«مد يدك لنراك».. الوقت يقتل الأمل بإنقاذ المحاصرين تحت الأنقاض

عضو في فريق إنقاذ برتغالي يبحث عن ناجين بين ركام أبنية منهارة في أنطاكيا أمس (إ.ب.أ)
عضو في فريق إنقاذ برتغالي يبحث عن ناجين بين ركام أبنية منهارة في أنطاكيا أمس (إ.ب.أ)
TT

«مد يدك لنراك».. الوقت يقتل الأمل بإنقاذ المحاصرين تحت الأنقاض

عضو في فريق إنقاذ برتغالي يبحث عن ناجين بين ركام أبنية منهارة في أنطاكيا أمس (إ.ب.أ)
عضو في فريق إنقاذ برتغالي يبحث عن ناجين بين ركام أبنية منهارة في أنطاكيا أمس (إ.ب.أ)

باتت عبارة «هل من يسمعني؟» واحدة من أشهر العبارات في تركيا مع بدء عمليات الإنقاذ، إثر الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد، وألقى بآلاف السكان تحت الأنقاض.
تعمل آلات رفع الأنقاض بكثافة في أماكن متفرقة من مدينة أنطاكيا، وعلى مقربة من كل منها يقف أفراد من عائلات المفقودين بقلق واضح مع مرور الزمن الذي يقتل أملهم بالعثور على أحبائهم ببطء وقسوة.
ومع كل ساعة تمر، يصبح الأمل بالعثور على ناجين صعباً. بعض فرق الإنقاذ المتخصصة غادرت تركيا بالفعل بعد مضي 72 ساعة، يعتبرها هؤلاء الحد الأخير للبحث عن ناجين، لكن الواقع كان مختلفاً، مع تسجيل حالات إنقاذ لسكان قضوا أكثر من مائة ساعة تحت الأنقاض، وآخرها امرأة انتشلت بالأمس من أحد المباني المدمرة في أنطاكيا.
يرفع أحد عمال الإنقاذ يديه مشكلاً حرف «إكس» بالإنجليزية كدعوة لجميع الحاضرين لالتزام الصمت. تُطفأ مولدات الكهرباء وآلات الحفر الثقيلة، تقطع طريق السيارات القريبة، ويدعو الجنود الجميع إلى الوقوف في أماكنهم صامتين، حتى بالكاد يتنفس الحضور بعد الاشتباه بوجود أحياء تحت الأنقاض. «هل من يسمعني؟» يصرخ أحد المنقذين، ويشاركه أحياناً كل من معه لإيصال الصوت إلى أي محاصر محتمل. يسود بعده صمت ثقيل بانتظار أن يشير حامل الميكروفون السلكي الذي يمده أعمق ما يكون في فتحات البناء، إلى صوت ما سمعه يكون بمثابة جرعة أمل.
يومئ المنقذ بأنه سمع شيئاً، يهتف الجميع ويبدأون بالحفر بأيديهم للوصل إلى المحاصر تحت الركام. يمكّن الحفر المنقذين من رؤية يد المحاصر، يدعو قائدهم الجميع للصمت مجدداً، ويصرخ له أحد المشاركين بالعربية: «إن كنت تسمعني حرّك يدك لنأتي إليك»، يكررها أكثر من مرة، لكن اليد لا تهتز.
يستسلم المنقذ لفكرة وفاة الضحية، وتصعد آهات حزينة من الحضور لثوان، تعقبها حركة الحفر من جديد. هذه المرة كان الأمل مفقوداً، وانتهت العملية بسحب جثة المحاصر لينقلها العمال من بين الحاضرين بقطعة من القماش تستر بعضاً من الضحية، لكنها تفصح عن هول ما أصابه.
في أماكن أخرى، يقول أحد المنقذين إن آهات الفرح خرجت بالفعل، مع إخراج سيدة أربعينية من الحفرة شبه حية.
يقول إنها كانت تستجيب ببطء، لكنها على قيد الحياة، فيهرع بها المسعفون إلى مستشفى ميداني، ثم إلى سيارة إسعاف أخرى تنقلها باتجاه مستشفى في إحدى المدن القريبة.
وفي مدخل أنطاكيا الجنوبي، يقف مسن تركي محاولاً الاقتراب من مبنى منهار يعمل عليه عدد كبير من المنقذين، لكن أحد رجال الأمن يحول دون اقترابه إلى ما خلف خط الإنذار الأصفر.
نسأله عما يفعله هنا، فيقول والدمع في عينه: «أخي الأكبر موجود هنا ولا يسمحون لي بالاقتراب».
تتدخل شقيقته لتؤكد أنها سمعت أنه على قيد الحياة، لكن الأمل يتضاءل مع مرور الساعات. يعود أحد رجال الإنقاذ، لكنه لم يحمل معه أي بشرى أو أخبار تثلج قلوب المنتظرين، أو على الأقل تعطيهم إجابة شافية.. لا إجابة، فيستمر الحزن والقلق.
في الجانب الآخر من الشارع، يلفتك صوت قط يصدر من قفص للعصافير. القط بحالة جيدة، لكنه مغطى بالغبار، يجلس إلى جانبه عسكري تُرك في حال من التعب والإعياء.
يقول الجندي إن القط له، وإنه أتى للبحث عنه فوجده بعد أن غادر أهله منزلهم ونجوا من الزلزال، تاركين خلفهم قط العائلة المحبب. عاد الجندي لإنقاذه فوجده، لكن تركه جانباً للمشاركة في عمليات الإنقاذ في المبنى الذي يقيم فيه، علّه يجد بعضاً من ذكرياته أو أحد جيرانه المفقودين.
في شرق المدينة يتكرر المشهد نفسه. فريق إنقاذ من جنوب أفريقيا يحاول جاهداً أن يلتقط إشارة حياة من تحت أنقاض مبنى كبير مدمر بالكامل.
يرفض أحد المنقذين الحديث عن أمل بوجود أحياء أم لا كونه «غير مخول له بالتصريح»، لكن مواطناً تركياً يقف إلى جانب المبنى يقول إن ثمة أحداً في الداخل، لكنهم لا يعرفون أين هو بالتحديد، ويخشون أن تؤذيه عملية الإنقاذ.


