مخاوف تركية من كارثة صحية وانتشار الأوبئة في المناطق المنكوبة

إنشاء مراكز تنسيق وسجلات للمتضررين بالخيام وتوفير اللقاحات

نقل جثة في هطاي (رويترز)
نقل جثة في هطاي (رويترز)
TT

مخاوف تركية من كارثة صحية وانتشار الأوبئة في المناطق المنكوبة

نقل جثة في هطاي (رويترز)
نقل جثة في هطاي (رويترز)

تسود مخاوف كبيرة من التداعيات الصحية السلبية المحتملة في المناطق التي أقيمت فيها مخيمات لإيواء المتضررين من الزلزال في ولايات جنوب وشرق وجنوب شرقي تركيا، في ظل انقطاع الماء والكهرباء، وانتشار المخلفات، ونقص المواد الطبية ومستحضرات الوقاية من الميكروبات.
«منظمة الصحة العالمية» أطلقت تحذيراً أشارت فيه إلى أن عدد من تضرروا من الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، قد يتجاوز 23 مليون شخص، بينهم نحو 5 ملايين في وضع هش.
وعبَّرت المنظمة عن القلق: «من أزمة صحية كبرى قد تتجاوز أضرارها خسائر الزلزال»، وعن مخاوفها من «انتشار وباء الكوليرا الذي ظهر مجدداً في سوريا»، ووجود «أعداد ضخمة من الجثث التي خلفها الزلزال».
وقالت «الوكالة الأميركية للتنمية» بدورها، إن الولايات المتحدة ستقدم مساعدة بقيمة 85 مليون دولار إلى تركيا وسوريا بعد الزلزال: «سيتم تسديدها لشركاء على الأرض، بهدف تقديم المساعدة الطارئة الضرورية إلى ملايين الأشخاص، وتأمين مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي لمنع تفشي الأوبئة».
وتعرض أكثر من 41 ألف مبنى في تركيا للتدمير الكلي أو الجزئي نتيجة الزلزال. وتضررت البنية التحتية لشبكات المياه والصرف الصحي في المناطق المنكوبة، وهو ما يزيد من خطر انتشار الأوبئة والأمراض المعدية مثل الكوليرا، في وقت يواجه فيه القطاع الصحي بتركيا ضغطاً شديداً منذ فترة وباء «كورونا» في عام 2020.
وقالت رئيسة غرفة الأطباء بمدينة ديار بكر، وهي ضمن الولايات العشر التي ضربها الزلزال، إليف توران: «أقمنا مركز كوارث وطوارئ، ونواجه مشكلة كبيرة في توفير المأوى للناجين من تحت الأنقاض... تم فتح صالات الأعراس والمستشفيات الخاصة ومراكز العمل أمام المتضررين؛ لكن هناك حاجة ماسة لتوفير أغذية الأطفال الرضع، والحفاضات، والفوط الصحية للنساء».
وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن هناك حاجة كبيرة أيضاً للأدوية وإنشاء صيدليات متنقلة، والاهتمام بزيادة دورات المياه وتوفير شبكة للصرف الصحي، في المناطق التي أقيمت بها الخيام.
وحذرت أستاذة الأوبئة والأمراض المعدية، الدكتورة أسين داود أوغلو شينول، من احتمالات «انتشار الأمراض التنفسية، كالتهابات الرئة والشعب الهوائية، لا سيما لدى الأطفال وكبار السن، والإسهال والأمراض الفيروسية والوبائية مثل الملاريا والكوليرا، بسبب انتشار البعوض والذباب والقوارض التي تعد نواقل فعالة للعدوى».
وأضافت: «هناك مخاطر إضافية بسبب الاتصال المباشر بين أعضاء فرق الإنقاذ والإغاثة مع الجثث تحت الأنقاض، وهو ما يمكن أن يتسبب في انتقال بعض الأمراض الوبائية، مثل السل وفيروسات الكبد الوبائي (ب) و(ج)، وغيرها».
ولفتت إلى أنه «لا بد من توفير أعلى درجات الحماية والمواد المضادة للفيروسات، وتوزيعها على المقيمين في الخيام، مع توفير كافة احتياجات المستشفيات الميدانية للتعامل مع الوضع الراهن».
