التشكيليين والتشكيليات. منذ افتتحتُ الغاليري، يراودني هَمّ إنصاف النساء في العرض. أردتُ منحهنّ فرصاً بالتساوي مع العروض الأخرى، فإذا الحرب تغدر بالنوايا، والخيبة تجرّ الخيبة».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه، وربما حيّزه في هذا العالم. تُسمّيه مُتنفّساً، وتتعمّق الحاجة إليه في الشِّدة: «الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه. نرى الحزن يعمّ والخوف يُمعن قبضته. تُخبر وجوه المارّين بالشارع الأثري، الفريد بعمارته، عما يستتر في الدواخل. أراقبُها، وألمحُ في العيون تعلّقاً أسطورياً بالأمل. لذا أفتح بابي وأعلنُ الاستمرار. أتعامل مع الظرف على طريقتي. وأواجه الخوف والألم. لا تهمّ النتيجة. الرسالة والمحاولة تكفيان».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه وربما حيّزه في العالم (آرت أون 56)

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها: الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع، الإسعاف والصراخ... لـ9 أشهر تقريباً، أُرغمت على الإغلاق للترميم وإعادة الإعمار بعد فاجعة المدينة، واليوم يتكرّر مشهد الفواجع. خراب من كل صوب، وانفجارات. اشتدّ أحدها، فركضت بلا وُجهة. نسيت حقيبتها في الغاليري وهي تظنّ أنه 4 أغسطس آخر.