مقالات ذات صلة

زلزال عنيف يضرب منطقة الهيمالايا... ويخلِّف 95 قتيلاً (صور)

آسيا تجمع النيباليون خارج منازلهم بعد زلزال بقوة 7.1 درجة ضرب كاتماندو (د.ب.أ) play-circle 00:42

زلزال عنيف يضرب منطقة الهيمالايا... ويخلِّف 95 قتيلاً (صور)

أعلنت السلطات المحلية أنّ 95 شخصاً على الأقل لقوا مصرعهم، بينما أصيب 130 من جرّاء زلزال ضرب اليوم (الثلاثاء) منطقة نائية في جبال الهيمالايا بإقليم التبت.

«الشرق الأوسط» (بكين)
شؤون إقليمية الزلزال الذي ضرب إيران بلغ 5.5 درجة (رويترز)

زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب جنوب إيران

ذكر مركز أبحاث العلوم الجيولوجية الألمانية (جي إف زد) أن زلزالاً بقوة 5.5 درجة ضرب جنوب إيران اليوم (الاثنين).

«الشرق الأوسط» (برلين)
أفريقيا العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (أرشيفية - د.ب.أ)

زلزال بقوة 5.8 درجة يهز إثيوبيا

أفادت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية والمركز الألماني لأبحاث علوم الأرض، بأن زلزالاً بلغت شدته 5.8 درجة ضرب إثيوبيا اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
آسيا زلزال بقوة 5.6 درجة يهز جزيرة لوزون بالفلبين

زلزال بقوة 5.6 درجة يهز جزيرة لوزون بالفلبين

قال مركز أبحاث العلوم الجيولوجية الألماني (جي.إف.زد)، إن زلزالاً بقوة 5.6 درجة هز جزيرة لوزون الفلبينية اليوم الاثنين.

«الشرق الأوسط» (مانيلا)
آسيا نساء ينثرن الورد في خليج البنغال بادرةَ احترامٍ لضحايا «تسونامي» المحيط الهندي عام 2004 في الذكرى الـ20 للكارثة على شاطئ باتيناباكام في تشيناي - الهند 26 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 00:39

إحياء ذكرى 230 ألف شخص قضوا في «تسونامي» المحيط الهندي منذ 20 عاماً

في الذكرى العشرين لـ«تسونامي» المحيط الهندي الذي خلّف نحو 230 ألف قتيل توافد ناجون وأسر ضحايا على مقابر جماعية وأضاءوا الشموع وتبادلوا التعازي.

«الشرق الأوسط» (جاكارتا)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