يقف غالب في حديقة عامة صغيرة أمام فندق ضخم في قلب مدينة كهرمان ماراش، يراقب بصمت وتوتر آليات رفع الأنقاض تنهش في حطام الفندق الذي كان واحداً من معالم المدينة، منتظراً خبراً عن شقيقه الموجود مع 9 من زملائه في قلب الأنقاض.
وكما غالب، يقف عديد من الأهالي في المكان نفسه، ومعهم أهالي ثلاثة من طاقم الفندق الذين كانوا فيه عند حصول الزلزال. حظ شقيقه خالد، خذله يومها. هو يعمل في مصرف كبير في مدينة إسطنبول، وكان في رحلة إلى المدينة لتدريب طاقم محلي مع ثمانية من رفاقه في فروع أخرى. وصل إلى الفندق مساء، وبات ليلته على أساس بدء العمل في قاعة استأجرها المصرف في الفندق نفسه، لكن الزلزال غافله، كما غافل رفاقه، خلال نومهم فجر الاثنين.
يتحدث غالب، وعيناه تراقبان الرافعات التي تعمل، ليقفز قلبه كلما ارتفعت قطعة من قماش أو أي شيء لا يشبه حجارة الفندق المهشمة. لا يمتلك غالب أملاً في الوصول إلى شقيقه حياً. شكل الأنقاض المتراصة فوق بعضها لا يوحي بذلك، قائلاً: «أريد أن آخذه معي إلى المنزل».
في الجهة الثانية من الفندق، يتجمع شبان سوريون أمام مجموعة من المنازل المدمرة. هم ينتظرون خبراً عن أقارب وأصدقاء موجودين في المبنيين المجاورين. يقول أحدهم، وهو يزيل عن رأسه قبعة بلاستيكية صفراء مثل التي يلبسها عمال ورش البناء: «لقد وجدنا ثلاثة، وما زال هناك أربعة».
يتدخل رجل مسن يقف معهم، ليقول إنه قادم من مدينة قيصري في عمق الأناضول؛ للحصول على جثة شقيقه وعائلته الذين قضوا تحت الأنقاض، ويشير إلى شاب ثلاثيني محمّر العيون: «هذا ابني ينتظر استخراج زوجته، ابنة شقيقي». نسأل الشاب: «هل كنت معها؟». يجيب: «كلا، أنا مقيم في قيصري، لكن زينب (زوجته) أتت ليلة الزلزال لزيارة عائلتها للمرة الأولى منذ زواجنا... وماتت معهم». ماتت؟ يجيب: «قالوا لنا إن لا أحياء تحت الأنقاض، لكننا لن نغادر من دونهم. نحن هنا منذ حصل الزلزال، ولن نغادر من دونهم».
مقابل الصدف القاتلة، التي أودت بالشاب والعروس، كان حسن، الشاب السوري كمَن كتبت له الحياة مجدداً. هو غادر إلى عنتاب ليلة الزلزال. كان في زيارة إلى أقاربه، وأصروا عليه أن يبيت عندهم؛ بسبب حلول الليل والطقس العاصف، لكنه رفض وقرر المغادرة. مات من كانوا معه جميعاً في تلك الليلة، وعاش هو ليشهد الزلزال في عنتاب.
المفقودون... هاجس المسؤولين وألم الأقارب
المفقودون... هاجس المسؤولين وألم الأقارب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة