هل يُمكن غسل الملابس من دون منظفات مستقبلاً؟

دراسة سويدية وضعت الأساس العلمي لتوجهات جديدة

هل يُمكن غسل الملابس من دون منظفات مستقبلاً؟
TT

هل يُمكن غسل الملابس من دون منظفات مستقبلاً؟

هل يُمكن غسل الملابس من دون منظفات مستقبلاً؟

هل يمكن أن يصبح غسل ملابسنا بالمنظفات شيئاً من الماضي؟ قد يبدو هذا السؤال غريباً؛ لكن فريقاً بحثياً من جامعة مالمو بالسويد عمل على الإجابة عنه، وكانت المفاجأة التي خلص إليها، أنه «يمكن أن يحدث ذلك».
وعلى الرغم من أن التجارب التي أجراها الفريق البحثي، ونُشرت أحدث نتائجها في 6 يناير (كانون الثاني) الماضي، بالموقع الإلكتروني لجامعة مالمو، لا تزال في مراحلها الأولى، فإن التحقيق فيما إذا كان يمكن إجراء الغسل أو التنظيف باستخدام الماء النقي، بدلاً من محلول المنظفات، يبدو واعداً.
الفرضية التي انطلق منها الفريق البحثي بمركز أبحاث الأغشية الحيوية في دراسته، هي أنه في المياه النقية أي «الماء الذي تم ترشيحه وإزالة الأيونات منه، بحيث تتم إزالة الشوائب وخصوصاً الأيونات»، تصبح قوى التنافر بين الأجسام المشحونة أقوى، ونتيجة لذلك يسهل فصل جزيئات الأوساخ عن الأسطح، وتشكيل «نظام غرواني» مشتت بدقة في الماء.
ووفقاً لنتائج دراسة سابقة نُشرت في فبراير (شباط) عام 2022 بدورية «جورنال أوف كولويد آند إنترفيس ساينس»، استخدم الفريق البحثي الماء بخصائص مختلفة، هي: «ماء الصنبور، والماء المضاف إليه الملح، ودرجتان من الماء النقي»، وتم تطبيق تقنية حساسة للسطح لتحليل التفاعل السطحي وخصائص الطبقة في الأغشية الرقيقة، تعرف باسم «QCM-D»، وأثبتت النتائج تحقيق تنقية 90 في المائة من الفازلين على شريحة زجاجية لكلا درجتي المياه النقية عند 25 درجة.
وفي التجارب اللاحقة التي تم الإعلان عن نتائجها في 6 يناير الماضي بالموقع الإلكتروني لجامعة مالمو، قام الباحثون بتجربة عدة دورات غسل وبدرجات حرارة مختلفة، وحققوا درجة تنقية بنسبة 100 في المائة في الماء النقي عند 40 درجة في دورتَي غسل.
ومع ذلك، فإنه تم في هذه التجارب افتراض أفضل الظروف عن طريق اختيار الأسطح والأوساخ التي تشكل روابط ضعيفة.
ويقول إندرياني تسومبو، الباحث المشارك بالدراسة: «استخدمنا أسطحاً صديقة للماء، مثل الزجاج والسيليكات التي لها شحنة سالبة، ثم زيت الزيتون أو الفازلين، والتي يمكن أن تحصل أيضاً على شحنات سالبة، بحيث يطلق بعضها بعضاً بسهولة. والفكرة التي يجب أن نعمل عليها هي زيادة قوة الرابطة تدريجياً، وتغيير المواد بحيث نقترب أخيراً من الظروف الحقيقية».
ويضيف: «نظراً لأن هذه عمليات معقدة، يتعين علينا بناء المعرفة من المناطق الأقل تعقيداً، وستكون الخطوة التالية هي الزيت الموجود على البلاستيك الذي يرتبط بعضه ببعض بشكل أقوى. والهدف النهائي بالطبع هو الاختبار على القماش الحقيقي».
من جانبه، يقول فيتالي كوتشيربيتوف، الباحث المشارك في الدراسة: «هدفنا هو تطوير نموذج علمي يشرح ما يحدث كيميائياً وفيزيائياً عند إزالة الأوساخ في المياه النقية، فعندما يتعلق الأمر بالغسل بالمنظفات، فإننا نعرف بالفعل ما يحدث؛ لكن الغسل بالمياه النقية منطقة غير مستكشفة».
ويوضح: «عندما يكون لديك ملح في النظام، فإن الأوساخ التي تريد إزالتها سوف تتجمع معاً بشكل أكبر، وتجعل من الصعب على الماء إزالة الجزيئات من المادة». ويضيف: «على المدى الطويل، يمكن لأبحاثنا أن تحل المشكلات البيئية مع تلوث المياه الناجم عن المنظفات، ولتحقيق النجاح في ذلك، نحتاج إلى فهم أفضل للقوى بين الجزيئات التي تعمل في المياه النقية».
من جانبه، يصف خالد إسماعيل، أستاذ العلوم البيئية بجامعة حلوان المصرية، نتائج الدراسة بأنها جديدة ومفاجئة، على الرغم من بساطتها، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إثبات فاعلية المياه النقية من دون منظفات في إزالة الأوساخ، سيخلص البيئة من واحدة من أهم مشكلاتها، وهي المنظفات الضارة بالبيئة».
ويضيف: «المنظفات لا تتحلل بشكل كامل، وتؤدي إلى تلوث إمدادات المياه والأنهار والمحيطات بالمعادن الثقيلة السامة، مثل الكادميوم والزرنيخ»، وأشار إلى أن كثيراً منها يحتوي أيضاً على ما يقرب من 35 إلى 75 في المائة أملاح فوسفات، التي يمكن أن تسبب مجموعة متنوعة من مشكلات تلوث المياه. وعلى سبيل المثال، تؤدي الفوسفات عند وصولها لمياه الصرف الصحي إلى تثبيط التحلل الحيوي للمواد العضوية، ولذا لا يمكن التخلص من المواد غير القابلة للتحلل عن طريق معالجة مياه الصرف الصحي العامة أو الخاصة.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كيف يُسرّع الذكاء الاصطناعي مسار الاكتشافات العلمية؟

