تركيا بين سندان التطرف «الداعشي» ومطرقة الانفصال الكردي

تفجير سَروج يطرح تساؤلات حول خيارات أنقرة الجديدة

تركيا بين سندان التطرف «الداعشي» ومطرقة الانفصال الكردي
TT

تركيا بين سندان التطرف «الداعشي» ومطرقة الانفصال الكردي

تركيا بين سندان التطرف «الداعشي» ومطرقة الانفصال الكردي

أثار التفجير الانتحاري الذي أسفر عن مقتل 32 شخصًا وجرح 104 آخرين معظمهم في مدينة سَروج التركية، ذات الأكثرية الكردية، كثيرا من التساؤلات حول سياسة تركيا تجاه سوريا وحول تغاضي المسؤولين فيها عن الجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش. وحسب المعلومات استهدف التفجير نحو 300 شاب، معظمهم من طلاب الجامعات المرتبطين بالاتحاد الاشتراكي الكردستاني الذين كانوا ينوون العبور إلى مدينة عين العرب (كوباني) السورية للمشاركة في نشاطات إعادة إعمار هذه البلدة - وهي أيضا ذات أكثرية كردية - الواقعة على الحدود مع تركيا، التي كانت هدفًا متكرّرًا لهجمات تنظيم داعش، وباتت لهذا السبب تتمتع بأهمية رمزية كبرى للأقلية الكردية داخل تركيا.

