تركيا بين سندان التطرف «الداعشي» ومطرقة الانفصال الكردي

تفجير سَروج يطرح تساؤلات حول خيارات أنقرة الجديدة

تركيا بين سندان التطرف «الداعشي» ومطرقة الانفصال الكردي
TT

تركيا بين سندان التطرف «الداعشي» ومطرقة الانفصال الكردي

تركيا بين سندان التطرف «الداعشي» ومطرقة الانفصال الكردي

أثار التفجير الانتحاري الذي أسفر عن مقتل 32 شخصًا وجرح 104 آخرين معظمهم في مدينة سَروج التركية، ذات الأكثرية الكردية، كثيرا من التساؤلات حول سياسة تركيا تجاه سوريا وحول تغاضي المسؤولين فيها عن الجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش. وحسب المعلومات استهدف التفجير نحو 300 شاب، معظمهم من طلاب الجامعات المرتبطين بالاتحاد الاشتراكي الكردستاني الذين كانوا ينوون العبور إلى مدينة عين العرب (كوباني) السورية للمشاركة في نشاطات إعادة إعمار هذه البلدة - وهي أيضا ذات أكثرية كردية - الواقعة على الحدود مع تركيا، التي كانت هدفًا متكرّرًا لهجمات تنظيم داعش، وباتت لهذا السبب تتمتع بأهمية رمزية كبرى للأقلية الكردية داخل تركيا.