باحثون بجامعة نورث كارولينا يعتمدون على روبوت لتنفيذ مهام بالمختبر (جامعة نورث كارولينا)
باحثون بجامعة نورث كارولينا يعتمدون على روبوت لتنفيذ مهام بالمختبر (جامعة نورث كارولينا)
TT

كيف يُسرّع الذكاء الاصطناعي مسار الاكتشافات العلمية؟

باحثون بجامعة نورث كارولينا يعتمدون على روبوت لتنفيذ مهام بالمختبر (جامعة نورث كارولينا)
باحثون بجامعة نورث كارولينا يعتمدون على روبوت لتنفيذ مهام بالمختبر (جامعة نورث كارولينا)

في عصر تزداد فيه الحاجة إلى حلول مبتكرة لمواجهة التحديات العالمية في مجالات الصحة والطاقة، لا يزال كثير من المختبرات الحديثة تعتمد بشكل كبير على العمل اليدوي، ما يحد من سرعة ودقة التجارب العلمية.

لكن تحولاً جذرياً قد تشهده مختبرات العلوم في مجالات الكيمياء، والكيمياء الحيوية، وعلوم المواد؛ بفضل التقدم في التشغيل الآلي للروبوتات والذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام المتكررة في المختبرات.

وتُمكّن الأتمتة، الروبوتات من إجراء التجارب بدقة وتناسق عالٍ دون تعب؛ ما يسرع من وتيرة البحث بشكل كبير ويقلل من المخاطر المرتبطة بالتعامل مع المواد الخطرة.

يمكن الاعتماد على الروبوتات في تنفيذ المهام المتكررة بالمختبرات (جامعة نورث كارولينا)

ويحرر هذا التحول العلماء من الأعمال الروتينية؛ ما يسمح لهم بالتركيز على أسئلة بحثية أكثر تعقيداً، ويعزّز من سرعة وفاعلية الاكتشافات العلمية في مجالات مثل الطب والطاقة والاستدامة.

5 مراحل

يعمل باحثون في قسمي علوم الكومبيوتر والكيمياء بجامعة نورث كارولاينا الأميركية على دراسة كيفية دمج الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام الروتينية في المختبرات، باستخدام روبوت متحرك لأتمتة مهام مختبر الكيمياء.

ويشير الباحثون، في الدراسة المنشورة بدورية «ساينس» في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أن هذه الخطوة لا تعزز الكفاءة فحسب، بل تمثل أيضاً تحولاً جذرياً في طريقة إجراء الأبحاث العلمية، ما يتيح تحقيق نتائج مذهلة بشكل أكثر أماناً وموثوقية.

أوضح الباحثون أن أتمتة المختبرات تمر بـ5 مراحل تبدأ بالمساعدة في المهام البسيطة وتنتهي بالتشغيل الآلي الكامل. في المرحلة الأولى، يتم تنفيذ مهام فردية كالتعامل مع السوائل لتخفيف العبء الروتيني، ثم في المرحلة الثانية، ينفّذ الروبوت خطوات متتالية مع بقاء العاملين من البشر للإعداد والإشراف.