ندّد رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، بالهجوم الانتحاري الذي تعرّضت له مدينة سروج التركية، ذات الأكثرية الكردية قرب الحدود مع سوريا، معتبرًا أنه حين يتعلق الأمر بتحديد المسؤولين عن العملية الإرهابية، تشير جميع الأدلة إلى تنظيم داعش. في حين كشف المحلل التركي تيمور غوكسيل لـ«الشرق الأوسط» أن منفذ التفجير تركي تربطه علاقة واضحة بـ«داعش» على الرغم من أن التنظيم الإرهابي لم يعلن مسؤوليته عن الهجوم. ولقد أمكن التعرف على هوية الانتحاري، وهو المواطن التركي شيخ عبد الرحمن آلاغوز، وهو طالب جامعي يبلغ من العمر 20 سنة، ومسجّل في منطقة أديامان بالأناضول.
مع ذلك، أصدر صلاح الدين دميرتاش وفيقن يوكسكداغ، زعيما حزب «الشعوب الديمقراطي»، وهو الحزب الكردي الرئيسي في تركيا، بيانًا اعتبرا فيه أن «المسؤولين في أنقرة الذين يشجعون أعمال (داعش) يتحملون مسؤولية هذه الهمجية»، واعتبرا في بيانهما أنه لا يمكن لأي قوة مهمًا كانت أن تتحرك في تركيا من دون علم الاستخبارات التركية (إم آي تي) ووحدات الاستخبارات الدولية الأخرى في منطقة شانلي أورفا وسَروج، وأضافا في اتهامهما المباشر للسلطات التركية: «لا تبحثوا بعيدًا عن الجناة في هذه المذبحة، فهؤلاء الذين يتحكّمون اليوم بالسياسة هم المسؤولون الأساسيون».
وفي السياق نفسه، اتهم الجناح العسكري لحركة الاستقلال الكردية، حزب العمال الكردستاني الـ«بي كي كي» الحكومة التركية «بدعم ومساندة (داعش)»، وهذه اتهامات تردّد صداها بين الأكراد الذين نظموا احتجاجات في أنحاء مختلفة من تركيا، معبرين عن غضبهم لأن السلطات المركزية لم تتمكن من صد الهجوم الإرهابي.
بناءً عليه، طرحت العلاقة المزعومة بين الحكومة التركية وجهاز الاستخبارات التركية «إم آي تي» من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى نقاشًا حادًا داخل تركيا وخارجها، إذ تزعم جهات معادية لسلطات أنقرة أن الحكومة التركية دعمت الجماعات المتطرفة مثل «داعش» و«جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة سعيًا إلى زعزعة استقرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يواجه ثورة شعبية منذ عام 2011. ولكن الواضح أن حرية التنقل بين تركيا وسوريا على امتداد حدود طويلة يبلغ طولها نحو 800 كلم ساهمت بشكل رئيسي في نمو الحركات المسلحة المتطرفة في سوريا منذ عام 2011، ذلك أن آلاف المتطوعين الأجانب الذين تدفقوا إلى سوريا والعراق اتخذوا من تركيا معبرًا لهم. كذلك عُرفت تركيا، منذ نشوء تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق، في بعض وسائل الإعلام ولا سيما في الغرب بأنها «الطريق الجهادي السريع» التي استخدمت من قبل المجاهدين المخضرمين في القتال، كذلك من الشباب الذين تمكن «داعش» من استقطابهم من خلال «بروباغندا» العنف التي استعملها.
هذا، وفي لبنان أكدت مصادر متشددة خلال مقابلات لها مع «الشرق الأوسط» أجريت أخيرًا أن غالبية الشباب من أبناء طرابلس والبالغ عددهم نحو 400 شاب الذين يُعتقد أنهم توجّهوا إلى القتال مع «داعش» دخلوا إلى سوريا عبر تركيا.
ولكن في المقابل تؤكد الحكومة التركية أنها ملتزمة بإلحاق هزيمة بـ«داعش»، وترى أن هجوم سَروج جاء كعملية انتقامية على تشديد التدابير التركية ضد التنظيم المتطرف، ولا سيما أن الهجوم وقع بعد العمليات الأخيرة التي نفذتها الشرطة ضد أنصار «داعش» داخل تركيا، حيث اعتقلت الاستخبارات التركية أكثر من 250 شخصًا كانوا على صلة بالجماعات المتطرفة، ووفقًا لتقارير وردت إلى شرطة مدينة كلس، وسلط عليها موقع «إل مونيتور» الأميركي الضوء، أرسل «داعش» ثمانية انتحاريين من الرقة إلى تركيا.