وكانت «منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونيسيف)، قد حذرت من أن أكثر من 7 ملايين طفل سيتضررون من الزلزال الذي ضرب تركيا وأجزاء من سوريا.
وقال المتحدث باسم المنظمة جيمس إلدر للصحافيين: «في تركيا، كان مجموع الأطفال الذين يعيشون في الولايات العشر التي ضربها الزلزالان 4.6 مليون طفل، وفي سوريا تأثر 2.5 مليون طفل، فضلاً عن أكثر من 37 ألف قتيل في البلدين».
وأشار إلى أنه «بالنظر إلى عدد القتلى الكارثي والمتزايد، من الواضح أن كثيراً من الأطفال فقدوا أهاليهم في هذه الزلازل المدمرة»، محذراً من أن «الرقم سيكون مرعباً». وأوضح: «إن عائلات مع أطفالها تنام في الشوارع ومراكز التسوق والمدارس والمساجد ومحطات الحافلات وتحت الجسور، وما زالت مع أطفالها في مناطق مفتوحة خوفاً من العودة إلى منازلها، ويتعرضون جميعاً للعوامل الجوية في فترة من العام شديدة البرودة، وسط الثلوج والأمطار».
وتحركت وزارة الصحة التركية، وأعلنت إنشاء مراكز تنسيق للصحة العامة في الولايات العشر المتضررة، لحماية ضحايا الزلزال والأهالي عموماً، من مخاطر العدوى والأمراض الوبائية.
وذكرت الوزارة، في بيان، الثلاثاء، أنه تم إرسال 80 ألفاً و516 لقاحاً ضد التيتانوس، و3 آلاف جرعة من لقاح الكزاز وداء الكلب إلى المنطقة. وقال نائب مدير عام الصحة في كهرمان ماراش، الدكتور محمد أنيس غوكلار، إنه تم البدء في اتخاذ التدابير منذ اليوم الأول لوقوع الزلزال الأسبوع الماضي، وتم تطبيق نظام التعقيم الفائق بالكلور في خطوط المياه الرئيسية، ويتم أخذ عينات من المياه أولاً بأول لتحليلها.
وأضاف: «إن المعالجة بالكلور تتم أيضاً في الأماكن التي يتم فيها نقل المياه عن طريق الصهاريج، ويتم توفير المياه بعد هذه المعالجة الفائقة بالكلور، ويتم أخذ هذه العينات في الغالب ومراقبتها بشكل روتيني من جميع النقاط التي يتركز فيها المواطنون، مثل مدن الخيام ومراكز الإيواء والمستشفيات، كما تم إنشاء مناطق تفتيش في كل مدينة من مدن الخيام». وتابع بأنه «يتم دورياً صرف الأدوية للأطفال المصابين بالتهاب الحلق أو الحمى، ومن الأمور المهمة الأخرى أننا نطبق نظام إنذار مبكر، نسميه (مراقبة المتلازمات)، والذي يمكن من الكشف السريع عن الأعراض التي قد تشكل تهديداً للصحة العامة؛ حيث نقوم بجمع بيانات عن الأطفال المصابين بالإسهال من جميع مؤسسات الرعاية الصحية الأولية والإسعاف والمستشفيات، وتتم مراقبة ما إذا كانت هناك زيادة مقارنة باليوم السابق».
وأضاف غوكلار أنه «تم الاتصال بالنساء الحوامل واحدة تلو الأخرى في منطقة الزلزال، وتم إعطاؤهن الأرقام التي يمكنهن الوصول إليها في حالة الطوارئ، كما قامت الفرق الطبية بإنشاء سجلات للعائلات في تجمعات الخيام».
وأكد: «توفر عدد كاف من اللقاحات في المستودعات، وتم وضع ثلاجات صغيرة أو حاويات لنقل اللقاحات في مدن الخيام، وتوزيع اللقاحات على جميع النقاط وعلى المستشفيات، وفي الخطوة التالية، سنحدد الوضع من حالة تحصين أطفالنا، وسنقوم بتحصين الأطفال الذين فقدوا مواعيد اللقاحات أو الذين حان وقتهم».