ندّد رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، بالهجوم الانتحاري الذي تعرّضت له مدينة سروج التركية، ذات الأكثرية الكردية قرب الحدود مع سوريا، معتبرًا أنه حين يتعلق الأمر بتحديد المسؤولين عن العملية الإرهابية، تشير جميع الأدلة إلى تنظيم داعش. في حين كشف المحلل التركي تيمور غوكسيل لـ«الشرق الأوسط» أن منفذ التفجير تركي تربطه علاقة واضحة بـ«داعش» على الرغم من أن التنظيم الإرهابي لم يعلن مسؤوليته عن الهجوم. ولقد أمكن التعرف على هوية الانتحاري، وهو المواطن التركي شيخ عبد الرحمن آلاغوز، وهو طالب جامعي يبلغ من العمر 20 سنة، ومسجّل في منطقة أديامان بالأناضول.
مع ذلك، أصدر صلاح الدين دميرتاش وفيقن يوكسكداغ، زعيما حزب «الشعوب الديمقراطي»، وهو الحزب الكردي الرئيسي في تركيا، بيانًا اعتبرا فيه أن «المسؤولين في أنقرة الذين يشجعون أعمال (داعش) يتحملون مسؤولية هذه الهمجية»، واعتبرا في بيانهما أنه لا يمكن لأي قوة مهمًا كانت أن تتحرك في تركيا من دون علم الاستخبارات التركية (إم آي تي) ووحدات الاستخبارات الدولية الأخرى في منطقة شانلي أورفا وسَروج، وأضافا في اتهامهما المباشر للسلطات التركية: «لا تبحثوا بعيدًا عن الجناة في هذه المذبحة، فهؤلاء الذين يتحكّمون اليوم بالسياسة هم المسؤولون الأساسيون».
وفي السياق نفسه، اتهم الجناح العسكري لحركة الاستقلال الكردية، حزب العمال الكردستاني الـ«بي كي كي» الحكومة التركية «بدعم ومساندة (داعش)»، وهذه اتهامات تردّد صداها بين الأكراد الذين نظموا احتجاجات في أنحاء مختلفة من تركيا، معبرين عن غضبهم لأن السلطات المركزية لم تتمكن من صد الهجوم الإرهابي.
بناءً عليه، طرحت العلاقة المزعومة بين الحكومة التركية وجهاز الاستخبارات التركية «إم آي تي» من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى نقاشًا حادًا داخل تركيا وخارجها، إذ تزعم جهات معادية لسلطات أنقرة أن الحكومة التركية دعمت الجماعات المتطرفة مثل «داعش» و«جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة سعيًا إلى زعزعة استقرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يواجه ثورة شعبية منذ عام 2011. ولكن الواضح أن حرية التنقل بين تركيا وسوريا على امتداد حدود طويلة يبلغ طولها نحو 800 كلم ساهمت بشكل رئيسي في نمو الحركات المسلحة المتطرفة في سوريا منذ عام 2011، ذلك أن آلاف المتطوعين الأجانب الذين تدفقوا إلى سوريا والعراق اتخذوا من تركيا معبرًا لهم. كذلك عُرفت تركيا، منذ نشوء تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق، في بعض وسائل الإعلام ولا سيما في الغرب بأنها «الطريق الجهادي السريع» التي استخدمت من قبل المجاهدين المخضرمين في القتال، كذلك من الشباب الذين تمكن «داعش» من استقطابهم من خلال «بروباغندا» العنف التي استعملها.
هذا، وفي لبنان أكدت مصادر متشددة خلال مقابلات لها مع «الشرق الأوسط» أجريت أخيرًا أن غالبية الشباب من أبناء طرابلس والبالغ عددهم نحو 400 شاب الذين يُعتقد أنهم توجّهوا إلى القتال مع «داعش» دخلوا إلى سوريا عبر تركيا.
ولكن في المقابل تؤكد الحكومة التركية أنها ملتزمة بإلحاق هزيمة بـ«داعش»، وترى أن هجوم سَروج جاء كعملية انتقامية على تشديد التدابير التركية ضد التنظيم المتطرف، ولا سيما أن الهجوم وقع بعد العمليات الأخيرة التي نفذتها الشرطة ضد أنصار «داعش» داخل تركيا، حيث اعتقلت الاستخبارات التركية أكثر من 250 شخصًا كانوا على صلة بالجماعات المتطرفة، ووفقًا لتقارير وردت إلى شرطة مدينة كلس، وسلط عليها موقع «إل مونيتور» الأميركي الضوء، أرسل «داعش» ثمانية انتحاريين من الرقة إلى تركيا.