أتمتة المختبرات قد تحدث تحولاً جذرياً في طريقة إجراء الأبحاث العلمية (جامعة نورث كارولينا)

وفي المرحلة الثالثة، يدير الروبوت التجارب بالكامل مع تدخل بشري عند الظروف الطارئة، بينما في الرابعة يصبح الروبوت قادراً على التعامل مع هذه الظروف بمرونة أكبر.

أما في المرحلة الخامسة، فتعمل الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل تماماً؛ ما يمكّن المختبرات من العمل المستمر دون تدخل بشري، ويعزز سرعة الاكتشافات العلمية والابتكار.

فوائد وتحديات

يقول الدكتور رون ألتيروفيتز، الباحث في الروبوتات الطبية بجامعة نورث كارولاينا، إن تطوير جزيئات ومواد كيميائية جديدة يتطلب جهوداً بشرية مكثفة، تشمل تصميم التجارب وتوليف المواد وتحليل النتائج، فيما يمكن لأتمتة المهام الروتينية أن تسرّع هذه العمليات وتزيد دقتها، عبر تنفيذ الخطوات بتناسق أعلى وتقليل الأخطاء، ما يعزز إمكانية إعادة إنتاج النتائج.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الروبوتات يمكن أن تساهم في نقل العينات وإجراء القياسات وتقليل المخاطر المرتبطة بالمواد الخطرة؛ ما يعزز سلامة الباحثين. كما يمكنها تحليل كميات ضخمة من بيانات التجارب، واكتشاف الأنماط والرؤى غير الملحوظة للبشر، خصوصاً في التجارب التي تتطلب مراقبة مستمرة أو إنتاج كميات كبيرة من البيانات، مثل الفحص عالي الإنتاجية المستخدم في اكتشاف الأدوية.

ووفق شركة «يونايتد روبوتيكس غروب» المتخصصة في تطوير الروبوتات وحلول الأتمتة، فإن الروبوتات توفر فائدة مالية رئيسية تتمثل في زيادة الكفاءة والإنتاجية؛ إذ يمكن لأتمتة أنظمة المختبرات الأساسية تقليل خطوات المعالجة اليدوية بنسبة تصل إلى 86 في المائة، ما يعزز الكفاءة ويخفض تكاليف العمالة.

يمكن للروبوتات تحليل كميات ضخمة من بيانات التجارب واكتشاف الأنماط والرؤى غير الملحوظة للبشر

في السياق نفسه، كشفت مؤسسة «مايو كلينيك» الطبية الأميركية أن الأتمتة أدت إلى زيادة حجم العمل اليومي لـ10 أضعاف في بعض المختبرات، ما يرفع الإنتاجية ويتيح التعامل مع الطلب المتزايد في الأبحاث الطبية والعلمية.

وفي مجال الكيمياء المناعية، وهي تقنية مخبرية تستخدم لتحديد توزيع البروتينات والجزيئات داخل الأنسجة، ساعدت الأتمتة في معالجة المزيد من شرائح الأنسجة بزمن أقل، مما خفض زمن المعالجة بنسبة 15.22 في المائة والتكلفة لكل شريحة بنسبة 37.27 في المائة، وفق «يونايتد روبوتيكس غروب».

ولا تقتصر الفوائد على تقليل الزمن والتكلفة، بل تشمل تحسين الدقة وتقليل الأخطاء، وهو أمر حيوي في مجالات حساسة كعلم الجينوم واكتشاف الأدوية، وفق الباحثين.

وأظهرت تجربة، بمستشفى «إلبلاند كلينيكوم مايسن» في ألمانيا عام 2023، كيف تسهم الروبوتات في تحسين كفاءة المختبرات وتقليل عبء العمل، خصوصاً مع نقص الكوادر.

وفيما يتعلق بالتحديات، أشار ألتيروفيتز إلى أن الأتمتة تُنفذ حالياً في مهام محدودة بالمختبرات، ولتحقيق التنفيذ الكامل، يتطلب الأمر تطوير مهارات في الروبوتات وعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى ضخ استثمارات في البنية التحتية وبرامج التدريب، ما قد يشكل عبئاً مالياً كبيراً. كما يتطلب تعاوناً بين الباحثين والمهندسين وعلماء الكومبيوتر لتحقيق الفائدة الكاملة من هذه التقنية.