مقالات ذات صلة

هزة أرضية بقوة 4.8 درجة تضرب شمال مصر

شمال افريقيا عمارات على النيل في وسط العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)

هزة أرضية بقوة 4.8 درجة تضرب شمال مصر

سجلت مصر اليوم هزة أرضية بقوة 4.8 درجة على بعد 502 كيلومتر شمالي دمياط في شمال شرقي البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق هل تتنبأ الحيوانات بالكوارث الطبيعية؟ قمر اصطناعي يراقب سلوكها لتقديم إنذار مبكر

هل تتنبأ الحيوانات بالكوارث الطبيعية؟ قمر اصطناعي يراقب سلوكها لتقديم إنذار مبكر

يعكف علماء على مراقبة سلوك الحيوانات باستخدام أجهزة تعقب متطورة تُثبّت على أجسادها، وترتبط بقمر اصطناعي جديد يُطلق العام المقبل

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا شخص ينظر إلى الأنقاض والحطام بعد زلزال في كهرمان مرعش بتركيا 8 فبراير 2023 (رويترز)

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أفاد التلفزيون التركي، اليوم الأحد، بوقوع زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
يوميات الشرق شرم الشيخ شهدت زلزالاً بلغت قوته 4.25 درجة على مقياس ريختر (عبد الفتاح فرج)

ما أسباب تكرار الهزات الأرضية في شمال البحر الأحمر؟

سجّلت محطات شبكة الزلازل القومية، هزة أرضية على بُعد 12 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، عند الساعة 7:34 صباحاً بتوقيت القاهرة، مما أثار انتباه السكان في المنطقة.

محمد السيد علي (القاهرة)
شؤون إقليمية قُبض على الإسرائيلي بوريس ولفمان في إسطنبول 2015 وسُلم لإسرائيل لاتهامه بالاتجار بالأعضاء وعاد إلى تركيا عام 2017 (إعلام تركية)

القبض على إسرائيلي في تركيا للاتجار بأعضاء اللاجئين السوريين

قررت محكمة تركية في إسطنبول توقيف إسرائيلي مطلوب من الإنتربول الدولي بنشرة حمراء، لتورطه في عمليات اتجار بالأعضاء في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
TT

الأمم المتحدة تسعى لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)

أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، الأربعاء، نداء لجمع أكثر من 47 مليار دولار، لتوفير المساعدات الضرورية لنحو 190 مليون شخص خلال عام 2025، في وقتٍ تتنامى فيه الحاجات بسبب النزاعات والتغير المناخي.

وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة عن العمل الإنساني لعام 2025»، إن الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الأطفال والنساء والأشخاص ذوو الإعاقة والفقراء، يدفعون الثمن الأعلى «في عالم مشتعل».

سودانيون فارُّون من المعارك بمنطقة الجزيرة في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

وفي ظل النزاعات الدامية التي تشهدها مناطق عدة في العالم؛ خصوصاً غزة والسودان وأوكرانيا، والكلفة المتزايدة للتغير المناخي وظروف الطقس الحادة، تُقدِّر الأمم المتحدة أن 305 ملايين شخص في العالم سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية، العام المقبل.

أطفال يحملون أواني معدنية ويتزاحمون للحصول على الطعام من مطبخ يتبع الأعمال الخيرية في خان يونس بقطاع غزة (إ.ب.أ)

وأوضح «أوتشا»، في تقريره، أن التمويل المطلوب سيساعد الأمم المتحدة وشركاءها على دعم الناس في 33 دولة و9 مناطق تستضيف اللاجئين.

وقال فليتشر: «نتعامل حالياً مع أزمات متعددة... والفئات الأكثر ضعفاً في العالم هم الذين يدفعون الثمن»، مشيراً إلى أن اتساع الهوة على صعيد المساواة، إضافة إلى تداعيات النزاعات والتغير المناخي، كل ذلك أسهم في تشكُّل «عاصفة متكاملة» من الحاجات.

ويتعلق النداء بطلب جمع 47.4 مليار دولار لوكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية لسنة 2025، وهو أقل بقليل من نداء عام 2024.