إن الحكومة التركية تحرص الآن، جديًا، على تصوير هجوم سَروج كعملية انتقامية نفذها «داعش» على تركيا بسبب سياستها لمكافحة الإرهاب. وطبقًا لموقع «إل مونيتور» سئل رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو خلال مؤتمر صحافي إذا ما جاء التفجير كرد على الحملة التركية التي استهدفت خلايا «داعش»، مع اعتقال سبعة وعشرين شخصا في أربع محافظات قبل عشرة أيام، فأجاب أن «تركيا لطالما اتخذت تدابير للحد من خطر (داعش) وغيره من المنظمات الإرهابية. ولا شك أن هذه التدابير تزعج البعض». ولكن في هذا الصدد، اعتبر فلاديمير فان ويلينبرغ، المتخصص بالشؤون الكردية في «مؤسسة جيمس تاون»، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الأكراد هم الهدف الرئيسي للتفجيرات. وتابع أن الأكراد و«داعش» في مواجهة ونزاع في كل من سوريا والعراق، وامتدت المواجهة أخيرًا إلى منطقة تل أبيض الحدودية بين سوريا وتركيا في شمال ريف محافظة الرقة، حيث استطاعت الميليشيات الكردية السيطرة على المنطقة بعد قتال عنيف ضد مقاتلي «داعش». كذلك تقدمت الميليشيات الكردية في الشهر الماضي في منطقة عين عيسى، وتمددوا إلى مناطق قريبة من مدينة الرقة التي كان «داعش» قد اتخذها عاصمة له في سوريا.
المحلل تيمور غوكسيل يرى من جهته أن هجوم سَروج «يهدف أساسًا إلى وضع الأكراد في مواجهة مع تركيا... فليس (داعش) وحده الذي يرى في الأكراد عدوًا لدودًا له، بل تنظر إليهم تركيا أيضا بكثير من الحذر، لا سيما إلى حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره منظمة إرهابية». ويشرح أنه بعد سقوط تل أبيض بيد الأكراد جرت محادثات في أنقرة بشأن تدخل محتمل في الحرب السورية المستمرة وإمكانية احتلال منطقة طولها نحو 70 ميلا وبعمق 20 ميلا لجعلها «منطقة عازلة» في سوريا. وعلى الرغم من أن المسؤولين في الحكومة التركية أكدوا أن مثل هذا التدخل يهدف إلى منع مقاتلي «داعش» من دخول أراضي تركيا، اعتبر محللون أن هدف العملية الحقيقي هو دحر المقاتلين الأكراد وطردهم بعيدًا عن الحدود. وفي هذا الصدد كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد تعهد في وقت سابق بأن تركيا لن تسمح للأكراد السوريين بإقامة دولة خاصة بهم في سوريا. وهكذا فإن إشعال فتيل التوتر بين الأكراد وتركيا سيكون لا محالة ضمن جدول أعمال «داعش». ووفق فان ويلينبرغ، من المؤكد أن «داعش» كان قد بقي حتى الآن مترددًا في تنفيذ نشاطات كهذه في تركيا، خوفا من أن تشدد تركيا أكثر تدابيرها لمنع تدفق المقاتلين الأجانب أو النشاطات على الحدود.
تجد الحكومة التركية نفسها الآن مضطرة إلى التأقلم والموازنة ما بين أمرين، أولهما تضييق الخناق على الجماعات المتطرفة التي تعتبرها أساسية في محاربة عدوها في سوريا الرئيس بشار الأسد، وثانيهما الحفاظ على السلام والاستقرار ضمن أراضيها. فبعد وقوع التفجير في مدينة سروج، تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلى الرئيس رجب طيب إردوغان حول تعزيز التعاون لمكافحة «داعش» كما وافق على زيادة الجهود الرامية إلى «وقف تدفق المقاتلين الأجانب وتأمين الحدود التركية مع سوريا». وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت صحيفة «حريات نيوز» التركية عن خطط جديدة لتعزيز المراقبة على الحدود من خلال الاستعانة بأساليب مراقبة ورصد متطورة واعتماد سياج مزدوج على الحدود.
وعودة إلى غوكسيل، وهو ضابط دولي متقاعد وأكاديمي وخبير استراتيجي، فإنه يقول إنه «في الوقت الذي اعتمدت تركيا نهجًا متسامحًا مع (داعش) فهي تجد اليوم نفسها تحت ضغط شديد لاعتقال مقاتلي التنظيم وحرمانهم من الممرات الأمن... إن (داعش) تحظى بتعاطف كبير في تركيا بينما الحكومة تعمل على جعل حياتهم أكثر صعوبة».
في أي حال، يظهر أن الرئيس إردوغان اختار سياسة مزدوجة للتصعيد العسكري، إذ ذكرت وسائل إعلام محلية أن تركيا نفذت ضربات جوية في شمال سوريا، حيث استهدفت الطائرات الحربية التركية في آن معًا قواعد لتنظيم داعش، كما شنت أيضا غارات على معسكرات تابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
وحسب المراقبين، ليس هناك من شك في أن السياسة التي اتبعتها تركيا في سوريا كانت سياسة دقيقة ولا تخلو من الخطر، وكما أظهر كثير من التجارب السابقة فإن التغاضي عن نشاط الجماعات المتطرفة، وفي بعض الحالات استغلالها كأذرع قتال لتنفيذ غايات معينة، غالبًا ما يؤدي إلى ارتدادات سلبية على البلاد التي تسلك هذا الطريق. لكن القصف الجوي التركي لمواقع ميليشيا حزب العمال الكردستاني يهدد بانعكاسات داخلية.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».