إن الحكومة التركية تحرص الآن، جديًا، على تصوير هجوم سَروج كعملية انتقامية نفذها «داعش» على تركيا بسبب سياستها لمكافحة الإرهاب. وطبقًا لموقع «إل مونيتور» سئل رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو خلال مؤتمر صحافي إذا ما جاء التفجير كرد على الحملة التركية التي استهدفت خلايا «داعش»، مع اعتقال سبعة وعشرين شخصا في أربع محافظات قبل عشرة أيام، فأجاب أن «تركيا لطالما اتخذت تدابير للحد من خطر (داعش) وغيره من المنظمات الإرهابية. ولا شك أن هذه التدابير تزعج البعض». ولكن في هذا الصدد، اعتبر فلاديمير فان ويلينبرغ، المتخصص بالشؤون الكردية في «مؤسسة جيمس تاون»، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الأكراد هم الهدف الرئيسي للتفجيرات. وتابع أن الأكراد و«داعش» في مواجهة ونزاع في كل من سوريا والعراق، وامتدت المواجهة أخيرًا إلى منطقة تل أبيض الحدودية بين سوريا وتركيا في شمال ريف محافظة الرقة، حيث استطاعت الميليشيات الكردية السيطرة على المنطقة بعد قتال عنيف ضد مقاتلي «داعش». كذلك تقدمت الميليشيات الكردية في الشهر الماضي في منطقة عين عيسى، وتمددوا إلى مناطق قريبة من مدينة الرقة التي كان «داعش» قد اتخذها عاصمة له في سوريا.
المحلل تيمور غوكسيل يرى من جهته أن هجوم سَروج «يهدف أساسًا إلى وضع الأكراد في مواجهة مع تركيا... فليس (داعش) وحده الذي يرى في الأكراد عدوًا لدودًا له، بل تنظر إليهم تركيا أيضا بكثير من الحذر، لا سيما إلى حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره منظمة إرهابية». ويشرح أنه بعد سقوط تل أبيض بيد الأكراد جرت محادثات في أنقرة بشأن تدخل محتمل في الحرب السورية المستمرة وإمكانية احتلال منطقة طولها نحو 70 ميلا وبعمق 20 ميلا لجعلها «منطقة عازلة» في سوريا. وعلى الرغم من أن المسؤولين في الحكومة التركية أكدوا أن مثل هذا التدخل يهدف إلى منع مقاتلي «داعش» من دخول أراضي تركيا، اعتبر محللون أن هدف العملية الحقيقي هو دحر المقاتلين الأكراد وطردهم بعيدًا عن الحدود. وفي هذا الصدد كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد تعهد في وقت سابق بأن تركيا لن تسمح للأكراد السوريين بإقامة دولة خاصة بهم في سوريا. وهكذا فإن إشعال فتيل التوتر بين الأكراد وتركيا سيكون لا محالة ضمن جدول أعمال «داعش». ووفق فان ويلينبرغ، من المؤكد أن «داعش» كان قد بقي حتى الآن مترددًا في تنفيذ نشاطات كهذه في تركيا، خوفا من أن تشدد تركيا أكثر تدابيرها لمنع تدفق المقاتلين الأجانب أو النشاطات على الحدود.
تجد الحكومة التركية نفسها الآن مضطرة إلى التأقلم والموازنة ما بين أمرين، أولهما تضييق الخناق على الجماعات المتطرفة التي تعتبرها أساسية في محاربة عدوها في سوريا الرئيس بشار الأسد، وثانيهما الحفاظ على السلام والاستقرار ضمن أراضيها. فبعد وقوع التفجير في مدينة سروج، تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلى الرئيس رجب طيب إردوغان حول تعزيز التعاون لمكافحة «داعش» كما وافق على زيادة الجهود الرامية إلى «وقف تدفق المقاتلين الأجانب وتأمين الحدود التركية مع سوريا». وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت صحيفة «حريات نيوز» التركية عن خطط جديدة لتعزيز المراقبة على الحدود من خلال الاستعانة بأساليب مراقبة ورصد متطورة واعتماد سياج مزدوج على الحدود.
وعودة إلى غوكسيل، وهو ضابط دولي متقاعد وأكاديمي وخبير استراتيجي، فإنه يقول إنه «في الوقت الذي اعتمدت تركيا نهجًا متسامحًا مع (داعش) فهي تجد اليوم نفسها تحت ضغط شديد لاعتقال مقاتلي التنظيم وحرمانهم من الممرات الأمن... إن (داعش) تحظى بتعاطف كبير في تركيا بينما الحكومة تعمل على جعل حياتهم أكثر صعوبة».
في أي حال، يظهر أن الرئيس إردوغان اختار سياسة مزدوجة للتصعيد العسكري، إذ ذكرت وسائل إعلام محلية أن تركيا نفذت ضربات جوية في شمال سوريا، حيث استهدفت الطائرات الحربية التركية في آن معًا قواعد لتنظيم داعش، كما شنت أيضا غارات على معسكرات تابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
وحسب المراقبين، ليس هناك من شك في أن السياسة التي اتبعتها تركيا في سوريا كانت سياسة دقيقة ولا تخلو من الخطر، وكما أظهر كثير من التجارب السابقة فإن التغاضي عن نشاط الجماعات المتطرفة، وفي بعض الحالات استغلالها كأذرع قتال لتنفيذ غايات معينة، غالبًا ما يؤدي إلى ارتدادات سلبية على البلاد التي تسلك هذا الطريق. لكن القصف الجوي التركي لمواقع ميليشيا حزب العمال الكردستاني يهدد بانعكاسات داخلية.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».