وأقر المسؤول الأممي، الذي تولى منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الأمم المتحدة وشركاءها لن يكون في مقدورهم توفير الدعم لكل المحتاجين.

أم أوكرانية تعانق ابنها بعد عودته من روسيا... الصورة في كييف يوم 8 أبريل 2023 (رويترز)

وأوضح: «ثمة 115 مليون شخص لن نتمكن من الوصول إليهم»، وفق هذه الخطة، مؤكداً أنه يشعر «بالعار والخوف والأمل» مع إطلاق تقرير «اللمحة العامة»، للمرة الأولى من توليه منصبه.

وعَدَّ أن كل رقم في التقرير «يمثل حياة محطمة» بسبب النزاعات والمناخ «وتفكك أنظمتنا للتضامن الدولي».

وخفضت الأمم المتحدة مناشدتها لعام 2024 إلى 46 مليار دولار، من 56 ملياراً في العام السابق، مع تراجع إقبال المانحين على تقديم الأموال، لكنها لم تجمع إلا 43 في المائة من المبلغ المطلوب، وهي واحدة من أسوأ المعدلات في التاريخ. وقدمت واشنطن أكثر من 10 مليارات دولار؛ أي نحو نصف الأموال التي تلقتها. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن عمال الإغاثة اضطروا لاتخاذ خيارات صعبة، فخفّضوا المساعدات الغذائية 80 في المائة في سوريا، وخدمات المياه في اليمن المعرَّض للكوليرا. والمساعدات ليست سوى جزء واحد من إجمالي إنفاق الأمم المتحدة، التي لم تفلح لسنوات في تلبية احتياجات ميزانيتها الأساسية بسبب عدم سداد الدول مستحقاتها. وعلى الرغم من وقف الرئيس المنتخب دونالد ترمب بعض الإنفاق في إطار الأمم المتحدة، خلال ولايته الرئاسية الأولى، فإنه ترك ميزانيات المساعدات في الأمم المتحدة بلا تخفيض. لكن مسؤولين ودبلوماسيين يتوقعون تقليل الإنفاق في ولايته الجديدة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

من جانبه، قال يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين: «الولايات المتحدة علامة استفهام كبيرة... أخشى أننا ربما نتعرض لخيبة أمل مريرة؛ لأن المزاج العام العالمي والتطورات السياسية داخل الدول ليست في مصلحتنا». وكان إيغلاند قد تولّى منصب فليتشر نفسه من 2003 إلى 2006. والمشروع 2025، وهو مجموعة من المقترحات المثيرة للجدل التي وضعها بعض مستشاري ترمب، يستهدف «الزيادات المسرفة في الموازنة» من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. ولم تردَّ الإدارة التي يشكلها ترامب على طلب للتعليق. وأشار فليتشر إلى «انحلال أنظمتنا للتضامن الدولي»، ودعا إلى توسيع قاعدة المانحين. وعند سؤال فليتشر عن تأثير ترمب، أجاب: «لا أعتقد أنه لا توجد شفقة لدى هذه الحكومات المنتخبة». ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن أحد التحديات هو استمرار الأزمات لفترة أطول تبلغ عشر سنوات في المتوسط. وقال مايك رايان، المدير التنفيذي لبرنامج منظمة الصحة العالمية للطوارئ الصحية، إن بعض الدول تدخل في «حالة أزمة دائمة». وحلّت المفوضية الأوروبية، الهيئة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي، وألمانيا في المركزين الثاني والثالث لأكبر المانحين لميزانيات الأمم المتحدة للمساعدات، هذا العام. وقالت شارلوت سلينتي، الأمين العام لمجلس اللاجئين الدنماركي، إن إسهامات أوروبا محل شك أيضاً في ظل تحويل التمويل إلى الدفاع. وأضافت: «إنه عالم أكثر هشاشة وعدم قابلية على التنبؤ (مما كان عليه في ولاية ترمب الأولى)، مع وجود أزمات أكثر، وإذا كانت إدارة الولايات المتحدة ستُخفض تمويلها الإنساني، فقد يكون سد فجوة الاحتياجات المتنامية أكثر تعقيداً».